نهض أون وو من فراشه، ففتح أبواب الورشة كلها للتهوية ثم طوى الأغطية بعناية.
و بعد أن غسل وجهه بدقة، تناول فطورًا بسيطًا من الأرز والخضروات. بينما كان وجهه جامدًا خاليًا من أي تعبير، وشفاهه مطبقة بإحكام.
وفي الساعة الرابعة فجرًا. حين همّ أون وو بإغلاق النافذة، ارتجف قليلًا وهو يحدق في سواد الخارج.
هل هو مجرد وهم؟ لماذا يشعر وكأنه مراقَب؟
كان الجبل في الفجر مظلمًا كزجاجة حبر، ولا يضيء وسط ذلك السواد إلا ورشته، كقاعدة على سطح القمر تبدو موحشة.
حرّك عينيه ببطء، ثم ـ طَانغ ـ أغلق النافذة.
أغلق جميع أبواب الورشة ونوافذها بإحكام تام كما لو كان يصنع غرفةً محكمة الإغلاق، ثم حمل دلوًا كبيرًا من الصفيح وضع فيه سكين نحت حاد ومطرقة ثقيلة.
كيييي-
ما إن فتح باب مخزن الطين حتى سمع أنينًا مرتجفًا مرعوبًا.
“سـ…..ـاعـ…ـدني…!”
رغم أن الداخل كان شبه معتم، إلا أنه استطاع أن يرى بوضوح رجلًا يجلس مرتجفًا في حوض استحمام أبيض، و ركبته مطويةٌ أمام صدره.
كان عمر الرجل يقارب الثلاثين، ويداه ورقبته وقدماه كلها مقيدة بخيط النحت. غير أن ما يستخدمه أون وو لم يكن خيطًا عاديًا، بل سلكًا فولاذيًا رفيعًا للغاية.
كان السلك البارد يلتف حول عنق الرجل بإحكام، موصولًا بحلقة في الجدار، قصيرًا لدرجة أن أي إيماءة خاطئة أو إغفاءة بسيطة قد تخنقه فورًا.
خمسة أيام حُبس في هذا المخزن دون أن يذوق قطرة ماء، ومع ذلك بقي في جسده بعضٌ من القوة.
راح يدفع بساقيه بكل طاقته محاولًا الفرار، لكن السلك الفولاذي المثبت بعنقه شلّ رأسه تمامًا.
فأمسك أون وو المطرقة بلا أي تعبير، ثم ـ كما يُذبح الخنزير ـ هوى بها مرة واحدة.
ـ طَفك!
“أ….أوه…..”
بينما ظل الرجل يتخبط محاولًا النجاة، جاهدًا بالحركة.
ـ طَفك! طَفك! طَفك!
أون وو، كان يضرب رأس الرجل بوتيرة ثابتة، بلا توقف.
لم يقتله، لكنه واصل الضرب حتى صار عاجزًا عن المقاومة أو التلوي تمامًا.
و أخيرًا، توقف الرجل عن الحركة، متدليًا بلا حياة. فأغلق أون وو مكبس أنبوب تصريف حوض الاستحمام ببرود، ثم وضع المطرقة جانبًا وأمسك بسكين النحت.
ضغط بحذر على أحد الأوردة في فخذ الرجل المبلل، ثم وضع دلوًا بجانب رأس الرجل.
عندما شق أون وو وريد عنق الرجل بسكين النحت، فتدفق الدم الطازج بصوت خرير إلى قاع الدلو.
دمٌ ساخن. ملأ هذا الدم، الذي لا يزال ينبض بالحياة، الدلو بسرعة.
عندها، ضغط أون وو براحة يده قليلًا على رأس الرجل الذي كان يرتجف بضعف، ثم خرج من مخزن الطين.
***
كانت رائحة التربة الطازجة تملأ المكان بنكهة الطين النقي.
هنا، سكب أون وو دلو الدم على التربة بحركات متمرسة. فاختلطت رائحة التربة برائحة الدم فورًا، مضيفةً نعومة الدم إلى ملمس الطين اللين.
ثم غمر يديه عميقًا في التربة الدافئة.
“آه.”
فتسللت متعةٌ مخيفة من أطراف أصابعه، متصاعدة كالمد. و أغمض عينيه، مرتجفًا من السعادة، ثم قبض على التربة بكلتا يديه بقوة.
ثم فتح أون وو عينيه بلا تعبير، وبدأ يعجن التربة بقوة، يضغط ويخفف الضغط بالتناوب.
وضع كتلة الطين الدافئة على لوح خشبي عريض، يدقها ويضربها، يدفعها ويجذبها، يمدّها ويلويها بلطف.
كان يضغط بقسوة على رأس الطين الناعم، ثم يجذبه للأعلى مرة أخرى. و كان يتصارع مع الطين، يتصالح معه، ويذيبه في عملية واحدة.
و استمر في دق الطين، مقضيًا على كل فقاعات الهواء داخله، مزيلًا الفراغات تمامًا.
طاخ، طاخ-
تذكر أون وو، بوجه خالٍ من التعبير، عيون المرأة بلون التوباز الفاتح أثناء دقه للطين.
تلك العيون البنية الفاتحة الفريدة التي كانت تزداد نعومةً عندما تلامسها أشعة الشمس. فأصبح تنفسه للحظة سريعاً، لكنه سرعان ما تحول إلى قاسٍ.
استمر في سحق الطين ودقه بإصرار، حتى برد الدم الساخن تمامًا، فشعر أن الطين بدأ يحتضن الحياة.
كان هذا الإحساس يعرفه أون وو وحده.
ثم شكّل الطين إلى أسطوانة، يدورها ويدورها باستمرار.
و في النهاية، حول كتلة الطين إلى شكل بيضة رطبة.
بيضة حياة مصنوعة من الطين والدم.
فنظر أون وو بنظرة رضى إلى كتلة الطين الضخمة على شكل بيضة موضوعة على اللوح الخشبي.
***
الساعة الخامسة والربع فجرًا. بعد أن أنهت سيان استحمام الصباح، تفقدت شاشة الحاسوب المحمول.
كانت تعرض مقاطع مراقبة مباشرة عبر تلسكوب يعمل بالأشعة تحت الحمراء عن بعد لمحيط ورشة الفخّار الخاص بـجانغ أون وو.
بما أن المشغل يقع في أعماق الجبال على طريق غير معبّد، ولا توجد أبنيةٌ ضمن نطاق كيلومترين، كان من السهل رصد أي حركة هناك.
و رغم أن الجبال ما زالت مظلمة بشكل مخيف، إلا أن جانغ أون وو كان يتحرك ذهابًا وإيابًا خارج المشغل منذ وقت مبكر.
هل ينوي حرق الفخار؟ فقد كان ينقل صناديق إلى الفرن القائم في ساحة المشغل.
وبحسب رسالة فريق المراقبة، فقد أُضيئت أنوار المشغل عند الثالثة فجرًا. يبدو أنه رجلٌ يستيقظ في وقت مبكر جدًا.
واصلت سيان مراقبته بهدوء، فوجدت أن جانغ أون وو قد نقل ثلاث صناديق خشبية كبيرة مغطاة بقماش أسود، وثماني دلاء معدنية غطيت قممها بالقماش الأسود أيضًا، إلى داخل الفرن.
‘إنه ينقل أشياء كثيرة فعلًا.’
راقبت سيان تحركات جانغ أون وو نحو خمس دقائق إضافية، ثم حوّلت نظرها نحو فنجان القهوة الموضوع بجانبه.
ذلك الفنجان الأزرق الجذاب، الذي تلقّته بالأمس كهدية للزيارة، كان أيضًا من نتاج ذلك الفرن.
فأمالت الفنجان الفارغ قليلًا، ثم نهض ممسكةً به.
***
لم تجد سيان جوون في غرفة النوم، فظنت أنه في الطابق الأول، لكنه لم يكن هناك أيضًا.
هو رجلٌ يتحرك كما يشاء، فلا بد أنه في مكان ما.
ثم أعدّت سيان فنجانًا قويًا من القهوة، و فكرت لحظة وأعدت فنجانًا آخر، وصعدت به إلى السطح.
وكما توقّعت، كان جوون على السطح وحده، جالسًا فوق بساط سميك وقد بسطه تحت سماء الليل المليئة بالنجوم، يحدّق في شاشة حاسوبه المحمول.
“إنه ملف التوائم الجنينية، أليس كذلك؟”
قالت ذلك وهي تناوله فنجان القهوة، فرأت على شاشة الحاسوب ملفات “السوداء” التي استُخرجت من أراضي الخلاص.
كانت تلك الملفات تحتوي على شجرة أنساب للتوائم الجنينية المستخدمة في التجارب، وقائمة بالكاهنات التابعات لطائفة السنابل اللواتي شاركن مع الشيطان ولو لمرة واحدة، مسجّل فيها التواريخ وحتى الدقائق التي قضينها معه.
“هممم…..يا لها من رائحة طيبة.”
ثم جذب جوون خصرها بقوةٍ مفاجئة، لأنها خرجت للتو من الحمام، وألصق وجهه بدفء شعرها.
ثم تابع كلامه بلا مبالاة وهو يضغط شفتيه على أعلى رأسها.
“أفكر أحيانًا…..ربما كنتُ أنا أيضًا أحد أجنة التوائم التجريبية.”
في تلك اللحظة، ارتجف جسدها وانقبض.
لكن بما أن جوون يشبه ذلك الشيطان بشكل مدهش، فقد ساورها هي الأخرى نفس الشك.
خصوصًا أن الشيطان ( عفرين الاحلام) تم تهريبه من أوتيس قبل 29 عامًا، بينما جوون يبلغ من العمر 28 عامًا فقط.
إنه توقّعٌ لا يبعث على السرور كثيرًا، لكن…..
قد يكون تاي جوون في الحقيقة أولى الأجنّة التوائم التجريبية التي صنعها الأفاعي باستخدام ذلك الشيطان.
فسألت سيان بنبرة متأنية،
“هل تظن أن والدتكَ كانت من أتباع السنابل؟”
“في ملفات الظل هذه لا يظهر اسمها، لكن احتمال أن تكون من أتباعهم كبير.”
“لكن إن لم تكن مذكورةً في الملفات، ألا يعني أنها لم تكن كذلك؟ فالملفات تحتوي حتى على أوائل السجلات منذ تسعةٍ وعشرين عامًا.”
“صحيح، ولكن..…”
أكمل جوون بلهجة ساخرة،
“هناك شخصٌ ما محا بإصرار كل ما يخص ماضيها. فمهما بحثت، لا أستطيع العثور حتى على صورة واحدة لها.”
“لا توجد؟ أعني أن آثار وجودها نفسها اختفت؟”
“نعم، لقد مُسح كل شيء؛ حياتها الدراسية، المدارس التي تخرجت منها، علاقاتها بأصدقائها…..من المرجح جدًا أنهم أزالوها حتى من هذه الملفات السوداء.”
“…….”
“بل قد يكون والدي الحقيقي واحدًا من السادان..…”
“لا، هذا غير صحيح.”
قاطعته سيان بصرامة، فأثار ذلك ابتسامته.
“أهو مجرد حدس؟”
“بل يقين.”
ذلك لأن كل التوائم الجنينية التي وُلدت من سادان لم تكن تمتلك قوى كالتي عنده.
كانوا مجرد أطفال عاديين، لا يرون الأرواح، ولا يملكون أية طاقة روحية مميزة.
أما تاي جوون فكان مختلفًا تمامًا. كان يرى الأرواح، ويعرف ساعة موت الناس، ويغوص في عقول الآخرين، بل ويسيطر على جموعٍ من الكوابيس كما لو كانت خدمًا له.
الأرجح أنه الناجي الوحيد من التجارب الأولى للأفاعي باستخدام الشيطان، كائن نادر ووليد صدفة.
“لنضع جانبًا المسائل التي بلا جواب الآن.”
مد جوون يده وأغلق الحاسوب المحمول.
“ولنبدأ بحل تلك التي نملك لها جوابًا.”
ثم مال برأسه نحوها وقبّلها.
و فكرت سيان أن تتابع النقاش، لكنها اكتفت بتقبيله. فكما قال، الآن ليس وقت الجواب.
لكنها شعرت بحدس واضح أن جميع الأسرار ستنكشف قريبًا. حدسٌ يشبه إحساس شتاءٍ قادم، يتسلل عبر نسمة باردة لامست بشرتها فجأة.
لا بد أن الحقيقة ستظهر. فجميع الأسرار…..ستكشف في النهاية.
_____________________
يعني جوون نص انسان ونص شيطان؟💀 واو
جوون واضاعة الفرص شيين مايلتقون 😘
المهم اون وو المجنون يقىًل عشان يخلط الدم مع التراب؟ وكل الفخار الي بيبه مخلوط بالدم🥰
تذكرت ذيك الدراما الي يسوي تماثيل من جثث 😀 وذاك الي يرسم لوحات من دم الناس
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات