كانت متعبةً حدّ الإنهاك، ومع ذلك، ما إن لامستها يد جوون وبلغ سمعها صوته، حتى دبت الحياة في حواسها من جديد.
حتى الأشواك الحادة من التوتر، التي كانت واقفةً حولها كقنفذ طوال اليوم، أخذت بالارتخاء.
“لا تفكري في شيء.”
غطى عينيها براحة كفه اليمنى، ثم شد جسدها المرهق بذراعه اليسرى إلى صدره.
“ابقي هكذا عشر دقائق فقط.”
أطاعته سِيان من دون مقاومة. و ذابت تعبًا في ظلمة دافئة نسجها لها، وراحت تسترخي في أمان.
كان جسدها ينساب خدرًا ناعمًا، والدفء يغمرها. و رائحته كانت عذبة، غير أن دفءه هو ماسلبها.
كل لمسة من يده الدافئة كانت تدغدغ في داخلها راحةً وسعادة معًا.
“يكفي…..شكرًا لكَ.”
خشيت أن تغفو بين ذراعيه من شدة الأمان، فدفعت يده قليلًا برفق. ومع ذلك، خلال تلك الدقائق العشر، شعرت كأنها ارتدت قناعًا حراريًا مهدئًا أعاد لعينيها صفاءً مريحًا.
تفحص جوون ملامحها، ومسح بطرف أصابعه آثار التعب عن عينيها.
“لنتناوب قليلًا على النوم. نامي أنتِ أولًا، سِيان.”
كانت كذبة رقيقة؛ ما قصده أنه سيتكفل بحراسة جانغ أون وو بينما ترتاح هي.
فابتسمت سِيان بخفة،
“ما رأيكَ أن نتحدث قليلًا مع فريق أوتيس، ثم بعد ثلاثين دقيقة نستريح سويًا؟”
فهو أيضًا، وإن لم يظهر ذلك، لا بد أن يكون مُرهقًا للغاية.
لقد قاد سيارته من كانغجين بجنوب جولا إلى سيول، وبقي مختبئًا اثنتي عشرة ساعة في سيارة ضيقة، ثم عاد أدراجه إلى كانغجين، ليعود بعدها مجددًا إلى سيول.
جسده مرهق و لا بد أنه أثقلته المشقة.
ثم ابتسم جوون بعينيه و سألها،
“هل هذا طلبٌ من سيدةٍ لعبدها؟”
“لا. إنه اقتراحٌ حنون.”
“مؤسف، فقد كنت أنوي تطبيق العقوبة الى نهايتها.”
قال ذلك ضاحكًا، ثم سحب كرسيًا بلاستيكيًا أزرق ووضعه بجانبها وجلس.
“فلندردس ثلاثين دقيقة فقط، ثم ننام.”
أخرج من جيب سترته علبتي زبادي، كان قد اشتراهما لتوه من المتجر القريب، ووضعهما على الطاولة.
فتح الغطاء عن إحداهما، وغرس ملعقةً فيها ووضعها أمامها.
لقد جلسا متقاربين على الطاولة الخارجية أمام المتجر، حيث كان الضوء الوحيد في المدينة النائمة. و أكلا الزبادي معًا، فيما كان الرذاذ يتطاير لامعًا تحت المصابيح، كالضباب المضيء.
أخذ حوون يروي لها ما جرى في جنازة الرئيس السابق كانغ وان غيو، بينما همست هي، بنبرة منخفضة، بما توصلت إليه.
عن لقاء قصير تم بين “الثعبان الأسود” تشوي دال سو وجانغ أون وو.
وأن خطيبه جانغ أون وو، موك يي-جين، كانت تعمل في أيام الجامعة مُدرِّسةً خصوصية لطالب ثانوي.
لكن ذلك الطالب، المسمى “F”، مع خمسة من أصدقائه، اغتصبوها جماعيًا. ومنذ ذلك اليوم صارت ضحية ابتزازٍ بالفيديو المصوَّر، حتى دُفعت إلى إنهاء حياتها في الجبل، متخفيةً تحت ستار “حادث عرضي”.
“جانغ أون وو لم يكن يقتل الناس عبثًا. كانت كل جرائمه انتقامًا لخطيبته.”
فردّ جوون بنبرة ساخرة،
“لا عجب إذاً…..فذلكما الروحان، ما إن رأيتهما أول مرة حتى أحسست أنهما مجرد نفايات.”
ثم تابع ببرود،
“إذاً جانغ أون وو الآن لا يعنيه كونه أضحيةً أو غيره. كل ما يشغله هو قطع عنق آخر واحد منهم بيديه.”
طبعًا.
ألم يقل بنفسه،
“احتضنتها وأنا أبكي، لكن الألم كان أقوى من أن أحتمله. فانهرت على الأرض، وأخذت أقبض التراب من حولي، أقبضه مرارًا وتكرارًا.”
تذكرت سِيان ذلك الهمس الثقيل، فرددت بخفوت،
“التراب والدم…..ذلك الإحساس الحي الذي امتلأت به يداي في ذلك اليوم…..لا أستطيع نسيانه أبدا.”
دم خطيبته التي انتحرت أمام عينيه.
ذلك التراب الرطب. قسمٌ لا يُمحى.
“تلك اللحظة بالذات، كانت اللحظة التي حفر فيها جانغ أون وو قسم الثأر في عظامه.”
***
كانت قطرات المطر الرذاذية تتطاير كالدخان، تملأ العالم. تأتي من العتمة، و تلمع للحظة تحت ضوء المصابيح، ثم تختفي سريعًا في الظلام…..
تمامًا مثل حياة البشر.
من فوق سطح ورشة معلمته، كان جانغ أون وو يطلّ إلى الأسفل.
هناك، عند الطاولة الخارجية للمتجر الصغير المواجه للورشة، جلست لي سِيان مع زوجها.
يبدوان متقاربين، يتحدثان بهدوء وهما يتناولان الزبادي جنبًا إلى جنب، مثل أي عاشقين في مشهد مألوف حد الابتذال.
لكن حديثهما، كان مختلفًا عن أحاديث سائر العشاق. لم يكن سوى عن جانغ أون وو، وعن مصيره.
قالت سِيان كلامًا جادًا، فاستمع زوجها باهتمام ورد بإيجاز، ثم واصلا حديثهما الخافت. بينما كانت نظراتهما معلقةً على بعضهما، كما لو أن الآخر هو النور والحياة نفسها.
وفجأة، خطف الزوج علبة الزبادي من يدها وأكل منها.
كان رجلاً يفيض بهيبة فاخرة وخطورة محكمة، ومع ذلك، بدا عبثه الطفولي معها طبيعيًا بشكلٍ مدهش.
ثم تذمرت سِيان بوجه جاف، فبادلها بابتسامةٍ ماكرة وإجابة وقحة.
ضحكا معًا في آنٍ واحد، ثم عادا يتبادلان النظرات والهمسات الجادة.
كما كان هو ويي جين ذات يوم بعيد…..
تلك الأيام التي غدت الآن مجرد ذكرى غائمة، باهتة، مؤلمة.
ظل جانغ أون وو واقفًا في رذاذ الليل، على سطح مظلم، يحدق بعينيه الباردتين، بعيني الذئب، إلى الزوجين في صمت.
***
الساعة الثالثة فجرًا.
لم يتبقَّ سوى ثلاث ساعات قبل أن يجيب على عرض الأفعى.
المطلوب كان بسيطًا: أن يقود لي سِيان وزوجها إلى متحف الآثار القديمة في يومسادونغ بجونبوك. يكفي أن ينفذ هذا الأمر السهل، وسيُمنَح فرصة إتمام انتقامه بلا عائق.
لكن إن رفض عرض الأفعى…..فلن يموت موتًا هادئًا.
منذ البداية، لم يكن ينوي تسليم نفسه إلى أوتيس.
فأوتيس لا يرونه إلا مجرمًا، وسيمنعونه بأي ثمن من إتمام آخر ثأر له. و قبول عرضهم لم يكن يجلب له إلا الخسارة.
وبالنهاية، لم يبقَ أمامه سوى الأفعى…..غير أنه لم يكن من السذاجة ليصدقها كليًا.
حتى لو سلّم لهم زوج سِيان كما طلبوا، فما الضمان أن لا يأخذوه معه من المتحف في الوقت نفسه؟
لقد قالوا أن “الذبيحة الحية الوحيدة الباقية في كوريا” هي هو، جانغ أون وو. فكيف يعقل أن يتركوه حيًا، وهو وحده ما يمدهم بالبقاء؟
لم يصدق لحظةً أن تلك الأفاعي، القاسية العجوزة، ستتغاضى عن مرضها وشيخوختها لتمنحه الحياة.
صحيحٌ أنهم أظهروا “الكبسولة” ليقنعوه بأنها تكفي، لكن ذلك لم يكن إلا مثل ذئب يلطّخ كفيه بالطحين ويطرق الباب متظاهرًا بالبراءة طالبًا الثقة.
خدعة رخيصة، لا يمكن أن تنطلي على حدسه الحاد.
الفيديو الذي عرضته عليه سِيان كان من العام الماضي، أي أن الطقس قد أُقيم مجددًا مطلع هذا العام.
الكبسولة لم تكن إلا مكمّلًا. و كان لابد لهم من الطقس، ومن ذبيحةٍ تُنتزع منها القلوب.
إذاً، حتى لو قبل عرض الأفعى، فلن يكون مصيره إلا أن يُذبح في النهاية. و الفرق الوحيد أن الأمر سيُؤجَّل أيامًا قليلة، إلى أن يسلّم لهم زوج سِيان.
بلا تعبير، فتح حقيبته الكبيرة، وأخرج منها كوبين ملفوفين بالفقاعات الواقية، ثم وضعهما بعناية فوق منضدة الورشة الخالية.
كانا كوبَي شاي من طين أحمر، لم يكتمل حرقهما بعد.
أحدهما له، والآخر لخطيبته يي جين.
بعد أن أسس ورشتهً فور أن أقسم على الانتقام، استخدم أجود طين جمعه بيديه ليصنعهما بكل قلبه.
وتعمد أن يتركهما غير مكتملين، ناصفَي الحرق، واعدًا نفسه أن يُتمَّهما فقط في يوم ينتقم فيه كاملًا.
حدق أون وو طويلاً في الكوبين المصنوعين لخطيبة ماتت، بلا حركة، و بلا نفس.
تيك… تيك… تيك…
لم يكن في الورشة سوى عقرب الساعة يواصل سيره الرتيب.
والأغرب من ذلك كله…..أن عينَي لي سِيان، بلونهما البني الفاتح، لم تفارق ذهنه منذ لحظة مشيهما المتوازي في ظلام الزقاق خلال عشر دقائق.
حتى حين تذكّر جلوسها عند طاولة ورشته، عادت صورتها إلى عقله بقوة.
فحين كانت تبتسم، بدا كأن ضوءًا يشتعل من أعماق عينيها، فيزداد لونهما إشراقًا، وتلك الهالة الشفافة كانت نسخةً طبق الأصل من يي جين.
حتى أنه كلما ضحكت نحوه، وجد نفسه يحدق في عينيها فقط.
عينان تبتسمان له…..توبازٌ دافئ يلمع فيهما، فيُخيَّل إليه — ولو لحظة — أنه جالسٌ وجهًا لوجه أمام يي جين حيةً تُرزق.
مدّ يده يلمس الكوب الطيني أمامه. و ملمسه كان خشنًا ناعمًا في آنٍ واحد، مثل تراب جاف محكم الجفاف.
رفع أحد الكوبين إلى مستوى عينيه، تفحصه برهة، ثم أعاده إلى مكانه. بعدها تناول الآخر، وأدارَه ببطء بين أصابعه، يتأمله بعناية، قبل أن يضعه بجوار رفيقه الأول.
الآن، كما لو أن لي سيان وزوجها يجلسان متقابلين على الطاولة أمام المتجر في ليلة ماطرة.
قبل أن تموت يي جين، كما اعتادا دائمًا، قرّبا فنجانين من الشاي حتى يبدوا كأنهما فنجانٌ واحد.
“يقولون أن الحب لا يمكن أن يُرى في شكل، لكن يبدو أن من يقول هذا لا يعرف شيئًا.”
هذا ما قالته يي جين ذات مرة.
كان ذلك صباح يوم أحد، حوالي العاشرة. كان مستلقيًا على السرير المفروش بالملاءات البيضاء يتفقد هاتفه، حين غفت يي جين على ظهره وألقت جسدها فوقه برفق.
“حين يلتصق جسدان هكذا، يُدرك المرء على الفور كم هو سعيد.”
ثم طبعت قبلةً على كتفه، وهمست بنبرة نصف نائمة.
“أليس هذا هو شكل الحب نفسه؟”
في الليلة السابقة كانا قد تناولا الطعام معًا، وتبادلا الأحاديث الصغيرة، ثم عاملا بعضهما برضا، وناما في سرير واحد ليستيقظا فيه، وكل منهما يتخيل الغد بنفس السعادة، مستبشرين بمستقبل مشرق.
تلك السعادة نفسها كانت هي الحب.
في ذلك اليوم، كل كلمة وحركة وتعابير وجهها كانت تلمع، كأنها تتحرك في ضوء صافٍ متألق.
طَقطَق-
أمسك أون وو بورق الصنفرة بين أدواته المرتبة، وراح يُلمّع بلا مبالاة الفناجين التي شكّلها أول مرة.
وأثناء عمله، تذكر نفسه مع يي جين، لكن صورة لي سيان وزوجها ظلت تتداخل في ذهنه.
في مشغله المضاء بحمرة الغروب، رأى صورة زوج لي سيان وهو يقبّل كتفها، ورآها هي تلمس وجنته بحنان، والاثنان يضحكان في وهج الضوء…..
ذكرياتٌ حنّت نفسه إليها، مؤلمةٌ وسعيدة في آن.
وكلما فكر في الأمر، أدرك أن طرق الحب تختلف، لكن أفعاله متشابهةٌ بين جميع العاشقين.
أشكال وألوان الأواني قد تتباين، لكنها كلها في النهاية أوانٍ، كما أن الحب مهما اختلف يبقى حبًا.
سمع زوج لي سيان في مشغله يهمس لها بصوت خافت، لا بد أنه كان حديثًا عابرًا لا قيمة له، مثل تلك الأحاديث التي ينساها العشاق بعد قليل.
لكن مثل هذه اللحظات الحانية كانت تفيض يومًا بعد يوم في حياة أون وو أيضًا.
لقد أحبها بجنون، وكان سعيدًا إلى أقصى ما يمكن أن يبلغ إنسان.
كان له مع يي جين ما لزوجي لي سيان من قبَل ولمساتٍ وضحكاتٍ وسعادة لا تُنسى.
ملأ ذلك الحب حياتهما حتى فاض، كما لو أنه وُضع في إناء واسع ممتلئ. لكن سعادتهما تحطمت في لحظة واحدة، ولم يبقَ له سوى شظايا واقع متناثر عند قدميه، كقطع فخارية مكسورة.
تابع أون وو الصنفرة بلا انقطاع، بلا ملامح على وجهه.
وبينما يعمل، أخذ العرق يتصبب من صدغيه ورقبته، ى لكنه لم يفكر حتى في مسحه. و كل ما فعله أنه أفرغ قلبه وروحه في التركيز على عمله.
فالفنجان لا يحدده لونه وحجمه فقط، بل ملمسه في اليد، وسعته، ووزنه، ورقّة الحافة التي تلامس الشفاه.
أبقى على شكل الفناجين، لكنه صقلها لتأخذ إحساسًا مختلفًا كليًا.
راقية وأنيقة مثل لي سيان. مميزة وكاملة بذاتها مثل زوجها.
حوّل الفناجين التي صنعها له وليي جين، إلى فناجين جديدة مكرّسة لزوجين آخرين.
في ذلك اليوم، تمنّى لو مات مع يي جين.
تمنّى الموت حقًا. لكن الحقيقة أنه كان يتمنى الحياة معها.
كان يريد أن يعيش. تمامًا مثل لي سيان و زوجها.
________________________
طيب مستانسه من زمان على كوبل سيان وجوون بس اليون دمعت مه أون وو خطيبته واضح كان حلوه بس كله من دلوعين امهاتهم الحمير😔
المهم خلو أون وو يكمل انتقامه تكفوووووووون
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 146"