أخذت سيان خطواتها متسللةً كصيادة تتعقب وحشًا مفترسًا، تسير في حذرٍ بالغ وهي تصغي لكل حركة من حولها.
قبل قليل حين فقدت أثر جانغ أون وو في محطة المترو، كان الأمر يسيرًا لأنها عرفت أنها ستقصد “مكان وجود لينكون”، أما الآن فلم يكن أمامها سوى حواسها وحدها لتعثر عليه.
شدّت سيان حواس جسدها كلها حتى لا يفوتها حتى أنفاسه الخافتة.
بينما كانت المصابيح تبعث ضوءًا واهيًا، لكنه لا يتجاوز محيطها الصغير. و الأزقة خلف “دونغجونغ” كانت مكتظةً بمبانٍ ضيقة قديمة متلاصقة مثل مكعبات الليغو، خانقةٌ وموحشة.
لم يكن مجرد ظلام، بل كثافة حالكة كأنها أمواجٌ سوداء تتسع من تحت قدميها كلما تقدمت خطوة.
هل جاء جانغ أون وو فعلًا إلى هذا المكان؟
رغم اعتمادها على حدسها، إلا أنها وبعد مرور ما يقارب خمس عشرة دقيقة دون أثر واحد له، بدأ يقينها يتزعزع.
إن فقدته الآن ووقع بين أيدي الأفاعي، فسوف تفشل المهمة تمامًا.
و بتعب مضطرب توقفت في مكانها، تدور بنظراتها في العتمة التي تغمر الزقاق.
لقد ابتعدت حتى سبعمئة متر عن الموضع الذي نزل فيه من سيارة الأجرة.
لقد توغلت بعيدًا جدًا…..
ترددت لحظة بين المضي قدمًا أو العودة أدراجها، ثم حسمت أمرها بأن تتقدم فقط مئة متر إضافية.
خلف لافتة محل تصليح باهتة الطلاء، تلألأت عينان كشررٍ في العتمة.
إنها حدقتا جانغ أون وو.
كان منكمشًا خلف اللافتة على بعد خمسين سنتيمترًا فقط، يترصدها بعينيه الجاحظتين.
مجرد ثانية واحدة، تكفي لأن يشهر جانغ أون وو خنجره أو تستل سيان مسدسها، وينتهي كل شيء.
فارتجفت أناملها لا إراديًا، فيما كان الدم المتوتر يندفع بقوة من قلبها.
دق… دق…
لكنها، بكل جسارة، واصلت السير متجاوزةً جانغ أون وو.
طَقطَق… طَقطَق…
ببطء… ببطء…
حافظت سيان على وجهٍ جافٍ متماسك، تحدق إلى الأمام دون أن تسمح لعينيها بأن تنحرف نحوه ولو مرة واحدة.
طَقطَق….
مع كل خطوة تخطوها، كانت تشعر بأن عينيه، بعين الذئب تلك ذات الثلاث بياضات، مثبتةٌ عليها كأنها هدفٌ للصيد.
ومع ذلك، واصلت خطواتها بثبات لا يتزعزع، تمشي بوقار حتى اتسعت المسافة بينهما من جديد عشرين مترًا.
“هُووف..…”
لم تفرج عن أنفاسها الثقيلة إلا حين ابتعدت، لتكتشف أن عنقها وظهرها ابتلا بالعرق خلال تلك اللحظات القصيرة.
وقفت عند الرصيف المؤدي إلى الطريق العام، ونظرت نحو الأزقة المعتمة وراء “دونغجونغ”، مظلمةً بعمق كأعماق البحر.
وما إن لبثت قليلًا حتى رأت هيئةً سوداء تتحرك ببطء.
جانغ أون وو كان يتنقل عبر الزقاق. عندها سارت سِيان بمحاذاة الطريق، بخط مستقيم موازٍ لخطواته.
وحين اجتازت بضعة مبانٍ، التفتت بخفة لترى، فإذا بجانغ أون وو يخرج من عتمة الزقاق مرة أخرى.
مضيا معًا، بصمتٍ مطبق، بنفس الوتيرة، وكأنهما يخوضان معركة خفية لا صوت لها.
كأن كليهما يختبر قوة أعصاب الآخر.
كخطين متوازيين لا يلتقيان أبدًا، سارا في الشارع الخالي عند الفجر، وبينهما زقاقٌ واحد فقط.
كلما غاب جانغ أون وو في العتمة الكثيفة، نبض قلبها قلقًا، وما إن عاد يطل منها ببطء حتى عاود قلبها الى الهدوء.
وعند بداية كل زقاق، كانا يتبادلان نظرات بعيدة تؤكد أن الآخر ما يزال هناك…..ثم يواصلان السير مجددًا.
“أليس ذئبًا جميلاً؟”
نعم…..كان جوون محقًا. فجانغ أون وو كان ذئبًا جميلاً.
وبعد نحو عشر دقائق من السير بمحاذاتها، انعطف جانغ أون وو عند مفترق طرق، عبر الشارع، ثم تقدم عشرين مترًا إضافية قبل أن يطرق باب ورشةٍ غارقة في الظلام.
ووفق ما ورد في ملفات العميلة “G”، كانت تلك ورشة معلمه الذي درّبه على صناعة الخزف.
بعد برهة قصيرة، فُتح الباب، وظهرت امرأةٌ في منتصف عمرها، نصف شعرها قد شاب، تطل بوجهٍ نعسٍ ولكنه مرحب.
و لم ترسل سِيان تقريرها لفريق “أوتيس” بأنها “أكدت موقع جانغ أون وو” إلا بعد أن اختفى تمامًا داخل الورشة.
***
“قيل أنه توفي في جزيرة جيجو، فإذا به يُشيَّع في سيول.”
راح المعزّون ينقرون ألسنتهم بأسى.
“الجد تقاعد بسبب المرض، والأب مات بورمٍ في الدماغ. والآن حتى الطفل مريض، أليس كذلك؟”
“يبدو أنها لعنة العائلة. لديهم العديد من الأمراض.”
“ألم يقولوا أن حفيدته كانت ستموت صغيرة؟ في الخامسة من عمرها ربما…..كان ذلك في العام الذي مات فيه والدها، أليس كذلك؟ سمعنا أن الأب هو الذي رحل بدلًا من ابنته.”
“وهذه المرة، قيل أن الجد في جيجو لم يمت بسبب المرض، بل انتحر.”
“هش!”
أقارب الفقيد ومعارفه تبادلوا الهمسات بخفة. أما رجال “أوتيس” فلم يعلنوا قدومهم أصلًا؛ و دفعوا العزاء بالمال، ثم اكتفوا بتأمل صورة الفقيد لحظة، وغادروا من غير كلمة.
عملاء “أوتيس” كانوا يكرهون حضور الجنائز بشكل لافت للنظر. و غالبًا ما يكتفون بإرسال التعازي.
لكن هذه المرة، وربما بفضل سمعة الزعيم السابق “كانغ وان غيو” الذي امتدت ولايته وكان محبوبًا، حضر بعض النجارين المسنين والعملاء المتقاعدين على نحو متفرق.
وقد عثر جوون على الرئيسة في الفناء الخلفي لقاعة العزاء.
كانت تتحدث همسًا مع حفيدة الفقيد على انفراد.
و وجه الفتاة كان شاحبًا، مرسومًا بالحزن العميق. فجدّها هرّب ملفات مهمة من مكان عمله للخارج، حتى انتهى بها الأمر إلى الخضوع لتحقيقٍ من لجنة التفتيش.
وبسبب فضيحة الجد، قُطعت عنها معظم الامتيازات التي كانت “أوتيس” تمنحها.
غير أن الرئيسة بذلت جهدًا فأبقت لها حق الاستفادة من المستشفيات التي تستثمر فيها “أوتيس” وتدعمها.
ولأن طفلها كان كثير المرض، فقد بدا عليها ارتياحٌ كبير وامتنانٌ بالغ لتلك المساعدة.
كان يبدو أنهما يتحدثان في ذلك الشأن…..غير أن عيني الرئيسة كانت حادةً بشكل غريب، وكأنها تلقنها نصيحة بالغة الأهمية لا مجرد مواساة.
خاتم؟
ارتجفت عينا جوون للحظة واتسعتا.
ربما كان مجرد وهم، لكن بدا له أن شفتي الرئيسة نطقتا بعبارة: “احترسي”.
فما كان من الحفيدة إلا أن أومأت برأسها المتوتر، بينما الرئيسة قبضت برفق على كوعها، كأنها تنبهها على أمر جلل.
ومن خلف جدارٍ غارق في الظلام، راقب جوون المشهد بعينين ضيقتين.
***
في الثانية فجرًا. لقد كانت ليلةً أقرب إلى ساحة حرب.
فريق “أوتيس” الآخر اشتبك اشتباكًا قصيرًا مع رجال مجهولين، فيما بدا أن العميلة “G” واجهت عناءً شديدًا بعدما طُلب منها تعقب سيارة توقفت عشرين ثانية قرب التاكسي الذي استقلّه جانغ أون وو ثم انطلقت مبتعدة.
• “إنهم حقًا كالأفاعي. سريعين، زاحفين في الظلال. يفرّون بسرعة البرق مستغلين العتمة، وفوق ذلك هناك مخترق من طرفهم يواصل تعطيل تتبعي. بل ويحاول اختراقي أيضًا؟ هل يظن أني لقمةٌ سائغة؟”
يبدو أن نار التحدي اشتعلت فيها، فظلت صامتةً طويلًا بعد ذلك قبل أن تتواصل أخيرًا مع سِيان.
• “لا أحب أن أتباهى، لكن اليوم أنجزت شيئًا.”
“الشخص الذي كان في السيارة، هل عرفتِ من هو؟”
وكأنها إجابةٌ عن سؤالها، اهتز هاتفها مطلقًا أزيزًا قصيرًا، ثم وصلتها أربع صور.
• “هذه المرأة. هي التي جلست في المقعد الخلفي للسيارة قبل قليل.”
كانت الصور، المكبرة من كاميرات المراقبة المرورية، تظهر امرأةً وهي تستقل زورقًا آليًا صغيرًا عند ضفة نهر مظلم يخلو حتى من أعمدة الإنارة.
وما إن وقعت عينا سيان على تلك الصور حتى ارتجف جسدها بصدمة.
لم يكن ظنًا بعد الآن، لقد اصطادت عبر جانغ أون وو طُعمًا حقيقيًا…..سمكة قرش بيضاء، هائلة وخطيرة.
ذلك الشعر المرفوع كعشٍّ دائري، لم يكن لغير “الثعبان الأسود” تشوي دال سو.
نعم، كانت هي بلا شك.
وهذا لا يعني سوى أمرين.
أولًا: أن تشوي دال سو موجودةٌ فعلًا في كوريا. وثانيًا: أن جانغ أون وو مهمٌ إلى درجة أنها اضطرت للاتصال به بنفسها، كأضحية حية لا غنى عنها.
زفرت سيان أنفاسها مفرغةً التوتر من صدرها، وشدّت كتفيها.
كانت قد طلبت من الرئيسة أربعًا وعشرين ساعة، لكنها عاشت ضغطًا رهيبًا من فكرة أن تعود خالية الوفاض وقد فقدت جانغ أون وو.
“تُرى، هل يعرفون أننا حصلنا على هذه الصور؟”
• “طبعًا يعرفون. ثم إني سأبدأ الآن بهجوم مضاد. دعي الأفاعي يتذمرون قليلًا.”
قالت العميلة “G” ذلك بضحكة خفيفة ثم أنهت المكالمة.
• “أريد بعض المرح. لنتحدث لاحقًا.”
وضعت سِيان علبة القهوة المعدنية على الطاولة الخارجية أمام متجر صغير وجلست، وفي اللحظة ذاتها تقريبًا ظهر لينكون أمامها مثل هبة ريح بيضاء.
“أحسنتَ، لينكون. شكرًا لك.”
وطبعت قبلة امتنان على جبينه.
غير أن لينكون، وقد استبد به الغضب لفشله في الإمساك بالهدف، وربما خجِل لأنه خيّب أملها، أسند رأسه بعبوس على ركبتيها.
كانت تعرف أنه لا يمكن للروح أن تعبر النهر أو البحر بمفردها، ولهذا، بمجرد أن رأت صورة الزورق التي بعثتها العميلة “G”، أيقنت أن لينكون سيعود إليها.
لكنها أيضًا تعرف أنه حين يكون مكتئبًا هكذا، يكفي أن تكلفه بمهمة جديدة ليتبدل مزاجه.
“أعلم أنكَ وصلت للتو، لكن اسمح لي أن أطلب منكَ أمرًا آخر. هلّا تراقب جانغ أون وو هذه المرة؟”
وفورًا، ضرب لينكون الأرض بذيله في حماس، ثم اندفع إلى الورشة الصغيرة لصناعة الخزف المجاورة للمتجر.
فابتسمت سِيان وهي تتابعه بعينيها، ثم أعادت فتح صور العميلة “G”.
لقد حاولت تشوي دال سو، “الثعبان الأسود”، أن تقترب من جانغ أون وو في منتهى السرية، لكن هويتها انكشفت.
وبينما هي تفعل ذلك، ظلت سِيان ملازمةً لجانغ أون وو حتى النهاية، فلم تفقده ولم تدعه يقع بين يدي الأفعى.
كانت هذه الليلة انتصارًا لـ “أوتيس”.
لكن الانقباض في صدرها لم يتبدد، والقلق ظل حاضرًا. فليس معقولًا أن تقترب تشوي دال سو من جانغ أون وو بلا سبب.
على الأرجح، عرضت عليه صفقةً ما…..ومن المرجح أن العرض كان “الحماية الأكيدة”، لكن السؤال الذي لم تجد له جوابًا هو: ما الذي طلبته مقابل ذلك؟
أراحت سِيان هاتفها على طاولة المتجر، وضغطت بأصابعها المتعبة على عينيها.
“ليلةٌ مرهقة بحق، أليس كذلك؟”
انطلقت نبرة جوون من خلفها، ثم مد يديه ليدلك عنقها وكتفيها. فضحكت سِيان بخفة، قبل أن ترتسم على محياها ابتسامةٌ دافئة.
“صحيح.”
بصوت مبحوح قليلًا، أبدت موافقتها، بينما رفعت يدها اليمنى تتحسس كفه كأنها تتأكد من وجوده.
لمجرد كونه بجوارها، أحست كطائر عاد إلى عشه الدافئ. و الآن فقط، انفرج توترها واستسلمت للطمأنينة.
وأسندت رأسها برفق إلى صدره مجيبة،
“إنها ليلةٌ مرهقة، والمطر ينهمر…..ومع ذلك، ليست ليلةً سيئة على الإطلاق.”
__________________________
احس ماتعودت على الرومنسيه بينهم بس هنا يجنوووون وهي متعنزه عليه🤏🏻🫂
وملاحقة سيان واون وو ذي الي كأنهم فيلم مصري ولا هندي عسا ماشر وش الي يمشون ويشوفون بعض😭 ضحكت
المهم متى يعرفون ان الافاعي يبون جوون🥲
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 145"