تخاذلت ساقا الجدّ للحظة، وكاد أن يترنّح قبل أن يمسك بيد جوون بقوة.
اتسعت عيناه المذهولتان، وسرعان ما غمرتهما دموعٌ ساخنة تلمع في الأطراف.
“يا إلهي….لم أظن أنني سأراكَ مجددًا…..أنا جدّكَ من جهة الأم، ألا تتذكرني؟ كنتَ تعيش معي حتى بلغتَ السابعة…..ألا تذكر؟”
“…….”
“جوون الصغير…..كيف حدث هذا؟ ما زلت أتعرف عليكَ من أول نظرة. هذه الهالة، وهذه العينان…..تمامًا كما كنتَ في طفولتكَ.”
تقطّع صوت الشيخ المرتجف تحت وطأة المشاعر، وارتعشت شفتاه فيما راحت الدموع تنهمر دون توقف.
أما سيان و جوون، فقد تصلّبت ملامحهما كالصخر.
لم يكن في الحسبان أن يلتقي بجدّه فجأة…..والأدهى أن يجده برفقة “الأفعى السوداء” تشوي دال سو!
حين رمقها جوون بنظراتٍ باردة كالثلج، رفعت تشوي دال سو طرف شفتيها بابتسامةٍ رشيقة.
وقد فهم فورًا ما تعنيه تلك الابتسامة، فهذا بالضبط هو الموقف الذي كانت الرئيسه تخشاه أكثر من أي شيء آخر.
“لحسن الحظ، نحن الثلاثة بلا عائلة. لا نحتاج إلا لحماية أنفسنا. لكن عملاء أوتيس الآخرين…..ليسوا كذلك.”
كانت قد نسيت تمامًا، إذ لم يكن في بالها أن لتاي جوون عائلةٌ أيضًا.
رغم أنه افترق عنه منذ زمن بعيد، إلا أنه كان لا يزال يملك أحدًا يجب عليه حمايته — جده الوحيد، آخر من تبقّى له من الدم والقرابة، والذي أصبح الآن، بشكلٍ أو بآخر، “رهينة”.
ولم يكن غريبًا إذًا أن تظهر تشوي دال سو فجأة…..لم يكن حضورها صدفة، بل تهديدًا صريحًا: “في المرة القادمة، قد تموتعائلاتكم.”
كان الجد يبكي وهو يمرر يده المرتجفة على ذراع حفيده.
“كيف أمكنكَ…..ألا تتصل بي ولو مرةً واحدة يا هذا؟”
فتحدّثت تشوي دال سو بنغمة ناعمة،
“يبدو أنه لقاءٌ بعد زمن طويل، أليس كذلك يا بروفيسور؟”
صوتها عن قرب كان يثير القشعريرة. كان أشبه بصوت ممثلة قديمة من أفلام الماضي، ناعمًا، مصقولًا، ومخيفًا في آنٍ واحد.
مسح الجد دموعه بكفّيه المجعّدتين قبل أن يجيب،
“نعم…..إنه حفيدي. الطفل الذي فقدته منذ واحدٍ وعشرين عامًا.”
ورغم كل ما حوله، ظلّ متمسكًا بيد جوون كأنما يخشى أن يفلت منه مجددًا.
“يا إلهي، لا بد أنكَ عانيت كثيرًا.”
“لقد اختفى فجأة، وبحثت عنه طويلًا…..طويلًا جدًا. جُبت البلاد بطولها وعرضها أفتّش عنه….لكن أنا..…”
تنفّس الجد بمرارة، وكتم نشيجه بصعوبة، ثم تابع بعينين محمرتين،
“ظننت أنني لن أراكَ مجددًا يا جوون…..ظننت أنني سأموت دون أن أجدكَ، وأنا في هذه السن…..لكنكَ الآن أمامي، وقد كبرتَ بهذا الشكل…..كأنني أحلم وأنا واقف.”
“في هذه الحالة، من الأفضل أن تقضِ الوقت اليوم في الحديث واستعادة الذكريات مع حفيدكَ. سأغادر أولاً. أما عن عرضي، فيمكنكَ التفكير فيه أكثر قليلًا، ولا بأس إن أجّلتَ الإجابة.”
“من الأفضل أن تستمتعوا اليوم بفرحة لقاء العائلة. سيصبح الجو حزينًا إن ساءت الأمور، أليس كذلك؟”
كانت نبرتها لطيفة، لكن التهديد في كلماتها كان واضحًا كالشمس.
فاشتعلت نيران الغضب في عيني جوون، و بادلته تشوي دال سو نظرةً مباشرة، بينما ما تزال الابتسامة ترتسم على شفتيها.
وفي وهج الغروب الدموي، بدت تشوي دال سو كأفعى سامة في هيئة إنسان.
ثم تحدّثت برشاقة وأناقة،
“إذاً، إلى اللقاء.”
***
أصدرت سيان فورًا أمرًا إلى لينكون بتعقب تشوي دال سو. فأفاد لينكون، الذي كان يراقب المنطقة من بعد، بمواقع أربعة قناصين بدقة، ثم انطلق بخفة نحو هدفه.
و جوونبدوره أمر الكوابيس بملاحقتها، وبدأت العميلة “G” بمتابعة تحركات تشوي دال سو في الزمن الفعلي.
وبمجرد مغادرة تشوي دال سو، اختفت نقاط الليزر عن جسد الجد، لكن الخطر ظل قائمًا — كان يمكن أن يُستهدف في أي لحظة. لذا وجب نقل الجد بسرعة إلى مكانٍ آمن.
كانت وحدة الحماية التي أرسلتها الرئيسة قد وصلت بالفعل، فأشارت سيان إليه بالصعود إلى المركبة. و جلس الجد في المقعد الخلفي، ممسكًا بيد جوون بإحكام دون أن يفلِتها.
“يا لها من مشاعر غريبة…..لطالما دعوت أن أراكَ مجددًا ولو صدفة، لكني لم أصدق يومًا أن حلمي سيتحقق حقًا.”
جوون ظل صامتًا، بلا أي تعبير على وجهه، وكأنه أمام غريبٍ يلتقيه للمرة الأولى. لكن الجد، وكأنه وجد في بروده نوعًا من الألفة، ابتسم بخفة وأطلق دعابةً صغيرة.
“كنت أعلم أنكَ ستصبح وسيماً، لكن يا للعجب. مظهركَ في الحقيقة يختلف كثيراً عما تخيلت. لم أتوقع أن يصبح جسدكَ بهذا الحجم…..كنت أظن أنكَ ستصبح وسيماً رشيقاً مثل نجم آيدول، وهذا أمرٌ مخيبٌ قليلاً.”
حين كان صغيراً كان جوون طفلاً ذا عيون جميلة وملامح فريدة الجمال.
سيان لم تلتقِ من قبل بجد جوون لأمه، لكن حين دخلت في لاوعي جوون في مايو بسبب مشكلة روح الألف قدم، كان طبعه مطابقاً لما رأته هناك.
عالِمٌ يهوى المزاح في كل الظروف، طوله يقارب 176 سم ووزنه بدا 67 أو 68 كغ، وجسده يدل على عناية فائقة بنفسه.
كان يرتدي بدلةً رمادية خريفية مع بنطال أبيض أنيق، وجوارب قصيرة مع حذاءٍ بني، فكان مظهره في غاية الأناقة.
لكن مقارنةً بما رأته في لاوعي جوون، بدا وقد شاخ كثيراً. فقد مرّت السنوات…..
آنذاك كان في الستينات، أما الآن فلا بد أنه في أواخر الثمانينات.
كان شيخاً ممتلئ التجاعيد، شعره أبيضٌ منتشر، لكن بريق عينيه لم يتغير قط. فما زالت تلك النظرة الصابرة والطيبة كما هي. ويبدو أن هذا هو ما جعل مشاعر جوون تتقلب على نحوٍ غامض.
ربما لم يلحظ الآخرون، لكن هي وحدها استطاعت أن تدرك أن قلبه يهتز. فاليد التي كان سيُبعدها عادةً، ظلت متمسكةً بجدّه لأمه.
وبنبرة دهشة تابع الجد يتأمل حفيده وقد بدا أكثر هدوءاً من قبل،
“يبدو أن بنيتكَ…..أشبه بأباكَ على ما أظن. قيل أنه كان رجلاً ذا قامة طويلة جداً.”
وما إن سمع جوون وسيان تلك الكلمات حتى تغيرت ملامحهما معاً.
“هل أنت تعرف أبي؟”
“هممم..…”
أصدر الجد صوتاً خافتاً وقد بدا عليه قليلٌ من الانزعاج.
“هذا ليس حديثاً يقال في السيارة. فلننتقل أولاً إلى مكان آخر. وأيضاً أود أن أسمع كيف عشتَ إلى الآن..…”
“لا. أولاً أخبرني عن أبي.”
قاطعه جوون بصرامة، غير أن الجد ربت على ظهر يده مهدئاً.
“هناك أمورٌ لم أستطع إخباركَ بها لصغر سنكَ آنذاك، وهناك أيضاً أشياء احتفظت بها خصيصاً لأريكَ إياها حين تبلغ.”
“….…”
“وتلك الأمور مرتبطةٌ بأبيكَ. لذا فلنذهب إلى البيت.”
ابتسم الجد ابتسامةً رقيقة ثم تابع،
“ما زلتُ أعيش في ذلك البيت القديم حتى الآن، كي تتمكن من العودة في أي وقتٍ تشاء.”
***
وأثناء انتقالهم إلى بيت الجد، فتحت الرئيسة الميكروفون في السيارة بحيث يمكنها الاستماع إلى الحديث كاملاً.
ناولت سيان زجاجة ماء للجد، فابتسم وتلقاها،
“شكراً لكِ. و عذراً، لكن ما اسمكِ..…؟”
“سيان، لي سيان.”
“تشرفت بمعرفتكِ يا لي سيان. أنا تاي سوجون، جد جوون لأمه.”
من النادر أن يتحدث شيخٌ في السادسة والثمانين بلفظ الاحترام مع شابةٍ في العشرينات يلتقيها لأول مرة…..لكنه كان رجلاً ناعماً وذكياً بقدر ما يوحي به انطباعه.
أستاذٌ وديّ، بالضبط كذلك الشعور.
فقاطعه جوون فجأة وبدأ بالأسئلة،
“كيف تعرف تلك المرأة التي رأيناها قبل قليل؟”
كانت نبرته أشبه باستجواب، ولم يسأل حتى عن حاله أو يبدِ أي تحية. ومع ذلك، ابتسم الجد كأن الأمر مألوفٌ وسارٌ له، كأنه يقول: حفيدي ما زال كما هو.
بل إن في ابتسامته البشوشة بدا شعورٌ بالاطمئنان والحنين.
“لقد عرضت عليّ عملاً.”
“أي عمل؟”
“منصب مدير متحف الثقافة والتاريخ القديم. وكنا قد التقينا اليوم لأعطيها جوابي بشأن ذلك العرض.”
ارتعش كلٌ من سيان و جوون وتصلبت نظراتهما.
فتحدّث الجد وهو يبدو راضياً،
“إنه متحفٌ في جينان بمقاطعة تشونبوك…..وحين زرته بنفسي وجدته صغيراً لكنه رائع. مقتنياته غنية وحالته الإدارية ممتازة.”
“….…”
“كنت سأرفض بسبب سني، لكن بدأت أميل إلى أن أجرب.”
“منذ متى تعرفت على تلك المرأة؟”
“في أغسطس. لست أدري إن كنت تذكر…..حين كان البلد كله يضجّ بقضية الطائفة الدينية. في ذلك الوقت ضجّت الأخبار بفيديو انتحار زعيم طائفة دينية كاذبة تُسمى ’حصاد حبوب البحر‘.”
“….…”
“كنتُ منهمكاً بقراءة بعض الأبحاث حين تلقيت فجأة اتصالاً. وسألني الصوت إن كنت أنا البروفيسور تاي سوجون من قسم الأنثروبولوجيا الثقافية في جامعة A. فأجبت بنعم، و أخبرتني أن هناك متحفاً ظل مغلقاً طويلاً لعدم وجود مديرٍ مناسب، وأنها ترغب بشدة أن أتولى ذلك المنصب.”
ثم التفت الجد متسائلاً باستغراب،
“ولكن لماذا؟ هل تعرف تلك السيدة التي رأيناها؟”
“أعرفها جيداً. علاقتنا هي أن نتشاجر كمن يكاد يُجنّ رغبةً في أن يُمسك بالآخر.”
أجاب جوون بنبرة ساخرة، لكن الحدة الموحية في صوته كانت مخيفة. فتنفست سيان ببطء، بالكاد يُسمع صوتها.
حين كانا سيان و جوون منشغلَين في معالجة قضية الرئيس السابق كانغ وان غيو في جزيرة جيجو، ذهاباً وإياباً إلى بيت عمة مين كي شيك، كانت الأفاعي في الوقت ذاته تقتل وان غيو وتقضي على مين كي شيك، بينما مدّت أذرعها خفيةً حتى وصلت إلى جد جوون نفسه.
ولو كان لسيان و جوون أو الرئيسة عائلاتٍ أخرى، لربما قُتل بعضهم بالفعل.
نظر الجد إلى وجهيهما المتيبسين بقلق، ثم أطلق ضحكةً عالية.
“نعم، هذا هو حفيدي بحق. لهجتكَ الحادة والمتجهمة كما كانت تماماً في الماضي. لم يكبر فيكَ سوى الجسد يا فتى.”
كانت مزحةً أراد بها أن يخفف الجو عمداً. فقد قرر أن تبقى الأحاديث الجادة إلى حين وصولهم إلى البيت.
فابتسمت سيان بخفة.
أما جوون، فقد كان يُظهر في لاوعيه تعلقاً خاصاً بجدّه، والآن بعد أن التقاه وجهاً لوجه، صار السبب واضحاً جلياً.
كان الأستاذ تاي سوجون، جدّ جوون، من أولئك الذين يستطيعون أن يوزعوا ابتسامةً طبيعية ودافئة حتى في أشد اللحظات خطورةً واضطراباً.
***
“الحي كله تغير تماماً، لكن بيتنا وحده ظل على حاله تقريباً.”
وكان كلام الجد صحيحاً.
نظر جوون عبر عتمة المساء التي أضاءتها مصابيح الشارع إلى ذلك البيت الغربي ذي الطابقين. هذا المنزل الذي تركه قبل واحدٍ وعشرين عاماً بدا مدهشاً وهو ما يزال كما في ذاكرته.
وما إن وقعت عيناه على جرس الباب المعدني الذي كان يضغطه واقفاً على أطراف أصابعه صغيراً، حتى غدت ذكريات الماضي البعيد واقعاً أمامه.
اقترب الجد من ذلك الباب الأزرق الحديدي الذي يحمل عبق الذكرى، ودفعه ليفتحه على مصراعيه.
“أهلاً بعودتكَ يا جوون.”
_______________________
ياعمري الجد بكى 😭 وماسك يد جوون طول الوقت وجوون مافكه😔🤏🏻 دمعتتتتت
دال سو الحماره من متى وهي تخطط تقرب من جد جوون وجع خلي الشايب في حاله ياحمااره بس الصدق واو سوت شي محد توقعه
وسيان ودي تقرب من الحد يعني عائلة زوجها وكذا هههاااااعاعااهتها وناسه
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات