ما إن خرجت سيان إلى الفناء حتى استنشقت الهواء النقي بأقصى ما تستطيع.
بعد أن قضت ساعات وهي تفتش في بيت يغص بالجثث المتعفنة، غدا وجهها شاحبًا كالورق الأبيض.
حتى الرائحة الكريهة التي تسربت إلى خصلات شعرها جعلتها تعاني ضيقًا في التنفس، بل وأصابها دوار.
ثم خلعت القفازات الضيقة ومسحت مؤخرة عنقها براحة يدها، فإذا بقطرات العرق الغزير تتجمع من أطراف أصابعها.
أما جوون الذي تبعها إلى الفناء فقد فك أزرار قميصه بالكامل. و كان جسده مبللًا تماماً.
رغم كل هذا العناء، للأسف لم يعثروا على شيء يُذكر في منزل عمة مين كي شيك.
سيان استعانت بلينكون، و جوون استعان بالكوابيس، لكن النتيجة واحدة.
لا مكاسب. لا شيء.
لم يظهر أي شيء يمكن الاستفادة منه. و أقصى ما توصل إليه لينكون هو رائحة شخص مجهول الهوية.
حتى في منزل الرئيس السابق لم يحصلوا على أي شيء، وها هنا أيضًا…..
تسربت تنهيدة مرهقة متعبة من صدرها.
“هاكِ، ماء.”
و في لحظةٍ ما عاد جوون من بيت الجارة وهو يحمل زجاجةً مليئة بماء بارد مع مكعبات ثلج، ومدها إليها.
“شكرًا لكَ.”
هذا هو الانتعاش.
ما إن شربت سيان ماءً مثلجًا حتى شعرت وكأنها عادت إلى الحياة. و لم تطلق زفرة الرضا إلا بعدما أنهت أكثر من نصف الزجاجة دفعةً واحدة.
ثم تنبهت إلى أن وجهه ما زال مبللًا بالعرق.
“لماذا لم تشرب أنتَ أيضًا؟ كان يمكنك أن تطلب كوبًا وأنتَ هناك.”
“آه.”
قطّب جوون حاجبيه وأخذ الزجاجة منها.
“لم يخطر ببالي. كل ما فكرت فيه هو أن أروي عطش سيان.”
راح يشرب بنهم، ثم أعاد ما تبقّى إليها من غير أن ينهيه كله. لكن سيان رفضت على الفور.
“لقد اكتفيت، أكمله أنت بسرعة.”
فهو سريع التأثر بالحر، حتى أنه يرتدي ملابس الصيف منذ أوائل الربيع…..
وبعد أن أنهى جوون ما بقي من الماء البارد حتى آخر قطرة، أخذ بعض مكعبات الثلج في فمه ثم مدّ الزجاجة إليها.
و هذه المرة تناولتها سيان، ووضعت الثلج في فمها كما فعل هو.
و راح الاثنان يدحرجان قطع الثلج بين أسنانهما، وزفرا معًا تنهيدةً طويلة.
وأمام الباب المفتوح على مصراعيه، وبينما كانا ينصتان إلى صخب الزيز، تكلم جوون فجأة.
“ربة البيت المجاورة اشتكت من رائحة الجثة، فقلت لها أن مين كي شيك كان قد مات بالفعل. أطلق النار على نفسه في الغرفة التي كان يستعملها صغيرًا.”
“أحسنتَ. وماذا عن هويا؟”
“دبرت الأمر بحيث يصدق أو لا يصدق.”
“كيف؟”
“قلت أننا كنا نسمع نباح الكلب باستمرار، لكن الغريب أنه بعدما شغّلنا تسجيل صوت السيدة كيم ودخلنا الغرفة وجدناه ميتًا منذ عدة أيام.”
“آه.”
“فركت شفتيها ساخطة، ثم قالت أن ذلك الكلب قد يفعلها فعلًا، وصدّقت مباشرة. أما بخصوص الشرطة فأخبرتها أننا سنتولى الاتصال بأنفسنا.”
فأخرجت سيان هاتفها المحمول من جيبها.
“إذاً سأبلغ الشرطة الآن بأننا عثرنا على جثة منتحر.”
“قبل ذلك، ما الذي سنفعله حيال مين جونغ هو (الكلب)؟”
سأل جوون وهو يومئ برأسه نحو البيت.
بما أن صاحب المنزل مين كي شيك نفسه قد مات، فلن يحاول أحد تنظيف البيت إلا بعد أن يُغلق الملف تمامًا…..لكن إن تُرك الأمر إلى ذلك الحين، فستتحلل جثة هويا بشكل مروّع.
وفي المقابل لا يمكن تكليف الجارة العجوز المجاورة بهذا، فجثة الكلب كانت متحللةً بشدة.
“حين تنقل الشرطة جثة مين كي شيك، سنتولى نحن أمر هويا مباشرة. سأتحقق إن كان يمكن حرق جثمانه ودفنه مع السيدة كيم في قبر واحد.”
فمن طبع سيان أنها تفضل أن تتحمل قليلًا من العناء الإضافي لتعتني بالأمر بنفسها.
و سرعان ما بدأت سيان الاتصال بالعميلة “G”.
“ها أنتِ مشغولة؟”
• “لا. ما زلت أتتبع تشوي دال سو. حتى الآن لا يوجد شخص يمكن القول إنه هو بالضبط…..بل مجرد فرز الاحتمالات بشكل عشوائي.”
اسم تشوي دال سو هو الاسم الذي سمعه جوون بنفسه من فم سادان، زعيم طائفة باميلتشو، باعتباره هو الأفعى السوداء.
“آسفة، الأمر سهلٌ قليلًا. السيدة كيم، عمة مين كي شيك، حسب المعلومات التي وصلتنا سابقًا، تم حفظ رمادها في قاعة التذكار، صحيح؟”
• “نعم.”
“أريد حرق جثة الكلب الذي كانت تربيه ودفنه معها، هل يمكنك التأكد إن كان ذلك ممكنًا؟”
• “لحظة، أعطني 20 ثانية.”
وبعد صمت قصير، تحدثت العميلة “G” بكلامٍ غير متوقع.
• “كل شيء جاهز بالفعل.”
“حقًا؟”
• “في قاعة التذكار يتم تقسيم مواقع الإيداع بحسب عدد الأشخاص، والآن يظهر أن الموقع الخاص بها من الدرجة الثانية. أي أنه يمكن لشخصين أن يشتركوا في الخانة نفسها. وفوق ذلك…..”
“وفوق ذلك؟”
• “تم تقديم طلب للدفن المشترك أصلًا.
اسم الكلب مين جونغ هو، صحيح؟”
“صحيح. إذاً هذا يعني أن صاحبة القبر كانت قد طلبت مسبقًا أن يُحرَق الكلب وتوضع رفاته مع رفاتها في نفس الوعاء الجنائزي؟”
• “نعم. يبدو أنها أحبته كثيرًا، لدرجة أنها أرادت أن تبقى معه حتى بعد موتها.”
***
“لنَعِش معًا.”
قال جوون ذلك فجأة، وهو ينظر نحو المكان الذي ترقد فيه جثة هويا.
كانت سيان تتابع رجال الشرطة وهم يضعون شريط العزل أمام بيت عمة مين كي شيك، ثم التفتت إليه.
“أتقول لنعِش معًا حقاً؟”
“سواء كان تعايشًا أو زواجًا. إن كان العيش تحت سقف واحد أسهل عليكِ من الزواج، فلنكتفِ بالتعايش.”
“….…”
“أما أن نكون معًا بعد الموت فما زال بعيدًا، فدعينا نخطط له لاحقًا….لكن في حياتنا، فلنكن معًا أطول وقت ممكن.”
أطول وقت ممكن، ونحن على قيد الحياة……
من الآن فصاعدًا، كلما رأت سيان بطيخ الصيف تذكّرت قطة ممتلئة الجسم بلون الجبن، وتذكّرت وجه جووم العابس وهو ينفض عن بدلته شعر القطط، قبل أن يبتسم أخيرًا.
إن كان العيش معه يعني تراكم مثل هذه الذكريات الصغيرة يومًا بعد يوم، فربما لم يكن أمرًا سيئًا على الإطلاق.
ثم واصل جوون كلامه بنبرة مازحة،
“في الحقيقة، كلما تلاقت عيوننا أكاد أجن وأرغب في عناقكِ في أي مكان، لكنكِ دائمًا مشغولة ولا نجد وقتًا. لذلك إن عشنا معًا ففرص معانقتكِ ستزيد، أليس كذلك؟”
“لكن…..ألم نفعلها هذا الصباح أصلًا؟ في جيجو، الساعة التاسعة؟”
“ذاك كان عناقاً مضى وانتهى.”
ثم مال بجسده نحوها وهمس في أذنها بنبرة مشاكسة،
“أما الآن، فما زلت في رأسي أحتضن سيان.”
“لكن ألسنا متشبعين بروائح مقززة عالقة بأجسادنا؟”
“أهكذا تظنين؟”
ثم أطلق أنفاسه، و همس بشفتيه بخفة أعلى أذنها كمن يمرّ مرورًا عابرًا.
“لا أدري.”
كذب.
لكن ابتسامته الخفيفة عند طرف شفتيه، مع أشعة أغسطس الملتهبة التي غدت فجأة منعشة على نحو غريب، جعلت هذه اللحظة تبدو لينة على نحو لا يصدق.
***
في صباح أغسطس، بينما كانت سماءه عالية وزرقاء. توقفت سيارة سيان و جوون في موقف قاعة التذكار، وهما يحملان رماد هويا بعد حرق جثمانه.
فور انتهاء تحقيق الشرطة، أخرجاه من المنزل وأحرقاه على الفور، وقد قدّما مسبقًا طلبًا لإجراء الدفن المشترك هذا اليوم.
وربما لأن الوقت كان باكرًا، بدت القاعة ساكنة هادئة، يغمرها صفاؤها الخاص ونظافتها المهيبة.
اجتازا حديقة التذكارات، وصعدا الدرج الأبيض، حتى وصلا إلى المدخل الواسع. وما إن ذكرا اسم المتوفاة عند مكتب الاستقبال، حتى ارتدى الموظف قفازاته وراح يرشدهما بلطف.
سارت سيان بجانبه و تحدثت،
“لم نحضر المفتاح معنا.”
“آه، نعم. أنا من سيفتحه لكم. السيدة كيم حين عقدت معنا الاتفاق في حياتها، أوصت أن تستريح بجانب كلبها. و سألتنا عن الأمر أكثر من مرة، بل وجاءت شخصيًا عدة مرات لتستشيرنا.”
أما ابن أخيها، مين كي شيك، فسيكون الوريث الذي يحصل على المفتاح الخاص بغرفة الإيداع، لكنه كان واضحًا أنه لن يهتم بموت الكلب أو بحياته.
لذلك أعادت السيدة كيم صياغة وصيتها بحيث لا يحصل مين كي شيك على أرضها إلا بعد أن يتم الدفن المشترك بينها وبين هويا.
وجدت سيان غرفة السيدة كيم بسهولة، فقد كان بداخلها صورةٌ كبيرة لها مع هويا يبتسمان معًا.
فتح الموظف الباب الزجاجي للغرفة، وأخرج بعناية صندوق الرماد من منصة الإيداع.
“من فضلكما، تفضلا معي.”
ثم قاد الموظف الاثنين إلى غرفة صغيرة تُفتح وتُغلق بباب منزلق.
هناك وضع الصندوق برفق فوق طاولة بنية داكنة، ثم اتجه مباشرةً نحو الباب وأغلقه خلفه.
“إذاً…..عندما تنتهون، نادوني.”
كانت الأدوات اللازمة للدفن المشترك معدّةٌ سلفًا على الطاولة. فوضعت سيان صندوق رماد هويا إلى جانب صندوق السيدة كيم.
وأخيرًا التقيا. السيدة كيم و مين جونغ هو.
صحيحٌ أنهما لم يعودا سوى مسحوق من العظام، بلا جسد ولا روح، لكن سيان كانت تؤمن أن لهذا اللقاء معنى عظيمًا. فكما عاشا معًا، فهما الآن يجتمعان بعد الموت أيضًا، في حبٍّ يستمر.
ارتدت سيان القفازات الموضوعة، ثم فتحت بحذر غطاء صندوق السيدة كيم.
غَررر…..
و فجأة، أطلق لينكون زمجرةً منخفضة وهو يحدق في صندوق الرماد.
فالتفتا سيان و جوون نحوه بلا تعبير، ثم ارتعشا معًا في اللحظة نفسها، وأدارا رأسيهما بسرعة نحو صندوق السيدة كيم.
“آه!”
“انتظر!”
“قاب أن مفتاح الغرفة الخاصة بالورثة مع ابن أخيها مين كي سيك، صحيح؟”
“هيا، بسرعة، داخل الصندوق!”
مدّت سيان يدها داخل صندوق الرماد، وبدأت تتحسس بحذر شديد بين مسحوق العظام المفتت.
“إنه هنا.”
هنا…..وجدته.
ارتجف جسدها بقشعريرة باردة واتسعت حدقتاها. و رفعت الشيء الصغير الذي قبضت عليه بحذر، ونفضت عنه العظام شيئًا فشيئًا، ثم رفعته إلى مستوى وجهها.
كان علبةً بلاستيكية صغيرة محكمة الإغلاق داخل كيس أسود.
فسارع جوون نحو الباب ليتأكد من خلو الخارج من أي حركة، ثم عاد سريعًا. وفي تلك الأثناء مزقت سيان الكيس الأسود وأخرجت العلبة البلاستيكية.
طق-
فتحت غطاءها، فإذا بالشيء المخبأ بداخلها هو….
“بطاقة تخزين.”
أدخلت سيان بطاقة التخزين مباشرةً في هاتفها المحمول.
وكان قلبها ينبض…..ينبض…..يطرق بعنف في رأسها.
بينما بقي وجهها هادئًا بلا أدنى تعبير، لكن يداها لم تستطيعا كبح التوتر، وكانت تتحركان بسرعة.
“فيديو.”
قال جوون ذلك بصوت منخفض.
فكان ما تحتويه بطاقة التخزين هو مقطع فيديو واحدًا.
و ما إن بدأ التشغيل حتى ظهر داخل سيارة مظلمة، ولم يكن الضوء سوى مصباح واحد على شكل فانوس.
و بجانب المصباح كانت صناديق ملابس عليها شعارات ماركات فاخرة.
طقطقة-
مع صوت فتح الباب، دخل شخصٌ يرتدي عباءة سوداء إلى السيارة.
كان الأفعى. فتسارع شعور القشعريرة في جسديهما، يزداد حجمًا.
من الواضح أن الأفعى لم تعرف أن الكاميرا مخفية في هذا المكان.
و بينما كان الأفعى يضبط طرف العباءة، حرك يده نحو وجهه. وقد كان يرتدي خاتمًا كبيرًا بحجر أسود بارز في إصبعه الرابع لليد اليسرى.
“الأفعى السوداء.”
ثم بدأ الأفعى السوداء يخلع القناع الأبيض عن وجهه. فتوقف كلٌ من سيان و جوون عن التنفس.
كان الفيديو يظهر الأفعى السوداء وهي تخلع زيها الطقوسي لتلبس الملابس المعدة مسبقًا.
بل و أكثر من ذلك، كانت لحظة كشف الأفعى عن هويتها الحقيقية، وكأنها تتخلص تمامًا من جلدها السابق.
_______________________
وااااااو ميك كي شيك صور وجيه واحد منهم
يماااااه ليه خلص الفصل هنا لايكون واحد نعرفه؟
المهم شوفوا ادري سحبت ايام بس عاه العوض ان الدفعه مب موقفه هنا ✨
جوون يضحك ياخي طيب تزوجها وش خل نعيش سوا😭 خانته العبره ولا القكره في راسه احسن
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات