كانت تلك ستة ألواح سوداء مشؤومة. صُنعت في العصر الحجري الحديث، وكانت تبدو للوهلة الأولى كأثر عادي شائع.
ولذلك تناقلتها الأيدي بلا حساب حتى انتهى الأمر بأربعٍ منها إلى الفاتيكان مصادفة.
حين شرع فريق ترميم الآثار في الفاتيكان بفك رموزها، بدأوا متأخرين بالبحث عن اللوحين المتبقيين.
كانت أشياء لا يجوز أن تُعرض على العالم أبداً، إذ حملت في سوادها الكالح مضامين مشؤومة.
لكنها عوملت بإهمالٍ شديد، فبيعت بثمن بخس لتاجر صيني، ثم انتقلت إلى روسيا، وهناك باعها أحفاد ذلك الروسي لزوجين كوريين زائرين لقاء ثروةٍ ضخمة…..وكان ذلك آخر ما عُرف عنها.
ومنذ 148 عاماً حتى اليوم، لم يُعثر لها على أي أثر.
ثم سألت سيان بعينين حادتين،
“ما الذي كُتب على تلك الألواح السوداء؟”
“هي نصوصٌ تبدو وكأن شيطاناً قرأ ملحمة جلجامش، ثم كتبها من جديد ليخدع البشر..…”
تابع الكاهن بصوتٍ خافت،
“وهمٌ شريرٌ زائف. لكن لو عُرضت على الناس، لألحقت بالمجتمع أضراراً بالغة. لذلك حُبست إلى اليوم في أعماق الفاتيكان. فلو قام أحدٌ بتصديقها واتباعها، لوقعت كوارث مرعبة.”
“….…”
“لقد نلتُ بعد مشقةٍ إذناً خاصاً لقراءة نسخةٍ منها وفك شفرتها.”
“لكنكَ استدعيتنا لأنكَ تثق بنا.”
ردّت سيان بهدوء، فابتسم الكاهن وطرح صفقة.
“إن أخبرتموني أولاً بما اكتشفه أوتيس عن جلجامش والأفعى، فسأجيبكم بمستوى مساوٍ.”
على الطاولة وُضعت أقلامٌ وثلاثون ورقةً بيضاء.
وكانت الصفقة: يكشفون أسرار أوتيس، ويكشف لهم أسرار الفاتيكان بالمثل. ولا شك أن الكاهن قد حصل مسبقاً على إذن من رؤسائه.
وعليه كان يجب أن ينالوا هم أيضاً موافقة الرئيسة.…لكن قبل أن تجيب سيان، أمسك جوون بالقلم، وأخذ يرسم فوراً دوائر الطلاسم المرتبط بجلجامش.
لم يتردد لحظة، بل أبدع المخطط بانسيابٍ مدهش.
و فجأة دفع الكاهن فنجانه بعيداً، وانحنى بجذعه للأمام محدّقاً في الرسم.
“هذه الحروف….كانت على اللوح الأسود…..كلماتٌ استعصى عليً فك رموزها…..فإذا بها صيغةٌ طلسميّة؟!”
أنهى جوون رسمه، ثم أدار الورقة نحوه. ولم تترجم سيان الكلمات داخل الطلسم. فالرسمة وحدها تكفي لتكون ثمناً سرياً ثميناً.
وفوق ذلك، الكاهن قادرٌ مع الوقت على استخراج المعنى بنفسه.
“هاه! مدهش! في أبريل حين التقينا كنتِ تائهةً تبحثين عن أي معلومة، وها أنتِ الآن…..هذا الطلسم الذي خطَطتَه للتو، لو جمع عشراتٌ من أمهر علماء الآثار عمرهم كله، لما بلغوا إلا جزءً يسيراً منه.”
ظلّ الأب يردد إعجابه.
“بمستوى كهذا…..يحق لكم أن تسمعوا مني سراً مساوياً.”
“سرّ الألواح السوداء.”
“نعم. لكن الحديث عنها يتطلب أولاً إعادة تأمل ملحمة جلجامش.”
***
كان جلجامش محارباً عظيماً وملكاً، لكنه إنسان. ومهما بلغ من ثراء ومقام، فالموت قدرٌ لا مهرب منه.
فأورثه ذلك رعباً شديداً وقلقاً وجودياً، فانطلق يبحث عن سر الخلود إلى أقصى أطراف الأرض.
وفي قاربٍ عبر نهر الموت، التقى رجلاً يعرف سر الحياة الأبدية، فقصّ عليه حكاية عشب عجيب.
قال له: أن من يغوص إلى أعماق النهر الأسود ويقتلع تلك الأعشاب، يستعيد شبابه ويحيا طويلاً.
جلجامش غاص بصعوبة بالغة إلى قاع النهر الأسود، وقضى جهده في اقتلاع عشبة الخلود ثم صعد بها إلى سطح الماء.
حمل تلك العشبة الثمينة وقرر العودة إلى قصره. و كان ينوي أن يوزعها على الشيوخ أولاً، ثم يأخذ دوره ليأكلها.
لكن بعد عناءٍ طويل، وبينما كان يستحم ليغسل جسده المتسخ، سرق ثعبانٌ العشبة التي وضعها على شاطئ الماء.
وترك الثعبان في مكانه جلدَه القديم المتهرِّئ.
فغضب جلجامش غضبًا شديدًا وشعر بالهوان.
«هاه عديم اليدين ذاك. ثمرة جهدي سُرقت من قِبَل زاحفٍ من الزواحف. لقد منحَ كل شيءٍ للثعبان.»
لم يبقَ لجلجامش سوى جلد الثعبان فقط.
في النهاية تخلى حلجامش عن الخلود واستسلم للموت. و عاد إلى موطنه وهو فارغ اليدين.
“إذا فكّرنا في هذا الأمر بتمعّن.”
كتب الكاهن على الورقة البيضاء كلمة “لماذا؟”
“المسألة الغريبة هي لماذا لم يأكل جلجامش عشبة الخلود الثمينة التي نالها بصعوبة في الحال.”
“نعم. هذا ما بدا غريبًا.”
شعرت سيان أيضًا بالاستغراب عند قراءتها لمقطع الملحمة ذاك.
ثم رسم الكاهن بقلمه على الورقة زهرةً واحدة.
“وفقًا للألواح السوداء، فالمياه السوداء التي غاص فيها حلجامش هي عالم الأموات بحد ذاته، وشكل العشبة التي اقتلعها كان…..”
تحرك قلمه بسرعة، وأيقظ ذلك القشعريرة في المكان.
فما رسمه الكاهن كان نباتًا يشبه الأوركيد ذي زهرتين متفتحَتين، وأوراق زهرةٍ مكوَّنة من أربعة بتلات. كانت بالضبط على شكل حلقة الأفاعي.
“هل العشبة التي قيل إن جلجامش اقتلعها كانت روحًا؟”
“صحيح. تقول الألواح السوداء إن لمن يسعى إلى الخلود لا بد له من أداء طقوسٍ دورية، وإن الساق التي اقتلعها جلجامش من قاع النهر لم تكن نبتةً عاديةً بل كانت ‘روحًا لشخص يعرف رسم وشعائر دائرة الخلود’ — روحٌ على هيئة سيقان تحمل زهرتين.”
“إذاً كانت توأمًا.”
تظاهرت سيان بعدم المعرفة، لكن الكاهن حدّد الأمر بوضوح.
“ليس تماما؛ الألواح السوداء نصت على أنها ‘توائم جنينية’.”
نبض القلب بشدة.
بدا واضحًا أن الأفاعي، بعد أن امتلكت لوحيْ الألواح السوداء، شرعت في تنفيذ هذا الجنون.
“ثمة شيءٌ آخر يثير العجب.”
تابعت سيان بصوتٍ منخفض.
“هل قصد اقتلاع عشبةٍ واحدة فقط لكنه قال أنه سيُعطي الشيوخ أولاً ثم يأتي دوره. رغم أن جلجامش ليس إنسانًا مضحيًا بطبعه؟”
“بالضبط. وفقًا لتلك الألواح الشيطانية، لم يرد أن يعطيها ‘لشيوخٍ فقط’ بل ‘مع الشيوخ’.”
صمتت لحظة…..
تخيّل أعلى طبقة المجتمع تجتمع لتأكل الخلود معًا — ومشهدهم لم يختلف عما تراه الآن من الأفاعي.
قطب الكاهن حاجبيه كأنما يأسف على أمرٍ ما.
“اللوح الرابع يتناول أمر إعادة الأموات، لكن نصَّه كان مثقلاً بالحروف المفقودة بشكلٍ ملحوظ.”
“اللوح الرابع يتحدث عن إعادة الأموات؟”
“نعم. الأول والثاني هما مادةٌ ملحمة جلجامش. الثالث تحدث عن استرداد الصحة وعن الخلود. والرابع كان عن تحديدًا عن إعادة الأموات. ويُقال أن اللوحين الخامس والسادس المفقودين احتويا على تسلسل الطقوس والأوامر التنفيذية والخطوط الطلسمية.”
“….…”
“وبالعودة إلى نص إعادة الأموات..…”
ردد الكاهن من ذاكرته مقتطفاتٍ كان يحفظها من الشفرة التي قرأها،
“الموت لا مهرب منه، ومع ذلك تستمر الحياة. لا تحرقوا الجثة ولا تتركوها في التراب. احفظوا الجسد سليماً. باستخدام دم ذبيحةٍ حية، و لن يفسد الجسد أبداً. ثم يتلاشى الجزء التالي تمامًا..…”
“هكذا إذاً.”
“دم قلب توأمٍ جنينيٍ وُلد من توأمٍ جنينيٍ، حينما يكون ذلك الدم في أحرّ حالاته…..حضّروا ذبيحةً من نفس العمر…..انتزعوا روح الذبيحة الحيّة…..ليحصل اللا-روح الذي لا يملك نفسًا على جسد، حينها يكتمل السحر….”
“…….”
