كانت غيوم الإعصار تنسحب بسرعة. ورغم أن الرياح الباردة ما زالت تعصف بعنف، إلا أن الإعصار نفسه كان قد انتهى بالفعل.
التفت جوون نحو مقر الزعيم الشامخ.
لم يكن يعرف ما يجري داخل ذلك المبنى، لكنه كان واثقاً أن سيان ستعثر لا محالة على “الصندوق الأسود”.
ثم حوّل نظره ليمسح صفوف الكوابيس بعينيه، وتوقف للحظة عند لينكون.
من المؤكد أن سيان أرسلته قائلة “احمِ تاي جوون”، ومع ذلك لم يتهور لينكون أو يعبث، بل ظل يراقب الوضع بحذر من مكان قريب. ثم، حين نجح تاي جوون في السيطرة على كوابيس، استدار فجأة وغادر.
و الآن، كانت مهمته هي إغلاق بوابة الأرواح المفتوحة في قاعة الاحتفالات.
اندفع جوون بخطى واثقة نحو القاعة، فانطلقت الكوابيس من حوله كأنها تطير أو ترقص، غارقةً في حماسٍ ترافقه.
كانت تلك الهيئة خليطاً من الابتذال والانصياع، كالكابوس يزحف في العتمة.
وبينما يشق طريقه وسط الكوابيس، وقف أخيراً أمام باب القاعة المفتوح على مصراعيه.
كان داخل القاعة جحيماً صغيراً. و في وسط رائحة العفن الثقيلة التي تقلب المعدة، كان الأحياء والأموات، البشر والأشباح، متشابكين في كتلة واحدة، تتداخل أطرافهم وتلتف.
وفوق ذلك، كان الذباب الذهبي قد جاء يبحث عن الجثث.
ززززز…
كانت ذباباتٌ صغيرة سوداء تحوم في كل مكان بشكل مقزز، حتى على رمز سنابل القمح الذهبية الخاص بالطائفة، كان سرب الذباب قد حطّ فوقه.
دخلت راقصة الباليه التي سبقته بخطوة، وأمسكت برأس أحد كوابيس الليل بحركة هادئة.
كرااك-
و ما إن ضغطت بأطراف أصابعها حتى تحطم رأس الكابوس وتناثر كرماد أسود متطاير.
ثم أمسكت برقّة مهيبة عنق كابوس آخر، وجرّته كما لو كان دمية قماشية، تجرجره بلا اكتراث وهي تمشي في المقدمة.
تبعها جوون بعد أن أنهت تنظيف الطريق، ودخل إلى عمق القاعة.
هناك، فوق المنصة الواسعة، ارتفعت بشكل غرائبي هرميةٌ ضخمة من كوابيس الليل.
كانت تلك الكوابيس قد شيّدت بأجسادها برجاً للأرواح، هرماً شيطانياً فوق منصة القاعة. و لا شك أنه كان حيلة لإخفاء وحماية بوابة الأرواح.
تقدم حتى وقف أمام المنصة، وحدّق في الكوابيس بنظرة حادة.
“عودوا.”
“…….”
“ذلك طعامي.”
فما كان من الكوابيس إلا أن انهارت دفعةً واحدة، كما ينهار حصن رمل أمام موجة، وتراجعت مبتعدةً عن زعيم السنابل.
و كما لو كانت تتابع الأمر المتكرر “عودوا”، بدأت كوابيس الليل بالزحف عائدةً نحو بوابة الأرواح التي خرجت منها، أربعًا أربعًا.
وكأن المشهد يُعرض في شريط مُعاد للوراء، كانت تُدخل أقدامها أولًا إلى داخل البوابة بحركاتها المريبة.
ثم هوى جسد سادان المترهل بجانب البوابة مثل قطعة لحم. فقفز جوون بخفة إلى المنصة، ونظر إلى الزعيم من الأعلا.
لو كان إنسانًا عاديًا لكان قد مات بالفعل، لكن يبدو أن قوة حياة الأفعى أبقت على روحه. ومع ذلك، لم يتبقَّ في جبهة الزعيم من عمره أكثر من ثلاث دقائق.
“أيها الأحمق.”
كان خطأ الزعيم منذ البداية أنه أخرج “الصندوق الأسود” بنيّة قتال كيم تشول سو.
فالمكان أصلًا هو جزيرة السنابل، ولا يوجد فيه سوى أتباع يقدسونه. كان يكفيه أن يهدّئهم بسلطته كسادان، وينتهي الأمر……
لكن الغيرة، والغضب، والحسد، والنقمة كانت تغلي في داخله، فلم يحتمل رؤية نفسه العجوز يُهزم أمام الشاب كيم تشول سو.
رغم أن مظهره الخارجي لرجل في أواخر الثلاثينيات، إلا أ عقله كان عقل شيخ يبلغ مئة وواحد عام.
صفعة-!
لكن جوون ضربه بلا رحمة على وجهه.
“افتح عينيكَ!”
“أوه..…”
كان الأنين الذي خرج منه خافتًا جدًا وضعيفًا.
فأمسك جوون جفنيه وهو ممدد على الأرض، وفتحهما بالقوة. و انحنى بجسده للأمام، وحدّق في عيني الزعيم مباشرةً بحدقتين سوداويّتين كالموت.
حينها، تركز بصر الزعيم قسرًا بعد أن كان شاحبًا ضائع الملامح، ووجد نفسه يحدق في عيني تاي جوون.
كان العمر المتبقي على جبهة الزعيم دقيقتين وعشر ثوانٍ، والرقم يتناقص بوتيرة ثابتة.
بقي جوون بلا حركة، محدقًا في عينيه، بينما حرك شفتيه فقط.
“من الذي أمركَ بقتل مين سارا؟”
تذكّر المرأة المتوسطة العمر عند نقطة التفتيش وهي تقول، “وصلتنا أوامر من البر…..يجب قتل مين سارا مهما حدث.”
حتى الصيادون الذين كانوا يحملون بنادق الصيد قالوا الشيء نفسه، “أُمِرنا بإمساك الرجل حيًّا، وقتل المرأة حتمًا!”
كان زعيم السنابل هو الأفعى التابعة لجلجامش، رقم 03. وفوق الرقم 03، كان هناك الأفعَيان 01 و02، وهما ما يُسمّيان بـ”الأفعى السوداء”.
والوحيدان القادران على إعطاء أمر لـ03 بقتل مين سارا هما هاتان الأفعَيان السوداوان.
وكما كان متوقعًا، جاء جواب الزعيم مطابقًا للتخمين.
“الأ…..الأفعى السوداء…..هي التي أمرت..…”
تمتم الزعيم بشفتيه اليابستين،
“أمرت بقتل…..الم..…ـرأة.”
“وماذا قالت الأفعى السوداء وهي تأمركَ بقتل المرأة؟”
“أوه..…”
“تكلّم!!”
“أبقوا الرجل دون أن يُصاب بأي أذى…..أُه….وأعيدوا جثة المرأة…إلى البر.”
ماذا؟ ما الذي يقوله الآن؟
تغيّرت نظرات جوون على الفور.
لماذا؟ لماذا أمرت الأفعى بإعادة جثة سيان إلى البر؟
كان هذا أمرًا صدر لأن هناك من أراد أن يرى موت مين سارا. كتهديد يقول: “إن واصلتم ملاحقتنا، ستصبحون مثل هذه المرأة….جثة.”
تسللت قشعريرةٌ باردة وغير مريحة في جسده.
كان واضحًا أن الأفاعي اكتشفت أن مين سارا ليست عميلةً في جماعة حقيقة المريخ ولا ابنة أخ مين كي شيك، بل هي “المرأة الشامان التي اختفت ومعها خاتمان من خواتم الأفعى”.
لكن لم يكن هناك وقتٌ للتحقق بتفصيل من الاعتراف الذي سمعه للتو، فالزعيم كان يلفظ أنفاسه، وحدقتاه تبهتان شيئًا فشيئًا.
فاقترب أكثر، وحدّق مباشرة في عينيه. و لم يتبق من عمره سوى خمسين ثانية.
فسأله بإلحاح عن أهم شيء،
“الاسم.”
“ك…..أهه.”
“قل اسم الأفعى السوداء.”
“آه..…”
40 ثانية.
حتى وهو في حالة شبه فقدان للوعي، عضّ الزعيم على لسانه بعنف، في إصرار غريزي على عدم إفشاء السر حتى لو كان يحتضر.
“كخ!”
فاندفع الدم الأحمر يتدفق من فمه.
20 ثانية.
“الاسم!”
أمسك جوون فك الزعيم بقوة وضغط عليه بإلحاح.
“الاسم! قل الاسم! اسم الأفعى السوداء! رقم 01 ورقم 02!”
“كهه…..كهف!”
“تكلّم! يا 03، هيا!”
كان من الواضح أن مناداته بـ”03” أصابت دماغه كوميض يلسعه.
“تشوي..…”
غرغر الدم الرغوي في فمه، ومع انقلاب عينيه إلى البياض، تمتم أخيرًا،
“تشوي….دال….سو.”
كانت تلك كلماته الأخيرة قبل أن يتوقف عن التنفس وعيناه مفتوحتان على اتساعهما.
تشوي دال سو.
اعتدل جوون في جلسته، وظل يحدّق في الجثة بلا أي حركة.
زززززز…
كان صوت الذباب يطن من كل الجهات بإزعاج صاخب. و انتظر نحو خمس دقائق، لكن الغريب أن الروح لم تظهر.
فعندما يموت الإنسان، تنفصل روحه عن جسده خلال ثلاث دقائق على الأكثر، وكان ينتظر ذلك ليستجوب الروح…..لكن أفعى جلجامش لم يكن لها روح، و لم يكن لها أي أثر للنفس أو الهالة.
ضيّق جوون عينيه غارقًا في التفكير، ثم أخرج خاتمًا من جيب بنطاله.
كان خاتم أفعى جلجامش مرصعًا بماسة مربعة الشكل. فأدخله في بنصر يد الزعيم الميت، ثم نهض بهدوء ونزل عن المنصة، وأخرج هاتفه في موضع مناسب.
في الخارج، كانت الرياح العاتية ما تزال تصفر وتضرب، تهز نوافذ القاعة الزجاجية بقوة.
رفع هاتفه على وضع الفيديو، وركز عدسته بوضوح على شعار سنابل القمح الخاص بالطائفة في منتصف الشاشة، ثم مرر العدسة ببطء لأسفل حتى التقطت الزعيم فوق المنصة.
‘أقيموه جالسًا.’
ما إن أصدر الأمر في ذهنه…..حتى اندفعت الكوابيس من جانبيه ككلابٍ، تزحف فوق المنصة.
وبضحكات مكتومة كما لو كنّ يلعبن بالدمى، جعلنه يجلس بنفسه.
وبما أنه كان جثةً بلا حياة، بدت حركاته وهو يستقيم متخشبة وغريبة كدمية عرائس مكسورة.
استفاق بضعة من الأتباع المذهولين شيئًا فشيئًا، وتجمّدوا في أماكنهم رعبًا وهم يرون زعيمهم على تلك الحال.
ثم أدخل جوون أحد كوابيس الليل في جسد الزعيم الميت.
“ها…..آآآآآآه!”
وأثناء تسلل الكابوس إلى الجثة الدافئة، أطلق صرخةً مسمومة. و تحرك جسد الزعيم تبعًا لارتعاشات الكابوس الذي يسكنه، فنهض فجأة على ركبتيه فوق المنصة، ثم أرجع ظهره إلى الوراء بعنف.
كان الزعيم، الجالس على ركبتيه فوق المنصة…..يملك جسداً عادياً.
حدّق تايجوون إليه بعينين خاليتين من الرحمة. ذلك لم يكن إنسانًا، بل وحشًا.
شيطان الجزيرة الذي تظاهر بدور الخلاص في نعيمه، وجعل النساء الشابات يلدن كالمواشي، ثم ربّى الأطفال تحت غسيل دماغ، قبل أن يقدّم بعضهم قرابين حيّة.
‘حاصد سنابل البحر.’
ذلك الوصف الذي مر في ذهن جوون، نطقه الكابوس داخل جسد الزعيم سادان كما هو، بصوت بدا وكأنه لا يخرج من الحبال الصوتية، بل من أعماق جسده المظلمة.
“من…..البحر…..أحصد السنابل.”
‘أنا، زعيم السنابل، أقول: هذا ليس مكان راحتكم. انهضوا وغادروا.’
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب من بيلادونا، التي كانت تجلس ساكنة على السرير. وأمسك ذقنها بلمسةٍ خشنةٍ ورفع رأسها للأعلى. “كيف أجعلك تتحدّثين؟” “….” نظر إلى عينيها المرتجفتين، ركل لسانه وأرخى قبضته على ذقنها واستدار....مواصلة القراءة →
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب...
التعليقات لهذا الفصل " 111"
مش لسه هستني 3 ايام علشان اقراء فصلين بس اعععع