شعرت سيان بالقلق يتصاعد في صدرها خشية ما قد يكون عليه حال جوون الآن.
و لم يكن هذا وقت المماطلة، لكن سيان وقفت بهدوء إلى جانب السرير الأسود، تصغي بثبات لفتاة في السابعة عشرة تبوح بسرّها.
كان هذا حديثًا بالغ الأهمية. فهو يتعلق بسرّ جوهري في هذه الجزيرة مرتبطٌ بـ “الصندوق الأسود”.
واصلت الفتاة المراهقة حديثها وهي ترتجف.
“لقد منحني الزعيم بذرةً ثمينة……لألد طفلًا سيقود الأرضي الجديدة بعد الخراب. لكن إن لم أتمكن من إنجاب طفل……”
“فستُستَدرَجين إلى السماء قبل أن تبلغي الخامسة والعشرين؟”
سألتها سيان بهدوء، فوافقت المراهقة على الفور.
“نعم……”
“وإلى ذلك الحين تعتبرين الزعيم زوجكِ.”
“نحن جميعًا ملائكة الزعيم وزوجاته، لكنني أشعر ببعض الخوف من مسألة الإنجاب……”
كانت تتمتم بقلق، ثم انتفضت فجأة ورسمت حدودًا دفاعية.
“إنها مهمةٌ مجيدة، وهذا واجب خاص لا يقدر على أدائه إلا نحن الذين تم اختيارنا.”
“….…”
“أحيانًا توجد نساء في الجزيرة يحاولن الهرب مع أطفالهن، لكن هذا لأن الشيطان تسلل إليهن ليدفعهن لذلك……فحتى لو كان الطفل الذي أنجبته في غاية الجمال، قيل لنا ألا ننخدع بفتنة ذلك الشيطان.”
كان صوتها يبدو حازمًا للوهلة الأولى، لكنه كان يرتجف قليلًا في الظلام.
“فالطفل ليس طفلي أنا، بل هو ملاك الزعيم.”
“لكن الأمر مخيف، أليس كذلك؟”
“…….”
“وماذا أيضًا؟ ما الذي يخيفكِ أكثر؟”
كان أطفال جوقة الترانيم يبتسمون بفرح حين يذكرون لقب “عروس الزعيم”، لكن في أعماقهم كان الخوف يسكنهم.
فحتى وإن اعتبروه أمرًا مفرحًا ومشرّفًا، يظل في داخلهم خوفٌ غريزي.
“أمـ……”
بدأ العرق البارد يتصبب من المراهقة، وهمست بصعوبة،
“هناك الكثير من النساء يمتن قبل أن ينجبن.”
“يمتن قبل الإنجاب؟ وليس أثناء الولادة؟”
“في الحقيقة……أليس هذا طبيعيًّا؟ فنحن ننجب طفل الزعيم……لا يمكن أن يكون الأمر سهلًا. من بين عشرة سنابل قمح، لا تكون السنبلة الصحيحة سوى واحدةٍ فقط. معظم النساء يجهضن في الشهر السابع مع نزيف شديد، فيفقدن الطفل ويمتن أيضًا.”
يمتن في أثناء الحمل في أغلب الحالات؟
شعرت سيان بالاستغراب فعادت إلى النقطة الأولى التي بدأ عندها الحوار.
“لماذا قلتِ أنه لا يجب أن نتفاجأ عند لقاء الزعيم؟”
“آه، هذا……لأنه الزعيم، طبعًا.”
لمعت عينا الفتاة المراهقة في الظلام وهي تواصل كلامها،
“هو موجود ومع ذلك غير موجود، له هيئة ومع ذلك بلا هيئة. تشعر بلمسته بوضوح، لكنه بلا جسد، وإن رأيته وحاولت لمسه فلن تستطيع لمسه أبدًا.”
“…….”
***
بعد أن طلبت من الفتاة المراهقة النزول إلى الطابق الأول للعناية بالصغار، مررت سيان يدها ببرود على شعرها، بلا أي تعبير على وجهها.
وقد كان هناك صداع مزعج ينبض في عمق عينيها.
ثم حدقت بوجه بارد نحو السرير الأسود.
اتصال الأرواح. ما وصفته الفتاة المراهقة كان بالضبط اتصالًا روحانيًا بواسطة كيانٍ ما.
“عفريت أحلام.”
الروح الموجودة في “الصندوق الأسود” كانت بلا شك عفريت أحلام. ليس عفريتًا عاديًا، بل كيانًا فريدًا من نوعه.
كان المعنى أن ذلك الشيطان يتلبّس جسد الزعيم ليلتقي بالنساء البشر، فيجعل المرأة تحمل توأمًا في رحمها……
أحدهما طفلٌ بشري، والآخر طفل شيطاني.
ومصطلح “التوأم داخل الرحم” كان يُقصد به حالةٌ يلتهم فيها أحد التوأمين الآخر، فلا ينجو إلا واحد.
ومن الطبيعي أن الطفل البشري والطفل الشيطاني داخل رحم المرأة كانا سيقاتلان بضراوة من أجل البقاء، مما يؤدي في أغلب الحالات إلى نزيف حاد في الشهر السابع وموت معظم النساء.
أما التوائم التي لم تُخصَب من العلاقة مع عفريت الأحلام، فكانت تبقى كـ “زوجات الزعيم” حتى يتم تقديمهن قرابين للثعابين قبل أن يبلغن الخامسة والعشرين……
أغمضت سيان عينيها بقوة.
“هُوه……”
أخذت نفسًا باردًا مرارًا لتهدّئ نفسها، وقد علت في داخلها موجةٌ من الاشمئزاز جعلتها تكاد لا تتحمله.
اندفعت على الفور لتزحف تحت السرير، مسلطةً ضوء المصباح بدقة على أسفل الفراش. فالأشباح التي تعكر نوم البشر غالبًا ما تختبئ تحت أسرتهم.
‘يجب أن أجد ذلك العفريت. مهما كان الثمن.’
لن تأتي فرصةٌ ثانية لدخول هذه الجزيرة مجددًا. إذاً لا بد أن أجد ذلك العفريت المقزز الآن وأخرجه معي.
لكن……لا أثر له.
فأين أخفوه؟ ذلك الصندوق الأسود؟ و ذلك الشيطان؟
“صحيح.”
كانت الأشباح تطفو في الهواء وتنظر مباشرةً إلى النائمين من فوقهم.
قفزت سيان فورًا فوق مرتبة السرير ورفعت ذقنها لتنظر للأعلى.
و في منتصف سقف السرير المزخرف على طراز الأربعة أعمدة، كان هناك جزء بارز سميك. للوهلة الأولى قد يبدو مجرد زينة……
كواجيك-!
هوَت سيان بفأسها اليدوي، تضرب بقوة حول ذلك الجزء البارز.
فتشقق الخشب الأسود بصوت متتابع، وبعد لحظات قليلة سقط صندوق أسود على المرتبة الناعمة.
دفعت سيان الفأس إلى جانبها كما لو أنها ترميه بعيدًا. ثم جثت على ركبتيها على الفور وفتحت غطاء ذلك الصندوق الخشبي القديم.
“وجدتُه.”
كان في داخل الصندوق زجاجةٌ طويلة وشفافة بحجم الكوب. وكانت الزجاجة ممتلئةً بالكامل بدخان أسود يتحرك بسرعة ويضطرب كأنه حي.
شيطان. عفريت أحلام.
بازززز-!
أطلق العفريت طاقةً روحية قوية، فأحدث تيارًا كهربائيًا على السطح الأملس للزجاجة.
لكن سيان تجاهلت الإحساس اللاذع الذي كان يصعد عبر يديها، وأدارت الزجاجة ببطء ووجهها بارد.
“ختم؟”
لدهشتها، كان على غطاء الزجاجة ختم مكتوب عليه “ختم”.
بل وكان ختمًا مألوفًا للغاية، فهو نفس الختم الذي كانت تستخدمه دائمًا لحبس الأرواح المأسورة داخل الزجاجات.
هذا هو……
“أوتيس.”
إنه “ختم أوتيس”.
تجمدت في مكانها تمامًا وهي تحدق في ذلك الختم الأحمر، لتدرك بعد لحظة أنها كانت تحبس أنفاسها لأكثر من دقيقة.
فتنفست سيان أخيرًا ببطء، وهمست بصوت أجش متعب،
“لماذا يكون شيءٌ يخص أوتيس هنا؟”
***
عند الساعة الثانية بعد الظهر بدأ الإعصار يهدأ تدريجيًا.
أما جوون، فقد أعاد جميع الكوابيس التي تكاثرت بشكل غير طبيعي إلى بوابة الأرواح في قاعة الاجتماعات.
وكان من المقرر أن تتولى سيان إغلاق تلك البوابة تمامًا بعد أن تستلم أدوات طرد الأرواح التي ستصل على متن قارب السادسة.
وفي تلك الأثناء كان لينكون يجوب الجزيرة بدقة للبحث عن أي كابوس قد يكون ما زال متبقيًا.
أما سيان فاستغلت حالة الارتباك التي كانت ما تزال تعم السكان لتتولى بنفسها قيادة الموقف.
عرّفت سيان نفسها وجوون على أنهما من “الهيئة الدولية لمكافحة الجريمة”، ثم كشفت أن هناك بلاغًا داخليًا يتعلق بجرائم قتل والتخلص من الجثث في السنابل.
فقامت بنقل أطفال جوقة الترانيم أولًا إلى نقطة التفتيش.
وفي الوقت نفسه، أوعزت لمن يستطيعون التحرك أن يجلبوا الطعام والماء، بينما عملت على وضع أولئك الذين أُنهكت قواهم بسبب انتزاع طاقتهم الروحية من قِبل الأرواح تحت أشعة الشمس قدر الإمكان لتهدئتهم.
كان سكان الجزيرة في حالة صدمة شديدة، وعجزوا عن استيعاب ما يجري أو تقبّله.
كانت الجزيرة فيما مضى خلاصاً أبيض ناصع، أرضًا نقية، جزيرة الزعيم. لكن كل ذلك تدنّس وتحطم بعاصفة واحدة فقط.
وكان أكثر ما حيّر السكان هو المشهد الأخير لزعيمهم.
فقد جُمعت جثث الجميع، لكن لم يجرؤ أحد على لمس جثة الزعيم.
كانت جثمانه نصف عارية، راكعًا على ركبتيه فوق منصة قاعة الاجتماعات، وقد قتل نفسه بخنق عنقه بيديه.
لم يجرؤ أحد على لمسه، ولا على صرف النظر عنه، وبقوا جميعًا في حيرة مما يجب فعله.
اقتربت سيان من جثة الزعيم الميتة، الجاثية وحيدة فوق المنصة، في قاعة غمرها ظل قاتم.
‘ربما كان يظن أنه سيعيش إلى الأبد.’
“الموت لا يعرف التحيز.”
***
أخذ جوون معه بضعة أشخاص إلى الساحل الصخري، ولم يكن بينهم أيٌّ من سكان الجزيرة الأصليين، بل جميعهم ممن جاءوا على متن السفينة مع سيان.
كانت السيدة سو باك، وصاحب شركة متوسطة، وممثل مشهور، وقاضٍ في محكمة محلية.
أزاح جوون معهم صخرة جانبية ضخمة، مسطحة وعريضة كغطاء بئر.
“أوه!”
“هـ……هييك!”
فشهق الجميع في ذعر، وكمموا أفواههم بكلتا أيديهم.
“جـ….جـ.…جثة……!”
تحت تلك الصخرة كان يوجد تجويف عميق متصل بالبحر. وكانت الجثث متكدسةً هناك.
وبمجرد أن وقعت أنظارهم على فتيات شابات بفساتين بيضاء يتمايلن صعودًا وهبوطًا على الأمواج الداكنة المائلة للزرقة، انهار بعضهم على الأرض من هول المنظر.
“أوووه……أوووه……”
الممثل كان يعض أظافره بعصبية ووجهه شاحب كالموت. أما السيدة سو باك فارتجفت بقشعريرة وهي ترتعش بلا توقف، بينما اكتسى وجه صاحب الشركة المتوسطة بسواد قاتم.
كانت وجوههم جميعًا تتصبب عرقًا باردًا من شدة الصدمة.
رفع جوون هاتفه المحمول على وضع تصوير الفيديو، وبدأ يوثّق بوضوح في الشاشة ملامح كل واحدة من تلك النساء البائسات بفستان أبيض، واحدةً تلو الأخرى.
ثم قام برفع هذه المقاطع المصوَّرة إلى أحد مواقع مشاركة المحتوى من نقطة التفتيش في الجزيرة، لتصبح متاحة للجميع بلا استثناء.
***
رفع جوون مشاهد انتحار زعيم الطائفة الكاذب، والفتيات الشابات ذوات الفساتين البيضاء الملقاة عند الساحل الصخري، وصور من نقطة التفتيش، ومن الميناء، ومن مقر الزعيم وقاعة الاجتماعات.
كان ما فعله تصرفًا أقدم عليه دون أن يبلغ رئيسته حتى. وكان من المفترض أن تمنعه سيان بوصفها شريكته، لكنها لم تفعل.
لأنها كانت تعرف أن هناك في هذه اللحظة بالذات ما يقارب ثمانين ألفًا من أتباع السنابل يبحثون عن أعضاء جدد. ومن بين هؤلاء الأتباع، يوجد من يريد الخروج لكنه متردد لغياب الفرصة.
وكذلك الحال مع عائلات ضحايا السنابل الذين لم يكونوا حتى يعلمون أن أحبّاءهم قد ماتوا.
إذا أصبحت هذه المقاطع قضية رأي عام، فسيبدأ والد كيم يون-وو أخيرًا بالبحث عن زوجته السابقة وابنته المفقودتين.
لهذا، كان لا بد من تمزيق الشِّباك……حتى تتمكن الأسماك العالقة في شِباك السنابل القاسية من الهرب بحرية.
كان لا بد من تحريرهم جميعًا……كلهم بلا استثناء.
______________________
طيب يحزن ابو كيم ذي مايدري انها مقتوله بذيك الطريقه في المقطع😔
شسمه سيان تقول ختم لأوتيس؟ يعني فيه خاين في أوتيس🤡
بسرعة بس علموا الرئيسة حالة طوارئ
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب من بيلادونا، التي كانت تجلس ساكنة على السرير. وأمسك ذقنها بلمسةٍ خشنةٍ ورفع رأسها للأعلى. “كيف أجعلك تتحدّثين؟” “….” نظر إلى عينيها المرتجفتين، ركل لسانه وأرخى قبضته على ذقنها واستدار....مواصلة القراءة →
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب...
التعليقات لهذا الفصل " 112"