أخذ الشاب في الكنيسة يربّت بلطفٍ على رأس مينوو الصغير.
“حقاً؟ أمكَ لن تأتي في رأس السنة؟ آه، يبدو أن أمكَ مشغولةٌ بالعمل. ليس لأنها لا تريد المجيء لأجلكَ. الكبار يكونون أكثر انشغالاً في أواخر السنة أصلاً.”
“لكن أمي، اهيء، أخذتني إلى بيت الجدة، اهيء، وإذا كانت قد، قد تخلت عني..…”
وعندما نطق أخيراً بما كان يخشاه طيلة الوقت، انفجر في بكاءٍ مرير وهو يجهش بالبكاء.
فأُربك الشاب وأخذ يواسي الطفل بكل جهده.
“ليس كذلك! آه، لماذا تقول شيئاً كهذا! توقف، توقف. أنت ولدٌ كبير، أليس كذلك؟ الكبار يعرفون أمور الكبار. جرّب فقط أن تقول أنكَ مريض، وسترى، ستأتي أمك مسرعةً في نفس اليوم!”
“حقاً؟”
“بالطبع! طبعاً! اسمع، لا بأس إن لم تكن تعرف القراءة. فأنت عبقريٌ في الرياضيات، وهذا يكفي.”
“لكن مع ذلك..…”
“هممم، حسناً! إذاً لنحفظ أنا وأنت اليوم شيئاً واحداً فقط. انظر جيداً.”
كتب الشاب بخط عريض على أرضية الكنيسة.
زيك، زييك-
امتزجت رائحة الحبر المميزة للقلم مع رائحة الغبار الساكن في الكنيسة المغلقة، لتنطبع في ذاكرة الطفل.
جلس مينوو أرضاً تماماً، وأخذ يحدق في الحروف مستنشقا رائحة الحبر عن قرب.
ربما بسبب الشاب في الكنيسة، لم يكره الحروف المكتوبة بهذا القلم كما كان يفعل عادة.
“أمي.”
تابع الشاب كلامه.
“هذه ‘أمي’. اليوم نحفظ ‘أمي’، وغداً نحفظ ‘جدتي’. ما رأيكَ؟ سأعلّمك هاتين الكلمتين جيداً.”
“‘أمي’؟”
“نعم. جرّب أن ترسمها ببطء. لا بأس إن أخطأت، فقط حاول ترسمها بشكلٍ مشابه.”
كان الشاب يقول دائماً “ارسم”، وليس “اكتب”.
بدأ مينوو يرسم بالقلم بتردد، كما لو كان ينسخ صورة.
كانت الأحرف لها ترتيبٌ محدد في الكتابة، وإذا أخطأ الطفل فيه كان يُعنف، لكن الشاب لم يقل شيئاً حتى بعدما رسم دائرة “ㅇ” قبل أن يرسم “ㅁ”.
على أي حال، نجح في كتابتها بشكل مقارب.
فوراً عبث الشاب بشعر مينوو بفرح.
“أحسنتَ! هكذا تماماً. عندما ترى أمكَ لاحقاً، ارسم لها هذه الكلمة أمامها، اتفقنا؟”
شعر الطفل بنبضٍ في قلبه وفرحٍ غامر عند سماع ذلك.
اقترب الشاب من مينوو أكثر، مجرّاً ساقيه المضرجتين بالدم وهو يئن أنيناً خافتاً.
“أنت ذكي، لذلك لا تحتاج لحفظ الأبجدية أو آ يا أو يو، بل احفظ الكلمات ككل.”
“أحفظها؟”
“نعم. لا تقرأها، بل احفظ شكلها كما كتبت الآن ‘أمي’. لا تهتم لترتيب الحروف ولا كيفية الكتابة.”
“لكن جدتي والمعلمة..…”
“فقط افعل كما أقول.”
“حاضر.”
“ولماذا يجب أن تكتب وتقرأ كل شيء؟ عندما تحتاج، يمكنكَ ببساطة تسجيل صوتكَ كوثيقة، وتسمعها بصوت أيضاً. لا بأس في ذلك.”
كان الشاب يقول دائماً أن كل شيءٍ سيكون على ما يرام.
أما الحروف وما شابهها، فلو تعلمها الطفل واحدةً تلو الأخرى بهدوء، فبحلول سن الرشد سيكون قادراً على القراءة والكتابة بقدر ما يحتاج.
“مفهوم؟ غداً سأعلمكَ كلمة ‘جدتي’.”
“نعم!”
“هيا، وعدٌ بيني وبينكَ! من اليوم، سنرسم حرفاً واحداً في اليوم. ويومي السبت والأحد نأخذ استراحةً من لعبة الحروف.”
“هاهاها!”
وبعد أن طبع بصمته الصغيرة بيده شعر بسعادةٍ غامرة.
وعندما ضحك مينوو ضحكةً عالية، بدأ الشاب يمازحه،
“انظروا لهذا الولد، يبكي ثم يضحك! سيطلع لك شعرٌ أبيض إن فعلت ذلك. ما اسمكَ أنت..…؟”
“مينووو! جونغ مينوو!”
“صحيح، مينوو. مينوو. كان اسمكَ مينوو.”
ابتسم الشاب ابتسامةً هادئة وأسند ظهره إلى المقعد الطويل بتعب ظاهر.
“هاه! حتى أنا أشتاق إلى أمي. كانت تضع المحار دائماً في حساء رأس السنة…..كان لذيذاً جداً…..والآن أفتقد طعمه بجنون.”
“عليكَ أن تذهب للبيت لنأكل حساء رأس السنة!”
“نعم، لا بد أن أعود. عندما تتحسن ساقي…..عليّ أن أنهض وأعود. عندما أعود إلى البيت…ططهل ستعدّ لي أمي حساء رأس السنة كما كانت تفعل سابقاً؟”
“هم؟”
“لا، ربما……ربما لا.”
تمتم الشاب بسخرية من نفسه.
“في الحقيقة، لم أتحدث مع والديّ منذ وقتٍ طويل. لم أستطع الحصول على عمل، وكل ما فعلته هو التهام الطعام. كنت عالة…..نفاية عديمة الفائدة. بعد أن تجاوزت الثلاثين، لم نعد حتى نتبادل النظرات.”
“حتى أنتَ؟”
“نعم، حتى أنا. شعرت بالاختناق كأن صدري سينفجر، فتركت المنزل قبل سنة. تنقلت من مكانٍ لآخر، حتى انتهى بي المطاف في مزرعة كلاب.”
“حتى الكلاب لها مزارع؟ مثل الخنازير؟”
“بالطبع، طبعاً! هل كنتَ تعرف ذلك؟”
“المزرعة! أنا أعرف المزرعة!”
“لا، ليس المزرعة، بل الكلاب نفسها. الكلاب التي تُربّى من أجل لحمها. أنا أطلقت سراح كل تلك الكلاب المسكينة، لأجعلها تهرب.”
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب من بيلادونا، التي كانت تجلس ساكنة على السرير. وأمسك ذقنها بلمسةٍ خشنةٍ ورفع رأسها للأعلى. “كيف أجعلك تتحدّثين؟” “….” نظر إلى عينيها المرتجفتين، ركل لسانه وأرخى قبضته على ذقنها واستدار....مواصلة القراءة →
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب...
التعليقات لهذا الفصل " 16"