وحتى ذلك الخائن الذي تحرك من أجل أفعى جلجامش لم يكن سوى الرئيس السابق لأوتيس، كانغ وان غيو.
كانت حقيقةً صادمة، لكن لا سيان ولا جوون أبديا أي رد فعل، بل ظلّت وجهيهما باردين بلا أدنى حركة.
كانا يتوقعان تمامًا أن يكون الأمر هكذا.
فشخصٌ قادر على تهريب شيطانٍ من المستوى الأعلى خارج مبنى أوتيس وتسليمها خفيةً إلى السنابل من دون أن يطلق حتى إنذارًا، لا يمكن أن يكون سوى زعيم أوتيس نفسه أو شخصًا قريبًا منه للغاية.
لو كان الجاني شخصًا آخر، لكان ذلك مثيرًا للريبة على العكس.
تابعت الرئيسة كلامها بنبرة خالية من أي شعور، مخيفةً ببرودها.
“في مارس قبل 29 عامًا، تم إخراج هذا الشيطان، وبعد يومين سُجّل أنه أعيد إلى المخزن. لكن هذا كان مجرد تدوين على الورق ليس إلا.”
بمجرد أن تُسجَّل في الوثائق هكذا، فلن يكون هناك أي سببٍ لمراجعة هذا الشيطان بعينه وسط ذلك الكم الهائل من الأرواح، ما لم يحدث أمرٌ استثنائي.
هذا معناه أن الرئيس السابق، الذي تقاعد بسبب المرض، قد ارتكب “تزويرًا في الوثائق”. فالشيطان لم يعد أبدًا، ومع ذلك سُجّل أنه عاد.
تابعت الرئيسة ببرود قاطع.
“بما أن الرئيس السابق يعيش الآن في سن متقدمة، مريضًا منذ زمن طويل، ويتلقى العلاج في جزيرة جيجو، فسألتقي به بنفسي لأتأكد من الحقيقة.”
“لذلك نحن-”
“لا. هذه قضيةٌ خطيرة تتعلق بفساد الرئيس السابق. يجب أن أتولى أمرها بنفسي.”
قطعت الرئيسة الكلام بصرامة.
“بعدها يجب أن تُحال القضية إلى قسم التحقيق في الفساد في المقر الرئيسي.”
منذ البداية، لم يكن لفريق النجارين الميداني، سيان و جوون، أن يتدخلوا في مسألة فساد الرئيس السابق.
وبمجرد أن تنتقل القضية إلى قسم التحقيق في الفساد، سيُشكَّل فريق تحقيق من عملاء محترفين، وسيُفتَّش أمر الرئيس السابق كانغ وان غيو من الجذور حتى الفروع. ولتفادي أي إتلاف للأدلة، بدا أن الخيار الأمثل هو تسليمها بسرعة لقسم التحقيق.
لكن ما إن همّ أحدهم بطرح ذلك، حتى شبكت الرئيسة أصابعها بقوة حتى انقبضت يداها.
“ذلك الرجل كان مُنقذي.”
“….…”
“قبل 36 عامًا، بعدما فقدت زوجي في حادث سير، جننت تمامًا……و انهرت وصرت مجرد حطام، لكنه هو من أمسك بي بقوة وأعادني إلى الوقوف من جديد.”
“…….”
“وحين تقاعد بسبب المرض، أوصى بي لأكون رئيسة فرع أوتيس في كوريا. قال لي: وما المشكلة إن كنت مشلولة؟ أنتِ ستنجحين حتمًا، فلا داعي لكل هذا القلق. ثم ابتسم لي هكذا……”
توقفت الرئيسة عند آخر الجملة، تضغط أسنانها وكأنها تحاول كبح انفعالاتها.
ولعل صدمتها من معرفة أن هذا الرجل تحديدًا قد تورط مع الأفاعي، هي ما جعلت شعرها الأبيض يبدو اليوم أكثر شيبًا وأثقل عمرًا.
ثم مدّت الرئيسة يدها لالمس شاشة جهاز فحص الأرواح.
و على الفور، هوووب- الشيطان الذي كان داخل الصندوق الزجاجي الضخم سُحب فجأة إلى الأسفل مثل دخان متلاشي.
وبعدها مباشرة، قفزت من الجهاز زجاجةٌ زجاجية طويلة بحجم الكوب، تدور دورةً كاملة في الهواء قبل أن تستقر خارجه.
غرست الرئيسة ختم أوتيس بيدها مباشرة على تلك الزجاجة الزجاجية بإحكام. ثم استدارت بوجه متجهم نحو سيان و جوون.
“أريد التحدث قليلًا مع جوون وحده.”
***
سألته بنبرة جادة،
“إذا جمعنا التقرير الذي كتبته سيان مع ما جرى في أراضي الخلاص……فالنتيجة أن الشيطان الذي أُخرج من أوتيس قبل 29 عامًا كان طوال تلك المدة محتجزاً في المبنى ذو الطوابق الثلاثة حيث يقيم الزعيم، ولم يتحرر إلى خارج المبنى إلا هذه المرة، صحيح؟”
“ثم فُتحت بوابة الأرواح التي تدفق منها كوابيسٌ لا حصر لها.”
أجاب جوون مختصرًا، ثم تابع كلامه،
“كان ذلك انتقامًا لحبسه. أراد إبادة جميع البشر في تلك الجزيرة من البداية إلى النهاية.”
“وبحسب ما قالته سيان، كان عدد تلك الكوابيس يقارب ثلاثين ألفًا……”
“صحيح. تقريبًا بهذا العدد.”
“إذاً……كيف تعاملتم مع هذا الكم الهائل من الكوابيس؟ فالتقرير الذي رفعته سيان لا يذكر شيئًا عن تلك العملية.”
رفع جوون كتفيه بخشونة دون أن ينبس بكلمة.
وفي حين أنه عادةً ما كانت الرئيسة تترك الأمور عند هذا الحد دون إلحاح، إلا أنها هذه المرة تحدثت بصوت قاتم ساخر،
“هل تظن أنكَ ستخدعني أنتَ أيضًا؟”
“…….”
“أأنتَ أيضًا ستطعنني في ظهري، وتفعل من وراءي ما تشاء؟”
“هاه….”
حرّك جوون لسانه، ثم أجاب بصراحة.
“ما حدث من جنون الكوابيس في أراضي الخلاص……أنا من أوقفه.”
“بمعنى؟”
“أنا أستطيع التحكم بالكوابيس. منذ طفولتي.”
كان سرًا يجوز البوح به للرئيسة على أية حال. كل ما في الأمر أن سيان قد لمح تلك الحقيقة الحساسة أولًا.
لكن الرئيسة لم تغضب، و لم تقل له: “لماذا أخفيت ذلك حتى الآن؟” بل تمتمت وحدها بصوت خافت.
“التحكم بالكوابيس……بل وبقوة تكفي لإخضاع الكوابيس التي استدعاها شيطانٌ عاش 320 عامًا……”
“ليس بالضبط كما تفكرين. كنت محظوظًا فحسب-”
“في أمور الأرواح، الحظ لا وجود له.”
قاطعته الرئيسة ببرود، ثم تابعت بنبرة فاحصة كأنها تريد التأكد.
“إن كنت قادرًا على التحكم بالكوابيس، فهذا يعني أن قواك الروحية مرتبطةٌ ارتباطًا وثيقًا باللاوعي……هل يمكنك إذًا التلصص على لاوعي الآخرين؟ مثل الأحلام، أو السيطرة الذهنية، أو ما شابه ذلك.”
“أستطيع الرؤية، وأستطيع السيطرة أيضًا. يكفي أن أنظر في عيني الخصم لأكثر من ثلاث ثوانٍ، أيًا كان ذاك الشخص.”
“هــه……”
أصدرت الرئيسة صوتًا قصيرًا وهي تغرق في التفكير، لكن جوون رسم حدًا واضحًا.
“لكن هناك أشخاصٌ يستحيل التحكم بهم. مثلكِ أنت، أو مثل لي سيان.”
“أنا؟”
“أولئك الذين يتمسكون بالعقلانية الصارمة والبرود التام، تحيط بلاوعيهم قشرةٌ سميكة كالفولاذ. لا يتركون أنفسهم للشرود ولا يُظهرون ثغرة. فوق ذلك، أنتِ قضيت عمركِ كله تعيشين داخل هذا المبنى، أوتيس.”
لا يمكن التسلل إلى لاوعي أي شخص يعيش داخل مبنى أوتيس.
فالأساس أن هذا المبنى أُنشئ خصيصًا لهذا الغرض. ولهذا لم تستطع سيان إدخال لينكون إلى الداخل، وكذلك جوون لا يستطيع التحكم بالكوابيس داخل هذا المكان.
عندها تحدث جوون ببرود وهو يكذب بلا تردد،
“لم يحدث أن تجولت في لاوعيكِ أبدًا. فلا سبب يدعوني لذلك.”
لكن في الحقيقة، كان قد تسلل مرتين إلى أحلام الرئيسة. حين كان صغيرًا، في الفترة التي عاشا فيها معًا وحدهما لبعض الوقت.
ورغم أن تاي جوون كان السبب الذي جعلها تصاب بالعجز، إلا أنها وقتها لم تكن قادرةً على أن تثق بالرئيس ثقةً كاملة.
وما رآه حين تسلل إلى لاوعي الرئيسة آنذاك كان……زوجها في تابوت أسود، بينما هي يضع وردةً حمراء تلو الأخرى بجانبه بعناية فائقة.
تقبّل جبينه ثم تضع وردة، تلمس شعره ثم تضع وردةً أخرى.
حتى غمرت التابوت وما حوله كله بالورود الحمراء، ثم جلست بعدها، ساكنةً بلا حراك لساعات طويلة.
أما المرة الثانية فكانت….…
كانت تحتضن زوجها الميت و تهز جسده قليلًا، جالسةً على حافة جرف صخري، تحدّق بصمت في البحر الممتد أمامها.
حتى في سن صغيرة، شعر جوون بمرارة الحزن العميق المتجسد في ذلك المشهد، ولهذا لم يحاول بعدها مطلقًا التسلل إلى أحلام الرئيسة مرة أخرى.
والحقيقة أن هذه هي المرة الأولى اليوم التي تتحدث فيها الرئيسة عن زوجها بلسانها.
فمهما بلغت درجة القرب، لا يمكن لأحد أن يتناول حديثًا كهذا عن زوجها الراحل، إذ كيف يمكن للكلمات أن تشرح مثل ذلك الفقدان الهائل؟
عندها بادر جوون لتغيير الجو وفتح الموضوع بنفسه.
“ولماذا؟ هل تريدين أن أنبش لاوعي الرئيس السابق في جزيرة جيجو؟”
“أفكر……سأحاول الاتصال به أولًا بنفسي. وإن لم يُجدِ الأمر……عندها فقط.”
تنهدت الرئيسة زفرةً معقدة وهي تجيب.
كان من الواضح أنها تريد أن تتجنب قدر المستطاع تسليم منقذها مدى الحياة إلى فريق التحقيق في الفساد.
فأومأ جوون برأسه لينهي الحديث.
“مفهوم. إن احتجتني، فقولي لي مباشرة.”
***
“أنتَ غارقٌ في الفيلم حتى أنكَ تتظاهر وكأنك لم ترني.”
قالت سيان ذلك بنبرةٍ ساخرة وهي تلوّح بكوب الفشار الذي تلقته من أطفال الخلاص، كأنها تلمّح إلى مكانها.
فردّ جوون، الذي كان متكئًا على الحائط أمام غرفة العرض، بملامح تفيد أنه قد فهم المعنى تمامًا.
“لقد وصلني ضحكهم حتى خارج قاعة العرض.”
لم تسأله عمّا دار بينه وبين الرئيسة، بل بدلاً من ذلك فتحت حديثًا عن الأطفال.
“في الصباح كانوا متحمسين وهم يختارون ملابسهم. وقد رأيتَ للتو أن كلاً منهم ارتدى ما اختاره بنفسه، صحيح؟”
“تلك الملابس الزاهية الألوان، كأنهم فرقة سيرك؟”
“نعم. كانوا في غاية اللطافة.”
ابتسمت سيان ابتسامةً رقيقة.
فأن يولد أولئك الأطفال في الخلاص ويترعرعوا فيه، ثم يرتدوا لأول مرة “الملابس التي اختاروها بأنفسهم”، كان أمرًا مبشّرًا للغاية.
إذ إن الخاضعين لغسيل دماغ شديد لا يعودون قادرين على ممارسة “الاختيار الذاتي” مطلقًا.
الأطفال كانوا بخير، لكن على العكس، الكبار الذين خرجوا معهم من الخلاص تمسكوا بعناد بارتداء تلك الثياب الخضراء الفاتحة ولم يخلعوها.
غير أن المقاطع المروّعة التي بثها جوون من الجزيرة صارت تُشعل ضجة كبرى داخل البلاد وخارجها، ومعها بدأ عدد الأتباع في جماعة السنابل بالانحسار بسرعةٍ كبيرة.
عائلات الأتباع المفقودين أيضًا شرعوا بالبحث عن ذويهم، وخلال يومين فقط أخذت القضية تتوسع لتُطرح على أنها “مشكلةٌ اجتماعية تتعلق بالطوائف الدينية المنحرفة”.
لقد كان طريقًا شاقًا……لكن من حسن الحظ أن المشقة أثمرت نتيجةً عظيمة.
أما الأفعى السوداء تشوي دال سو التي كشفها جوون، فقد صار البحث عنه يشمل كل البلاد، وحتى المقيمين في الخارج، حيث كان يُجمع كل سجل يحمل نفس الاسم في قاعدة بيانات على الفور.
عندما صعدت سيان إلى المصعد، لم تضغط زر الطابق الأول إلا بعد أن تأكدت أن جوون قد لحق بها وركب معها.
كان المصعد الفضي النظيف يهبط بهما بصمت تام. بينما ألقت عليه نظرةً خاطفة، ثم ثبّتت عينيها على الباب أمامها.
“بعدما فقدت زوجي في حادث سير قبل ستة وثلاثين عامًا……جننت تمامًا وانهرت.”
ارتجفت قليلًا حين تذكرت تلك الكلمات التي قالتها الرئيسة.
فبما أنها لم تتحدث قط عن زوجها، لم تكن تدري أن جرحه كان عميقًا إلى هذا الحد……إلى درجة أن يصف نفسه بأنه كان مجرد حطام بشري.
كانت تدرك على نحوٍ ما أن حبها لزوجها كان عظيمًا بلا حدود.
فقدت الرئيسة زوجها وهي في الحادية والثلاثين، ومنذ ذلك الحين، وحتى بلغت الآن السابعة والستين، ظلت وحيدة.
وبحسب ما تعرفه سيان، لم يكن في حياتها رجلٌ آخر قط.
أيمكن لإنسان أن يحب شخصًا واحدًا إلى هذا الحد……ويهب له حياته كلها؟
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب من بيلادونا، التي كانت تجلس ساكنة على السرير. وأمسك ذقنها بلمسةٍ خشنةٍ ورفع رأسها للأعلى. “كيف أجعلك تتحدّثين؟” “….” نظر إلى عينيها المرتجفتين، ركل لسانه وأرخى قبضته على ذقنها واستدار....مواصلة القراءة →
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب...
التعليقات لهذا الفصل " 115"