“هذا الجزء أيضًا تلاشى تمامًا…..والآن الأخير..…”
“الأخير؟”
“وكما يأتي الربيع في نهاية الشتاء، في اليوم الذي انقطعت فيه حياتي، سأعود.”
في اللحظة التي أنهى فيها الكاهن ترديد المقطع الأخيرة، تلألأت عينا جوون مثل ظلمةٍ حادّة. حتى سيان ابتلعت ريقها بصعوبة.
“في اليوم الذي انقطعت فيه الحياة…..سأعود.”
كان ذلك مطابقًا تمامًا لما ورد في التقرير قبل أيام.
“هذا الرجل الزومبي مات في السابع والعشرين من يونيو، ثم ظهر حيًّا في اليوم نفسه بعد سبع سنوات بالضبط.”
“يعني أنه عاد إلى الحياة في يوم موته؟”
سادت القشعريرة في الدماغ، وسرت الرعشة في الجسد. لكن سيان ظلّت بوجهٍ هادئ لا يتزعزع وهي تلتقط الخلاصة الأهم من الكلام.
“إذاً، لا بد من دم قلب ‘توأم جنيني أنجب توأمًا جنينيًا’ من أجل إعادة الأموات، أليس كذلك؟”
“بحسب الألواح السوداء، نعم، هذا صحيح.”
إذاً، أطفال أرض الخلاص لم يكونوا قرابين للخلود، بل كانوا منذ البداية مادةً لتجارب إعادة الأموات.
“أمم….ثم.…”
تردّد الكاهن قليلًا، ثم ثبّت نظره على سيان، وبعدها انتقل بعينيه إلى الدائرة السحرية في يده.
وكأنه يوازن كفّتي ميزانٍ في هذه الصفقة، أخذ يعبث بالورقة قبل أن يبوح بأشد الأسرار خطورة.
“موروكتا. ورد أنه من أجل إعادة الأموات، يجب إضافة هذا الاسم العتيق في مركز الدائرة السحرية.”
“موروكتا؟ اسم هذا يعني…..شخصًا؟”
“نعم. إنه اسم أول توأم جنيني اقتلع جلجامش روحه من عالم الأموات، أي اسم عشبة الخلود نفسها: موروكتا.”
ارتجف البدن بقشعريرة.
لا شك أن جلجامش ظل يفشل في إعادة الأموات لأنه افتقد “موروكتا”. كان ذلك الاسم مفتاح اكتمال الطقس.
تحققت سيان بجدية من الأمر.
“ما قلته الآن…..لم يتسرّب يومًا إلى خارج الفاتيكان، صحيح؟”
“صحيح، ولكن..…”
قطّب الكاهن وجهه بقلق وهو يتلعثم في كلامه.
“كيف عرفوا بوجود الألواح السوداء في الفاتيكان أصلًا…..فمنذ خمسة وثلاثين عامًا. جاء رجلٌ من كوريا إلى روما طالبًا أن يُسمح له برؤيتها.”
“من كوريا..…؟”
“كان رجلًا في منتصف العمر.”
“هل يعقل..…”
ارتجف حلق سيان وهي تسحب أنفاسها قبل أن تتابع.
“هل رأيتَ ذلك الكوري بنفسكَ؟ هل سمعت اسمه ربما..…؟”
“لا. آنذاك بلغني الأمر عابرًا فقط، لا أكثر.”
“…….”
“استعان بوساطاتٍ كي يراه، لكن طبعًا رُفض طلبه لأن الأثر في غاية السرّية. والفاتيكان لا يرضخ أبدًا لمثل تلك المحسوبيات. لكن بفضل ذلك الطلب، أنا أيضًا عرفت لأول مرة بوجود ‘الألواح السوداء’، فكنت مدينًا له من تلك الناحية…..آه!”
تذكّر الكاهن فجأة وأضاف،
“كان رجلًا واسع الثقافة، ممتعًا في الحديث. قيل لي أنهه كان ليتوافق معهم تمامًا..…”
ذلك الكوري لم يكن سوى أفعى سوداء أخرى.
أما الكوريان اللذان ابتاعا اللوحين من الروسي قبل 148 عامًا فهما بلا شك تشوي دال سو وذلك الرجل الأفعى المجهول.
“طالما تساءلت بجنون كيف تكون هيئة الدائرة السحرية في الألواح السوداء…..واليوم أخيرًا رأيت الجواب.”
تأمل الكاهن الدائرة التي رسمها جوون بدقة ورضا بالغ، ثم وضع الورقة في حقيبة أمان سميكة وأغلقها بإحكام.
“لقد تحقّق حلمٌ لازمَني العمر كله. سأحمل هذه الورقة بنفسي إلى روما، وأودعها مع الألواح السوداء في حفظ محكم.”
كانت الساعة قد بلغت الرابعة فجرًا. فنهضت سيان برفقة جوون وصافحا الكاهن بحرارة، ليخلد للراحة بعد عناء طويل.
“يسرّ أوتيس أن يشارك الفاتيكان هذا السرّ الثمين.”
_______________________
كان بحذف الفصل بس خذوا الزبدة منه وخلوا الباقي استغفر الله قال إعادة قال كح
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات