كان الجو متقلبًا قليلًا، فغش الضباب المطري الخفيف سفح الجبل كله.
بينما مررت سيان بأصابعها على بخار الماء المتكثف على نافذة السيارة، فانكشف من خلال الجزء الممسوح منظر ورشة أون وو الصغيرة يلوح عن بعد.
بدت ورشة أون وو كما رأتها من قبل: هادئة، وادعة، وساكنة.
اليوم هو بالفعل…..التاسع من سبتمبر. و لم يتبقَ سوى أيام حتى الخامس عشر، موعد الطقوس الدورية للثعابين.
قد يبدو مقززًا أن يُقال “محليّ المنشأ”، لكنهم كانوا يرفضون رفضًا قاطعًا اختلاط أي جنسية أخرى، فلا يستخدمون إلا الكوريين وحدهم كقرابين.
لهذا بدا الوضع أشبه بالنار المشتعلة عند الأقدام، ومع ذلك لم يظهر أي تحرك يُذكر، في أمر يثير الريبة.
لماذا لا تتحرك الأقاعي؟
ذلك الهدوء، أشبه بهدوء ما قبل العاصفة، هو ما زاد التوتر وأرهف الأعصاب.
***
كـانغ! كـانغ! كـانغ!
جلس أون وو أمام فرن مطفأ، يلوّح بمطرقته بوجه جامد. ومع كل ضربة يطبعها على الأرض الطينية، كان إناءٌ يتحطم واحدًا تلو الآخر.
لم يتوقف ليتفقد الأواني التالفة، لم يفكر بها مرة ثانية، ولم يبدُ عليه أدنى أسف. بل كان يحطمها بلا هوادة: ضربة بعد ضربة، بلا تردد ولا رحمة.
“أنت حقًا تحطم الأواني..…”
انبعث صوت امرأة رقيق من خلفه.
إنها لي سيان، هي بعينها. حضرت اليوم أيضًا في الوقت المحدد تمامًا.
لم يلتفت أون وو إليها، بل واصل تحطيمه وأجاب،
“لا تصلح للبيع، وحتى كهدايا لن تجلب سوى اللوم، مجرد خردة.”
في العادة يطلق الناس كلمات من نوع: “يا للخسارة”، أو كلامًا لا طائل منه، لكنها لم تقل شيئًا. و ذلك الهدوء المضبوط راق له.
هل جاءت اليوم أيضًا برفقة زوجها؟
ألقى نظرةً خاطفة خلفه وهو لا يزال قابضًا على المطرقة، فرأى سيان واقفةً وحدها داخل الفرن الغارق في ظلال الغروب الثقيلة.
و عندما تأكد من غياب زوجها، سرى في داخله شعورٌ بالارتياح الهادئ، فعدل من جلسته ليقف.
خطوة…
في تلك اللحظة، تناهى إلى مسامعه وقع أقدام ثقيل يقترب من خارج الفرن.
كان الفرن مظلمًا جدًا من الداخل ما دام بلا نار، وأكوام الحطب المرتفعة حتى السقف حجبت الضوء، فجعلته أشبه بكهفٍ موحش. ومن خلف تلك الأكوام السوداء…..
خطوة… خطوة…
ظهر زوج لي سيان، يقترب بخطوات تحمل وقعًا ضاغطًا على الأعصاب.
وما إن وقع بصر أون وو عليه حتى هبطت على جلده قشعريرةٌ حادة كالصقيع، ممزوجة بحذر غريزي.
فقبض أون وو بلا وعي على مقبض مطرقته الثقيلة، إنه ذلك الشعور الفطري بالنفور حين يرى الذكرُ في عرينه ذكرًا آخر أقوى منه.
اليوم أيضًا، كان الزوج يرافق زوجته، واكتفى بتثبيت نظره على أون وو دون حتى أن يلقي تحية.
تلك النظرات. حدقتان سوداوان تخترقان الإنسان كأنهما تلتهمان أعصابه.
وفجأة حوّل زوج لس سيان بصره نحو مطرقة أون وو. تمامًا كما فعل من قبل حين كان يحدّق في مخزن الطين.
نظر إليها طويلًا، وكأنه يتأكد من شيء، قبل أن يستقر بصره على المطرقة. و في تلك اللحظة، ارتجفت أصابع أون وو بلا وعي.
و اندفعت إلى ذهنه فكرةٌ جامحة: أن يخفي المطرقة فورًا.
لكنه كبَح اندفاعه بوجهٍ صلب، مكمّمًا انفعاله بالبرود.
فمن ذا الذي قد يعرف أن هذه المطرقة استُخدمت لتحطيم جسد إنسان؟
غير أن زوج لي سيان، بعد أن حدّق في المطرقة نحو ثلاث ثوانٍ، رفع عينيه فجأة والتقت نظراته بعيني أون وو. ثم ارتسم على شفتيه ابتسامةٌ باردة، ارتفع فيها طرف فمه ساخرًا.
