لم يكن أون وو من النوع الذي يبدو أنه يرتدي ما تختاره له أمه، لذا كان من المفاجئ أن يرافقها في جولة تسوق مطيعة كهذه.
تأملت سيان الأجواء بحذر، ثم همست إلى قائد فريق إنقاذ العملاء المفقودين،
“بعد دقيقة، سيتواصل فريق التفاوض مع جانغ أون وو.”
• “مفهوم، نحن نراقب.”
نزعت سيان سماعة الأذن الداخلية، وسارت بخطوات ثابتة مع جوون نحو متجر الملابس.
و على بعد أربعة أمتار، كان عملاء أوتيس يتظاهرون بأنهم زبائن يتفقدون الثياب. وعلى بعد سبعة أمتار أسفلهم، كانت فرقٌ أخرى في وضع الاستعداد.
في تلك اللحظة كان أون وو يقيس سترة خريفية زرقاء، عادية المظهر من طراز ملابس الهواء الطلق. و أبدت والدته إعجابها بها، تقلبها بين يديها، فالتفت جانغ أون وو إلى الموظف وقال أنه سيرتديها ويخرج بها هكذا.
وبعد قليل، خرج هو ووالدته من المتجر بعد أن أنهيا الدفع.
ابتسمت سيان وتقدمت بالكلام وكأن اللقاء كان محض صدفة في المتجر.
فرفعت الأم بصرها نحو سيان، ثم سرعان ما حوّلت نظراتها إلى جوون، الذي كاد طوله يلامس المترين، وهيبته الثقيلة ملأت المكان، فقبضت الأم على ذراع ابنها بقلق ظاهر.
أما جانغ أون وو، فلم يُبدِ أي دهشة أو انفعال من هذا اللقاء المفاجئ. ودلم يرد حتى التحية، بل تحدّث ببرود وهو يدخل مباشرة في صلب الموضوع،
“وصلتني رسالتكِ.”
“نعم. أردت تعديلًا بسيطًا في تصميم كأس الشراب، وخشيت أن تكون قد بدأت بالعمل عليه بالفعل. إن لم تكن مشغولًا، فهل يمكن أن نغتنم هذه الفرصة لنتحدث قليلًا؟ فهناك أمرٌ مهم أود إبلاغكَ به.”
ثم وافق أون وو بلا تردد.
“سأوصل أمي إلى موقف السيارات ثم ألقاكِ بعد عشر دقائق في مقهى الطابق الحادي عشر.”
***
دخلت الأم المصعد مع ابنها، متجهةً إلى الموقف السفلي. و راحت تتأمله بقلق وهي تهمس،
“تلك الشابة وذلك الشاب…..زبائنكَ، صحيح؟ سأنتظركَ في الموقف، خذ وقتكَ في إنهاء عملكَ ولا تتعجل.”
“…….”
“هاه، يا أون وو؟”
رفع جانغ أون وو عينيه نحو لوحة الطوابق فوق رأسه، ثم انتقل ببصره إلى كاميرا المراقبة المثبتة في المصعد. بعدها التفت إلى أمه بوجه خالٍ من التعابير.
“لا تقلقي عليّ، عودي إلى البيت من فضلكِ.”
فترددت الأم، ثم تمتمت بصوت مبحوح يغشاه الاضطراب،
“أشعر اليوم بشيء غريب…..قلقٌ بلا سبب. كأن عليّ ألا أترككَ وحدكَ الآن. هيا نعد معًا إلى البيت. لقد حضرت لكَ كعك الأرز هذا الصباح خصيصًا لتأكله.”
“…….”
“بعد أيام قليلة سيكون يوم الحصاد، ابقَ في البيت على الأقل حتى ذلك اليوم، حسناً؟”
كانت الأم تتحدث بحدسٍ غريب، وكأن قلبها يرفض أن تترك ابنها وحيدًا. لكن أون وو لم يجب بكلمة.
وفي النهاية، رضخت الأم على مضض لكلامه.
“لقد مر زمنٌ طويل منذ أن طلبت مني ولدي أن نخرج معًا كما كنا من قبل، واشترينا الملابس سويًا…..حسنًا…..لا يجب أن أطمع بأكثر من هذا اليوم.”
***
“الأم والابن، الآن داخل المصعد رقم 12، نزلوا من الطابق الرابع إلى الثالث. وهناك فريقان من عملاء أوتيس وصلوا بالفعل إلى مقهى الطابق 11، وثلاثة فرق بانتظارهم في موقف السيارات تحت الأرض.”
قالت سيان ذلك، فردّ جوون ببرودٍ قاطع،
“لن يصل إلى الموقف. سيهرب قبل ذلك.”
“إذًا، هل كان قوله أنه سيلتقي بنا بعد عشر دقائق في المقهى كذبة؟”
“بالضبط. كان يريد أن يرفعنا للأعلى كي يبتعد قدر الإمكان، بينما هو يفرّ إلى الأسفل.”
رجلٌ ذكي.
حتى رد فعله في تلك اللحظة أظهر عقلًا حادًا. لا، بل إن مجيئه إلى هذا المتجر الكبير المزدحم، مصطحبًا والدته، لم يكن سوى جزءٍ من خطته للهروب خلسةً وسط الحشود.
تحرك بتلك السرعة، بلا أي تردد…..لقد كان بالفعل يظن أنهما شرطيان جاءا لإلقاء القبض عليه. و لم يكن لديه شكٌ في ذلك.
“سأقطع الطريق أمامه. سيان، أنتِ تولي مؤخرته.”
انطلق جوون كالعاصفة، يسبقها بخفة.
كان يقترح أن يطوّقا جانغ أون وو من الأمام والخلف معًا. لكن…..أي جهة سيختار للهروب؟
لا، لم يكن هروبه لغزًا. كان هدفه الحقيقي استغلال متاهة هذا المتجر المعقدة كي يتخلص من كل من يتعقبه.
و لو كانت سيان مكانه، لتوغلت في الزحام قدر الإمكان، ولتفادت كاميرات المراقبة متجهةً نحو الطابق الأول حيث الممر التجاري المؤدي إلى الخارج.
• “جانغ أون وو الآن يمر أمام قسم المفروشات في الطابق الثالث. يتسلل بين الزحام في معرض تجهيزات العرائس..…”
بمجرد أن وصلتها كلمات العميلة “G”، اندفعت سيان باتجاه درج الطوارئ في القسم C. كانت السلالم أبطأ من المصاعد الكهربائية، لكنها أيقنت أن المصاعد ستغصّ بالناس بسبب المعرض.
ركضت بخطوات متسارعة على الدرج، بينما أعادت في ذهنها خريطة الطوابق التي حفظتها قبل قليل وهي تصعد.
وفي هذه الأثناء، استمرت العميلة “G” في بثّ المستجدات،
• “خطواته ثابتة، بلا أي ارتباك. هادئ…..أو أشبه بالسكينة. وصل الآن إلى الطابق الأول، متجهًا نحو البوابة الرئيسية. ربما يقصد محطة المترو القريبة….لحظة…..تباً! في غمضة عين، خرج تمامًا من مجال كاميرات المراقبة.”
كان جانغ أون وو يتحرك في صمت، كذئب يتسلل في عتمة الليل بحثًا عن فريسته، ثم فجأة…..يختفي بخفة مدهشة.
لقد كان رجلًا حذرًا، ذكيًا، جريئًا، استطاع أن يقتل خمسة أشخاص كاملين دون أن يلحظه أحد، ويحولهم إلى خزفٍ وفخار بارد.
• “سأسبقكِ إلى الباب الرئيسي وأراقب من هناك.”
قالت العميلة “G” ذلك، لكن سيان وهي تهبط مسرعة من الطابق السادس إلى الخامس أمرت بصرامة،
“لا. هناك عند البوابة الخلفية المؤدية إلى الممر التجاري، كان يوجد مقهى مفتوح ومنتجع صحي، أليس كذلك؟ تأكدي من ذلك، وراقبي كاميرات المراقبة هناك.”
• “مفهوم، عزيزتي. نعم، هناك منتجعٌ صحي فعلًا.”
الطابق الرابع… الثالث…
• “ها هو! جانغ أون وو الآن أمام المقهى المفتوح!”
أسرع، أسرع.
صحيحٌ أنها ألصقت به جهاز التتبع “لينكون”، لذا يمكنها العثور عليه متى أرادت، لكن القبض عليه داخل هذا المتجر بالذات كان أمرًا لا بد منه.
ليثبتوا له أنه لا يستطيع الهرب كما يشاء. ليُظهروا له أن الكفة بيدهم، لا بيده.
كان لا بد أن يُدرك ذلك بوضوح، حتى يسهل بعد ذلك جره إلى طاولة الحوار.
قبضت سيان على حاجز الدرج، ثم اندفعت لتقفز هابطةً نحو منصة الطابق الثاني، وهبطت بخفة طائر.
فجلست للحظة على الحاجز، ثم انزلقت في خط واحد سريع إلى الأسفل. وفي لحظة، كانت قد وصلت إلى الطابق الأول.
ثم اندفعت خارجةً من باب الطوارئ، فإذا بظهر جانغ أون وو يلوح على بُعد ثلاثة أمتار فقط.
وأمام وجهه مباشرة كان جوون قد اعترض الطريق، شامخًا وهيبته تضغط على المكان.
فاستنشقت سيان بعمق، ثم اقتربت بخطوات راسخة، فالتفت جانغ أون وو نحوها بطرف عينه، وأدار جسده قليلًا في وضع حذر.
بينما كان المارة يعبرون حولهم في الممر التجاري، يلقون نظرات خاطفة ويمضون.
ثم تحدثت سيان بلهجة هادئة لكنها قاطعة، تحمل في داخلها قوة الإلزام،
“السيد جانغ أون وو، نرجو أن تمنحنا قليلًا من وقتكَ.”
***
في داخل الحافلة الصغيرة ذات الاثني عشر مقعدًا، المركونة في موقف المتجر، جلس ثلاثة فقط: سيان، و جوون، و جانغ أون وو.
في أي قضية أخرى، لكان قائد فريق إنقاذ العملاء المفقودين يستمع إليهم من موقع منفصل، لكن لأن الأمر يتعلق بـ “أفعى جيلجامش”، كان في غاية السرية، حتى أنهم أوقفوا تشغيل الميكروفون المزروع داخل السيارة.
• “هاه… هاه… هاه… ههئه… كخخ…”
ترددت أنفاس متقطعة، لاهثة، تملأ الحافلة.
و كان جانغ أون وو يشاهد الفيديو الذي أعطته له سيان في هاتفها المحمول. فيديو التقطته كاميرا صغيرة في يناير الماضي، حين عُثر عليه في مخيم “الغابة الزرقاء”.
كان جانغ أون وو يتابع ذلك الفيديو المريع، طقوسًا بشعة مقززة، من دون أن يرف له جفن.
حتى حين شُق صدر إنسان حي وانتُزع قلبه النابض أمام الكاميرا، وحين راحت عشرة أجساد يلطخون أنفسهم بدمه، لم يتغير وجهه قيد أنملة.
و لربما خطر له أن ما يراه مجرد مشهد مصطنع، تمثيلٌ رخيص.
لكن…..لا. هو يعرف. يعرف من خبرته، من يديه التي قتلت، أن ما في هذا الفيديو ليس تمثيلًا، بل “موتٌ حقيقي”.
ويعرف أن أنفاس المصوّر المقطوعة، ابن صاحب المخيم، لم تكن إلا شهقات رعب صافية.
أنهى جانغ أون وو المشاهدة، ثم أعاد الفيديو من جديد. وحين وصل المشهد إلى وجه كيم يون وو، تلك الفتاة التي كانت تُذبح قربانًا، أوقف الصورة.
و بقي يحدّق بلا رمشة في عينيها الغارقتين بالدموع، ثم تحدث ببرود خالٍ من أي عاطفة،
“هل معنى هذا أنني مهددٌ بالوقوع في أيدي جماعة أفعى جلجامش، ويقتلونني كقربانٍ بالطريقة نفسها التي في الفيديو؟”
“نعم.”
أجابت سيان بإيجاز، فابتسم بسخرية هامدة،
“في زمن نرسل فيه مركبات إلى المريخ…..يظل علية القوم يتوقون إلى الخلود، ويرسمون دوائر سحرية على الأرض كالبشر في العصر الحجري الحديث؟”
كان واضحًا أنه آمن بأن القتل حقيقي، لكنه لم يصدق بوجود الخلود.
فردت سيان ببرود مماثل،
“كما كان إنسان العصر الحجري يخشى المرض، يخشاه الإنسان اليوم أيضًا.”
“…،…”
“وكما كان يخاف الموت، نحن كذلك. تغيّرت الأدوات، من الفأس الحجري إلى الهاتف الذكي، لكن الخوف من المرض والشيخوخة والموت لم يتغير.”
لم يجد أون وو ما يرد به. فهي الحقيقة.
و بعد لحظة صمت، ردد فجأة، بنفس الطريقة التي قدّمت بها نفسها له منذ البداية،
“العميلة لي سيان، تابعة للمنظمة الدولية الغامضة أوتيس.”
كانت نبرة تحمل معنى: “لستِ شرطيةً إذاً.”
لكن جوون حاد بنظره فجأة، مقلّصًا حاجبيه، إذ لم يرق له أن يتلفظ جانغ أون وو باسمها بهذه الألفة، وكأنه يختبره على لسانه.
ودسرعان ما عاد جانغ أون وو إلى صلب الأمر، ليسأل مباشرة،
“متى موعد الطقس؟”
“في الخامس عشر من سبتمبر.”
كان هناك طقسٌ خاص غير دوري، ينعقد في الليلة المظلمة من هذا الشهر، يقتصر على أرفع مراتب الأفاعي، لكن الطقوس الرسمية تقام في مارس وسبتمبر فقط.
“اليوم هو التاسع من سبتمبر، أي أن أمامنا خمسة أيام فحسب. وخلال هذه الأيام، سيفعل الأفاعي المستحيل لاختطافكَ.”
“خمسة أيام..…”
مجرد خمسة أيام، كأنها مهلة موت محددة.
هو رجلٌ ذكي، يدرك المعنى دون أن يُقال له أكثر. فثبتت سيان بصرها عليه، و تحدثت بلهجة واضحة، قاطعة،
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات