عندما يفتح الشريك ذو القدرة الروحية المنخفضة عينيه الروحيتين، لا يُرى رأس الكائن الروحي أحيانًا، أو يبدو وجهه ممسوحًا. بشكلٍ عام، تكون الهيئة ضبابية، وأحيانًا لا تُرى الذراعان أو الساقان.
لكن عندما يفتح تاي جوون عينيه الروحيتين، يمكن رؤية حتى خيوط شعر الشبح واحدةً تلو الأخرى، وحتى القزحية داخل الحدقة بوضوحٍ مرعب.
وقفت سيان أمام نافذة الشرفة مباشرة، تراقب الروح الشريرة من خلف طبقةٍ رقيقة من الزجاج.
للأسف، كان ابن صاحب المخيم من أسوأ الأنواع.
من بين الأنواع: الشكل البشري، الهجين بين الإنسان والحيوان، والوحش…..كان من نوع الوحش.
بل وكانت مفاصله في الذراعين والساقين منثنيةً بشكل غريب…..في هيئة عنكبوت.
عندما تكون الروح الشريرة من نوع الوحش، تختفي القدرة على الكلام والذكاء تمامًا، ولا تختلف عن قاتل مجنون طليق.
طقطقطق- طقطقطق-
بدأت الروح الشريرة تصرّ بأسنانها على الزجاج كما لو أنها غاضبة. ثم بسرعة، زحفت كعنكبوتٍ ضخم باحثة عن أي شق في الباب أو النافذة قد يكون مفتوحًا.
***
“سأقوم بتنقية روح ابنكَ إلى الراحة بعد غروب الشمس غدًا.”
عادت سيان بعد أن تأكدت من وجود الكائن الروحي، وأعلنت الخبر ببرود.
في الأصل، كانت المهمة تهدف إلى محو وجود الكائن الروحي بالكامل، وهو ما يعرف بـ”إبادة الأرواح”، وكان ذوو الفقيد يعلمون ذلك، لكنهم مع ذلك كانوا يصرّون على استخدام تعبير “توصيل الروح إلى الراحة”.
مسح صاحب المخيم المتوتر جبينه مرارًا.
“غدًا؟ لِـ، لما العجلة إلى هذا الحد……”
“حتى الآن نحن متأخرون، والوضع في غاية الخطورة.”
طق. طق. طق. طق.
أخذ صاحب المخيم يهتز من التوتر وترتجف شفتيه محاولًا كبح دموعه.
“فهمت…..لكن دعينا نؤجل الأمر لما بعد عطلة رأس السنة. أرجوك، لما بعد رأس السنة. دعوني أطعمه على الأقل طبق حساء الأرز.”
غالبًا ما يرغب ذوو الفقيد في إطعام روح المتوفى شيئًا قبل الوداع.
رغم أن الطلب كان نابعًا من قلب مخلص، فإن سيان لم تمنحهم وقتًا.
“سيدي، من فضلك حضّر نفسكَ لتوديع ابنك.”
“مـ، مهلاً! ل، لا يوجد دليل قاطع على أن ابني آذى أحداً…..حتى وهو في هيئة شبح، كان طيبًا، قد يعود إلى وعيه فجأة، من يدري.”
بدأ الأب يهز رأسه فجأة رافضًا طرد الروح.
كثيرًا ما يتغير موقف ذوي الفقيد فجأةً بهذا الشكل. وفي هذه الحالات، غالبًا ما تنشب المشاكل بين “النجّارين” — أولئك المكلفين بطرد الأرواح.
فهناك من يقول: “دعنا نمنحهم بعض الوقت”، أو “لا يجب طرد الروح حتى يقتنع الأهل تمامًا”، وهكذا. وإذا كانت شخصيات النجّارين مختلفة، فقد تنشب معارك كبيرة بينهم.
ولحسن الحظ، بدا أن تاي جوون لن يتسبب في مثل هذه المشاكل. فهو يملك قلبًا بارداً.
بدأت سيان بإقناع الأب بطريقتها المعتادة. فمع أن التخلص من الأرواح الشريرة هو أولويتها القصوى، إلا أنها كانت تحاول دائمًا تهدئة ذوي الفقيد أيضًا.
“سيدي، ابنكَ قد رحل بالفعل. ما تراه الآن ليس سوى ظلٍ له.”
“لكن…..لكنه ظلّ يناديني، أ، أبي…..أبي..…”
“لكنه في النهاية سأل: ‘من أنت؟’، أليس كذلك؟”
تشبه ذاكرة الأشباح ألبوم صورٍ يحترق ببطء، فبعد الموت، يبقى قدرٌ لا بأس به من الذكريات لفترة، لكن في النهاية تختفي كل الذكريات تمامًا، دون أن يبقى منها شيء.
وفي تلك المرحلة، تختفي الكيانات الروحية أيضًا، كما يختفي دخان الألبوم المحترق، إلى الأبد من هذا العالم.
لكن، إن تحولت الروح إلى “مسمار”، فالقصة تكون مختلفة. فالأرواح الشريرة، مثل المسامير الصدئة، تبقى مغروسةً في هذا العالم، ولا يمكنها الخروج منه من تلقاء نفسها.
خفضت سيان صوتها وجعلته أكثر ليونة.
“لا يمكننا مشاركة أي ذكرياتٍ حقيقية مع الأشباح.
حتى إن قضينا وقتًا طيبًا معهم، فإنهم ينسون كل شيء في اليوم التالي، كل كلمة، كل لحظة.”
فهم بلا دماغ، ووجودهم متجمّدٌ خارج الزمن.
“لقد قضيتَ معه عامًا ونصف، لا بد أنكَ أصبحت تعلم حالته جيدًا.”
“لكن…..كيف يمكنني أن أتركه يرحل مجددًا..…”
غطى صاحب المخيم رأسه بكلتا يديه، يتألم.
هو يعلم في قرارة نفسه أنه يجب طرد الروح، لكنه ببساطة لا يستطيع التخلي عن ابنه. فأي والد يرضى بإرسال ابنه إلى الموت مرتين؟
كان بكاء الوالد الذي يُجبر على التخلي عن ابنه يحمل مرارةً تمزّق أعماق القلب.
“سيدي.”
نظرت سيان إلى كتفي الرجل اللذين كانا يهتزان بعنف، وتابعت حديثها بهدوء.
“العذاب طال أكثر من اللازم.”
“أه…..أههه..…”
“لستَ أنت وحدكَ، بل حتى ابنكَ يتألم.”
ثم أكملت حديثها بحزم.
“الآن، دع ابنكَ يرتاح أخيرًا، من فضلك.”
***
“إلى أين تذهب في هذا الصباح الباكر، يا مينوو!”
نادته جدته وهي تستقيم واقفةً من الحقل، لكن مينوو فرّ كالسنجاب.
“سـ، سألعب فقط! و سأعود لاحقًا!”
كان مينوو قد احتفظ بالنقانق الوردية التي قليتها له جدته في الصباح دون أن يأكلها، وانتهز فرصة خروجها إلى الحقل، فاندفع مسرعًا خارج البيت.
ما إن بدأت الكنيسة تظهر في الأفق، حتى بدأ قلبه ينبض بعنف يكاد يمزقه.
كان القلق والرجاء يتلاعبان بداخله. فقد يكون الأخ قد رحل ليلًا.
صرير-
فتح باب الكنيسة بحذر ودخل…..وإذا بالأخ لا يزال في نفس المكان كما كان بالأمس.
“مرحبًا بكَ، مينوو.”
رفع الشاب يده بسعادة وكأنه كان بانتظار مينوو. فركض مينوو نحوه متدحرجًا، وناول الشاب النقانق الوردية.
لكن الأخ لم يضع النقانق الدافئة في فمه. و اكتفى باستنشاق رائحتها بعمق عدة مرات، وهو يبدو راضيًا تمامًا.
“واو، الرائحة مذهلة! هل كانت رائحة النقانق دائمًا بهذا الشكل؟ لا، لا بأس، لستُ جائعًا أبدًا. مجرد شمّ الرائحة يجعلني ممتلئًا، أتعرف؟ أوه، صحيح، لم تخبر أحدًا عني، صحيح؟”
“أبدًا أبدًا! لم أخبر أحدًا!”
هزّ مينوو رأسه بعنف. عندها فقط شعر الشاب بالاطمئنان، وأعاد استنشاق النقانق مرة أخرى.
‘لماذا لا يأكلها؟’
قال أنه لم يستطع مغادرة الكنيسة بعد أن أصيب في ساقه. و قال إن لديه قطعة حلوى واحدة فقط، ومع ذلك بدا وكأنه لا يحتاج إلى الطعام أصلًا.
على أي حال، علّم الأخ مينوو مادة الحساب من جديد اليوم.
راح الاثنان يزحفان مثل السلاحف على أرضية الكنيسة، يرسمان الأرقام، و يحسبان، ويجدان الحلول سويًا.
“أحسنت، مينوو! يا إلهي، هل أنتَ عبقريٌ فعلًا؟ لست أمزح، لقد أدهشتني فعلًا! ربما في المستقبل ستظهر على التلفاز، من يدري؟”
“أووههههيهيهي.”
“أيها المشاكس، تحب المدح كثيرًا، هه. حسنًا…..ماذا لو جرّبنا هذا السؤال؟ هذا أصعب قليلاً، لكنه بسيطٌ عليكَ.”
ثم لامس الشاب أنف مينوو كأنه يمازحه بالقلم الحبر الجاف.
بدأ الشاب يدغدغه، فوقع مينوو أرضًا من الضحك، يتقلب فرحًا. و ضحكة الطفل النقية دوّت في أرجاء الكنيسة.
بسبب تعرضه للتنمر من أقرانه، وعيشته الخجولة أمام الكبار، كان “أخ الكنيسة” هو الصديق الوحيد الذي كسبه مينوو.
أراد أن يلعب معه أكثر، كثيرًا، بلا توقف. و لقد استمتع بوقته إلى درجة أنه لم يرغب في العودة إلى البيت حتى وقت الغداء.
أمسك مينوو بإصبعه وعلّقه بإصبع الشاب، وهو يلهث حماسة.
“سأذهب بسرعة لتناول الطعام وأعود! لا تذهب إلى أي مكان، انتظرني هنا، لا بد أن تنتظرني!”
“أه…..أه؟”
لمدة عشر ثوانٍ تقريبًا، بقي الشاب ساكنًا بتعبير غريب على وجهه، ثم عبس فجأة وأخذ يحدّق في الطفل بتوتر.
“مَن…..مَن أنت..…؟”
وكأنها مزحةٌ أخرى.
ضحك مين وو وهو يجيب بسعادة،
“أنا قائد الأرقام، جونغ مينوو!”
“أوه!”
تراجع الشاب بسرعةٍ إلى الوراء، واحتضن حقيبة الدفل السوداء بقوة.
كانت عيناه تنظران إلى الطفل بخليطٍ من القلق والريبة الشديدة. لرمش مينوو بدهشة، وقد ارتبك من الموقف.
“هيونغ؟”
“أه…..أهههك!”
“هيونغ، ما بكَ؟ هل ساقكَ تؤلمك؟ هل تؤلمكَ كثيرًا؟”
اقترب منه مينوو زاحفًا على ركبتيه بقلق، عندها قبض الشاب على مقبض سكين مخفي داخل الحقيبة.
كان مقبض السكين الخشبي ملوثًا بدماء جافة.
“هاه…..هاه..…”
كان الشاب مذعورًا بشدة، يتلفت في أرجاء الكنيسة باضطراب، وعيناه تقعان أحيانًا على الأرقام المرسومة عشوائيًا على الأرض.
تساقط العرق البارد من جبينه وبلل حاجبيه.
ثم، وكأنه تذكّر شيئًا فجأة، بدأ يومئ برأسه ببطء.
“آه…..آه..…”
“أنا مينوووو!”
“يا إلهي، ما هذا الذي يحدث…..كنا نلعب، أليس كذلك؟ ما كان اسمكَ مرة أخرى؟”
“صحيح، مينوو.”
أخذ الشاب يتمتم لنفسه، يكرر الاسم مرات عديدة.
“مينوو…..كان مينوو…..لماذا أنسى هذا مرارًا؟”
***
عندما عاد إلى المنزل، كانت جدته تضع كعك السمك المقلي في طبق.
قالت له عرضًا وكأنها تمرّ بالمعلومة مرورًا عابرًا،
“اتصلت أمكَ قبل قليل، وقالت أنهت لن تتمكن من المجيء في رأس السنه.”
طوال وقت الغداء، ظل مينوو مطأطئ الرأس، يراقب الأجواء بحذر.
رحيل والده، وغياب والدته، وتنهدات جدته اليومية…..كان يشعر أن كل ذلك بسببه.
بمجرد أن انتهى الغداء، فتحت الجدة مجددًا كتاب الحكايات.
كان مين وو يشعر بعدم الراحة والقلق، ولم يتوقف عن تحريك ركبتيه. ورغم أن جدته كانت تعلّمه الكلمات بوضوح وبهدوء، إلا أن الحروف بدت له اليوم أكثر تشويشًا من المعتاد.
كان يشعر بدوارٍ في رأسه وضيق في صدره، وكأنه سيصاب بالغثيان.
ومع ذلك، وبعرق بارد يتصبب من جبينه، حاول جاهدًا أن يبذل كل ما في وسعه.
ولكنه، رغم كل ذلك، لم يستطع أن يقرأ كلمةً واحدة.
تنهدت جدته بوضوح وهي تنقر لسانها بأسى،
“العام القادم ينبغي أن تذهب إلى المدرسة، فماذا سنفعل؟”
تردد مينوو قليلًا، ثم رسم صليبًا صغيرًا بقلم الرصاص في الهامش الفارغ من كتاب القصص.
ثم ابتسم بفخر،
“إشارة الجمع!”
“يا هذا، لا بد أن تعرف الحروف أولًا!”
وبخته الجدة فورًا، ثم أشارت مجددًا بإصبعها إلى سطر من نص الحكاية، تضغط عليه برفق.
“هيا، كرّر من بعدي: الملك.”
***
عند الساعة الرابعة مساءً، بدأ مينوو يجرّ قدميه ببطء نحو الكنيسة، باكيًا قليلاً.
كان يشعر بالأسف لأنه وعد “أخ الكنيسة” أن يعود سريعًا، لكنه تأخّر. وكان يشعر بالضيق من نفسه لأنه، جونغ مينوو، لا يزال لا يستطيع قراءة الحروف ويبدو كالأحمق.
وفوق كل ذلك…..
لأنه اشتاق بشدة إلى أمه التي لم يرها منذ أربعة أشهر.
_________________
الله ياخذ امه شوفي ولدس اخرتها مع جده تطفش منه وشبح مجنون عنده
سيان طلعت حنونه ببكي😔🫂
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب من بيلادونا، التي كانت تجلس ساكنة على السرير. وأمسك ذقنها بلمسةٍ خشنةٍ ورفع رأسها للأعلى. “كيف أجعلك تتحدّثين؟” “….” نظر إلى عينيها المرتجفتين، ركل لسانه وأرخى قبضته على ذقنها واستدار....مواصلة القراءة →
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب...
التعليقات لهذا الفصل " 15"