الساعة الرابعة والنصف فجرًا. كان القمر الهلالي يميل خارج نافذة السيارة.
سيان الجالسة في المقعد الأمامي لم تتفوه بكلمة، و جوون على مقعد السائق أغلق فمه بإحكام.
كلٌ منهما كان بهدوءٍ يرتّب في ذهنه ما سمعه من الكاهن حول طقس جلجامش لإعادة الأموات.
كانت الطقوس تحتاج إلى شخص واحد كقربان مستوفٍ شرطين: وهو “توأمٌ جنيني أنجب توأمًا جنينيًا” و”بنفس عمر الشخص المتوفى”.
حتى لو لم تتسرّب هذه السرية خارج الفاتيكان…..إلا أن مجرد إيقاظ جثة لفترة قصيرة يثبت أن الأفاعي السوداء كانت تجري تجارب متكررة، مستمرة، وكانت بالفعل على وشك اكتشاف هذا السر.
“ثمان وعشرون.”
كسر جوون الصمت فجأة وهمس.
“ماذا؟”
سألت سيان بدهشة، فأشار جوون بعينيه وكأنه يتحدث لنفسه فقط.
“لا شيء. نامي قليلاً. سأوقظكِ عند الوصول.”
نظرت هي إلى جانبه، ثم حولت بصرها إلى القمر الهلالي خارج النافذة.
ثمان وعشرون. كان عمر جوون.
لماذا خطر على باله فجأة أن يفكر في عمره؟
ثمان وعشرون، ثمان وعشرون…..
بعد أن تمعّنت قليلًا في “ثمان وعشرون”، ارتعشت حين مرّ في ذهنها أن عمر زوج الرئيسة كان ثمانية وعشرون عامًا عند وفاته.
***
في الساعة الرابعة وأربعون دقيقة فجرًا.
بعد الاستحمام، أعدّت الرئيسة كوب كونياك مع روائح طيبة، ووضعت فوقه صفار بيضةٍ طازجة.
ثم تحرك صوتها عبر القاعة، التي كانت فارغةً كمعرض بلا أثاث، وصوت الكرسي المتحرك الكهربائي يتردد في المكان.
زجيـن زجيـن-
ثم ومضت شاشة الهاتف المحمول على طاولة العمل يومض، وعند التحقق كانت رسالةً من سيان.
<~: هناك أمرٌ مهم جدًا يجب أن أخبركِ به، لذا أرجو أن تخصصي ساعتين هذا الصباح إذا أمكن.>
ساعتان مدة طويلة نسبيًا…..
ومن الواضح أن الأمر مهم لدرجة أنه لا يمكن توصيله عبر الهاتف، بل يتطلب لقاءً مباشرًا.
بعد الرد بـ “حسنًا”، أرسلت رسالةً للسكرتير لتعديل الجدول اليومي.
وبينما كانت تتصفح جدول المواعيد، رأت شهور أكتوبر ونوفمبر وديسمبر؛ و لم يتبقَ سوى ثلاثة أشهر من هذا العام.
توقف نظرها عند السادس والعشرين من ديسمبر. فقد كان السادس والعشرون من ديسمبر هو ذكرى وفاة زوجها.
على مدار 36 عامًا، كان الرئيس السابق كانغ وان غيو يعتني بذكرى وفاة زوجها، لكن منذ هذا العام، لم يعد هناك من يرسل لها الكونياك والعطر في يوم رحيله.
تذكرت الرئيسة وجه كانغ وان غيو الشاحب آخر مرة في جزيرة جيجو، ثم تجاوزت بجدول المواعيد إلى أكتوبر بلا تعبير على وجهه.
***
“موروكتا..…”
فتحت الرئيسة فمها بنبرة ثقيلة بعد أن سمعت سرّ اللوحة السوداء.
“موروكتا. بما أن الأفاعي لا يمكن أن تعرف ذلك الاسم القديم، حتى لو جربوا ألف مرةٍ وعشرة آلاف مرة، فلن يستطيعوا إعادة الجثة بشكل كامل.”
“صحيح. كان حظًا عظيمًا ألا تصل جزئية اللوحة السوداء إلى الأفاعي.”
من البداية، كان سيكون أفضل لو أن الست لوحات المرعبة كلها ختمت في الفاتيكان أو دُمرت بالكامل واختفت.
“الرجل الكوري الذي ذهب إلى الفاتيكان قبل 35 عامًا طالبًا رؤية اللوحة السوداء…..يبدو أنه الأفعى السوداء الأخرى. إذا سألنا الفاتيكان، أليس بالإمكان التحقق من هويته؟”
وافقت الرئيسة على طلب سيان على الفور.
“سأتولى هذا فور انتهاء الاجتماع.”
“بشأن ما فعلناه من التصرف دون إذن ومبادلتنا المعلومات السرية مع الأب الكاهن المختص بطرد الأرواح….”
“لا، لقد أحسنتم التصرف حينها بسرعة ومن دون مماطلة. الأهم أن الفاتيكان يعرف عن أفعى جلجامش…..إذا استدعى الأمر فقد نتمكن حتى من التعاون مع الفاتيكان.”
“ما يعرفه الفاتيكان يقتصر على وجود اللوح الأسود، ولم يكونوا يعلمون أن هناك من يجري حقاً طقوس الخلود. وحتى لو علموا..…”
“لن يتحالفوا مع أوتيس لمحاربة الأفعى. ومع ذلك، الأمور تجري على نحو جيد.”
الجميع كان بحالة جيدة، وخطة خطف تشوي دال سو وُضعت بدقة محكمة. فقد خضعت لعدد لا يحصى من المراجعات والتدقيقات حتى لم تُترك فيها ثغرةٌ واحدة.
لم يتبقَّ سوى أن تحضر تشوي دال سو فعالية ليلة رجال الأعمال الآسيويين يوم السبت 13 أكتوبر.
ألقت الرئيسة نظرةً جانبية نحو جوون.
“لماذا أنت صامتٌ اليوم هكذا؟”
“ألتزم الصمت من تلقاء نفسي. فقد أفشيت أسرار المنظمة شديدة الخطورة للخارج.”
ومع ذلك كان ثمة جو مختلف عن المعتاد…..كفارق طفيف في الهواء يمكن الإحساس به.
عادة حين تقدّم سيان الإيجاز، تطرح الرئيسة الأسئلة، و جوون يتدخل من حين لآخر فيصيب النقاط الجوهرية أو يقدّم فكرةً لامعة، أما اليوم، وبرغم أن الاجتماع مهم، فقد غاب ذلك كله.
لمحت عينا سيان فجأة خاتم الزواج اللامع في إصبع الرئيسة.
فالأشياء تكشف أحياناً عن مشاعر صاحبها وحالته النفسية. من طريقة وضع كوب ماء أو رمي ورقة يمكن أن تعرف كم يقدّر خصمه أو يهمله، هل يحبه أم يكرهه.
أما خاتم الرئيسة فهو…..خاتم زواجها من زوجها الذي رحل قبل 36 عاماً، لكنه كان يلمع نظيفاً كالجديد بفضل اعتنائها البالغ به.
لم تضيّعه يوماً، ولم تسمح حتى بذرة غبار أن تعلق به.
“سيدتي، هل ترغب بكوب قهوة آخر؟ وأنت يا جوون..…”
وأثناء التفات سيان لتسأل، اكتشفت أن جوون هو الآخر كان ينظر إلى خاتم الرئيسة. و عندما شعر بنظرتها، ابتسم بخفة، ثم نهض متظاهراً بالبساطة.
“أنا سأذهب لإحضاره، اجلسي أنتِ يا آنسة سيان.”
***
ما إن انتهى الاجتماع حتى غادر جوون إلى غوانغهوامون بحجة التأكد من تجهيزات فعالية ليلة رجال الأعمال الآسيويين، وبقيت سيان وحدها في قاعة الاجتماع.
وإذ رأتها الرئيسة لم تبرح مكانها على غير العادة، دفعت نحوها طبق ماكارون وكأنها تقول: “هيا، قولي ما لديكِ وأنتِ تتناولين هذا.”
“لماذا؟ هل أغاظكِ جوون ثانية؟”
“الأمر ليس كذلك.”
ابتسمت سيان ابتسامةً خفيفة.
كانت الآن وحدها مع الرئيسة، لكنها ترددت في ما ستقول.
تصرفات جوون اليوم أوحت بأنه ولّد لديه سبباً للشك في الرئيسة، غير أن الشك لم يكن قوياً بما يكفي ليصارحها به…..
وإلا لكان بادر واقترح أن يبقى أمر “موروكتا” سراً بينهما فقط.
قال الكاهن،
“من أجل الخلود، لا تحرقوا الجثمان ولا تدفنوها في الأرض.”
لذلك راودتها فكرة أن تقترح: “في الذكرى السنوية لوفاة زوجكِ في 26 ديسمبر، هلّا تسمحين أن نرافقكٍ أنا و جوون معاً لزيارته؟ لنتعرّف على السيد ونلقي التحية على قبره.”
هل تقولها بحذر أم تكتمها…..
فبمجرد التأكد من وجود قبره، أو من أنه أُحرق بعد وفاته، ستتبدّد كل الشكوك بسهولة.
لكنها لم تكن تفكر بالشكوك وحدها. فهي لم تشأ أيضاً أن تترك الرئيسة وحيدةً في 26 ديسمبر.
ففي تلك الذكرى كان الرئيس السابق كانغ وان غيو يرسل لها من جيجو كونياكاً وعطراً، غير أن هذا العام لن تصلها تلك الهدية.
وبغياب رائحة زوجها الحبيب الذي كانت تتلقاها كهدية، فكم سيكون حجم فقده ووحدتها.
ومع ذلك لم يكن يحق لسيان أن تطلب العطر بنفسها، فهو عهدٌ خاص بين كانغ وان غيو والرئيسة، ولا يقدّمه إلا هو.
ولهذا أرادت على الأقل أن تكون بجانبها في ذلك اليوم. كانت تأمل أن تقدم لها هي فيما بعد العزاء الذي كان يمنحها الرئيس السابق، حتى إذا ما جلست الرئيسة يوماً في مأواها الفارغ وحيدةً، خفّ شعورها بالوحدة والحزن حين تتذكرها هي و جوون.
“لماذا؟ لأن ما تريدين قوله صعبٌ البوح به؟”
ارتسمت على عيني الرئيسة نظرة قلق.
لا……الوقت لم يحن بعد.
فالـ”زوج” هو الجرح الأكثر إيلاماً في قلب الرئيسة…..وكان من الممكن أن يربك طلبها عقل القائدة المكلفة بالإشراف على عملية تشوي دال سو.
والآن لا يجب أن يزعزع السطح حتى نسيمٌ صغير.
فابتسمت سيان وهزّت رأسها نافية.
“فقط فكرت أن نتناول نحن الثلاثة وجبةً معاً.”
“آه، هذا جيد. مثلما شوينا اللحم في مايو الماضي؟”
“نعم، تماماً كما في ذلك الوقت.”
كما في ذلك اليوم السعيد.
“بعد أن ننجز العملية يوم السبت 13 أكتوبر بنجاح، سأحدثكِ بالأمر مجدداً في الرابع عشر.”
***
في اليوم السابق ليوم التنفيذ. الجمعة 12 أكتوبر.
كان مقرراً أن تذهب الرئيسة إلى سيول في الغد، بينما كانا سيان و جوون قد انتقلا بالفعل إلى المقر المتنقل المؤقت في سامسونغ دونغ.
منذ الصباح كانت سيان تعيد التدقيق مع قائد العمليات في تفاصيل الخطة خطوةً بخطوة، ولم تستطع العودة إلى غرفتها الخاصة إلا عند السادسة مساءً.
هناك جلست تدلّك عضلاتها المتصلبة قليلاً، ثم فردت من جديد مخطط قاعة الفعالية، والذي كانت قد حفظته عن ظهر قلب، وبدأت تراجعه بهدوء مرة أخرى.
الخطة لم يكن بها أي مشكلة…..لكن شعوراً طفيفاً بالقلق كان يتموّج في صدرها مثل أمواج صغيرة.
فقد كان ما يزعجها أنه لم يتبقَّ سوى ثلاث وعشرين ساعة على فعالية ليلة رجال الأعمال الآسيويين في يوم السبت 13 أكتوبر، ومع ذلك فقد بدأ شرخٌ يتكوّن بين الرئيسة و جوون.
ماذا أفعل؟ هل أفتح مع جوون محادثةً قلباً لقلب حين يعود الليلة، لنعرف ما الذي يعكّره؟
زيززز… زيززز…
اهتز هاتفها فجأة، وإذا بالرسالة من جوون. و كان قد أرسل ثلاث صور…..
“تشوي دال-سو.”
ارتجفت عيناها واتسعت حدقتاها بتشنج.
و مدّت يدها بسرعة لتكبّر الصور. حتى من مجرد ظهرها وسط المارة، استطاعت أن تتعرف عليها.
شَعرها المرفوع بشكل دائري، قوامها الرشيقة الأنيقة، ملابسها الفاخرة. بلا شك، إنها الأفعى السوداء تشوي دال سو.
ثم وصلتها رسالة إضافية من جوون،
<~: إنه يتحرك من المجموعة العالمية للأرض السحرية باتجاه بحيرة سوكشون هو، الجهة الشرقية.”
و على الفور اتصلت سيان بالعميلة “G” وهي تلتقط مسدسها ومفتاح سيارتها قبل أن تندفع خارج المقر المؤقت.
• “تشوي دال سو، تتبعيها حالاً! جامسيل، بحيرة سوكشون هو، الجهة الشرقية، فوراً!”
***
ثماني دقائق فقط استغرقتها سيان لقطع الطريق من مقر سامسونغ دونغ إلى جامسيل.
ركنت السيارة على عجل قرب بحيرة سوكشون هو، ثم اندفعت راكضة، وأطلقت لينكون في الميدان.
فقد كان جوون يتعقّب تشوي دال سو بالفعل، بينما كلفت هي لينكون بتمشيط المنطقة. فتشوي دال سو لن تتجوّل وحيدةً أبداً.
أمرت لينكون بفحص كل الأشخاص المريبين في محيط نصف كيلومتر، فانطلق بسرعة كالعاصفة البيضاء.
“أين تشوي دال سو الآن؟”
• “إنها هادئة. تتجول حول البحيرة بتمهّل، وكأنها تستمتع بالمنظر.”
وفي اللحظة نفسها التي جاءها فيها ردّ العميلة “G”، وصلتها من جوون صورٌ جديدة.
كانت الصورة التي أرسلها جوون تُظهر ظهر تشوي دال سو وهي تتجه نحو المسرح المائي، على بُعد دقيقة واحدة فقط من موقع سيان.
لم يسبق لها أن اقتربت من تشوي دال سو إلى هذا الحد. بل في الحقيقة…..هذه هي المرة الأولى التي تراها فيها وجهاً لوجه.
في حادثة الخزّاف جانغ أون وو التقت بها لحظةً عابرة، لكنهما كانا داخل سيارتين منفصلتين.
زيززز… زيززز…
اهتز الهاتف بين يديها لكنها لم تجب. فقد عقدت العزم ألا تتوقف حتى ترى تشوي دال سو بعينيها.
أسرع…أسرع.
كان الممشى مكتظاً بالعدّائين و الصغار والسياح، مكتظاً إلى حد الفوضى.
ثم أبصرت في المقدمة رأس جوون الشامخ يعلو بين الحشود.
وعندها…..لقد ظهرت.
تشوي دال سو.
أخذت سيان نفساً عميقاً تكبح به أنفاسها المتسارعة، وتقدمت بخطى ثابتة إلى جانب جوون.
كانت تشوي دال سو ترتدي بلوزةً حريرية بنية داكنة مع تنورة سوداء ضيقة.
للوهلة الأولى تبدو شخصاً عادياً بين المارة، لكنها في حقيقتها لم تكن سوى أفعى قاتلة.
دقّ… دقّ…
كان قلبها يضرب بعنف خلف أذنيها.
كانت تشوي دال سو تضع نظارة شمسية كبيرة سوداء العدسات، و تصافح شخصاً ما للتو.
“هل انتظرتَ كثيراً؟ أعتذر عن التأخير.”
“لا بأس، لقد كنتُ في المكتبة هنا في الأمام أبتاع كتابين للتو.”
الشخص الذي كان يتحدث معها رجلٌ مسنّ في منتصف الخمسينيات، يحمل بين يديه كتابين سميكين باللغة الأصلية، بهيئته وقورة.
اندفعت سيان مع جوون نحوهما بخطواتٍ واثقة. بينما كان جوون يحدق في تشوي دال سو بلا رمشة عين.
وما إن اقتربا حتى تلألأت عيون بعض الواقفين وسط الحشود؛ كان حراسها الأوفياء، يراقبون تحركاتهما بصمت صارم كالكلاب الحارسة.
عندها استدارت تشوي دال سو بجسدها قليلاً نحوهم. والرجل المسن الذي كان يحادثها، التفت بدوره ببطء متسائلاً.
‘آه.’
إنه وجهٌ تعرفه سيان.
وبمجرد أن رأت ملامحه عن قرب، اتسعت عيناها بالذهول.
‘هذا الرجل هو…..’
لم تلتقِ به شخصياً من قبل، لكنها رأته في أعماق لاوعي جوون. إنه جدّه من ناحية الأم.
شيخٌ في منتصف الثمانينيات، نظر إلى جوون متردداً، ثم اتسعت عيناه فجأةً بدهشة عظيمة.
“يا إلهي..…”
ثم ترنّح خطوةً إلى الأمام.
“لا….لا يمكن….مستحيل..…”
وبينما كانت شفتاه المرتجفتان تتحركان في إنكار، نطق باسمه بصوتٍ مرتعش لا يصدق،
“حفيدي جوون!”
______________________
بببكييييييي الفصل بدايته أحزان شكوك جوون في الرئيسة ومدري صدق لها يد ولا لا
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات