كان القمر أحمر. و صوت المطر الممتد طويلاً عند أذنه كان كوشوشة شبح مخيفة.
في مثل هذه الليلة، كانت شتى الغرائب تتجول في الجبال بلا أثر لخطواتها. فبعضها كان ينعق كالبوم ليخدع الناس، وبعضها كان يعتلي ظهور المتسلقين التائهين ليغادر الجبل معهم.
خرج جوون وحيداً يمشي وسط الغابة على بُعد 400 متر من مشغل أون وو. بينما كان الضباب الكثيف يغطي الجبل كله مثل تنورة بيضاء، مضفياً جوّاً كئيباً.
ولأن الريح لم تهب، بقي الضباب ساكناً ثقيلاً متراكمًا في مكانه كالوحل. و شق هو طريقه داخل الضباب الرطب غير آبه، وظل يتقدم. إلى أن وصل أخيراً إلى المكان الذي اعتاد جانغ أون وو أن يجلب منه الطين الجيد.
لم يُشعل جوون ضوءاً باستهتار، بل اكتفى بمسح المكان بعينيه. ووجد ما يبحث عنه.
فوق صخرة كبيرة مسطحة، كان هناك فنجان بورسلان أبيض موضوعاً وحده.
كانت خطوط الفنجان رشيقة جميلة، وبدا أن جهد الخزّاف ممتلئ فيه….لقد كان تحفةً فنية لا شك فيها.
ثم اقترب جوون من الصخرة لكنه لم يلمس الفنجان.
قديماً، كان الخزّاف يملأ أروع أعماله ماءً أو شايًا ويقدمه لروح الجبل، وفاءً بما أخذه من طين أرضه.
لكن تلك العادة انقطعت تماماً، ولم يعد أي خزّاف يؤديها، حتى جانغ أون وو لم يفعل ذلك لأنه كان يؤمن بوجود القدر.
غير أن مرور الزمن قد يجعل البشر ينسون طقوسهم، أما الأرواج فلا ينسون ما قُدِّم لهم ولو مرة.
شق جوون كف يده بخنجر برونزي فسال الدم، ثم أسقط قطراته في ذلك الفنجان الأبيض الذي قدّمه أون وو لروح الجبل.
إنها دماءه، دم صاحب قوة روحية جبارة وُلد بها، يقدّمها لروح الجبل.
قشعريرة-
شعر فجأة بأن شعر جسده كله ينتصب، وغمره خوفٌ غامض أشبه باختلاط العوالم.
فأخرج جوون من جيب سترته جرساً برونزياً صغيراً، وهزّه بضع مرات مطلقاً رنيناً رقيقاً قبل أن يضعه بحذر قرب الفنجان.
ذلك الجرس كان نداءً للروح، رجاءً أن تأتي.
قشعريرة، قشعريرة متلاحقة-
الضباب الكثيف انبعث منه بردٌ جارف كرياح الشتاء الشمالية، ومن خلف ذلك الضباب الجليدي بدأ شيء ما يقترب منه.
صوت صرير… صرير… صرير متقطع يقترب-
‘إنه قادم.’
جذب جوون أنفاساً متوترة.
قال لسيان أنه مجرد “روح الجبل”، وهو كذلك فعلاً، لكن تلك الروح كانت على نحو مدهش….
“أغت.”
شد جوون على أضراسه متحاملاً على قوة الروح التي كانت تضغط عليه. بينما كانت الأرض تحت قدميه ترتج بفعل الموجات المتدفقة من اقتراب روح الجبل.
إن كانت أرواح الشمال تحكم سلسلة نانغريم التي تحتضن هضبة كايماغوون، فإن أرواح الجنوب تحكم سلسلة جبال تيباك، العمود الفقري لشبه الجزيرة الكورية.
دق… دق…
نبض قلبه صار خشناً مضطرباً.
ومن وراء الضباب، أحس بجلاء أن عيني روح الجبل الحادتين مسمرتان عليه.
بمجرد ذلك البريق القوي في عينيها، اندفعت نحوه قوة ضاغطة كادت تسحقه أرضاً وتحبس أنفاسه.
لكن جوون أتم طقوس الاحترام بثبات لا يتزعزع.
وبعد أن أنهى طقسه بتروٍ، اعتدل واقفاً، وحدق مباشرة في عيني الروح، ثم طلب منها بوقار،
“ألتمس منكَ العون يا سيد تيباك.”
***
طَق! طَنين!
قطع جوون القفل المثبّت على مدخل مشغل أون وو بمقصّ حديدي. ثم فتح الباب، ودخل وهو يدير الضوء ليفتش المكان.
كانت هناك أطباق كبيرة وصغيرة، وأوانٍ مختلفة مكدسة في الداخل ببرودة توحي أنها مدفونات في قبر قديم.
فحص خمس لوحات خزف أزرق واحدة تلو الأخرى، ثم فتح باب مخزن الطين.
وفي عتمة حالكة، ظهر بوضوح حوض استحمام أبيض وحيد. فسلط ضوءه عليه، ثم تفقد الحمام والمطبخ قبل أن يتجه نحو غرفة النوم.
فتش أركانها الأربعة بدقة، وفتح الخزانة أيضاً، لكن…..لماذا لا يوجد شيء؟
لم يرَ الأرواح التي قتلها جانغ أون وو.
بما أن قوة روح الجبل كانت تملأ المكان، فلا بد أن الأرواح التي ماتت هنا تحولت إلى أرواح حبيسة. والأدهى أنه قد رأى بنفسه بالأمس وجود روحين في هذه الورشة، لكن اليوم لم يظهر له أي منهما.
أيمكن أن…..روح الجبل قد التهمتها؟
فمات خمسة، ولم يتبق سوى اثنين، وها هما أيضاً ابتلعهما، فيكون قد جاء إلى هنا عبثاً…..؟
“تاي جوون.”
راقصة الباليه ذات الشعر البني طويل نادته من جانب عجلة الفخار المظلمة، ثم اختفت كالوهم لتظهر خارج المشغل.
كانت تنشر تنورتها القرمزية كضباب دموي وهي تختفي وتظهر، وهذه المرة نادته هامسة من مدخل أفران الحرق.
“تاي جوون..…”
تبعها جوون بخطوات ثابتة: طَك… طَك… طَك، وهو ينزل درجات منخفضة، حتى دخل أفران الحرق المعتمة التي تفوح منها رائحة الحطب المحترق.
وفي داخلها، كانت كوابيسٌ مظلمة متجمدة في وضعيات عجيبة.
حرّكت راقصة الباليه ذراعها البيضاء وحدها، و انسيابها كان رشيقاً كعنق بجعة، تاركاً أثرًا باهتًا في العتمة. ثم أشارت نحو الفرن المنطفئ.
كانت تلك إشارة إلى “هنا”.
جلس جوون بهدوء أمام الفرن، وفي اللحظة نفسها انخفضت كوابيس الظلال التي حوله مقلدةً حركته.
وضع كلتا يديه على أرض الطين، وانحنى بجذعه للأمام حتى كاد يلامس الأرض، ثم ألقى ببصره داخل الفرن الأسود المعتم كالحبر.
ثم خرجت منه ضحكةٌ صغيرة برضا. ففي قعر الفرن المظلم كهاوية سحيقة، كان هناك ضوءان صغيران، باهتان، يلمعان.
عينَا شبح.
أحد الأرواح، بوجه شاحب يميل إلى الزرقة، كان قابعاً داخل الفرن الضيق، جالساً بانكماش، ورأسه مائل نحو كتفه، يحدّق بثبات في جوون.
التقت عينا جوون بعينيه مباشرة وسأله،
“أنتَ…..ما اسمكَ؟”
***
عندما نزل جوون إلى ورشة أون وو، تمكّن من معرفة اسم أحد الضحايا.
وكما كان متوقعاً من تاي جوون. عرف ذلك بسرعة، تقريباً فور وصوله، ومعه أيضاً تفاصيل عمر الضحية، ورقم هاتفه المحمول، وعنوان سكنه، وعدد أفراد أسرته.
رفعت سيان يدها على جانب الطريق، فتوقفت فوراً حافلةٌ صغيرة تتسع لاثني عشر راكباً. كانت مقراً متنقلاً مؤقتاً يجري تشغيله للتعامل مع الموقف بشكل فوري.
صعدت إلى المقعد الخلفي، وظلت على اتصال هاتفي مع جوون، تنقل كل ما يخبرها به إلى العميلة “G”.
و قرروا أن يطلقوا على هذا الضحية اسم الرمز “E”.
“هل كان شبح الضحية E وحده فقط موجوداً في مشغل أون وو؟”
سألت سيان، فأجاب جوون عبر صوت الهاتف،
• “نعم. واحد فقط، وكان مختبئاً داخل الفرن.”
لكن الأرواح في الأصل لا تُرى بأعين البشر، فكيف لشبح أن يختبئ؟
“ربما لأنه خشي روح الجبل؟”
• “هذا محتملٌ أيضاً، لكن بعد أن تحدثت معه، بدا أنه يخاف جانغ أون وو أكثر.”
شبح يخاف قاتله..…؟
كانت هناك أمورٌ كثيرة تدعو للغرابة، لكن كان لا بد من التحقق أولاً من الأهم.
“الضحيتان اللتان قُتلتا على يد جانغ أون وو كانا رجلين، صحيح؟ في الثلاثين تقريباً، وبنيةٌ جسدية قوية.”
“صحيح.”
“وهل سألت الضحية E عن سبب قتله؟”
• “نعم. لكنه رفض الإجابة بشكل قاطع، ثم فرّ هارباً مذعوراً.”
الشبح فرّ هارباً…..فلنقل أن ذلك مفهوم، فجوّ جوون المخيف يكفي لذلك.
لكن أن يُسأل عن سبب قتله، فيرفض الإجابة قطعاً…..كان ذلك ردّاً مريباً.
خصوصاً أن الضحية E في الثلاثين من عمره، رجلٌ في أوج قوته وحماسه. كان المفترض أن ينفجر غضباً ويصرخ بظلامة موته…..لا أن يصمت على هذا النحو.
انتاب سيان شعورٌ غامض بالريبة، فقطعت الاتصال مع جوون، وتذكرت تلك اللوحة الخزفية الزرقاء التي أسرتها بنظرة واحدة.
لم تكن مجرد لوحة خزف عادية. كانت عملاً صُنع من طين عجّن بالدم، وأُحرق مع جثة.
طين.
دم.
نار.
أي أنه صُنع بقتل رجل.
أن تكون الضحية رجلاً كان أمراً غير متوقع إطلاقاً.
ألم يكن بحاجة إلى دم يشبه دم خطيبته الذي قبض عليه بيده يوم المطر في الجبال؟
كان من الطبيعي أن نفترض أنه قتل خمس نساء يشبهن خطيبته ليصنع لوحاته. فلماذا إذن أراد جانغ أون وو أن يصنع خزفاً بدم هذا “الرجل الثلاثيني E”؟
قررت سيان أن تحوّل محور تفكيرها من جانغ أون وو إلى الضحية E نفسه.
لماذا قتله جانغ أون وو؟
بل لا…..لماذا قُتل E على يد جانغ أون وو؟ هذا هو السؤال.
“أريد تتبّع كل ما يتعلق بالضحية E. عمله، أصدقاؤه، هواياته…..كل ما يمكن جمعه، ابحثوا بأقصى ما تستطيعون.”
ززز… ززز… ززز…
قبل أن تنهي مكالمتها مع العميلة “G”، كان جوون قد أرسل دفعةً من الصور.
ثم وصلتها رسالة أخيرة منه،
<~: سأمرّ سريعاً على جنازة الرئيس السابق كانغ وان غيو، ثم أتجه إليكِ.>
كانت ترغب أصلاً في التحقق من أجواء تلك الجنازة، لذا سعدت بحركة جوون السريعة. فردّت عليه بالموافقة، ثم انشغلت بفتح الصور.
كانت صور ورشة أون وو.
أدوات العمل التي يستخدمها، غرفة نوم بسيطة لا تحوي سوى الفراش، و المرحاض، دورة المياه مع الحوض، و المطبخ، مجفف الطين الخاص بالخزف، و خمس اللوحات الخزفية الزرقاء التي أسرتها، وحتى الحامل المخصص لـ”اللوحة السادسة” التي ستوضع لاحقاً—كلها موثقةٌ في الصور.
حقاً كان رجلاً يؤدي عمله بإتقان دون ثغرات.
“المطرقة.”
المطرقة الثقيلة التي كان يحطم بها الخزف الفاسد بجرأة…..لم تظهر في أي صورة.
حتى صور الفرن فحصتها بعناية مكبرة، ولم يكن هناك أثر لها.
وأيضاً…..
“السكين.”
السكين لم يكن موجوداً.
بين الأدوات كان من المؤكد وجود سكين نحت، لكن في الصور لم يظهر على الإطلاق.
إن كانت المطرقة والسيف قد اختفيا، فالأرجح أن سبب مغادرته المشغل لم يكن سوى للخروج في عملية صيد.
مررت سيان طرف لسانها ببطء على شفتها السفلى.
حتى الآن، الضحايا الذين عُرفوا كانوا رجلين في الثلاثين من العمر تقريباً. وكانت هناك خمس لوحات خزفية زرقاء. ربما إذاً خمسة رجال.
وفي النهاية، ستة.
قد يكون جانغ أون وو ينوي قتل ستة رجال.
أليس من الغريب أن قاتلاً متسلسلاً يستهدف فقط رجالاً في أوج أعمارهم؟
“ستة رجال……لماذا؟ لماذا هؤلاء الرجال بالذات؟”
_________________________
يمكن لهم علاقة بخطيبته؟
المهم اول مره اسوف شي يخوف جوون كذا واو حسبت تعابير وجهه مب متغيره الا عند سيان🤏🏻
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 141"