كان مكتب إدارة مخيم الغابة الزرقاء مبنى من طابقين يقع بالقرب من موقف السيارات.
سارا سيان و جوون نحو ذلك المبنى مع ترك مسافةٍ مناسبة بينهما.
فووووو-
بينما مرّ صوت الرياح القارسة في آخر أسبوعٍ من يناير.
كان المخيم مقفراً، وكان من الواضح في كل مكانٍ أن المالك لم يعد يهتم بإدارته. ومن الواضح أيضاً أن الأرواح الشريرة قد اتخذت مكاناً لها هناك.
كان الشعور العام…..رطباً إن صح التعبير…..
ولم يكن السبب هو الطقس الكئيب فقط. فطاقة الأرض نفسها كانت موحشة.
حتى من بين الناس العاديين، من يملكون حاسة سادسة قوية قد يشعرون بعدم ارتياح ويقولون: “أليس الجو هنا باردٌ بشكل غريب؟”
“هل رأيتَ أي أثر للمسمار؟”
سألت سيان دون أن تلتفت، فرد جوون بسخرية،
“أبداً.”
“وكم عدد الأشباح العاديين الذين رأيتهم؟”
“تقريباً بعدد الأشخاص الموجودين على سطح القمر؟”
فتح باب مكتب الإدارة ودخل أولاً.
عدد الأشخاص على القمر؟ صفر. أي أن المخيم بأكمله لا يوجد فيه شبحٌ واحد…..
الأمر أخطر مما توقعت.
الأرواح الشريرة تؤذي الأحياء، وإذا لم تستطع إشباع رغبتها في القتل، فقد تمتد يدها حتى إلى أرواحٍ مثلها.
وهذا بالضبط ما يحدث في هذا المخيم، من المحتمل أن يصبح ابن صاحب المخيم شبحٌ شرير أعلى.
هو حالياً روحٌ حبيسة، لكن إن لم يبقَ أحد ليقتله، فقد يتحول إلى شيطانٍ قاتل ينتقل إلى مناطق أخرى.
دخلت سيان المبنى خلف جوون.
‘بارد. ألم يشغلوا التدفئة أبداً؟’
يبدو أن صاحب المخيم قد فقد عقله تماماً، فقد كان الجو في الداخل بارداً لدرجة أن أنفاسهما كانت تتكثف في الهواء. بينما تردد وقع أقدامهما في البهو الخاوي وهما يعبرانه.
الروح التي بقيت هادئةً لأكثر من عام دون مشاكل، تحولت فجأة في الأشهر الثلاثة الأخيرة إلى روحٍ شريرة.
ما الذي أعطاه والداه له حتى يتسبب في هذا التحول المفاجئ؟
ليس طعاماً. فالقرابين التي تستخدم في الطقوس أو المراسم الدينية تكون عادةً لتهدئة الأرواح ومواساتها،
أما ما يحول الروح إلى مسمارٍ روحي، فهو دوماً “شيءٌ ما”.
شيءٌ يثير ذكريات الروح من حياته السابقة.
من الواضح أن أحد الأغراض التي أعطاها الوالدان لابنهما كان هو سبب المشكلة…..
لكن، ما هو هذا الشيء يا ترى؟
لحسن الحظ، كانت الغرفة الأخيرة في الطابق الأول من مكتب الإدارة هي غرفة الابن، وقد جمعوا فيها كل أغراضه.
لا خيار سوى تفتيشها واحداً تلو الآخر.
عندما رفعت سيان بصرها، امتلأت رؤيتها بظهر جوون العريض الذي يمشي أمامها.
“كنتُ قرباناً وأنا صغير. أنا، لأجل الأفعى.”
إذا اختُطف في السابعة من عمره……فذلك كان قبل 21 سنة. والرئيسة أيضاً أصبحت عاجزةً أثناء محاولتها إنقاذ أحدهم قبل 21 سنة.
إذاً، من أنقذته الرئيسة لا بد أنه كان الطفل تاي جوون.
تاي جوون، جوون، جو أوني.
في كل مرة كانت تنطق اسمهما، كانت مشاعر التعلّق والألفة تظهر بوضوح…..ربما كانت الرابطة بين الرئيسة وتاي جوون أعمق بكثير مما كانت تتصوره.
وعائلة سيان أُبيدت أيضاً قبل 21 سنة.
الآن فقط بدأت تفهم لماذا تلك الرئيسة الواقعية للغاية تلفظت بكلمة “القدر”.
“أن تتأمليني بهذه الطريقة وكأنك تجرّدينني من ملابسي، هذا محرج، كما تعلمين؟”
قال جوون ذلك بنبرةٍ ساخرة. فرمشت سيان بسرعة.
“لم أكن أعلم أن السيد تاي جوون يعرف شعور الحرج.”
“أوه، ألم تكوني تعرفين؟ أنا رجلٌ خجول، وأشعر بالإحراج بسهولة. حتى الآن لم أستطع الخضوع لمنظار داخلي أثناء النوم.”
نكاته سخيفة.
“سأمشي في المقدمة.”
ردّت بجفاف ثم أسرعت بخطواتها.
عندما كان جوون في المقدمة، لم تكن ترى سوى ظهره. ولم يكن لديها أي نية لأن تتكلف وترتفع على رؤوس أصابعها لتتطلع إلى الأمام.
عندما مرّت بجانبه، مدّ فجأةً ذراعه بسرعة.
طَقطَق-
في لحظة، مدّ ذراعه اليسرى عند مستوى صدرها ليقطع طريقها، محاصراً إياها بينه وبين جدار الممر الضيق.
“هووو..…”
زفر أنفاسه على مقربة من وجهها، ر ذلك التنفس السريع، السطحي، والعكر، زاد من حدة التوتر بينهما بشكلٍ ملموس.
حدّقت فيه سيان ببرود.
كما شعرت في المرة السابقة، هو يقترب دائماً كحيوان مفترس، مباغت وخطير. ربما لأن كتفيه عريضان جداً، وجذعه ضخم، ما يضفي عليه تلك الهالة المهيبة…..
عندما يكون قريباً، كان الفرق في الطول بينهما يظهر بوضوح، وتشعر وكأنها محاصرةٌ داخل مساحته الخاصة.
ضحك جوون بصوتٍ خافت، ثم أخذ يتفحصها بنظراته وكأنه يتذوقها بعينيه.
كان صوته ناعماً كأن بإمكانه إذابة القلب، لكن نظراته كانت عميقةً ومحفوفة بالخطر.
نظرت إليه سيان وردّت بجفاف،
“حتى لو كرهتَ ذلك، عليكَ أن تتحمل، هذه هي الحياة الاجتماعية.”
وما إن أنهت جملتها، حتى باغتته وأمسكت بمفصل مرفقه بسرعة.
“أوه!”
جوون، الذي لم يكن مستعداً، فقد توازنه للحظة واهتز، لكنه سرعان ما استعاد توازنه وتراجع إلى الوراء.
استغلت سيان تلك اللحظة، وتجاوزته بخفةٍ لتتقدم أمامه.
تْشَلّاك-
عندما أدارت مقبض الباب في الغرفة الموجودة بنهاية الممر وفتحته، دوى ضحك جوون من خلفها.
‘هل شخصيته ملتوية، أم أن اللوزة الدماغية لديه تالفة؟’
تاي جوون كان يضحك بسعادةٍ غامرة.
“آه، آنسة لي سيان، أنتِ حقاً مليئةٌ بالجاذبية.”
***
كانت غرفة ابن صاحب المخيم مليئةً بالأغراض بشكلٍ مفرط. و كان من شبه المستحيل تحديد أي من هذه الأشياء هو الذي تسبب في تحوّل الروح.
بدأت سيان بمهارة في تتبّع الخيط من خلال هاتف الأم المتوفاة.
كان الهاتف يحتوي على كميةٍ كبيرة من الصور المخزنة.
معظم الصور كانت للأم وحدها أو لمناظر طبيعية. لكن وضعياتها في الصور كانت غريبةً جداً لدرجة أنها بدت وكأنها التُقطت مع شخص غير مرئي.
كانت تلك صوراً التُقطت “لشبح”.
من المؤكد أن قلب الأم، حتى لو كان ابنها قد أصبح روحاً، أراد أن يحتفظ به في الصور. رغم أنها كانت تعلم جيداً أنه لن يظهر فيها…..
صورة، اثنتان، ثلاث…وهكذا مئات الصور.
تابعت سيان تقليب الصور بوجه خالٍ من التعبير.
لكن من كل صورة، كانت تنبعث بشدة مشاعر المصوّرة. التوق، الحزن، والفرح.
الإصرار، التعلّق…..هما في حد ذاتهما سمّ بقدر ما يُبذل فيهما من مشاعر.
عندما يكرر المرء الشيء نفسه مراراً بإخلاص، يصبح ذلك أمنية، ولعنة، وسحراً، أو مصير.
ومع هذا القدر من المشاعر التي سُكبت، فلا بد أن هذه الروح لم تعد مجرد روحٍ شريرة عادية.
“وجدتُه.”
توقفت سيان عند إحدى الصور. كانت صورةً لحذاء.
الأم الراحلة التقطت عشرات الصور لحذاءٍ رياضي من ماركة شهيرة. في غرفة ابنها، أمام مكتب الإدارة، في حديقة الزهور.
كان ذلك هو الحذاء الذي ألبسته لروح ابنها. ولا يجب إطلاقاً إعطاء الأرواح أحذية.
إلباس الروح حذاءً أمرْ بالغ الخطورة في حد ذاته، وإذا أضيف إليه شوق الأم وتمنياتها القلبية…..فلا مفر من تحوّله إلى روحٍ شريرة.
“أعتقد أنني وجدت شيئاً أيضاً.”
مدّ جوون يده إلى آلة تمزيق الأوراق، وأخرج ورقةً لاصقة صفراء من بين كومة الورق الممزق.
اقتربت سيان منه على الفور.
هذا يعني أن الابن الميت فتح غطاء آلة التمزيق بسرعة، ودسّ تلك الورقة اللاصقة في عمقها. راجياً ألا يجدها أحد.
لكنه في الوقت نفسه، كان يأمل أن يعثر عليها أحدهم.
على تلك الورقة، التي طُويت مرتين، كُتبت كلمةٌ واحدة بخط مرتجف وخطٍ سريع غير منتظم.
“الغابة.”
لوّح جوون بورقة الملاحظة بخفة.
“آنسة سيان، هل يستطيع كلبكِ تتبّع ممتلكات شخص مات قبل سنة ونصف؟”
***
خَرْش، خَرْش، خَرْش.
انطلق الكلب بخفة داخل الغابة. بينما كان المساء قد حلّ، وغروب الشمس بدأ يثقل لحظةً بعد لحظة.
تجنّبت سيان الصخور المغطاة بالطحالب وجذوع الأشجار المتعفنة بحذرٍ وهي تركض. أما جوون، فكان يسير بهدوء، بخطى أنيقة، وكأنه يرى كل شيء في الغابة المعتمة.
من الواضح أنه لا يعاني من العشى الليلي*…..أم أن الأمر مجرد وهم؟
* ضعف الرؤية في الليل أو عندما تكون الإضاءة خفيفة
منذ بداية الليل، بدأت تشعر بأن الظلام يتجمع حول تاي جوون. الظلمة كانت تتلوّى حوله وكأنها كائنات سوداء تتحرك في هيئاتٍ بشرية.
لا…..بل كانت ترقص من حوله كما يرقص الراقصون، أحياناً برشاقة، وأحياناً بشكلٍ ماكر وغريب، وكأن الليل يرقص من حوله ويتكاثف عليه.
هل يُعقل……أن يكون مجرد وهم؟
لكن الحقيقة أن هالة تاي جوون كانت تتغير تماماً في الظلام.
في الضوء، كان يبدو مختلفاً…..أما في الظلمة، فقد بدا أقوى، أكثر سحراً، أكثر هيمنةً، وأشد قسوة.
سيان أسرعت في خطواتها. وفقاً للمعلومات التي أرسلتها العميلة “G”، فقد وُجد ابن صاحب المخيم ميتاً وهو ممدد على مكتب الإدارة، وسبب الوفاة كان سكتةً قلبية.
وكان يرتدي حذاءيه بشكلٍ مرتب، لكن الجورب في قدمه اليسرى كان ملطخاً بكثافةٍ بالتراب وعصارة الأعشاب.
كان ذلك أمراً غريباً. ففي العادة، إن عاد أحدهم إلى المنزل وجوربه بهذا القدر من الاتساخ، فمن البديهي أن يغسل قدميه ويبدّل الجوارب والحذاء.
مما يؤكد أن الابن قد ذهب إلى الغابة في ليلة وفاته، ورأى شيئاً ما، ثم هرب باتجاه مكتب الإدارة…..لكنه قُتل.
ربما فقد أحد حذائيه أثناء الهرب، ثم أعاده أحدهم لاحقاً وألبسه إياه.
لكن، يبدو أنه أسقط شيئاً ما في الغابة أثناء فراره…..شيئاً بالغ الأهمية…..
غرضاً مفقوداً.
فجأة، فُتح الأفق أمامها، وظهرت ساحة واسعة إلى حدٍّ ما أمام عينيها.
لوّح لينكون بذيله مشيراً إلى أن “هذا هو المكان”. و كان ما أشار إليه يقع في الأدغال، على بُعد حوالي سبعة أمتار شرق الساحة.
تقدّمت سيان مباشرةً نحو المكان، ثم انحنت وجثت على ركبتيها.
هل أظلم المكان بهذا الشكل بالفعل؟
كانت ذراعاها كأنهما غاصتا في حبر قاتم، من شدة السواد.
ظلام الغابة لم يكن يتسلل من الأعلى، بل كان يتصاعد من الأرض، مانحاً شعوراً خانقاً بالضغط النفسي. فبينما كانت الأشجار تختفي فجأة في السواد، حلّ الليل تماماً.
ظلام هذه الغابة كان كثيفاً وممتلئاً.
خَش خَش.
حينما أبعدت أوراق الخريف الرطبة يميناً ويساراً، انكشفت تربةٌ سوداء باردة من شتاء قارس. وكان هناك شيءٌ شديد السواد مدفون في الأرض…..
رفعت سيان ذلك الغرض المغطى بالتراب بحذر، ورفعته إلى مستوى وجهها.
كاميرا. إذًا…..كان هذا هو الشيء.
الغرض الذي أسقطه ابن صاحب المخيم كان كاميرا.
كاميرا صغيرة وخفيفة تُعلَّق في جيب القميص، تُستخدم لتوثيق الأدلة في حال وقوع مشاكل مع الزبائن. وكانت من النوع عالي الدقة أيضاً.
سرت قشعريرةٌ متتالية على جسدها كأنها لذّةٌ حادة.
ربما تم تسجيل طقوس الأفاعي…..أو حتى وجوه الأفاعي نفسها داخل هذه الكاميرا الصغيرة بكل وضوح.
___________________
وناسه الرئيس طلعت رئيسة
طب دامها انقذت جوون وعلمت سيان يومها صغيره ليه ماربتهم سوا؟ ولا عشان شخصية جوون الي محد يتوقعها😭
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب من بيلادونا، التي كانت تجلس ساكنة على السرير. وأمسك ذقنها بلمسةٍ خشنةٍ ورفع رأسها للأعلى. “كيف أجعلك تتحدّثين؟” “….” نظر إلى عينيها المرتجفتين، ركل لسانه وأرخى قبضته على ذقنها واستدار....مواصلة القراءة →
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب...
التعليقات لهذا الفصل " 13"