لم يستطع العجوز أن يزيح نظراته القلقة عن نافذة الشرفة.
ذلك الرجل والمرأة الطويلان مع الكلب لم يعودوا ظاهرين الآن، لكن لا بد أنهم تراجعوا قليلًا فقط.
و لم يكن أحدٌ يعلم متى سيعودون مجددًا ويحاولون التسلل إلى بيت السيدة كيم.
كان القلق شديدًا إلى حد أن الغضب أخذ يتصاعد بداخله أكثر فأكثر. فأطلق زمجرةً غاضبة بلا توقف. وهو لا يذكر متى كانت آخر مرة انتابه مثل هذا الانفعال.
عندما رحلت السيدة كيم عن الدنيا، حينها حقًا شعر أن العالم كله انهار فوقه.
ثم…..فجأة انتفض مذعورًا ليتأكد من الموضع الذي كان يجلس فيه. و للحظة غمره الفزع، لكن لحسن الحظ لم يكن قد ارتكب ذلك.
منذ أصابه الخرف لم يحدث أن أخطأت في قضاء حاجته سوى مرة واحدة، وقد ارتسمت حينها على وجه السيدة كيم ملامح الدهشة والارتباك.
لكنها سرعان ما ربتت عليه بلطف وقالت أن الأمر لا بأس به محاولةً لمواساته، غير أنه كان غارقًا في الخجل والحرج حتى امتلأ غضباً من نفسه.
فمنذ كان رضيعًا لم يحدث قط أن لوّث البيت بهذا الشكل…..
ومنذ ذلك الحين حرص دومًا على الانتباه والحذر، غير أنه في الأيام القليلة الماضية غفل عن ذلك.
‘هل قضيت حاجتي؟ متى حدث ذلك؟ لا أذكر.’
ولا يذكر أنه تناول شيئًا من الطعام، لكن بما أنه بلا شهية، فلم يكن ذلك مهمًا.
‘ثم أيضًا…..ما الذي نسيته؟’
من قبل كان رأسي يلفّه ضبابٌ خفيف، لكن منذ أن عاد كي شيك إلى هذا البيت بوجه شاحب متصلّب كأنه يهرب من شيء، بدأت ذكرياته تتساقط فجأة، كثيرةً وكثيرة.
تلك الذكريات كأول ثلج يغمر الأرض كلها ببياض دافئ. تلك الذكريات البراقة الجميلة التي راكمها طوال حياته الطويلة، كانت تختفي لحظةً بلحظة، كثلج يذوب تحت أشعة الشمس.
كانت تذوب من غير أن يتمكن حتى من الإمساك بها.
‘لا. لا يزال الوقت مبكرًا.’
السيدة كيم وحدها…..لا يجوز أن ينسى السيدة كيم.
ثم بخطوات قلقة ومتعثرة اتجه نحو المطبخ.
السيدة كيم، الحذر من النار، السيدة كيم، الحذر من النار، السيدة كيم، الحذر من النار.
ظلّ يرددها مرارًا بجدّ حتى لا ينسى.
لهاث… لهاث…
شدة الانفعال جعلت حرارة جسده تتفجر وتنتشر في كل أطرافن. ثم إنه أغسطس، قلب الصيف، ولعل ذلك زاد من الحرارة.
‘وإن تذكرت الأمر، كان الصيف فصل السعادة.’
في كل صيف، كان يشارك السيدة كيم بطيخةً حمراء يقتسمانها.
كانت تضع القطعة الكبيرة ذات القشرة الخضراء فوق لوح التقطيع، وبسكين المطبخ تقطعها “تَك”، فيتدفق من لبّها الأحمر عطرٌ حلو يملأ المكان.
“يا له من اختيار رائع! البطيخة التي اختارها هويا لا بد أن تكون لذيذة!”
بينما كانت المروحة تدور في ظهيرة صيفية هادئة.
و كان أحيانًا يضع أنفه برفق على ظهر يد السيدة كيم، و يتنفس بعمق عطر جسدها الممزوج برائحة البطيخ، مستمتعًا به في سعادة.
كان عبيرها المختلط برائحة البطيخ أطيب من المعتاد، حتى أن ذلك العطر الحلو ما زال مطبوعًا بوضوح في ذاكرته حتى الآن.
كان سجر ساقيه المرهقتين و هو يستحضر صورة السيدة كيم.
‘لماذا لا أستطيع أن أراها بعد الآن؟ لماذا افترقنا؟’
‘لماذا… لماذا لا يمكننا أن نلتقي مجددًا أبدًا؟’
– “هويـا.”
فجأة، جاءه صوت السيدة كيم من خلف باب المدخل. فرفع رأسه بقوة نحو الصوت.
– “هويـا، ماذا تفعل؟”
‘إنها هي…..صوت السيدة كيم.’
قفزت كل شعرة في جسده واقفة من الفرح الذي تدفق داخله كموجة عارمة، فاندفع لا شعوريًا نحو المدخل راكضًا بكل قوته.
و في تلك اللحظة، نسي حتى ألم ساقيه.
“لا تذهب! ماذا تفعل! إنها مزيفة!”
صرخ ضيوف الطابق الثاني غاضبين بحدة.
“أولئك المخادعون اللئام يخدعونكَ!”
‘مزيفة.’
بعينين مغرورقتين بالدموع فتح جفنيه على اتساعهما، يحدّق في باب المدخل.
وراء الباب…..نعم، كانا ذاك الرجل والمرأة الطويلان ومعهما الكلب. ومع ذلك، ظل صوت السيدة كيم يتردد من خلف المدخل.
– “هذا الشقي، ها هو ينهش أوراق الملفوف مجددًا. كيف لمخلوق بهذه الوداعة أن يعشق الملفوف إلى هذا الحد؟”
كان ذلك الصوت الحبيب الذي ظنّ أنه لن يسمعه مرةً أخرى أبدًا.
– “هذا الصغير، يكفيه الملفوف والبطاطا الحلوة ليغدو أسعد مخلوق في الدنيا. هاهاها! أهو لذيذ إلى هذه الدرجة؟ أيها الشقي، هويـا. انتظر، سأُخرج لك اللب الحلو من الداخل فقط. خذه. مقرمش، أليس رائعًا؟ يا لكَ من جميل!”
فانفجر الكلب يبكي كطفل، بينما كان يهز ذيله بقوة وبلا توقف.
وفي الطابق الثاني، ارتفعت أصوات الضيوف محتدمةً صاخبة.
“لا تنخدع! إنهم يحاولون خداعكَ لتفتح الباب!”
“ما إن تفتح، سيرمون أريكة السيدة كيم إلى الخارج! و سيحرقون كل أغراضها بلا استثناء!”
“إنهم يطمعون في هذا البيت!”
“أفِق! تلك ليست السيدة كيم الحقيقية!”
‘بالطبع، إنها مزيفة.’
كان يعلم…..يعلم أن السيدة كيم قد ماتت منذ زمن.
فحين حُمِلت السيدة كيم خارج هذا البيت، كان بجوارها يرافقها خطوةً بخطوة.
ارتعد قلبه رعبًا، فأخذ يلهث و هو يلعق وجنتها الشاحبة بإلحاح، و يدفع ظهر يدها الباردة بأنفه في جنون، علّها تستيقظ.
‘انهضي، انهضي.’
ناداها بلا توقف، لكنها لم تجب.
و بذل ما استطاع ليوقظها بأي طريقة، لكن دون جدوى.
‘كيف يمكن أن أصف ذلك اليأس القاتل..…؟’
– “هويـا، تعال، حان وقت العودة إلى البيت.”
ما إن سمع تلك الدعوة، حتى شعر أن جسده كله قد ارتفع طائرًا من السعادة.
ذلك الفيض القشعريري من البهجة ملأ روحه عن آخرها، حتى أن ضوضاء الذين يصرخون في الطابق الثاني تلاشت تمامًا من أذنيه.
– “هويـا.”
صوتها وحده. صوتها وحده كان يكفي ليملأ عالمه الصغير.
– “هيا بنا.”
ومع نداء السيدة كيم، أخذ إطار المدخل يتلألأ بلون ضبابي أبيض، مشكّلًا مستطيلاً من النور. و من دون تردد، اندفع نحوه قافزًا بكل قوته.
ساقيه الخلفية، التي كانت تعرج دومًا، انطلقت فجأة بكل ما تملك، كما كان يفعل في شبابه حين يجري نحو الصوت الذي ينادينه.
وحينها…..لم يبقَ سوى السعادة.
سعادةٌ كاملة، انهمرت عليه كفيض من الضوء الباهر، وفي ذلك الشلال المشرق كان يضحك و يبكي في آنٍ واحد.
‘لا يهم. حتى لو كانت مزيفة، لا يهم.’
ما دامت السيدة كيم تناديه، فسيذهب إليها في أي وقت.
وما إن اجتاز باب المدخل إلى خارج البيت، مصحوبًا بإحساس فارغ يتردد داخله، حتى غمر جسده كله شعورٌ بالانتعاش المضيء العجيب.
واصل الجري بخفة، وكأنه يطير. وفي ذلك الانتعاش العابر كالريح، تذكر حكايةً قديمة كانت السيدة كيم قد قصّتها عليه.
كانت حكايةً جميلة، كأنها حكاية خيالية.
“حين يموت الإنسان، يقال أن الكلب الذي أحبه أكثر في حياته ينتظره عند بوابة السماء. يا ترى…..هل سيكون هويا أيضًا في استقبالي؟”
‘وأنا أيضًا؟ هل ستأتي السيدة كيم لاستقبالي؟ هل سنلتقي من جديد؟’
إذا عبر جسر القوس وركض عبر حقلٍ واسع مليء بالزهور، هل سيرى السيدة كيم تبتسم لي بفرح، وتمد ذراعيها لتعانقه بقوة قائلة: “تعال بسرعة”؟
‘ها قد أتيت.’
– “هويـا. هويـا. هويانا.”
نور.
نور.
إنه صوتها الذي يشبه النور.
‘أنا قادم. أنا ذاهب الآن.’
كان يركض بخفة، مبتسمًا ابتسامةً عريضة، متجهًا نحو صوت السيدة كيم الذي يناديه.
***
وما إن اجتاز الكلب العجوز باب المدخل وخرج إلى خارج البيت، حتى تلاشى بشفافية تحت شمس أغسطس الساطعة.
لقد كان ذلك راحةً هادئة، وفناءً سعيدًا.
عندها فقط أوقفت سيان مقطع الفيديو على هاتفها.
“الآن يجب أن نُعلِم أوغاد الطابق الثاني بماهية الجزاء العادل.”
ابتسم جوون ابتسامةً حادة عند طرف شفتيه، وأكمل الدائرة العازلة التي كان قد أعدّها مسبقًا.
فقد كان عليهم أن يطهروا المكان تمامًا من الأرواح الشريرة حتى لا يتمكن أحدٌ منها من الفرار.
“تم الأمر. فلندخل الآن.”
وبمجرد أن نصب جوون الحاجز، ارتدت سيان قفازيها وفتحت الباب الأمامي الذي كان ذا طراز قديم قليلًا.
و فورًا، عُلِقت الأرواح الشريرة في الطابق الثاني داخل الحاجز، تتخبط في فوضى صاخبة.
كان عددها لا بأس به، لكن الوقت كان ظهيرةً مشمسة، ثم إنهم لم يكونوا سوى أشباه أشباح داخل حاجز جوون.
فأرسلت هي لينكون وحده أولًا إلى الطابق الثاني. إذ كانت تعرف أن مزاج لينكُون ليس على ما يرام بسبب جوون، فأرادت أن تتركه يفرغ غضبه بقتل تلك الأرواح التافهة كلها ما عدا مين كي شيك.
بعد أن تأكدت من جثة الكلب العجوز فوق أريكة غرفة المعيشة، صعدت بهدوء مع جوون درجات السلم. وما إن فتحا باب الغرفة، كان لينكُون قد انتهى للتو من قذف رأس آخر روح شريرة بعد أن مزّق عنقه بأسنانه.
أما مين كي شيك، موضوع القضية…..فقد وُجد جالسًا متكئًا بظهره على لوح السرير، ميتًا. وفي يده اليمنى يمسك مسدسًا بقبضة مرتخية.
كان الحر الشديد قد جعل الجثة تتعفن كليًا، حتى أن الفراش المحيط بها اسودّ من سوائل التعفن المتسربة.
وكانت رائحة الجثة خانقةً إلى حد أن أي شخص ضعيف المعدة أو رقيق الرئتين قد يتقيأ ويسقط مغمًى عليه في الحال.
“انتحار بالمسدس، أليس كذلك؟”
“همم…..لا. لقد جرى تمويهها لتبدو انتحارًا.”
تفحّص جوون فم الجثة حيث كان قد وُضع المسدس، ثم حرّك الجزء العلوي بحذر ليتأكد من مؤخرة الرأس المهشمة تمامًا. أما ورق الحائط في الجهة الخلفية فقد كان ملطخًا بالدماء وأشلاء المخ المبعثرة.
“يبدو أن أحدهم وضع المسدس في فم مين كيشيك وضغط الزناد…..ثم على الفور، بانفجار ‘بام!’ أطلق رصاصةً فضية في الموضع نفسه ليقضي على الروح التي كانت قد بدأت بالانفصال للتو، أليس كذلك؟”
“لا عجب أنني لم أرَ روحه.”
“بل إن زاوية الطلق كانت منحرفةً قليلًا، حتى أن الرصاصة الفضية استقرت في الجمجمة، فاضطر القاتل إلى استخراجها بأصابعه برفق. بحذر…..وبعناية شديدة.”
وهكذا، كان الأمر جريمة قتل مُقنّعة على هيئة انتحار، تمامًا مثل حادثة جزيرة جيجو.
تنفّست سيان ببطء متأففةً، ثم سألت عن رأيه.
“هل تعتقد أنه نفس القاتل الذي قتل الرئيس السابق كانغ وان غيو؟”
“نعم.”
أجاب جوون وهو يحدق بعينيه السوداوين المعتمتين في جثة مين كي شيك.
“إنه هو بلا شك.”
إذاً، هل ترك رسالة انتحار هذه المرة أيضًا؟
مدّت سيان يدها والتقطت هاتف مين كي شيك الموضوع على الطاولة الصغيرة بجانب السرير.
وبمجرد أن لمست الشاشة، انفتح تطبيق الملاحظات مباشرة.
كان مكتوبًا فيه وصية قصيرة: كل شيء يثير غضبي ويفور دمي بلا توقف…..أريد أن أترك كل هذا خلفي، وأن أريح هذا الرأسالمجنون قليلًا.
وصية بسيطة، لكنها كافية لتصديقها إن كان القارئ يعرف عن قرب طباع مين كي شيك الحادة وسرعة انفعاله. مثلًا، مدير حانة النبيذ التي كان مين كي شيك يديرها في أبغوجونغ…..
أعادت سيان الهاتف إلى مكانه بجانب السرير.
“أخيرًا أصبح بإمكاننا تفتيش هذا البيت.”
ومع أن الجريمة وقعت بينما كان سيان و جوون في أراضي الخلاص، ومن المرجح أن “الأفاعي” قد نقّبوا هذا البيت من قبلهم، إلا أن سيان شدت قفازيها بإحكام أكثر وهوي تضيف،
“فلنأمل أن يكون ثمة خيط، ولو تلميحًا بسيطًا، يوضح لنا السبب الذي دفع مين كي شيك لقطع كل هذه المسافة من سيول إلى هنا.”
______________________
هويا ادري انها خواطر كلب بس يحزن يومه يقوم السيده كيم وهي فاطسه😔
المهم وش ذا الحاله حتى روحه مقتوله احل كذاته مابه فايده مره من الي سووه
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات