في الطريق المتجه نحو موجو في مقاطعة جولا الشمالية. كانت أشعة شمس أغسطس تتراقص خارج نافذة السيارة كموجات ذهبية متلألئة. ويبدو أن اليوم سيكون شديد الحر.
أجرت سيان اتصالاً مختصرا مع الرئيسة، ثم أبلغت جوون بمضمون المكالمة.
“الرئيسة ألغت جميع مواعيدها وتتوجه الآن إلى جيجو.”
“تلك العجوز تتصرف دائماً بهدوء وسرعة.”
رد جوون وهو يدير المقود، وكأنه كان يتوقع الأمر مسبقاً.
بما أنها وصلت بالفعل إلى المطار، فلقاؤها مع الرئيس السابق سيكون قرابة الرابعة عصراً. أما انتهاء الحديث، ولو بشكل تقريبي، فلعلّه سيكون عند السادسة.
ورغم أن فرع أوتيس في جيجو سيتكفل بدعمها، إلا أن فكرة أن الرئيسة، التي تحتاج إلى كرسي متحرك، ذهبت وحدها، كانت تثير القلق.
لكن جوون لم يُبدِ أي اهتمام بالأمر، بل انحرف نحو موقف مقهى قريب وأوقف السيارة.
“لنشترِ القهوة من هنا مباشرة. قهوةٌ مثلجة كبيرة الحجم مع إضافة جرعة إسبرسو. هل يناسبكِ ذلك؟”
“أنا من سيذهب.”
لكن ما إن مدّت سيان يدها إلى حزام الأمان لتستعد للنزول، حتى أوقفها جوون بخفة وهو يفتح الباب بنفسه.
“لا داعي، ابقَي جالسةً كما أنتِ.”
ثم تابعت سيان بعينيها ظهره وهو يمر أمام مقدمة السيارة. وبدا مظهره أكثر اختناقاً بالحرارة، إذ كان يرتدي ملابس سوداء بالكامل من رأسه حتى قدميه في هذا الحر.
رغم أن جوون كان يمقت الحرّ أشد المقت، إلا أنه كلما وجب الخروج من السيارة كان يصر على أن يتحرك هو أولاً. كأنه لا يحتمل أن يراها تُرهق تحت وطأة الحر.
بل، وحتى في البرد كان كذلك. ففي يناير، حين كانوا في غانغوون، خرج وحده تحت الريح الباردة ومشى حتى المتجر الصغير ليعود بعلبة قهوة ساخنة معلبة، اشتراها خصيصاً لها.
كليك-
فكّت سيان حزام الأمان، ثم نزلت من السيارة وتبعت خطواته إلى داخل المقهى.
وعندما وقفت بجواره في الطابور لتطلب مشروبها، أدار جوون عينيه نصف إغماضة نحوها. وكأنه يسألها: “في هذا الحرّ، لماذا أصريتِ على الخروج؟”
فأجابت نظراته بصوتٍ هادئ،
“فقط……لأشاركك. الحرّ والبرد معاً.”
***
على جدار الكوب الزجاجي الشفاف الممتلئ بالثلج، تناثرت قطرات ماء صغيرة متلألئة.
ارتشفت سيان جرعةً من قهوتها المثلجة، ثم وضعتها في حامل الأكواب.
كان مشهد الكوبين المتجاورين وقد استقرا هناك ببساطة شديدة، مشهداً عادياً للآخرين، لكنه بدا لها مميزاً للغاية.
فهي لم تعتد قط أن تضع أكوابها على هذا النحو مع أي شريك آخر. لكن تاي جوون……كان مختلفاً.
لقدكان رجلاً استثنائياً منذ البداية.
عاشت لي سيان عمراً طويلاً وهي تُغلق قلبها أمام الآخرين، كجوزةٍ قاسية تخفي داخل قشرتها الملتوية قلباً مشوهاً.
لكن تاي جوون، دون استئذان، أخذ يعبث بتلك القشرة ويدحرجها، ثم بدأ يفتتها شيئاً فشيئاً، حتى تسلل في النهاية إلى أعماق قلبها.
فابتسمت سيان ابتسامةً صغيرة، وأفلتت منها ضحكةٌ خافتة.
حين التقت به لأول مرة في السادس والعشرين من ديسمبر العام الماضي، كان الأمر بالنسبة لها مظلماً ومخيفاً، إذ لم تتخيل كيف ستقضي عاماً كاملاً مع هذا الرجل……
“هل خطر ببالكِ شيءٌ طريف؟”
سألها جوون وهو يرمقها من مقعد السائق، ثم ما إن تبدّل الضوء إلى أخضر حتى انطلق بالسيارة.
فترددت سيان بصوتٍ قصير “همم……” قبل أن تجيب،
“كنت أتذكر تاي جوون وهو غارقٌ حتى العظم تحت المطر، يرتجف من شدة البرد.”
“آه.”
أومأ جوون برأسه بنبرة “هكذا كان إذاً”، لكنه سرعان ما باغتها بالرد.
“أما أنا فما زلت أذكر ذلك اليوم……حين استعملتِني كمدفأة بشرية. داخل تلك المنارة المعتمة.”
“….…”
“عندما ترددتِ قليلاً ثم أخرجتِ ذراعكِ ببطء من كمّ ثوبك، فانكشف تدريجياً خصركِ الرشيق من تحت ملابسكِ الرقيقة.”
“لم أكن متوترةً إطلاقاً. كل ما في الأمر أن معطفي كان مبللاً بشدة.”
“ربما معكِ حق.”
وافق جوون بهدوء، ثم أكمل كلامه بتمهل،
“إذاً، لعلني أنا من كان متوتراً وقتها. لأنكِ كنتِ جميلةً أكثر مما أحتمل.”
ارتجفت سيان للحظة، لكنها سرعان ما ردّت بخفة،
“هل بهذه الكلمات المليئة بالابتذال تنوي أن تُنجب عشرة آلاف طفل؟”
وكانت تلمّح إلى ما قاله ذلك الصبي الصغير في غانغوون حين قرأ خطوط كفّهما.
فابتسم جوون ضاحكاً، ثم أجاب بنفس النبرة الساخرة،
“آه، خطوط كفّي……قال أني بلا حبيبة لكن لدي عشرة آلاف ولد، أليس كذلك؟ أما خطوط كفّك أنتِ، فكانت تخبركِ بوجود ثلاثمئة زوج. يا ملكة الحريم. لكن، هل ما زلتُ حتى الآن الرجل الوحيد في حياتكِ من ذلك الحريم؟”
“لينكُون أيضاً موجود.”
“إذاً اثنان.”
وما إن أومأت برأسها تأكيداً، حتى تمتم جوون متذمراً،
“منافسي كلب، أي سخريةٍ هذه.”
فانفجرت سيان بالضحك دون أن تشعر.
وبما أنهما شرعا بالكلام، فقد تبادلا المداعبات اللفظية بخفة، كأنهما يلعبان بالكلمات مثل كرات صغيرة.
ومع كل ضحكة تسللت في صوته، شعرت بحكةٍ في كفّها.
أرادت أن تلمسه. حين يضحك هكذا، كانت رغبتها أن تلمس وجهه المبتسم تزداد.
ثم تابعت الحديث في مسار العمل،
“مين كي شيك، صاحب حانة أبغوجونغ……قلتَ أنه فرّ إلى الأقاليم بينما كنّا نركض وسط إعصار الجزيرة، أليس كذلك؟”
“كنت قد ربطتُ بمين كي سيك إحدى الةوابيس، لكن بسبب ذلك الوغد سادان……”
نعم، فكل الكوابيس انجذبت آنذاك إلى سادان، وحين فقد جوون السيطرة عليها، انحلّ السحر الذي كبّل به مين كي شيك أيضاً.
ومن المؤكد أن مين كي شيك، وسط ذلك الاضطراب، أدرك أنه أدخل امرأةً تُدعى مين سارا إلى أراضي الخلتص. والدليل أنه فرّ في الحال في ذلك اليوم نفسه.
بل إنه هرب بجسده فقط، دون أن يرتب أوضاعه أو يجمع ثروته.
ولحسن الحظ، كان جوون قد تتبع أثره سريعاً، وها هما الآن في طريقهما إليه.
“مين كي شيك تربى في بيت عمته في موجو بجولا الشمالية حتى تخرّج من الثانوية.”
“عمته؟”
“توفيت قبل عام، لكنها ربّته كابن لها، ولذا آلت ملكية البيت إلى مين كي شيك.”
“آه……”
أصدرت سيان صوتاً خافتاً ثم سألت،
“مين كي شيك……لا بد أنه قُتل، أليس كذلك؟ فبسرعة تعامل الأفاعي مع أمورهم……”
“لا بد أنه تعفّن تماماً بالفعل، فالجو شديد الحرارة.”
سألته سيان بلهجةٍ محايدة، كأنها تتحدث عن سمكة نُسيت فوق حوض المطبخ. بينما ألقى جوون نظرةً خاطفة على شاشة الملاحة في السيارة، ثم أخبرها،
“لقد وصلنا. ذاك هو البيت.”
***
قاد جوون السيارة متجاوزاً بيت عمة مين كي شيك متعمداً، ثم أوقفها بعد نحو مئتي متر في الأسفل.
طنغ. طاطنغ-
ترجّل من السيارة وأغلق الباب خلفه، مطلقاً تنهيدة قصيرة.
“هف.”
كان هذا العام أشد حرارةً من سابقيه، وشمس أغسطس اللاهبة تصبّ نارها حتى بدا الهواء يغلي كالزيت في مقلاة. ففكّ جوون بالفعل الزرّ الأول من قميصه الأسود.
أما سيان، فقد أرسلت لينكُون أولاً، ليتأكد مما إذا كان هناك حراسٌ من الأفاعي يراقبونهما من الخفاء، أو إن كان ثمة ما يستدعي الحذر.
هزّ لينكُون ذيله مرتين، ثم انطلق فجأةً كريح بيضاء سريعة.
أما الاثنان، فقد تقدما بخطى غير متعجلة، يراقبان المكان من حولهما وهما يتوجهان إلى الهدف.
لم يكن الحيّ من أحياء السكن العادية، بل مجمعاً ريفياً تنتشر فيه زراعة الأعشاب والجبال الخضراء. ولهذا السبب كانت المسافات بين الأبنية واسعة.
وبين المنازل المنفردة المبعثرة هنا وهناك ظهرت بيوتٌ بلاستيكية زراعية وشِباك خضراء مشدود.
يبدو أنهم حاولوا تحويل القرية الصغيرة القديمة إلى مجمع ريفي جديد، لكن المشروع لم ينجح على ما يبدو، إذ كان السكان شبه معدومين.
ومن بين القلّة القليلة من السكان، جلست ربة منزل في الستين من عمرها منحنيةً وسط حقل أعشاب طبية، تنظر باستغراب إلى سيان و جوون وهما يقتربان.
كانت تسكن في أقرب منزل إلى بيت عمة مين كي شيك.
لم تكن من المزارعين الجدد في الثلاثينات أو الأربعينات، بل امرأةً ستينية عاشت في القرية زمناً طويلاً.
وبما أن عمة مين كي شيك عاشت هنا أربعين سنة، فلا شك أن بينهما معرفةً وطيدة. شخصية مثالية للحصول على المعلومات.
“مرحباً.”
بادرت سيان بالتحية وهي تقترب حتى طرف الحقل.
“هل هذه سينغواسونغ؟”
“أوه، هناك فتاةٌ شابة تعرف هذه النبتة! وكيف عرفتِ ذلك؟”
“لدي قريبٌ مريض، وبما أنه يشرب الخمر كثيراً، كنت أفكر أن أقدم له بعض السينغواسونغ لصحته.”
“حسنٌ، حسنٌ جداً.”
وبينما كانت سيان تتأمل النباتات، انجذبت عيناها إلى مدخل المخزن القريب، حيث وُضع كيسٌ كبير من طعام كلاب ناعمٌ ومخصص للكلاب المسنّة.
“أتربين كلباً؟”
“لا، لديّ قطة.”
قالت السيدة ذلك وهي تنفض التراب عن يديها، ثم مسحتهما على ردفيها قبل أن تقترب أكثر.
“ذلك الطعام لكلب صديق من الجيران. اشتريت الكيس لأطعمه به. هل جئتِ حتى هنا فقط من أجل شراء السينغواسونغ؟”
“آه، لقد جئتُ إلى بيت السيدة كيم. نحن أقارب ابن أختها، مين-”
“كي شيك؟”
قاطعتها المرأة فوراً، ثم نقرَت بلسانها بامتعاض.
“ذلك الوغد كي شيك……لم أستغرب أبداً، فقد كان شكله مريباً منذ زمن. هل أتيتما لتطالِباه بدَين؟”
تبادلا سيان و جوون نظرةً سريعة، بالكاد تُلحَظ.
ثم ابتسمت سيان بلطف وأجابت،
“لا، نحن نعمل مع السيد مين كي شيك في بعض المشاريع التجارية.”
“أليس هو الذي أفلس في سيول وهرب إلى هنا؟”
“أبداً.”
“حقاً؟”
أمالت المرأة رأسها مترددة، ثم تمتمت بنبرة متذمرة، غير مصدقة،
“كانت السيدة كيم تفتخر دائماً بأن كي شيك يملك عدة سيارات فاخرة مستوردة. لكن قبل أربعة أيام فقط، رأيته بعيني……يركض مسرعاً أمام البيت هنا مع حلول المساء، كأنه لصٌ يهرب، ثم دخل بيته بخوف.”
قبل أربعة أيام.
“فذهبتُ إليه حالاً، ومعي طعام الكلب، أردت أن أحييه أيضاً.”
“نعم.”
“لكنه فتح الباب بالكاد، فتحةً صغيرة هكذا فقط، وراح يزمجر بوجه قبيح، يهددني ألا أقترب من البيت مجدداً.”
“السيد مين كي شيك فعل هذا؟”
“أقول لكِ نعم! والأسوأ أنه حذرني بحدة، وهددني ألا أبوح لأحد أني رأيته.”
“لماذا فعل ذلك……؟”
تساءلت سيان متصنعة الحيرة، فما كان من ربة المنزل إلا أن أخذت تملأ طبق الكلب بالطعام وهي تُكمل،
“إن كنتِ ستذهبين إلى ذلك البيت، فخذي معكِ بعض طعام الكلب. هناك كلبٌ واحد يعيش هناك، وبما أن كي شيك ذلك الوغد لا يملك من طبعِه ما يجعله يهتم حتى بطعام كلب، فلن يكون قد أطعمه أبداً.”
_________________________
لينكون الحين مصدق نفسه صار منافس جوون😂
المهم ليه ذا الجازه ماجابت طاري العجوز الي مع كي شيك ذاه؟ لايكون روح؟😃
شكل ذا الارك غريب
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب من بيلادونا، التي كانت تجلس ساكنة على السرير. وأمسك ذقنها بلمسةٍ خشنةٍ ورفع رأسها للأعلى. “كيف أجعلك تتحدّثين؟” “….” نظر إلى عينيها المرتجفتين، ركل لسانه وأرخى قبضته على ذقنها واستدار....مواصلة القراءة →
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب...
التعليقات لهذا الفصل " 116"