كانت سيان تجلس مائلةً على حافة السرير ترتّب الطاولة الجانبية، بينما التصق جوون بظهرها كأنه يتدلّى عليها، يتابع بفضول.
بدا عليه سرورٌ نادر، كان وجهه مشرقٌ على غير عادته، و يتعمّد أن يلهيها.
فإذا رتّبت الكتب في رفّ، سحب واحدًا وقلّب صفحاته. وإذا وضعت زينةً في مكانها، أخذها يتأملها ببطء، ثم فجأة يطبع قبلةً خفيفة مازحة على كتفها أو عنقها.
لهذا، ورغم أن الأمتعة لم تكن كثيرة، بدا إنهاء الترتيب اليوم أمرًا صعبًا.
لكن الغريب أنها لم تجد في ذلك أي إزعاج. بل على العكس، شعرت بحماسٍ يفيض، كأن الفرح يتفجّر في صدرها مثل فقاعات مشروب غازي.
التقط جوون مصباحًا صغيرًا للنوم ولوّح به أمام وجهها.
“كل ما في أمتعتكِ صناديقٌ أوتوماتيكية ومصابيح نوم، وبيض يوم الفصح، ودمى خزفية؟”
“صحيح. لم أكن أعرف أن أمتعتي كذلك إلا الآن.”
أخذت منه المصباح ووضعته على الطاولة.
كان هديةً تلقتها في يوم الأطفال في شهر مايو: قطعةٌ فاخرة مصنوعة حسب الطلب، على شكل طائر كريستالي صغير يجثم برشاقة فوق غصن مطلي بالذهب الخالص.
“كل هذه الأشياء الجميلة…..حصلتُ عليها من الرئيسة.”
رأس السنة، يوم الحب، يوم الأطفال، يوم البلوغ، يوم الفصح، يوم الحصاد، يوم الميلاد، الهالوين…
وإلى جانبها عشرات الهدايا التي اشترتها لمجرد أن خطرت سيان في بالها، أو لأنها شعرت أنها تناسبها، أو لأنها ببساطة أرادت أن تقدّمها لها.
كلها كانت رقيقة، فاتنة، مفعمة بالحب.
على مدى واحدٍ وعشرين عامًا، أغدقتها الرئيسة بهذه الهدايا، تملأ عالمها بأحجار كريمة وبريق الذهب والفضة، وبألوان زجاج وخزف زاهية ومضيئة.
ولولا الرئيسة، لكانت حياة سيان مظلمةً بالكامل، لا شيء فيها سوى سواد الموت.
“مع ذلك…..لم أكن أتوقع أنني تلقيت كل هذا الكم. أنا نفسي اندهشت.”
عندها شدّها جوون من يدها، وأوقفها من على السرير،
“لنرَ كم هي كثيرة فعلًا. هيا، لنفرشها كلها.”
***
بسطا في غرفة المعيشة سجادةً سميكة سوداء، ورتّبا عليها فقط هدايا الرئيسة.
كانت هذه أول مرة تراها سيان مجتمعة دفعةً واحدة، حتى بدت السجادة الكبيرة مكتظةْ بها.
فتحدّثت باندهاش،
“إنها جميلةٌ جدًا.”
جلست سيان في وسط السجادة، تدير جسدها قليلًا وهي تلتفت إلى الخلف.
ما إن أطآ مصابيح البيت حتى غرق صالون المنزل في العتمة، غير أن مصابيح النوم الصغيرة راحت تبثّ نورًا ذهبيًا وادعًا.
انعكست على بيض الجواهر الخاص بيوم الفصح، وعلى الحليّ الكريستالية ودمى الملائكة الخزفية، فامتلأت أرض الصالون بألوان أخّاذة لامعة، حتى بدا المشهد كله كأنه يسبح في بهاء ساطع.
كل قطعةٍ كانت مغموسةً في محبة الرئيسة، وكان يكفي نظرةٌ واحدة ليُخمَّن أنها تتجاوز الخمسمئة.
ثم تحدّث جوون متعجبًا.
“كنت أعلم أن تلك العجوز مهووسةٌ بابنتها، لكن لم أتصور أن الأمر إلى هذا الحد.”
ثم أخذ صندوق مجوهرات صغيرًا،
“هذا أيضًا ظريف.”
فأشرق وجه سيان فورًا وهي تأخذ الصندوق منه، تقلبه في يديها بحنين.
“آه…..نسيت أمره تمامًا. هذه أول هدية تلقيتها من الرئيسة، حين كنت في السادسة من عمري.”
كان موضوعًا في علبة بيضاء مزينة بشريط حريري زهري.
في البداية همّت برفضه، لكن ما إن رأت وجه الرئيسة المتوتر حتى قبلته بصمت.
وفي اللحظة ذاتها، ارتسمت على محيّاها ابتسامةٌ مشرقة، ابتسامة فرحٍ غامر، جعلتها ترتبك. وما زالت تلك الملامح محفورةً في ذاكرتها حتى الآن.
ابتسمت سيان وهي تستعيد الذكرى، فتمتم جوون متصنّعًا التذمّر،
“هذا يثير غيرتي حقًا. يبدو أن عليّ من الآن أن أستعد بدوري لمنافسةٍ حقيقية في الهدايا.”
“هل وصل الأمر إلى حد المنافسة؟”
“طبعًا. تلك العجوز وحدها استمتعت لسنواتٍ بلذة إغداق الهدايا عليكِ، وحان دوري الآن لأذوق تلك اللذة. ما أعظم متعة أن أرى سيان سعيدةً تضحك بهذا الشكل.”
ثم وضع بين المصابيح المضيئة صندوقًا صغيرًا لامعًا،
“لنبدأ بأول هدية.”
“أعددت هدية؟”
“إنه اليوم الذي انتقلتي فيه الى بيتنا.”
كان قبل قليل يفكر أن الأمر سواءً سُمّي زواجًا أو مجرّد معايشة، فالنتيجة واحدة.
لكن كلمة بيتنا التي قالها غرست في قلبها شعورًا بالثبات، كأنها أخيرًا وجدت مكانًا تأوي إليه.
أخرج جوون هدايا أخرى، ووضعها على السجادة بصوت مسموع،
“اثنان…..ثم ثلاثة.”
كانت ثلاث هدايا، مربوطةٌ بأشرطة بنفسجية وحمراء وزرقاء.
فمدّت سيان يدها إلى أصغرها، ذات الشريط البنفسجي، وفكّته.
“يانغ غانغ*؟”
*حلى شعبي كوري
قالت ذلك متفاجئة.
كان في الداخل حلوى يانغ غانغ بالتين، قطعةٌ واحدة فقط. لم تتمالك نفسها فانفجرت ضاحكةً من بساطة الهدية.
“هديّةٌ تافهة، لكنها حلوة.”
“تافهة…..لكنني سآكلها بكل سرور.”
كان من عادته في مثل هذه اللحظات أن يضع حدودًا صارمة ويعود إلى بروده الجليدي، لكنه هذه المرة ترك نفسه ينغمس كليًا في هذه البهجة.
ثم وضعت الحلوى جانبًا، ومدّت يدها إلى الصندوق الكبير ذي الشريط الأحمر.
و فتحته…..فإذا به صندوق تبريد ممتلئ عن آخره بالطعام.
شوكولا…..ثم كريمة طازجة. ثلج، جبن، وقطع صغيرة من الشمام والبطيخ والخوخ والكرز..…
“آه.”
و ما إن رأت الفاكهة حتى التفتت على الفور الى جوون لتسأله.
لكنه كان قد خلع سترته بالفعل، ورماها بعيدًا خارج حدود السجادة. فظهر جسده المتين الذي بدا كمنحوتة حية من تحت قميصه الخفيف، والظلال الذهبية التي رسمتها مصابيح النوم حوله أضفت على المشهد مسحةً آسرة.
اقترب حتى جلس أمامها مباشرة، ثم أشار بعينيه نحو آخر صندوق لم يُفتح بعد، وكأنه يأمرها أن تفتحه.
ظنّت طبعًا أنه سيكون طعاماً…..لكن ما إن فكّت الشريط الأزرق لصندوقٍ مسطّح حتى شهقت بدهشة.
“قلادة؟”
كانت بلون أزرق أفتح من الياقوت، يتلألأ بريقها الماسي الشفاف في يدها مثل نجم صغير.
لم تكن من هواة المجوهرات، لكنها سُحرت من النظرة الأولى، إذ سلبت القلادة بريقها الآخاذ كل انتباهها.
هذه إذاً كانت “الهدية الحقيقية”.
اقتراحه أن يفرشوا أرضية الصالون بهدايا الرئيسة…..و اختياره أن يجعلها تفتح أول صندوقين وفيهما مجرد مأكولاتٍ بسيطة…..كل ذلك كان ليلطف رفضها المرتقب، وليمهّد لهذه اللحظة.
أخرجت سيان القلادة من العلبة بحذر، و وضعتها في كفها وأدارتها قليلًا تحت الضوء.
“إنها جميلةٌ جدًا.”
كانت مصممةً لتناسب الاستعمال اليومي، سلسلةٌ من البلاتين تحمل حجر ألماس زرقاء كبير.
واضحٌ أنه طلبها خصيصًا على ذوقها، و لا بد أنه استغرق وقتًا طويلًا في تصنيعها، كما أن ثمنها لا يُستهان به.
مع أي شخص آخر، ما كانت لتقبل هديةً باهظة كهذه أبدًا. لكن مع جوون، لم تستطع الرفض.
هو من فكّر مليًا فيما يهديها، وتردّد قلقًا: هل ستعجبها أم لا؟ وتخيّل وجهها وهي تفرح…..فكيف لها أن تردّ ذلك؟
ابتسمت بصدق، بينما غمر صوتها الفرح،
“شكرًا لكَ. سأرتديها دائمًا. لقد أعجبتني كثيرًا حقًا.”
عندها فقط بدا الارتياح على جوون، وارتسمت على شفتيه ابتسامةٌ راضية.
أخذ القلادة منها، ثم وضعها حول عنقها بنفسه، وهو يتمتم بصوتٍ منخفض،
“الآن أفهم لماذا كانت تلك العجوز تكثر من الهدايا…..كم هو شعورٌ رائعٌ فعلًا.”
فبادلته بابتسامة،
“وأنا أيضًا سأهديكَ…..فانتظر.”
“سأنتظر بشغف. لأرى ما الهدية الغريبة التي ستفاجئينني بها.”
وانفجرا معًا في ضحكة دافئة.
ثم أشار إليها بيده،
“الآن…..أغمضي عينيكِ.”
فعلت كما أمر. وفجأة شعرت بشيء صغير يوضع في فمها…..كانت قطعة شوكولاتة مصبوبة في قالب.
“همم…..بداية مهام العبد بالشوكولا إذاً؟”
“البداية فقط.”
كان طعمها فاخراً، يجمع بين الحلاوة والمرارة في نعومة تذوب كالحلم.
كانت شوكولا التوت الأحمر، بطعم غني ولذيذ للغاية.
ثم فجأة شعرت بلمسة باردة على شفتها السفلى، و كانت قطعة ثلج هذه المرة. فابتسمت بخفة، وفتحت فمها.
رطوبة الثلج البارد داعبت برفقٍ شفتيها، قبل أن يستقر فوق لسانها.
وظلت عيناها مغمضتين، ترفع ذقنها نحوه وهي تدحرج قطعة الثلج داخل فمها.
“أنتِ تتناولينها بشهية بالغة، أليس كذلك؟”
همس جوون بنبرة هادئة، ثم قبّلها بلطف. فنبض قلبها بجنون لذلك التماس المفاجئ.
“كأنكَ لينكون عندما يتدلل.”
“لينكون واحد…..و جوون واحدٌ آخر.”
ضحكت سيان دون أن تشعر، ثم ردّت له اللمسة، وقبّلت شفتيه.
‘قبل أن ألتقي بهذا الرجل، ما كنت أتخيل أنني سأجرّب قبلةً كهذه.’
لم أعرف حتى لذة مثل هذه المداعبات، ولا بهجة هذا الضحك.
كلانا عاش عمرًا في عزلة، لا نسمح بدخول أحد إلى قلوبنا. و كنا باردين دومًا، صلبين، واقفين وحدنا في مواجهة العالم.
لكن الآن…..لم يعد الأمر كذلك.
على الأقل، معه…..لم يعد كذلك.
كانت سعيدة.
سعيدةٌ لأنه كان حاضرًا في صباحها.
وسعيدةٌ لأن صباحه يبدأ معها.
باتا يتناولان الطعام معًا، يتشاركان أحاديث الحياة الصغيرة، يضحكان حتى يغلبهما النوم.
مثل فنجانين متجاورين على الطاولة.
مثل نصفين لزوجٍ واحد في هذا العالم.
مثل عاشقين في عالمٍ واحد.
__________________________
جوون ياحمار قلاده؟ قلاده!!!؟ كان عطيتها خاتم! تزوجوا قبل تفطس الرئيسه يازفتتتتت
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات