في لحظة، اشتد رذاذ المطر حتى غدت الرؤية ضبابية كأنها في غشاوة كثيفة.
ومع ذلك، واصل جوون زيادة سرعته، ينزلق بمحاذاة قافلة شاحنات نقل ضخمة، يلاحق شاحنة جانغ أون وو بخفاء، بمهارة صيّاد متمرس، وبشراسة لا تلين.
بينما تابعت سيان النظر إلى المطر المتناثر مضطربًا، وواصلت حوارها مع الرئيسة،
“إن ظل جانغ أون وو يفر هكذا، فربما يقع في أيدي الأفاعي، وحينها سيفسد كل شيء. لذلك، ماذا لو تظاهرنا بالجهل بشأن كونه قاتلًا متسلسلًا، وتعاملنا معه فقط على أساس أننا نريد حمايته؟”
• “صحيح، فهو الآن يتصرف كإنسان عادي، لكن بمجرد أن يُكشف أمره كمجرم، سيتصرف كمجرم بالفعل.”
“وفوق ذلك، لو تظاهرنا بحمايته داخل أوتيس، يمكننا مراقبته عن كثب ومنع أي جريمة قتل أخرى مستقبلًا.”
• “على كل حال، افتراض أنه يهرب لأنه ظنكم شرطيين، مجرد تخمين منكم وقد يكون سوء فهم. الأفضل أن نتواصل معه أولًا ونفهم بدقة لماذا خرج من ورشته.”
“مفهوم.”
كانت الرئيسة شديدة البرودة والصرامة.
• “نحن لا نملك صلاحية اعتقال مجرم. ولسنا مؤسسةً تملك سلطة حبس مدني لم يخضع للمحاكمة. نحن منظمة دولية سرية مختصة فقط بالتعامل مع الأرواح. أما القضايا القانونية، فعلينا دومًا التنسيق فيها مع حكومة البلد المعني. لا تنسوا هذا.”
“…..مفهوم.”
• “لذلك، حاولوا إقناع جانغ أون وو بأن يسلم نفسه إلينا بإرادته، قدر الإمكان.”
“وإن لم يُفلح الإقناع؟”
• “حينها لا مفر من أسره بالقوة. سأكون قد رتبت الأمر مسبقًا مع وزير العدل.”
كانت احتمالية إقناع جانغ أون وو ضئيلةً للغاية، لذا بدا أن احتجازه داخل أوتيس أمرٌ شبه محسوم.
فطلبت سيان مسبقًا طلبًا واحدًا،
“حتى لو فشلنا في إقناعه، امنحونا 24 ساعة قبل اعتقاله.”
فرمقها جوون بنظرة سريعة، بينما سألتها الرئيسة بنبرة حازمة،
• “هل تنوين اصطياد الأفعى؟”
“نعم. لدينا طُعمٌ ممتاز لذلك.”
كان المخطط أن يستعملوا الشخص الذي من المفترض حمايته بعناية تامة كطُعم لصيد الأفعى. خطة خطيرة وقاسية، لكنها فرصةٌ ثمينة لا يجب التفريط بها.
• “حسنًا. أوافق.”
فوافقت الرئيسة بسهولة.
• “لكن يجب أن تكونا حذرين، فالأفاعي لا بد أنها عرفت بالفعل أن جانغ أون وو في طريقه الآن إلى سيول.”
طبيعي أن يكون الأمر كذلك.
من البداية كانت هذه المهمة محكومةٌ بالاصطدام الحتمي مع الأفاعي. إما أن تتمكّن أوتيس من حمايته فلا يُنتزع منها جانغ أون وو، وحينها تكون أوتيس قد كسبت الجولة…..وإما أن تنتزعه أفاعي جلجامش، وحينها تكون الغلبة لهم.
فكررت الرئيسة التحذير من الخطر،
• “جانغ أون وو نفسه قاتلٌ متسلسل سفك دماء خمسة أشخاص. صحيحٌ أنه الآن مشغول بإتمام عمله الفني ولن يقدم على جريمة مباشرة، لكن لا يمكن التنبؤ بتصرفاته إن طرأ طارئ.”
قد يطلبان لقاءه للحوار، فيفاجئهما بطعنة سكين.
• “في جميع الحالات، ليكن أمنكما الشخصي، لي سيان وتاي جوون، هو الأولوية القصوى. مفهوم؟”
رن صوتها حين قالت طلك كما لو كان زئير قائد النمور في أوتيس.
“مفهوم.”
• “من هذه اللحظة، سيتولى فريق إنقاذ عملاء أوتيس المفقودين مهمة مراقبة جانغ أون وو، بينما أنتما، لي سيلن وتاي جوون، ستنضمان بصفة فريق تفاوض للأزمات، لتقودا التصرف حسب ما تقتضيه الظروف.”
“على الرحب والسعة.”
وما إن انتهت المكالمة، حتى أطلقت سيان زفرةً طويلة، بينما انفجر جوون ضاحكًا وكأنه يستمتع بالأمر.
في هذا الوضع الخطير، كان الوحيد الذي يجد فيه متعةً هو تاي جوون.
“صرنا صيادين مكلّفين بحماية ذئب آكل لحم البشر من أن يُصاب بأذى.”
***
أوقف جانغ أون وو سيارته وأضاء أضواء الطوارئ، ثم نزل منها.
شوااااا-
كانت قطرات المطر المتطايرة تبلل شعره وكتفيه مثل ضباب رطب. فضغط القبعة السوداء على رأسه بلا أي تعبير، ثم دخل كشك الهاتف العمومي.
لأنه لم يكن يستعمل الهاتف المحمول، كان يعاني في كل مرة من مشقة العثور على كابينة هاتف عمومية.
تررررر… تررررر…
أدخل البطاقة وانتظر أن يلتقط الطرف الآخر الخط، فيما أخذ يراقب العتمة من حوله.
بدا وكأنه ينظر ببرود عابر إلى المنظر، لكن في الحقيقة كان يفتش بتمعن دقيق كل سيارة وكل شخص في المحيط.
كانت الساعة قد تجاوزت الحادية عشرة ليلًا بقليل، ومع ذلك كانت حركة السير في شوارع سيول لا تزال نشطة.
• “لم يتم الاتصال…..سيتم تحويلك إلى صندوق البريد الصوتي…..”
أغلق وأعاد الاتصال من جديد. و هذه المرة ردت عليه أمه.
• “أون وو؟”
“نعم، أمي.”
• “كم مرة قلت لك اشترِ هاتفًا محمولًا؟! صرت لا أرتاح للرد على أرقام مجهولة هذه الأيام……على كل حال، ما الذي جعلكَ تتصل في هذا الوقت؟ هل أنتَ في المدينة؟”
“لا، أنا في سيول.”
• “في سيول؟! أنت الآن في سيول؟”
“نعم.”
أثناء الحوار غيّر وقفته على نحو عفوي، و دار بجسده ليسند ظهره إلى جدار الكابينة الزجاجي، ويتأكد من الخلف.
و فجأة ارتجفت حواسه توترًا.
فمسح جانغ أون وو بعينيه الزقاق المضاء بمصابيح متناثرة هنا وهناك، ثم حاد فجأة ببصره نحو الجهة المقابلة من الطريق.
لا أحد. لم يكن في هذا الطريق ولا في الجهة المقابلة أي حركة مريبة، ومع ذلك شعر بشيء غير مريح، وكأنه مراقَب.
• “أون وو؟”
صم استدار نحو الهاتف وأكمل حديثه،
“اضطررت للمجيء إلى سيول بسبب أمر يتعلق بالمعرض.”
• “آه، لهذا السبب…..ستذهب إلى الفندق الليلة أيضًا؟ لِمَ لا تأتي إلى البيت ولو لمرة؟”
“كنت أفكر في ذلك أصلًا. لكن الوقت متأخرٌ جدًا، هل يمكن أن آتي الآن؟”
الأم ما إن سمعت ذلك من ابنها حتى استبشرت، وأجابته بلهجة يغمرها التأثر والعَبرة،
• “طبعًا، كيف لا! حقًا…..شكرًا لكَ. عودتكَ إلى البيت…..كم مرّ من الزمن منذ آخر مرة. سأجهز العشاء حالًا. تعال بسرعة.”
“لقد تناولت العشاء قبل أن أصعد. فقط أخرجي الفراش.”
• “حسنًا، حسنًا. أبوكَ سيكون في غاية السعادة…..سأعد أيضًا بعض الطعام الخفيف لليل، تحسّبًا. تعال سريعًا، حسناً؟”
أنهى المكالمة، لكن أون وو أبقى السماعة ملاصقة لأذنه كأنه ما يزال يتحدث.
فقد كان هناك شعورٌ مزعج بالرقابة ظل يلامس مؤخرة رأسه.
ذلك الضغط…..نفس الإحساس الذي كان يتملكه كلما التقت عيناه بعيني زوج لي سيان.
أيعقل أن يكون زوجها موجودًا حقًا بالجوار؟
لا…..ذلك مستحيل. لا يمكن أن يحدث.
فهو اعتاد أن يتأكد بشكل دوري من عدم تعقبه، وكان متيقنًا أن أحدًا لم يتبعه في ذلك الطريق الجبلي المظلم.
والأمر ذاته حين دخل إلى سيول. ظل يراقب المرآة الخلفية بلا توقف، وكان يتوقف فجأة أحيانًا ليتأكد من عدم وجود سيارة تلاحقه، بل ويتعمد الدوران حول عدة مبانٍ لقطع أي أثر محتمل.
فإن كان زوج لي سيان حقًا قريبًا منه الآن…..فهذا معناه أنه اجتاز كل حذره، وكل اختبارات الشك التي قام بها، وتبعه خفيةً من كانغجين البعيدة في جوننام وصولًا إلى هذه العاصمة.
كأنه لم يكن بشرًا.
فتماسك أون وو واستعاد هدوءه.
ذلك الزوجان من الشرطة لم يأتيا وفي أيديهما مذكرة تفتيش، وحتى لو لم تكن معهما كان بإمكانهما اللجوء إلى الاعتقال الفوري، لكن مما أظهراه في الورشة، لم يكن الأمر كذلك.
في النهاية لم يكن هناك أي دليلٌ ملموس يمكن أن يطيح به، لكن…..شبهات فحسب.
ولأجل مجرد شبهات، لا يعقل أن يطارده أحدٌ حتى سيول.
فأعاد أون وو السماعة إلى مكانها بصرامة وبلا انفعال، ثم خرج من كشك الهاتف العمومي.
***
“لقد حدق إلينا للحظة، أليس كذلك؟”
على سؤال سيان، أومأ جوون موافقًا على الفور.
“نعم. بدقة…..أربع ثوانٍ تقريبًا.”
كان جوون قد أخفى السيارة في مكان يصعب اكتشافه، بحيث يستحيل أن يراها جانغ أون وو، لكن المدهش أنه شعر بهم وكأنه رآهم بالفعل.
فأرسلت سيان إلى العميلة “G” إحداثيات كشك الهاتف العمومي، وطلبت منها أن تعرف من كان أو وو يتحدث معه. فأخبرتها العميلة بسرعة،
• “إنه رقم هاتف والدة جانغ أون وو.”
والدته إذاً…..
من الطبيعي أن يلجأ المجرمون عند اختبائهم إلى شخص لن يخونهم أبدًا: حبيب، أو أحد أفراد العائلة.
لكن الغريب في الأمر أن جانغ أون وو كان دومًا أقرب إلى ذئب وحيد، مستقل تمامًا، فكان الاتصال بشخص عادي كهذا أمرًا غير متوقع.
وبينما كانت سيان تتأمل في ذلك، كان جانغ أون وو قد أنهى مكالمته وخرج من الكشك متوجهًا إلى سيارته.
راقبت سيان جانغ أون وو دون أن ترمش أو تتحرك قيد أنملة، مركزةً كل انتباهها عليه.
ظهره المتشح بالسترة السوداء، وسرواله العسكري، وقبعته المنخفضة حتى حاجبيه، جعلت هيئته في رذاذ المطر الليلي المتناثر تبدو كهيئة ذئب وحشيّ يتجول في العتمة.
كان من المفترض أن يكون الآن في قمة اضطرابه، فقد فرّ مذعورًا من الورشة بعدما ظن أن جريمته انكشفت، وهو في حالة هربٍ يائس…..لكن خطواته الهادئة، الثابتة، الخالية من أي ارتجاف، أظهرت عكس ذلك تمامًا.
جانغ أون وو كان قاتلًا باردًا، صلبًا، قادرًا على كبح رغباته، واندفاعاته، وقلقه بإحكام مطلق.
فابتسم جوون ابتسامةً خافتة، ثم تمتم بنبرة صائدٍ وقع بصره على طريدته المفضلة.
“إنه حقًا ذئبٌ رائع، أليس كذلك؟”
ثم ركنا سيان و جوون سيارتهما على بُعد مئتي متر من بيت والدي جانغ أون وو، وقررا التمويه هناك حتى الصباح، يراقبان ما سيجري.
***
وفي الساعة الثانية عشرة وأربع دقائق بعد منتصف الليل.
في تلك الأثناء، كان عملاء أوتيس المتنكرون في زي مدني قد انتشروا متفرقين حول منزل عائلة جانغ أون وو، فيما كتبت سيان رسالةً بريدية إلى الأخير.
أخبرته فيها متسائلةً إن كان قد أنهى بالفعل العمل على كأس الخمر الذي طلبته بالأمس، وأنها ترغب في إدخال تعديلات طفيفة على التصميم، لذا ترجو منه أن يتواصل معها بأسرع ما يمكن.
في نحو الساعة الواحدة فجرًا، فتح جانغ أون وو بريده وقرأ الرسالة. و انتظرا طويلًا…..لكن أي رد لم يصل.
قضيا سيان و جوون ليلتهما في السيارة، بين توتر يخنق الأنفاس وملل ثقيل.
فقد انتقل المسرح فجأة من أعماق الجبال الموحشة إلى قلب سيول المزدحمة، ومعه تضاعفت احتمالات الخطر.
كانت الأفعى – أيًا كان شكله – قادرًا على الانقضاض من أي مكان، في أي لحظة، وبلا نهاية لطرق الهجوم. و أفضل ما يمكن أن يحدث الآن، أن يختار جانغ أون وو بنفسه التعاون مع أوتيس.
لم يتوقعوا منه أن يتطوع بتعاون كامل، لكن مجرد إبداء استعداد أولي كافٍ لتيسير الأمر.
غير أن جانغ أون وو، محور كل هذه المعادلة، ظل صامتًا، ساكنًا، حتى صباح اليوم التالي…..وحتى بعد الظهيرة أيضًا.
وبينما كانت سيان تناقش جوون في فكرة التوجه مباشرة إلى بيت والديه…..
• “خرج.”
جاء صوت العميلة “G”، مبحوحًا من طول السهر. الساعة الثانية ظهرًا.
وأخيرًا خرج جانغ أون وو من البيت رفقة والدته.
حينها فقط، وبعد اثنتي عشرة ساعة من الانتظار المرهق، تحرك عملاء أوتيس جميعًا دفعةً واحدة، بسرعة خاطفة، كأنهم كانوا خيوطًا شدها شيءٌ خفيّ بيدٍ واحدة.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 138"