والغريب أنه لم يكن يبدو وكأنه يبتعد شيئًا فشيئًا، بل كأنه يتراجع إلى عمق الغابة ليختفي في جوٍّ كئيب.
ولم تحوّل سيان بصرها إلى مقعد السائق، حيث يجلس جوون، إلا بعدما غابت الورشة تمامًا عن الأنظار.
“قبل قليل في مشغل أون وو…..لماذا كنت تحدّق بذلك الباب هكذا؟”
“لأن خلفه سرًا قذرًا على ما يبدو.”
“قذر…..بمعنى منحرف؟ أم غير قانوني؟”
“كلاهما.”
“كلاهما؟”
“فقد كانت الكوابيس تتشبث وتتحسّس تلك البوابة بحماس.”
كان مشهدًا مقلقًا فعلًا أن ترى الكوابيس التي تستمتع بالمخاوف متحمسةً بشدة و تتصرف على ذلك النحو.
بل إن أون وو نفسه، حين لاحظ أن جوون يحدّق طويلًا في الباب، أظهر لأول مرة قلقًا واضحًا، وتحدث معه هو أولاً، بل أخذ يخدش الطين اليابس العالق على قلمه بأظفاره مرارًا.
“ألم تتمكن أنتَ أيضًا من معرفة ما وراء ذلك الباب، يا جوون؟”
“لا. لقد كان محجوبًا بطاقة روح الجبل. أستطيع أن أسمح للكوابيس بالدخول إن أردت، لكن إغضاب روح الجبل الآن لن يعود علينا بخير.”
كانت أرواح الجبل والأنهار والبحار من الكائنات الروحية العليا شديدة الحساسية تجاه أراضيها، ولهذا كان من المؤكد أن جوون لم يترك أيًّا من تلك الكوابيس هناك.
أن يكون جانغ أون وو إنسانًا تحميه روح الجبل…..أمرٌ لم يكن متوقعًا.
لكن ذلك لا يعني أنه “رجلٌ صالح”. فأرواح المستوى الحامي مثل روح الجبل لا تهتم بخير البشر أو شرهم، بل فقط بما يثير اهتمامها من بينهم.
زييييينغ—
رنّ الهاتف، وكان المتصل هي الرئيسة. فعمدت سيان إلى تشغيل مكبّر الصوت لتشارك جوون في المحادثة وهو يقود.
• “كيف وجدتِ جانغ أون وو بعدما التقيتِ به مباشرة؟”
“يشبه الذئب.”
• “ذئب؟”
“في سلوكه وطريقته في الكلام. خصوصًا نظراته من خلال عينَيه الثلاثيتَي الجفن…..حين يحدّق مطولًا.”
• “تقصدين أنه شرس؟”
“لا. بل مفترس…..لكنه حذر.”
عند إجابة سيان، ألقى جوون نظرةً جانبية عليها ثم عاد بعينيه إلى الأمام، وكأن رأيه يطابق قولها.
كان جانغ أون وو بطول 177 سنتيمترًا، جسده نحيل قليلًا لكنه متماسك العضلات. و ملامحه قريبة من الوسامة، وأكثر ما يلفت فيه…..عيناه.
“لا تضيّعي الوقت…..فقط لنخبره عن التوأم في الرحم.”
• “أيعقل أن نخبره مباشرةً بأن طائفة دينية مجنونة ستخطفه لتقدّمه قربانًا حيًّا، تشق صدره وتنتزع قلبه ليُقتل؟”
“بالضبط.”
• “لكن إن قلتِ له هذا فجأة فلن يصدق، وحتى لو صدّق فستتغير حياته للأبد. سيعيش متوجسًا، مرتابًا في كل من يلقاه، يقضي عمره كلّه في توتر.”
“مع ذلك، لن يرفّ له جفن.”
• “همم…..سيان، هل رأيكِ مثل رأيه؟”
“نعم. أظنه لو علم بالحقيقة سيحرص بنفسه على حمايته. لكن بشرط أن نؤكد له أننا سنحميه تمامًا، ونقنعه بأن يتعاون مع أوتيس. ولكي يحدث ذلك، نحتاج أن نكسب ثقته أولًا، أي أن نبوح له بالحقيقة بعد أن نصبح على قدر من القرب.”
إن قدّمت الأفاعي جانغ أون وو كقربان في الطقس الدوري هذا سبتمبر، فإن قوّتها الشريرة ستظل محفوظة. مثلما فعل سَادان زعيم طائفة السنابل، الذي ظل في مكان ما من هذا العالم شابًا، يرفل في الثروة والسلطة.
وعلى العكس، إن تمكن أوتيس من حماية جانغ أون وو، فسيوجه ضربةً كبرى إلى قوى الأفاعي، وسيعلم أولئك المجانين يقينًا أنهم لن يستطيعوا بعد اليوم استخدام توائم الأرحام من المدنيين كقرابين.
لهذا كان لا بد من تهيئة الجو بحيث يختار جانغ أون وو طواعية أن يتعاون مع أوتيس.
• “جيد. احموا جانغ أون وو بعناية، وأنتِ يا سيان، بحسب تقديركِ، أخبريه مباشرة بقصة أفعى جلجامش.”
“مفهوم.”
• “وبالمناسبة…..مررت على النقطة سريعًا في الاجتماع السابق، هل صحيح أنكما قررتما العيش معًا؟”
“نعم.”
• “أها…..حسنًا.”
انطلقت من الهاتف ضحكةٌ مبهجة من الرئيسة، لكنها كانت أقرب إلى ضحكة ارتياح.
• “إذاً، اجعلا خاتم الزواج المزوّر الذي أعطيتكما إياه هدية ثنائية. ارتدياه دائمًا.”
ثم أنهت سيان المكالمة وهي تحدّق في خاتم الألماس الذي يزين خنصرها الأيسر.
كان مبالغًا في ثمنه ليكون مجرد خاتم تمويه، لكنها فكرت أن الرئيسة ربما أرادت من البداية أن تمنحهما خاتم زوجيّ متطابق.
لم تعتد ارتداء الخواتم قط، لكن بما أنه هدية من الرئيسة، بدا لها الأمر مقبولًا.
ثم عادت لتواصل حديثها مع جوون عن أون وو.
“لم نذكر أبدًا أننا زوجان، أترى أنه ليس من الضروري قول ذلك في الزيارة القادمة أيضًا؟”
“من يملك عينًا تختار الفنجان المناسب لكل شخص، لا بد أنه استنتج من الخاتم وحده طبيعة علاقتنا.”
“علينا أن نكون أكثر حذرًا. أظن جانغ أون وو قد يتوجس منا حتى من تفاصيل صغيرة.”
“ولهذا علينا أن نُتقن التمثيل المنهجي. نعيش كأننا زوجان حقيقيان يشتعلان حبًا: بقبلة كل يوم……”
“كل يوم؟ الواقع أن الأزواج الحقيقيين لا يلمسون بعضهم أصلًا ليبدوا كأنهم أزواجاً بحق.”
“لا. ذاك التصور غير مناسب. لنفترض بدلًا من ذلك أننا زوجان، لا تتلاقى أعيننا إلا ويشتعل بيننا شوقٌ لبعضنا.”
جاء جوابه بجرأة جعلت سيان تبتسم دون أن تشعر.
ولأن ابتسامتها كانت أنقى من المعتاد، التفت كلٌ من جوون ولينكون إليها في اللحظة نفسها. فقد بدت في الآونة الأخيرة أكثر ميلًا إلى الضحك.
ومع ابتسامة لا تزال مرسومة على شفتيها، أجابت،
“حسنًا، أقبل بهذا التصور.”
فرمق جوون لينكون في المقعد الخلفي بنظرة جانبية. وكانت تلك النظرة أشبه بنظرة محظية ماكرة تتباهى أمام الزوجة الأولى الصارمة: “رأيتِ؟ لقد نلتُ حظوته.”
فزمجر لينكون مُظهرًا أنيابه قليلًا، لكن حين التفتت إليه سيان، أغلق فمه بهدوء.
ثم أطلق جوون دعابةً بوجه متهلل،
“لي سيان…..ألستِ في الحقيقة ثعلبة ذات تسعة ذيول؟”
“ثعلبة؟”
“وجهكِ حين تبتسمين يسحر المرء تمامًا…..و للحظةٍ كدتِ تنتزعين كبدي.”
***
على بُعد كيلومترين تقريبًا من ورشة أون وو، كان هناك نُزل قديم مغلق.
وقد حوّله أوتيس إلى معسكر سري، أُقيم فيه فريق التجهيزات المتطورة وفريق الإنقاذ، ليتحركوا فورًا إن حاول أحدهم خطف جانغ أون وو.
وما إن فتح لهم الباب من الداخل، حتى دخلت سيان مع جوون إلى النُزل، وصعدا مباشرة إلى الطابق العلوي.
“صحيحٌ أننا اتفقنا على السكن معًا، لكن إن كنتِ في رحلات عمل ميدانية كل يوم، أشعر أني خاسر في الصفقة يا لي سيان. ما رأيكِ أن تضعي أمتعتكِ على الأقل في بيتي أولًا؟”
قال جوون ذلك وهو يتبعها إلى الأعلى ببطء، متذمرًا على سبيل المزاح.
فردت سيان من غير أن تلتفت،
“كأنك تقول أنكَ تنوي احتجاز أمتعتي كرهينة؟”
“طبعًا. فقد يخطر لك فجأة أن تتراجعي عن فكرة السكن المشترك، لذا عليّ أن أحتفظ بشيء من أغراضكِ على الأقل. على أي حال..…”
ثن هبط صوته فجأة بنغمة خشنة مثيرة،
“لم أرَكِ من قبل بزيّ تنورة…..لقد تطور لديّ هوسٌ جديد بسببكِ. فأنتِ مدهشةٌ جدًا.”
وكان يطيل النظر إليها وهي متأنقة، أما سيان فقد واصلت الصعود بخطواتها الرنانة.
طَق… طَق… إلى الطابق الثاني….الثالث…..حتى الرابع.
وما إن وصلا، انحنى عند عقب قدمها، و نزع إحدى حذائيها دفعةً واحدة. فاستدارت سيان قليلًا ومدّت قدمها الأخرى بحذائها نحو الأمام بتعجرف.
فارتسمت على وجه جوون ابتسامةٌ جانبية، ثم انحنى بجذعه أكثر في هيئة خضوع، ونزع حذاءها الآخر بوقار.
ثم وهو لا يزال جاثيًا، راح يطبع قبلات صغيرة متتابعة على قدميها الملفوفتين بالجوارب.
***
على شاشة الحاسوب، كانت تُعرض صور مراقبة لمشغل أون وو من مسافة بعيدة.
و قبل قليل، نزل جوون إلى الطابق الأول ثم عاد، ووضع صينيةً على السرير، ثم غمس بسكويتًا رقيقًا في العسل وأطعمه لها في فمها.
“جانغ أون وو، ما خبرته؟”
كان هذا أول اهتمام يبديه بالهدف طوال الأشهر التسعة التي عملا فيها معًا.
“حاليًا عمره 35 عامًا. قبل ست سنوات، أي في التاسعة والعشرين، بدأ الخزف. واشتهر اسمه ابتداءً من الثانية والثلاثين. يصنع فخارًا أزرق ذا إحساس غامض ومتفرد. حتى متاحف في بريطانيا وفرنسا والصين تقتني أعماله، وهذا اعترافٌ بقدراته.”
“شخصٌ تخرّج من الفلسفة وخدم في القوات المحمولة جوًا، ثم اختار أن يعيش في أعماق الجبال بلا كهرباء، يجرف الطين بيديه ليصبح خزّافًا…..لا بد أن هناك سببًا.”
“ذلك…..انتظر قليلًا.”
سارعت سيان بلمس شاشة هاتفها.
“كان لديه خطيبة، في العمر نفسه. في يوم ماطر، كانا في نزهة تسلق، فسقطت خطيبته عن الجرف ولقيت مصرعها وحدها. بعدها بدأ ممارسة الخزف كنوع من العلاج النفسي.”
“علاج نفسي، إذاً..…”
“العميلة “G” تمكنت بصعوبة من الحصول على ملف سير جلسات علاجه. ولأن جانغ أون وو رجلٌ قليل الكلام، لم يتحدث عن الحادثة سوى مرة واحدة فقط. وقد دوّن المعالج النفسي تلك الرواية.”
ناولت هاتفها لجوون ليقرأ الملف بنفسه.
فقرأه بسرعة أولًا وهو يعقد حاجبيه، ثم أعاد قراءته من البداية بتمهل، كأنه يتمعّن كل كلمة على حدة.
[كان يومًا ماطرًا. و قبل التسلق، وقع بيني وبين خطيبتي جدالٌ صغير، ثم تجدد الخلاف فوق الجبل.
فجأة، انزلقت نحو حافة الجرف، فأمسكت بها، لكني في النهاية أفلتها.
ثم أسرعتُ للنزول إلى أسفل الجرف للتأكد منها. و كانت قد فارقت الحياة بالفعل.
كان الدم يحيط بجسدها غزيرًا. حينها، صرخت باكيًا وأنا أحتضنها، ثم لم أتحمل الألم، فارتميت أرضًا أقبض على التراب من حولي، أقبض مرة بعد أخرى.
الدم الأحمر للحياة كان يتسرب من الجسد الميت حديثًا. وهذا الدم الدافئ اختلط بسرعة مع التراب البارد. فقبضت على ذلك الطين المبلول بالدم بقوة.
كان ملمس التراب وهو يتفتت في يدي، طريًا كاللبن المجفف…..كالطحين، فشعرت بالقشعريرة.
التراب والدم.
ذلك اليوم، لم أستطع أن أنسى أبدًا ذلك الإحساس الحيّ الذي انطبع في يدي.]
______________________
يعني صار خزفي عشان ملمس التراب مع الدم ولا وش😀
جوون عطاني الصدمه في ذا الفصل هو يضحك وكيفه زوجته يبوسها بس شدخل رجلها؟😭
لا وبعد سيان رايحه تمد رجلها الثانيه 😭! شكله كان صادق يوم قال خليني عبد عندس حسبي الله
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات