“قبل أن نتعامل مع مسألة مين كي شيك، هناك شخصٌ عليّ مقابلته.”
قال ذلك في مطار جيجو، ولهذا تبعته إلى مطار إنتشون……لكنه لم يذكر من ينوي لقاءه في شقة المكتب.
وبما أنها ستعرف بعد ثوانٍ قليلة، لم تسأله سيان شيئًا، واكتفت بالوقوف بوجه بارد.
طنين-
توقف المصعد في الطابق السابع. و اتجه مباشرة إلى آخر شقة يسارًا، وأدخل بسرعة رقمًا سريًا، ففتح الباب.
“يا إلهي!”
إذ بامرأة في منتصف العمر، كانت تجلس في غرفة المعيشة تقشر شمامًا وتشاهد التلفاز، ترتعب فجأة حين اندفع شخصان إلى الداخل، فأسقطت قطعة الشمام من يدها.
كانت سيان هي الأخرى مذهولة.
فالمرأة في منتصف العمر لم تكن سوى تلك التي ترتدي الملابس الصفراء، والتي كانت تعمل في نقطة التفتيش بأرض الخلاص.
يوم وصولهم إلى اليابسة بمساعدة خفر السواحل، وفي خضم الفوضى حين كان جوون ينقل سبعة عشر مصابًا إلى المستشفى، قام بخلسة بتهريب تلك المرأة إلى مكان ما. و أنه أخفى أمرها حتى عن سيان، وهي بدورها لم تتعمد سؤاله.
كانت سيان تعتقد أنه ربما خبأها في مكان ما في سيول، لكنها فوجئت بأنها في يونغ جونغدو……
الموقع كان ممتازًا. بجوار مطار إنتشون مباشرة، وكذلك ميناء إنتشون، ما يجعل من السهل إرسالها إلى الخارج عند الضرورة.
دخل جوون الشقة بخطوات حازمة ووقف أمام المرأة، و تبعته سيان بلا تعبير على وجهها.
نهضت المرأة في منتصف العمر مترددة، تاركة قطعة الشمام، ويبدو أنها لم تكن خائفة، ما يعني أن إقناعها تم بنجاح.
كان جوون قادرًا على استكشاف الرغبات الكامنة لديها، ولقد لبّى تلك الرغبات بشكل جيد.
فقد بدا وجه المرأة أفضل مما كان عليه في أرض الخلاص، وملأ صوت أغاني التروت الشقة الواسعة والمريحة التي تعيش فيها بمزاج شبابي مرح.
أغلقت المرأة بسرعة جهاز التحكم عن بعد للبث الموسيقي، ثم سألت مترددة،
“السيد كيم تشول سو……والسيدة مين سارا، ما الذي أتى بكم هنا؟”
التفت جوون إلى سيان كإجابة على السؤال.
“اتصلي بالرئيسة.”
“ماذا؟”
“أخبريها أننا نزلنا من الطائرة، واطمئني إن كانت بخير. و استخدمي مكبر الصوت.”
ما إن سمعت ذلك، شعرت كأن قلبها سقط في بطنها.
حدقت سيان بوجهٍ متجمد، فحثّها جوون بصوت بارد،
“أسرعي.”
أدركت سبب إحضارها إلى هنا دون أي تفسير. فلو اقترح جوون اختبار الرئيسة سرًا قبل اللقاء بهذه المرأة، لحدث جدال طويل بين سيان و جوون حول الخطة.
ذلك لم يكن غريبًا، فهذه المرأة في منتصف العمر كانت الوحيدة التي تعرف صوت الأفعى السوداء التي أمرت بقتل مين سارا.
الآن، كان المقصود من الأمر أن يتأكدوا معًا إن كانت الرئيسة هي أفعى جلجامش أم لا.
تاي جوون كان حقًا رجلاً قاسيًا.
الرئيسة بالنسبة لتاي جوون كانت كالأم، بل أنها أنقذت حياته ذات مرة ودفعت ثمن ذلك بأن عاشت باقي عمرها معاقة.
ومع ذلك كان يشك فيها بسبب قضية الرئيس السابق كانغ وان غيو.
دق… دق…
كان قلبها ينبض بعنف داخل رأسها، لكن سيَان أخرجت هاتفها بوجه جاف وعدّلت الإعداد على مكبر الصوت.
ترددت لحظةً لا تتجاوز الثانية وهي غارقة في قلق متأرجح، لكنها ضغطت على الرقم المختصر بعزم.
رمقها جوون بنظرة تفاجؤ. فلا بد أنه استغرب قبولها بالأمر بهذه السهولة.
ثم بدأت سيان الحديث مع الرئيسة بنبرة طبيعية وهي تحدّق مباشرة في المرأة متوسطة العمر.
“لقد خرجنا للتو من المطار. هل كل شيءٍ بخير معكِ؟”
• “أجل، ولستُ متعبة.”
“نحن بخير. لكن الرئيسة هي ما يقلقنا. علاج الحروق……لا تتركيه بحجة الانشغال، يجب أن تتلقينه في موعده تمامًا.”
• “بالطبع. وإلا فقد تطير سيَان فجأة إلى جزيرة جيجو مرة أخرى، أليس كذلك؟”
طوال مدة المكالمة ظل صوتها في غاية الهدوء، غير أن قلبها كان ينبض بقوة تحت أضلاعها.
“سأتواصل معكِ مجددًا إذاً.”
وبمجرد أن أنهت الاتصال، ثبتت عينيها على فم المرأة من دون أن تطرف حتى بجفن.
و بدا لها أن بطء المرأة وهي تفتح فمها لتجيب ثقيلٌ حد الاختناق.
“لا، لا. الأمر ليس كذلك.”
أشاحت المرأة بيديها نافيةً بسرعة.
“كما أخبرتكَ من قبل، الصوت الذي اتصل ليأمر بقتل مين سارا كان لرجل. كان صوتًا ناعمًا لكن في الوقت نفسه يحمل طابع ممثل من الستينيات……صوتٌ أنيق جدًا.”
“ألم تقولي أن هناك امرأةً أيضًا؟”
بكلمات جوون المستوثِقة، أومأت المرأة بحذر.
“نعم……طوال سبعة عشر عامًا عملت فيها في نقطة التفتيش، كان هناك رجلٌ وامرأة يتصلان لإعطاء الأوامر. وقد تدرّبنا على أنه إن جاء الأمر ممن لا يملكان هذين الصوتين تحديدًا ويطلب استدعاء الزعيم، فعلينا أن نقطع الاتصال فورًا……”
“لكن ألم يكن هناك أيضًا آخرون يتصلون لأسباب متعلقة بالعمل؟”
“بلى، كانوا موجودين……”
“فكّري جيدًا وببطء. ألم تسمعي هذا الصوت ولو مرةً واحدة من قبل؟”
سألها جوون وهو يحدّق بها بصرامة مخيفة، لكن المرأة نفت من دون أن تحتاج للتفكير مرتين.
“لا، أبدًا. إنها المرة الأولى التي أسمعه فيها حقًا. وصوتٌ كهذا، عميقٌ وأنيق لامرأة بهذا الشكل……لا يمكن أن أخلطه بآخر.”
هُوه……
شعرت سيَان بالاطمئنان وأغمضت رموشها المرتجفة.
وقد كانت أكثر توترًا مما كانت تدرك، إذ كان كتفاها مشدودين بثقل التوتر.
حتى جوون خفتت أخيرًا تلك البرودة الحادة الممزوجة بالشك التي كانت تلمع في عينيه.
***
أما سيَان، فقد كانت تؤمن بالرئيسة كما تؤمن بنفسها.
ففي حياة لي سيان، كانت الرئيسة، إلى جانب لينكون، بمثابة السور الواقي. كانت الدرع الذي سمح لها أن تقف صلبةً ككيانها الخاص، وكانت عائلتها.
لم يسبق لها يومًا أن شكّت في الرئيسة. ومع ذلك، فقد كانت طَوال رحيلها من جزيرة جيجو تتصارع في ذهنها فكرتان متعارضتان بشدة.
إيمانها بالرئيسة، وميلها للتدقيق في التفاصيل والشك فيه.
أما أعقد ما في الأمر……فهو أنها لم تستطع تقبّل ادعاء الرئيسة القائل: “كانغ وان غيو كان خائنًا داخليًا، وهو الأفعى السوداء.”
و تساءلت سيَان مرارًا،
‘هل يُعقل أن يكون الرئيس السابق كانغ وان غيو، ذاك الشامخ كشجرة، حقًا خائنًا بين الأفاعي؟’
لكن شكوكها لم تجد طريقًا إلى اليقين.
وفوق ذلك، بدت الرئيسة التي رأتها في جزيرة جيجو غريبةً، عنيدةً بشكل غير مألوف، بل متحفّزةً للدفاع عن نفسها.
بل إن حادثة التزييف المتعلقة بانتحار كانغ وان غيو حملت بدورها عناصر غامضة تكاد تجعل من الممكن الشك بالرئيسة كمجرمة قتل.
ماذا لو أنّ هذه الحادثة……لو أنّ ج جوون لم يعثر على بقايا إزالة الروح، فكيف كان سينتهي الأمر؟
رغم شعورها بالريبة وعدم الارتياح، إلا أنها كانت ستجد نفسها في النهاية مضطرةً لتصديق ادعاء الرئيسة: “بما أنّ روح كانغ وان غيو لم تكن موجودة، فهذا يعني أنّه هو الأفعى السوداء.”
وكان الأمر سيُطوى طبيعيًا على أنه “انتحار.”
الفضل الوحيد في أن الأحداث لم تجرِ بهذا الشكل يعود إلى أمر واحد لا غير، وهو أنّ جوون عثر في الحمام على بقايا إزالة الروح.
تلك الشكوك المزعجة، وعلامات الاستفهام الغامضة التي راحت تنتفخ بسرعة، ما إن أكدت المرأة في نقطة التفتيش أنّها “لم تسمع هذا الصوت من قبل” حتى انكمشت كلها كالبالون الفارغ وتبددت.
وبالنظر إليها بعين العقل، لم تكن سوى أوهام غير منطقية.
الرئيسة هي أفعى جلجامش، وقتلت كانغ وان غيو البريء فقط لتلصق به مشكلة الشيطان؟
لا، لا……هذا مستحيل.
فالرئيسة التي تعرفها لي سيَان امرأة صلبة كالصخرة. لم تكن أبدًا تلك الإنسانة الوضيعة التي تقتل صديقًا من أجل مصلحتها الخاصة.
ثم إنّ زوج الرئيسة الراحل توفي قبل ستة وثلاثين عامًا.
ستة وثلاثون عامًا كاملة. ولكي تُحفَظ جثةٌ مهشمة في حادث سير مروّع طوال هذه المدة، كان لا بد من رعاية دقيقة في منشأة طبية خاصة.
لكن الرئيسة أمضى أحد عشر شهرًا من كل عام داخل مبنى أوتيس، بالكاد تخرج منه.
وقبل كل شيء، الرئيسة لم تكن قادرةً أصلًا على النهوض أو المشي بنفسها.
انسكبت القهوة الساخنة على فخذيها لتسيل بغزارة، لكنها رأت بعينيها أنها لا تشعر بشيء مطلقًا في نصفها السفلي، وكأن الإحساس قد انعدم تمامًا.
“ألستِ غاضبة؟”
سألها جوون وهما ينزلان مجددًا بالمصعد إلى موقف السيارات تحت مبنى الشقق.
فأجابته سيَان ببرود،
“إن راودني الشك بك، فسأختبركَ وأتحقق منك كما فعلتَ اليوم مع الرئيسة. وأنتَ أيضًا ستفعل ذلك. إن شعرتَ بالريبة تجاهي يا تاي جوون، سنختبر بعضنا فورًا.”
“…….”
“ففي النهاية، الأمر كله لتعزيز الثقة وترسيخها. فلنتعاهد ألا نأبه لمثل هذا بيننا.”
لقد استطاعت قبل قليل أن تضغط على الرقم المختصر بجرأة لأنها كانت تؤمن بالرئيسة.
كانت واثقةً تمامًا من أنها لن تكون هي، ولهذا السبب كان ارتياحها عظيمًا حين تأكد لها صواب إيمانها.
صحيحٌ أن الرئيسة لو عرفت بأن سيَان و جوون قد اختبراها من وراء ظهرها لشعرت بالخذلان والانزعاج، لكنها كانت من أولئك الذين لو فسّرت لها الأمر بعقلانية لقالت بدلاً من ذلك: “أحسنتما.”
“هذا مؤسفٰ إذاً.”
دِينغ.
وما إن انفتح باب المصعد حتى خرج جوون أولًا، ثم أمسك بالباب بيده وتوقف ليهمس بخفة وبنبرة سرية،
“في الحقيقة……كنت أنوي أن أقول: لو غضبتِ، فسأكون عبدًا لكِ أسبوعًا كاملًا كتعويض لإرضاءكِ.”
“آه……”
“لكن بما أنك لستِ غاضبة، فهذا بالنسبة لي أمرٌ مفرح.”
ابتسم جوون ابتسامةً عريضة وكأن الأمر راق له، ثم مد كفّه إلى الخارج من المصعد بلباقة.
نظرت إليه سيان بصمت لحظة، ثم ضغطت زر مفتاح السيارة بييب، ورفعت يدها حتى مستوى صدرها.
“لم أكن أعلم أنك تتمنى أن تكون عبدي لتخفيف مزاجي……”
ثم أسقطت مفتاح السيارة في كفّه بخفة كأنها تضع بقشيشًا، ومشت أمامه بخطوات رشيقة منتظمة.
“أسبوع العبودية ذاك……فلتبدأه من القيادة.”
***
همهمة… ضجيج…
الطابق الثاني كان صاخبًا مجددًا. و يبدو أن ضيوف كي شيك أحدثوا فوضى غير قليلة.
فتح العجوز عينيت قليلًا ثم قطبّ جبينه، وأعدّ إغلاقهما بقوة.
كانوا ضيوفًا مزعجين حقًا. وما زاد الطين بلة أن عددًا من الضيوف صاروا يدخلون خلسةً من دون حتى إلقاء التحية.
ولأنهم لا يأتون عبر المدخل، فلا بد أنهم يتسلقون الجدار ويطلّون من نوافذ الطابق الثاني.
القط المجاور كان يفعل ذلك أحيانًا، لكنه لم يكن يسبب أي إزعاج، بل يكتفي بأن يختار مكانًا مشمسًا ويأخذ غفوةً هادئة قبل أن يرحل.
أما هؤلاء الضيوف……فكانوا بالفعل أقل شأنًا حتى من القطة.
في داخله كان يرغب بطردهم جميعًا شر طردة، لكنهم كانوا ضيوف كي شيك. و ذاك لم يكن سوى الطفل الذي ربّته السيدة كيم على يديها بعدما لم تُرزق بأبناء.
لذلك قرر أن يصبر أيامًا قليلة أخرى.
“هيا، لقد جاءوا! عادوا مجددًا! أولئك عادوا مرة أخرى!”
“الباب! امنعوه من الفتح! بسرعة!”
ضيوف الطابق العلوي أخذوا يصرخون بجلبة وارتباك.
فرفع الهجوز رأسه يتساءل عمّا يحدث، فإذا بقلبه يهوي فجأة. فقد تعرّف على تلك الظلال السوداء التي تلوح خلف نافذة الشرفة.
آه……لقد عادوا ثانية.
إنهم هم.
رجلٌ طويل القامة، وامرأةٌ طويلة، وكلب ضخم البنية.
كان يظن أنه نجح في طردهم نهائيًا……لكن أولئك الذين كانوا يستهدفون بيت السيدة كيم قد عادوا في النهاية.
__________________________
اشواااا الرئيسة مسيكينه بس كله من سيان بغيت اصدق وعنها الحين جايه تقول كنت حاسه وانها ماشكت😂 ياناس احبها حتى افكارها محد يفهمها
ويومها تقول الرئيسة هي سورها وعائلتها😔🫂
وجوون ذكي بس روعني
والحين حوا من الخطة ب الى ج من كلي الى عبد😭 تكفى لا
Dana
نظرت سيان عبر انعكاس باب المصعد إلى جوون.
كان وقوفه إلى جانبها ينضح بتوتر خطر.
“قبل أن نتعامل مع مسألة مين كي شيك، هناك شخصٌ عليّ مقابلته.”
قال ذلك في مطار جيجو، ولهذا تبعته إلى مطار إنتشون……لكنه لم يذكر من ينوي لقاءه في شقة المكتب.
وبما أنها ستعرف بعد ثوانٍ قليلة، لم تسأله سيان شيئًا، واكتفت بالوقوف بوجه بارد.
طنين-
توقف المصعد في الطابق السابع. و اتجه مباشرة إلى آخر شقة يسارًا، وأدخل بسرعة رقمًا سريًا، ففتح الباب.
“يا إلهي!”
إذ بامرأة في منتصف العمر، كانت تجلس في غرفة المعيشة تقشر شمامًا وتشاهد التلفاز، ترتعب فجأة حين اندفع شخصان إلى الداخل، فأسقطت قطعة الشمام من يدها.
كانت سيان هي الأخرى مذهولة.
فالمرأة في منتصف العمر لم تكن سوى تلك التي ترتدي الملابس الصفراء، والتي كانت تعمل في نقطة التفتيش بأرض الخلاص.
يوم وصولهم إلى اليابسة بمساعدة خفر السواحل، وفي خضم الفوضى حين كان جوون ينقل سبعة عشر مصابًا إلى المستشفى، قام بخلسة بتهريب تلك المرأة إلى مكان ما. و أنه أخفى أمرها حتى عن سيان، وهي بدورها لم تتعمد سؤاله.
كانت سيان تعتقد أنه ربما خبأها في مكان ما في سيول، لكنها فوجئت بأنها في يونغ جونغدو……
الموقع كان ممتازًا. بجوار مطار إنتشون مباشرة، وكذلك ميناء إنتشون، ما يجعل من السهل إرسالها إلى الخارج عند الضرورة.
دخل جوون الشقة بخطوات حازمة ووقف أمام المرأة، و تبعته سيان بلا تعبير على وجهها.
نهضت المرأة في منتصف العمر مترددة، تاركة قطعة الشمام، ويبدو أنها لم تكن خائفة، ما يعني أن إقناعها تم بنجاح.
كان جوون قادرًا على استكشاف الرغبات الكامنة لديها، ولقد لبّى تلك الرغبات بشكل جيد.
فقد بدا وجه المرأة أفضل مما كان عليه في أرض الخلاص، وملأ صوت أغاني التروت الشقة الواسعة والمريحة التي تعيش فيها بمزاج شبابي مرح.
أغلقت المرأة بسرعة جهاز التحكم عن بعد للبث الموسيقي، ثم سألت مترددة،
“السيد كيم تشول سو……والسيدة مين سارا، ما الذي أتى بكم هنا؟”
التفت جوون إلى سيان كإجابة على السؤال.
“اتصلي بالرئيسة.”
“ماذا؟”
“أخبريها أننا نزلنا من الطائرة، واطمئني إن كانت بخير. و استخدمي مكبر الصوت.”
ما إن سمعت ذلك، شعرت كأن قلبها سقط في بطنها.
حدقت سيان بوجهٍ متجمد، فحثّها جوون بصوت بارد،
“أسرعي.”
أدركت سبب إحضارها إلى هنا دون أي تفسير. فلو اقترح جوون اختبار الرئيسة سرًا قبل اللقاء بهذه المرأة، لحدث جدال طويل بين سيان و جوون حول الخطة.
ذلك لم يكن غريبًا، فهذه المرأة في منتصف العمر كانت الوحيدة التي تعرف صوت الأفعى السوداء التي أمرت بقتل مين سارا.
الآن، كان المقصود من الأمر أن يتأكدوا معًا إن كانت الرئيسة هي أفعى جلجامش أم لا.
تاي جوون كان حقًا رجلاً قاسيًا.
الرئيسة بالنسبة لتاي جوون كانت كالأم، بل أنها أنقذت حياته ذات مرة ودفعت ثمن ذلك بأن عاشت باقي عمرها معاقة.
ومع ذلك كان يشك فيها بسبب قضية الرئيس السابق كانغ وان غيو.
دق… دق…
كان قلبها ينبض بعنف داخل رأسها، لكن سيَان أخرجت هاتفها بوجه جاف وعدّلت الإعداد على مكبر الصوت.
ترددت لحظةً لا تتجاوز الثانية وهي غارقة في قلق متأرجح، لكنها ضغطت على الرقم المختصر بعزم.
رمقها جوون بنظرة تفاجؤ. فلا بد أنه استغرب قبولها بالأمر بهذه السهولة.
ثم بدأت سيان الحديث مع الرئيسة بنبرة طبيعية وهي تحدّق مباشرة في المرأة متوسطة العمر.
“لقد خرجنا للتو من المطار. هل كل شيءٍ بخير معكِ؟”
• “أجل، ولستُ متعبة.”
“نحن بخير. لكن الرئيسة هي ما يقلقنا. علاج الحروق……لا تتركيه بحجة الانشغال، يجب أن تتلقينه في موعده تمامًا.”
• “بالطبع. وإلا فقد تطير سيَان فجأة إلى جزيرة جيجو مرة أخرى، أليس كذلك؟”
طوال مدة المكالمة ظل صوتها في غاية الهدوء، غير أن قلبها كان ينبض بقوة تحت أضلاعها.
“سأتواصل معكِ مجددًا إذاً.”
وبمجرد أن أنهت الاتصال، ثبتت عينيها على فم المرأة من دون أن تطرف حتى بجفن.
و بدا لها أن بطء المرأة وهي تفتح فمها لتجيب ثقيلٌ حد الاختناق.
“لا، لا. الأمر ليس كذلك.”
أشاحت المرأة بيديها نافيةً بسرعة.
“كما أخبرتكَ من قبل، الصوت الذي اتصل ليأمر بقتل مين سارا كان لرجل. كان صوتًا ناعمًا لكن في الوقت نفسه يحمل طابع ممثل من الستينيات……صوتٌ أنيق جدًا.”
“ألم تقولي أن هناك امرأةً أيضًا؟”
بكلمات جوون المستوثِقة، أومأت المرأة بحذر.
“نعم……طوال سبعة عشر عامًا عملت فيها في نقطة التفتيش، كان هناك رجلٌ وامرأة يتصلان لإعطاء الأوامر. وقد تدرّبنا على أنه إن جاء الأمر ممن لا يملكان هذين الصوتين تحديدًا ويطلب استدعاء الزعيم، فعلينا أن نقطع الاتصال فورًا……”
“لكن ألم يكن هناك أيضًا آخرون يتصلون لأسباب متعلقة بالعمل؟”
“بلى، كانوا موجودين……”
“فكّري جيدًا وببطء. ألم تسمعي هذا الصوت ولو مرةً واحدة من قبل؟”
سألها جوون وهو يحدّق بها بصرامة مخيفة، لكن المرأة نفت من دون أن تحتاج للتفكير مرتين.
“لا، أبدًا. إنها المرة الأولى التي أسمعه فيها حقًا. وصوتٌ كهذا، عميقٌ وأنيق لامرأة بهذا الشكل……لا يمكن أن أخلطه بآخر.”
هُوه……
شعرت سيَان بالاطمئنان وأغمضت رموشها المرتجفة.
وقد كانت أكثر توترًا مما كانت تدرك، إذ كان كتفاها مشدودين بثقل التوتر.
حتى جوون خفتت أخيرًا تلك البرودة الحادة الممزوجة بالشك التي كانت تلمع في عينيه.
***
أما سيَان، فقد كانت تؤمن بالرئيسة كما تؤمن بنفسها.
ففي حياة لي سيان، كانت الرئيسة، إلى جانب لينكون، بمثابة السور الواقي. كانت الدرع الذي سمح لها أن تقف صلبةً ككيانها الخاص، وكانت عائلتها.
لم يسبق لها يومًا أن شكّت في الرئيسة. ومع ذلك، فقد كانت طَوال رحيلها من جزيرة جيجو تتصارع في ذهنها فكرتان متعارضتان بشدة.
إيمانها بالرئيسة، وميلها للتدقيق في التفاصيل والشك فيه.
أما أعقد ما في الأمر……فهو أنها لم تستطع تقبّل ادعاء الرئيسة القائل: “كانغ وان غيو كان خائنًا داخليًا، وهو الأفعى السوداء.”
و تساءلت سيَان مرارًا،
‘هل يُعقل أن يكون الرئيس السابق كانغ وان غيو، ذاك الشامخ كشجرة، حقًا خائنًا بين الأفاعي؟’
لكن شكوكها لم تجد طريقًا إلى اليقين.
وفوق ذلك، بدت الرئيسة التي رأتها في جزيرة جيجو غريبةً، عنيدةً بشكل غير مألوف، بل متحفّزةً للدفاع عن نفسها.
بل إن حادثة التزييف المتعلقة بانتحار كانغ وان غيو حملت بدورها عناصر غامضة تكاد تجعل من الممكن الشك بالرئيسة كمجرمة قتل.
ماذا لو أنّ هذه الحادثة……لو أنّ ج جوون لم يعثر على بقايا إزالة الروح، فكيف كان سينتهي الأمر؟
رغم شعورها بالريبة وعدم الارتياح، إلا أنها كانت ستجد نفسها في النهاية مضطرةً لتصديق ادعاء الرئيسة: “بما أنّ روح كانغ وان غيو لم تكن موجودة، فهذا يعني أنّه هو الأفعى السوداء.”
وكان الأمر سيُطوى طبيعيًا على أنه “انتحار.”
الفضل الوحيد في أن الأحداث لم تجرِ بهذا الشكل يعود إلى أمر واحد لا غير، وهو أنّ جوون عثر في الحمام على بقايا إزالة الروح.
تلك الشكوك المزعجة، وعلامات الاستفهام الغامضة التي راحت تنتفخ بسرعة، ما إن أكدت المرأة في نقطة التفتيش أنّها “لم تسمع هذا الصوت من قبل” حتى انكمشت كلها كالبالون الفارغ وتبددت.
وبالنظر إليها بعين العقل، لم تكن سوى أوهام غير منطقية.
الرئيسة هي أفعى جلجامش، وقتلت كانغ وان غيو البريء فقط لتلصق به مشكلة الشيطان؟
لا، لا……هذا مستحيل.
فالرئيسة التي تعرفها لي سيَان امرأة صلبة كالصخرة. لم تكن أبدًا تلك الإنسانة الوضيعة التي تقتل صديقًا من أجل مصلحتها الخاصة.
ثم إنّ زوج الرئيسة الراحل توفي قبل ستة وثلاثين عامًا.
ستة وثلاثون عامًا كاملة. ولكي تُحفَظ جثةٌ مهشمة في حادث سير مروّع طوال هذه المدة، كان لا بد من رعاية دقيقة في منشأة طبية خاصة.
لكن الرئيسة أمضى أحد عشر شهرًا من كل عام داخل مبنى أوتيس، بالكاد تخرج منه.
وقبل كل شيء، الرئيسة لم تكن قادرةً أصلًا على النهوض أو المشي بنفسها.
انسكبت القهوة الساخنة على فخذيها لتسيل بغزارة، لكنها رأت بعينيها أنها لا تشعر بشيء مطلقًا في نصفها السفلي، وكأن الإحساس قد انعدم تمامًا.
“ألستِ غاضبة؟”
سألها جوون وهما ينزلان مجددًا بالمصعد إلى موقف السيارات تحت مبنى الشقق.
فأجابته سيَان ببرود،
“إن راودني الشك بك، فسأختبركَ وأتحقق منك كما فعلتَ اليوم مع الرئيسة. وأنتَ أيضًا ستفعل ذلك. إن شعرتَ بالريبة تجاهي يا تاي جوون، سنختبر بعضنا فورًا.”
“…….”
“ففي النهاية، الأمر كله لتعزيز الثقة وترسيخها. فلنتعاهد ألا نأبه لمثل هذا بيننا.”
لقد استطاعت قبل قليل أن تضغط على الرقم المختصر بجرأة لأنها كانت تؤمن بالرئيسة.
كانت واثقةً تمامًا من أنها لن تكون هي، ولهذا السبب كان ارتياحها عظيمًا حين تأكد لها صواب إيمانها.
صحيحٌ أن الرئيسة لو عرفت بأن سيَان و جوون قد اختبراها من وراء ظهرها لشعرت بالخذلان والانزعاج، لكنها كانت من أولئك الذين لو فسّرت لها الأمر بعقلانية لقالت بدلاً من ذلك: “أحسنتما.”
“هذا مؤسفٰ إذاً.”
دِينغ.
وما إن انفتح باب المصعد حتى خرج جوون أولًا، ثم أمسك بالباب بيده وتوقف ليهمس بخفة وبنبرة سرية،
“في الحقيقة……كنت أنوي أن أقول: لو غضبتِ، فسأكون عبدًا لكِ أسبوعًا كاملًا كتعويض لإرضاءكِ.”
“آه……”
“لكن بما أنك لستِ غاضبة، فهذا بالنسبة لي أمرٌ مفرح.”
ابتسم جوون ابتسامةً عريضة وكأن الأمر راق له، ثم مد كفّه إلى الخارج من المصعد بلباقة.
نظرت إليه سيان بصمت لحظة، ثم ضغطت زر مفتاح السيارة بييب، ورفعت يدها حتى مستوى صدرها.
“لم أكن أعلم أنك تتمنى أن تكون عبدي لتخفيف مزاجي……”
ثم أسقطت مفتاح السيارة في كفّه بخفة كأنها تضع بقشيشًا، ومشت أمامه بخطوات رشيقة منتظمة.
“أسبوع العبودية ذاك……فلتبدأه من القيادة.”
***
همهمة… ضجيج…
الطابق الثاني كان صاخبًا مجددًا. و يبدو أن ضيوف كي شيك أحدثوا فوضى غير قليلة.
فتح العجوز عينيت قليلًا ثم قطبّ جبينه، وأعدّ إغلاقهما بقوة.
كانوا ضيوفًا مزعجين حقًا. وما زاد الطين بلة أن عددًا من الضيوف صاروا يدخلون خلسةً من دون حتى إلقاء التحية.
ولأنهم لا يأتون عبر المدخل، فلا بد أنهم يتسلقون الجدار ويطلّون من نوافذ الطابق الثاني.
القط المجاور كان يفعل ذلك أحيانًا، لكنه لم يكن يسبب أي إزعاج، بل يكتفي بأن يختار مكانًا مشمسًا ويأخذ غفوةً هادئة قبل أن يرحل.
أما هؤلاء الضيوف……فكانوا بالفعل أقل شأنًا حتى من القطة.
في داخله كان يرغب بطردهم جميعًا شر طردة، لكنهم كانوا ضيوف كي شيك. و ذاك لم يكن سوى الطفل الذي ربّته السيدة كيم على يديها بعدما لم تُرزق بأبناء.
لذلك قرر أن يصبر أيامًا قليلة أخرى.
“هيا، لقد جاءوا! عادوا مجددًا! أولئك عادوا مرة أخرى!”
“الباب! امنعوه من الفتح! بسرعة!”
ضيوف الطابق العلوي أخذوا يصرخون بجلبة وارتباك.
فرفع الهجوز رأسه يتساءل عمّا يحدث، فإذا بقلبه يهوي فجأة. فقد تعرّف على تلك الظلال السوداء التي تلوح خلف نافذة الشرفة.
آه……لقد عادوا ثانية.
إنهم هم.
رجلٌ طويل القامة، وامرأةٌ طويلة، وكلب ضخم البنية.
كان يظن أنه نجح في طردهم نهائيًا……لكن أولئك الذين كانوا يستهدفون بيت السيدة كيم قد عادوا في النهاية.
__________________________
اشواااا الرئيسة مسيكينه بس كله من سيان بغيت اصدق وعنها الحين جايه تقول كنت حاسه وانها ماشكت😂 ياناس احبها حتى افكارها محد يفهمها
ويومها تقول الرئيسة هي سورها وعائلتها😔🫂
وجوون ذكي بس روعني
والحين حوا من الخطة ب الى ج من كلي الى عبد😭 تكفى لا
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 126"