قبل خمسة أيام من موتها، كانت يي جِين تحتسي شاياً بارداً في مقهى ثم ابتسمت ابتسامةً واسعة،
“لو أني الآن جلست أبكي بصوت عالٍ مثل امرأة مجنونة، فالجميع سيسخرون ويلعنونني، أليس كذلك؟”
“لماذا خطر لكِ هذا التفكير؟”
سألها أون وو بقلق، فأجابته يي جين بهدوء،
“مجرد…..فجأة راودتني هذه الفكرة”
ثم غيّرت الموضوع إلى حديث آخر.
منذ أوائل العشرينات من عمرها، كانت يي جِين تعيش مقطوعة الصلة تقريبًا بوالديها. وحين سألها أون وو عن السبب الذي جعلها تقطع علاقتها بهما، قالت أنها لا ترغب في التحدث عنه.
لكنها بالأمس، أثناء مكالمة هاتفية مع شقيقتها تسأل إن كان في بيت العائلة أمرٌ ما، التقط أون وو طرف الحديث واكتشف الأمر.
كانت متوترةً سرًّا بسبب غياب أسرتها عن حفل الزفاف، ولعلها كانت تفكر بجدية في دعوتهم أو عدم دعوتهم، ولهذا بدت مشغولة البال.
ظن أون وو ذلك ولم يسأل أكثر.
لكن، كان يجب أن يسألها يومها بدقة ويستقصي.
***
في اليوم الذي تخلّت فيه يي جِين عن نفسها، كان المطر يهبط على هيئة ضباب أبيض يلفّ الجبل.
وقفت على حافة الجرف، و جالت بعينيها في المشهد الماطر المحيط بها، ثم أرهفت السمع كأنها تغمر ذاتها في ذلك السكون الهادئ. بعدها التفتت إليه.
“حين كنتُ في الثانية والعشرين، كان هناك ستة أشخاص في منزلٍ واحد، وصُوِّر هناك مقطعٌ سيلحق بي طوال حياتي. لو متّ بصمت وحدي، ما كنتَ لتعلم بالأمر يا أون وو، لكنني في النهاية اضطررت أن أبوح به.”
“ولماذا تحملتِه وحدكِ؟ لم يكن عليكِ أن تنفردي بالعذاب، كان يجب أن تخبريني أولاً.”
“أردتُ أن تبقى أنتَ وحدكَ…..بلا علم. لم أرغب مطلقًا أن تعرف. لم أشأ أن تذوق إحساس السقوط المروّع الذي يطاردني كل يوم.”
“لن تسقطي. أنا سأتلقاكِ.”
اقترب أون وو بخطوات حذرة، لكن يي جِين مدّت يدها للأمام كأنها تمنعه من الاقتراب.
“لا أحد يستطيع أن يتلقاني. كان والداي يخجلان مني. مهما قلت لهم الحقيقة لم يصدقوني، بل كانوا يلحّون عليَّ أن أُسرع بالتصالح مع والدي المعتدين. و منذ أن التقيت أولئك الشياطين مجددًا قبل أسبوع…..وأنا أعيش كل يوم في رعب يكاد يفتك بي. أخشى أن ينشروا ذلك المقطع في حيّكَ، في بيتكَ…..مجرد تخيّل كيف ستنظر إلي والدتكَ يجعلني أرتجف. أما أنتَ…..فستتذكر ذلك المقطع كلما وقع بصركَ عليّ.”
أنكر أون وو بصرامة قائلاً أن ذلك لن يحدث، لكن يي جِين ابتسمت ابتسامةً باهتة.
“قد تكون صادقًا فيما تقول، لكن أنا لا أستطيع. لا أستطيع أن أنسى ذلك اليوم…..بالكاد دفنته في أعماقي، لكن وصلت إلى حدّي. لم أعد أحتمل أكثر. الآن…..أريد فقط أن أهرب.”
كانت يي جِين تضحك وهي تبكي.
عيناها بلون التوباز ابتلّتا بالدموع، وبدا وكأنهما ستتحطمان في أي لحظة مثل زجاج هش.
“ماذا لو رأى أحدهم ذلك المقطع مرة أخرى؟ ماذا لو نُشر في مكانٍ ما اليوم؟ أو ربما هو منشورٌ بالفعل في مكان ما؟ إذا فكرت أن أي شخص يمكنه أن يراني أصرخ وأبكي بتلك الصورة…..أنفاسي تختنق..…”
“يي جِين! ثقي بي! سأحميكِ! سأُنهي أمر ذلك المقطع، وحتى أولئك الأوغاد!”
“آسفة…..يا أون وو.”
“لا! لا تقولي هذا!”
“سامحني على أني أوجعتكَ بهذا الشكل.”
قالت ذلك بهدوء وكأنها تعتذر حقًا، ثم مالت بجسدها إلى الوراء كما لو أنها تستلقي على سرير، ورفعت بصرها نحو السماء العالية.
“يي جِين!”
اختفت في لحظة، بسرعة جعلت الأمر يبدو كما لو أنها طارت، ثم…..دوّى ارتطامٌ قصير أعقبه صمت مطبق.
حتى أشجار الجبل صمتت وكفّت عن كل صوت.
و في ذلك السكون الغريب، لم يبقَ في مكان وقوفها سوى رذاذ المطر ينساب بخفة شاحبة.
صرخ أون وو من أعلى الجرف صرخةً مروّعة، ثم بدأ يركض ويتدحرج بجنون نحو الأسفل.
كانت يي جِين ممدّدة على الأرض ووجهها نحو السماء. و أطرافها متفرقة، وأنفاسها قد انقطعت منذ زمن قصير.
صرخ أون وو بمرارة وهو لا يدري ما يفعل، ثم غاص بيديه في الطين الملطخ بدمها، قبض عليه مرةً بعد مرة بجنون.
كانت الأرض والهواء مشبعين برائحة التراب والدم. فضمّها أون وو إلى صدره وهو يصرخ صرخاتٍ مجنونة، يهزّ بها الجبل كلّه.
لكنه، مع ذلك، لم يتلقَّ صدى، إذ ظلّ الجبل في صمت غريب، كأن صرخاته لا تجد طريقًا للخروج إلى العالم.
احتضنها بكل قوته، حتى كاد يسحقها، عانقها بوجهه حتى تلامست خدودهما وتشابكت خصلات شعريهما.
ثم رفع عينيه إلى السماء التي كانت آخر ما رأته يي جِين…..كانت الألوان الزرقاء الباهتة لليأس تملأ مجال بصره، مشوشة، ملتوية، كأنها ستنهار في أي لحظة.
ربما لأن دموعه ويأسه وغضبه وألمه أفسدوا بصره، فقد بدا ذلك الزرْق القاتم مثل لوحةٍ مشوّهة عبثت بها يد مجنون فوق أرض بيضاء مغطاةٍ بالثلج.
رفع أون وو رأسه نحو السماء الملبّدة بالرمادي والأزرق، وصرخ طويلًا، طويلًا، كوحش جريح.
“آآآآآآآآآآآه!”
وكان الجبل، و السلاسل الجبلية، تنصت لصرخته المدمّاة في صمت خانق.
***
تساقط-
بوجه جامد، تفقد أون وو قوام الطلاء الزجاجي. وقد كان يسيل على أطراف أصابعه بانسياب سلس. بل كان مثاليًا.
الأهم هو هذا الطلاء الزجاجي.
لكل خزّاف ذائع الصيت طلاءٌ خاص وسريّ لا يكشف سره لأحد. وما صنعه أون وو الآن لم يكن الطلاء الذي اشتهر باسمه، بل ذاك الطلاء الخاص والفريد الذي استخدمه يوم صنع “لوح الخزف الأزرق”.
أضاف إليه الأزرق النقي القوي الذي يذكّره بلي سيان وباللون الموحش لذلك المجنون الذي أحبّته، ثم أضاف السواد العميق المظلم الذي يذكّره بزوجها.
ومباشرةً واصل أون وو عمله.
لم يكن لديه وقتٌ ليهدر ولو لحظة.
و بحرص شديد، لكن بجرأة، أخذ يطلي الطلاء على فنجان شاي بالفرشاة.
رقيقًا، رقيقًا جدًا.
كلما زادت طبقة الطلاء، ازداد الفنجان سمكًا.
ثم إن الخزف إذا دخل النار، انتهى الأمر. لا رجعة بعد ذلك.
كان يخيّل بعينيه صورة الفنجان المكتمل، يتصور كيف ستنبثق الألوان وأي جزء سيفور باللون، وكيف ستتناغم الألوان معًا، كأنه يراه أمامه، فكان يعمل دون تردد.
بعينين متسعتين في تركيز مخيف، كان يرفع الفرشاة بدقة، ثم يضغطها بعنف كأنه يسحق بها السطح، ثم يمررها سريعًا وعريضًا بضربات متدفقة.
ولفرط تركيزه حتى كاد لا يتنفس، كانت حبات العرق الغليظة تنساب على رقبته وظهره حين أنهى الطلاء. ثم وضع الفنجانين برفق داخل فرن الغاز الصغير في مشغله.
كان أون وو في معظم أعماله يستخدم الحرق بالاختزال، حيث يسحب الهواء من الفرن فيخنق الخزف ليُخرج ألوانه.
لكن هذه القطعة كانت استثنائية، فكان عليه أن يضبط النار بعناية أكبر.
أسفل الفنجان ثقيلٌ بعض الشيء، لكن أعلاه رقيقٌ لدرجة تثير دقات القلب.
هذا الفنجان سيمنح من يرفعه كل مرةٍ شعورًا مختلفًا في وزنه مقارنةً بأي فنجان آخر. وحين تلامس الشفاه حافته، ستشعر بلمسة دقيقة ومشدودة…..وسيمنح كل رشفة من الشراب سحرًا خاصًا وبهجة متجددة.
إن اكتمل كما ينبغي، سيكون تحفةً لا مثيل لها في العالم.
وفوق ذلك، كانت هذه الأزواج من فناجين الشاي آخر ما سيصنعه “الخزاف جانغ أون وو”.
ألقى أون وو نظرةً طويلة على الفناجين داخل الفرن، كأنه يريد أن يحفر صورتهما في ذاكرته.
كانت تلك الفناجين قد بدأ صنعها من قبل لأجل يي جِين الراحلة وله نفسه، لكنها بقيت ناقصةً حتى مرحلة الحرق الأول. والآن، بدل أن يشربا بها معًا إلى الأبد، سيشرب بها زوجان آخران يحبان بعضهما بشغف.
حين تخيل لي سيان، بعيونها الشبيهة بعيون يي جِين، تحتسي الشاي مع زوجها الذي تحبّه، ضاحكةً وسعيدة…..شعر براحة كاملة، بلا ذرة من التعلق أو الندم.
لقد انتهى عمله.
أما الباقي…..فالنار ستتكفل به.
أغلق فرن الغاز ورفع النار. و طوال فترة عمله، كانت المعلّمة نائمة في الغرفة الداخلية. وربما لم تكن نائمةً حقًا، بل تتظاهر بذلك فقط.
أخرج أون وو من حقيبته الثقيلة الطين والكمبيوتر المحمول، وعلّق سترة الريح على كرسي الورشة بلا اهتمام.
ثم أعاد إلى الحقيبة سكينًا ومطرقةً وسلكًا معدنيًا وهاتفًا محمولًا، لا غير.
وأخيرًا كتب بإيجاز على ورقة صغيرة آخر ما يودّ أن يطلبه من أستاذته.
الساعة 5:50 صباحًا.
بعد أن وضع القلم، حمل حقيبته على جسده الذي لم يجفّ بعد، وغادر الورشة.
***
حين خرج من الورشة، أول ما فعله أنه تفقد الطاولة أمام المتجر الصغير، لكن لم يجد لي سيان هناك. ولا زوجها أيضًا.
كانت الطاولة أمام المتجر خاليةً تمامًا. فأدار أون وو رأسه ببرود وغادر المكان.
كان يشعر بجلده أن فريق أوتيس يتحركون بمهارة كلاب صيد مدربة وراءه.
دخل إلى الحديقة القريبة، فوجد ستة أو سبعة أشخاص يركضون تحت الرذاذ. وبينهم، وهو بملابس قصيرة، مضى ماشياً بخطوات ثابتة.
تمامًا في السادسة صباحًا.
– “طفلٌ رأى وردةً برية متفتحة في الحقل…”
رن الهاتف فجأة. كانت نغمة “زهرة الحقل” لفيرنر.
و بهدوءٍ محسوب، أخرج أون وو الهاتف من بنطالٍ عسكري. ثم مدّه إلى رجل في الثلاثينات كان يركض نحوه، وهو يواصل سيره متجاوزًا إياه.
“هاه؟ هذا مو هاتفي..…”
تردد الرجل قليلًا وهو يتلقى الهاتف، ثم ناداه بصوت مرتفع،
“يا سيد! يا سيد!”
لكن أون وو، بعينين جامدتين باردتين، واصل السير إلى الأمام بخطوات عريضة دون أن يلتفت.
وفي النهاية، الرجل الذي تلقى الهاتف، الذي ظل يرن بإزعاج، رفعه إلى أذنه على مضض.
“مرحباً؟ ألو؟ آه، ما هذا؟ لماذا أغلق الخط دون كلمة؟”
***
الساعة 6:12 صباحًا.
مرّ أون وو أمام مطعم نودلز كان قد فتح أبوابه للتو ويجري تنظيفه. ومن الداخل وصل إليه صوت نشرة الأخبار من التلفاز.
– “بفضل ألوانه الفريدة المميزة، حاز شهرةً كبيرة في الخارج، حتى أن متاحف في الصين وبريطانيا واليابان تحتفظ بأعماله اعترافًا بقيمتها..…”
مضى أون وو صامتًا، لكنه توقف فجأة، ثم عاد بخطواته إلى مدخل المطعم. هناك، وقف يحدق في التلفاز المعلّق على الجدار الداخلي.
– “تم العثور على أدلةٍ تؤكد أن الخزاف جانغ أون وو ارتكب سلسلة جرائم قتل مروعة. والشرطة تجري حاليًا تفتيشًا عاجلًا في ورشته…”
ظهر على شاشة التلفاز مشهدٌ من ورشته، تتابعت فيه بعض أعماله بسرعة.
“أيها الزبون؟”
قال ذلك صاحب مطعم النودلز وهو يمسك بالممسحة، بنبرة توحي: “هل ستدخل أم لا؟” لكنه حين رأى أن أون وو لا يتحرك البتة وهو يحدق بالتلفاز، أدار رأسه نحوه.
– “جانغ أون وو خرج من ورشته قبل يومين وهو الآن هارب. آخر مظهر التقطته له الكاميرات كان…”
عُرض مقطعٌ من كاميرا مراقبة على نشرة الصباح.
و المضحك أنه كان قبل 12 دقيقة فقط، تمامًا عند السادسة صباحًا، يظهر فيه أون وو وهو يرفض مكالمة “الأفعى” ويسلّم هاتفه للرجل الذي كان يمر بجانبه.
كان يضع قبعةً سوداء منخفضة، ويرتدي قميصًا أسود مع بنطال عسكري، ويحمل حقيبة ظهر كبيرة.
ثم امتلأت الشاشة بوجه جانغ أون وو مكبرًا.
حينها فقط أخذ صاحب المطعم يحدق بالتلفاز ثم ينظر إلى أون وو، فاتسعت عيناه من الدهشة و أخرج صوتًا مبحوحًا،
“هاه؟”
__________________________
بلغوا عليه؟ مب سيان هم يبون ياخذونه شكلها الافعى تبي توريه انها تقدر تنقذه من الشرطه🤨
بس غش مابعد خلص اللوحة السادسه😔
قاهرني شوي وهو يتذكر سيان مع خطيبته بس يوم قال انه حس براحة وهو يتخيل سيان وجوون مع بعض لايمكن ان يكون شخص سيء😔
يي جين تجنن وحع في الست ذولاك
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 147"