ابتسامة تحمل معنى: أنا أعرف تمامًا ما أنتَ عليه.
طعخ!
حينها، هوى أون وو بالمطرقة، فانفجر الإناء تحتها إلى شظايا. ثم أدار رأسه بقسوة نحو الفرن، يتابع تحطيمه بملامح جامدة.
“تفضلوا وانتظروا في المشغل قليلًا. سأنهي الترتيب وألحق بكم.”
***
دقّ… دقّ…
كان الحذر يخفق في جسده مثل نبض متسارع، يشدّ أعصابه.
وقف أون وو وسط شظايا الفخار المحطم، قابضًا على المطرقة، وعينيه ضيقتين حادتين.
وحين تأملها الآن، لمح على مقبض المطرقة لطخة حمراء دقيقة، لا يزيد عرضها عن مليمتر واحد.
قطرة دم لا تكاد تُرى. لطخة متناهية الصغر، حتى هو، بدقته المفرطة، لم ينتبه إليها
. نقطة تكاد تُمحى في العين، أثر جريمة ضئيل لا يخطر لأحد أن يفسره بأنه دم.
ثم إن المكان شبه مظلم، والمسافة بينهما لا تقل عن ثلاثة أمتار، فكان من المستحيل أن يلحظها أحد…..ومع ذلك…..
شعر وكأن زوج لي سيان قد رآها، وابتسم لذلك.
فضغط أون وو على الطين بيده، يفرك فيه تلك القطرة حتى محاها. لكن أعصابه المشدودة لم تزد إلا توترًا.
لماذا ظهر زوجها بعد دقيقة من دخولها، ولم يدخلا معًا؟
هل تأخر قليلًا في ركن السيارة؟ أم أنه تجول وحده في أرجاء المشغل؟
لقد ترك باب مخزن الطين مفتوحًا على مصراعيه، لكنه سبق أن نظّفه بإتقان، فلا شيء يمكن أن يثير الريبة.
وكذلك هذا الفرن.
ففي الحرق الأول تُجفف الأواني على نار هادئة لتتماسك، أما في الحرق الثاني فالنار تبلغ أكثر من ألف ومئتي درجة، وتظل مشتعلةً عشر ساعات متواصلة.
بتلك النار القاسية أحرق جثةً كاملة، ثم سحق ما تبقى من عظام بمطرقته، وخلطها بعناية مع شظايا الفخار. و لم يترك خلفه شيئًا يمكن أن يفضحه.
فتردد أون وو لحظة، ثم شد قبضته على المطرقة، ومضى بها نحو المشغل.
***
تسلل أون وو إلى مدخل المشغل بخطوات صامتة كالذئب، ثم ألقى نظرةً خاطفة إلى الداخل.
كان الزوجان يجلسان عند الطاولة المخصصة للضيوف. و المكان مضاء بمصباح واحد فقط، في شبه عتمة، فيما تسللت أشعة الغروب التي رقّتها زخات المطر بين قطع الخزف المرصوفة في خزانة العرض.
تلك الأشعة الذهبية التي تميل إلى الحمرة أضاءت المشهد، حيث كان الزوج يطبع قبلةً على كتف زوجته وهو يهمس في أذنها بشيء ما.
كانت الزوجة تصغي صامتة إلى حديثه، تحدق في عينيه عن قرب، ثم مدت أصابعها فجأة فمررتها بنعومة على وجنته.
في تلك اللحظة، بدا المشهد…..لوحةٌ بيضاء الجمال، نقيًا كصورة مرسومة.
وحين همست له بكلمات صغيرة، رفع الزوج وجهه نحوها.
هل سيقبّلها؟
لا، لم يفعل. ومع ذلك، كان الجو من حولهما…..مشبعًا بوقع قبلة.
رغم أنهما لم يتبادلاها، كان شعور القبلة حاضرًا، لأن المشاعر كانت تلمع واضحةً في عينيهما المتقابلتين.
لا شك أنهما تبادلا قبلةً قبل لحظات، قبل أن يأتيا إلى الورشة، وبقي أثرها يشدّهما إلى الآخر.
وفجأة داعب الزوج أصابع زوجته بخفة، ثم أخذ يتتبع ببطء ظهر يدها حتى أطراف أظافرها بأصابعه الطويلة.
و من مجرد تلك اللمسة القصيرة، تفجرت مشاعر التملك والغيرة، مشاعر تقول: هذه امرأتي، ولا أحد سواي يملكها.
دفعت الزوجة أصابعه قليلًا بأطراف أناملها، في إيماءة أنيقة وودودة: لا داعي لمثل هذه المداعبات في هذا المكان.
لكنها، مع ذلك، كانت تبتسم.
هي التي تشبه تمثالًا من البرود، جادة وباردة الملامح، فإذا بها الآن تبدو محببة، فاتنة بابتسامتها، تضحك لمداعبة زوجها.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات