كان في قطيع الأسود دائمًا أسدٌ ذكر زعيم. وفي قطيع الغوريلا كان القائد دائمًا غوريلا ضخمة ذات ظهر فضي قوي، أما الضباع فكانت أقوى أنثى في القطيع هي من تقوده.
والبشر كذلك، فكل جماعة كان لها “زعيمٌ من جنسها”.
حين أدرك ذلك، فكَّر جوون وهو لا يزال صغير السن، إن كان عليّ أن أقضي ما تبقى من حياتي مع هؤلاء المخلوقات العجيبة، فليكن القائدُ ليس أنا، بل أقوى كابوسٍ بينهم.
وهكذا قرر، فاختار كابوساً واحدًا وحوّل شكله مستخدمًا قدراته الروحية، وظل يمده بقوته شيئًا فشيئًا، ويغير ملامحه بعناية وإصرار، في عملية أشبه ما تكون بصنع تمثال متقن بالخيال وحده، مستغرقة زمنًا طويلًا.
وكان يتعمد أن يكلّف ذلك الكابوس بأصغر الأمور، ولا يمنح قوته إلا له، ويبقيه دائمًا قربه كأقرب المقرّبين.
أما سبب أن صورته النهائية كانت صورة راقصة باليه، فلم يعرفه حتى هو نفسه…..
شَووووف-
راقصة باليه بحذاءٍ ملوث بالدماء أطاحت بالكوابيس في لحظة، ثم رفعت وجهها البارد الأنيق وسط الضباب الأسود المتناثر.
كانت تلك هي “ملكة الكوابيس” التي قررها تاي جوون.
حتى حين اندفع سائر الكوابيس نحو سادان كقطيع، بقيت هي الوحيدة التي لم تفارق جانب جوون.
ومهما بلغ عدد الكوابيس آلافًا أو عشرات الآلاف، كانت هي الوحيدة المميزة القادرة على الوقوف فوقهم جميعًا.
وظهور هذه الراقصة استجابةً لنداء جوون كان دليلًا على أنه لا يزال قادرًا على إخضاع الكوابيس هذه. لكن ذلك استدعى أولًا إعادة ترتيب مراتب السُلطة.
“افتحوا الطريق.”
أمر بحزم، لكن الكوابيس لم يطيعوا، مترددين في الحركة. فعاد يصرخ بنبرة أشد قوة،
“قلتُ افتحوا الطريق!”
كان صوته العاصف أشد هياجًا من إعصار هادر. حينها فقط بدأت الكوابيس يخفضون أجسادهم ويتراجعون جالسين لفتح الطريق.
لكنه أدرك أن هذا وحده لا يكفي. إما أن تكون قوةً كاملة أو ضعف كامل. إما سيد أو تابع.
بينه وبين الكوابيس لم يكن هناك سوى هذين الخيارين.
ثم تابع سيره بخطوات واثقة وهو يأمر،
“انتهت اللعبة. عودوا جميعًا إلى الهاوية التي جئتم منها.”
“هاااخ!”
زمجر الكوابيس غاضبين محتجين، لكنه سحق ذلك التمرد العنيف بصوته الجهوري الذي لم يعرف التردد.
“اخرسوا!”
حدّق جوون في كل واحد من الكوابيس بعينين حادتين كالسيف.
“من أين جاءكم هذا التمرد؟ عودوا! حالًا!”
الأرواح بطبعها لا تتجرأ على مهاجمة إنسان قوي الإرادة، لكنها إن وجدت إنسانًا شديد القوة على نحو مطلق، فإنها تنجذب إليه بجنون كما تنجذب الفراشات إلى اللهب.
ولهذا كان عليه أن يجذب الكوابيس الذين انساقوا وراء سادان ويعيدهم إلى جانبه، ثم يسحقهم سحقًا كاملًا حتى لا يجرؤوا مرة أخرى على إثارة الفوضى دون إذنه.
قبض بقوة على عنق أحد الكوابيس، وحدّق في عينيه وكأنه يطبع فيها ختمًا لا يُمحى.
“ارجع.”
تجمّدت حدقتا الكابوس السوداوان الخاليتان من القزحية على عينيه، وكأنهما مسحورتان.
“هيا!”
لم يرمش ولو مرة، وكان يثبت نظره في عيني الكابوس بثبات فولاذي.
عشرة ثوانٍ…..خمسة عشر…..عشرون…..
لم يكن أي إنسان قادرًا على التحديق في حدقات الأرواح المرعبة بهذا الوضوح ولفترة طويلة كهذه. فعينا الروح غريبتان، غير واقعيتين، وتجسدان الموت نفسه.
“كيك…..كيكيك..…”
فجأة، ارتجفت أجساد الكوابيس جماعيًا في قشعريرة، ثم انطلقت منهم قهقهاتٌ مرعبة، قهقهاتٌ مشؤومة جعلت الجزيرة كلها ترتجف برعب.
“تاي جوون…..”
“تاي جوون”
“تاي جوون..…”
“انظر إلي.”
“انظروا إلينا.”
كانت همسات الكوابيس تتردّد بلا نهاية، تتساقط كأصداء من كل أنحاء القرية، وعيونهم البيضاء تلمع ببريق خاطف.
كانوا يلتوون بأجسادهم التي ترتجف، يتململون، ويتوقون إلى التهام روحه بنهم.
وهو كان يعرف هذا منذ صغره. كان يدرك تمام الإدراك أن هؤلاء الكوابيس المقيتين مسحورون به بجنون.
فهم، في ذلك البئر الضيق البارد المظلم، قد افتتنوا بجنون بقوة الحياة المتدفقة من طفل وُلد من رحم جثة، حتى قرروا ملاحقته بإصرار طيلة حياته.
“أجل!”
استدار جوون في مكانه، يتأمل الحشود المتماوجة من الكوابيس التي كادت الأرض تهتز بها، وصاح بصوت مدوٍّ،
“أنا سيدكم!”
***
“لينكون، الأمر إليكَ!”
حين صرخت عند مدخل مقرّ الزعيم، أطلق لينكون زمجرةً منخفضة عميقة، ثم اندفع مخترقًا جموع الكوابيس الحاشدة نحو جوون.
دووم-!
ثم أغلقت سيان باب المقرّ واستدارت وهي تصدر أوامرها،
“أغلقوا كل باب أو نافذة ترونها مفتوحة!”
كانت الأبواب قد أُغلقت بالفعل استعدادًا للإعصار، ومع وجود ختم من مستوى “أوتيس” فالأمان مضمون، لكن مع ذلك كان لا بد من التحسب لأي طارئ.
الأطفال انفجروا في بكاء مرير في أماكنهم، أما المراهقون فترنحوا واقفين وتفرقوا في كل اتجاه.
أسرعت سيان تبحث عن تشوداي تو. فبما أنه لم يكن في قاعة الاجتماعات، فلا بد أنه هنا…..
‘ها هو.’
كان تشوداي تو ممددًا على أريكة غرفة الاستقبال. لكن حين أسرعت لتتحقق منه، اكتشف أنه قد مات بالفعل.
كانت قد رأته صباحًا وهو يتدلى خامدًا…..
ثم دون تردد، عادت سيان مباشرةً إلى المدخل، وأمسكت بالرجل ذو الرداء الأصفر الذي جُرّ معها إلى الداخل، وهزّته بقوة لتوقظه.
“انهض! انهض! بسرعة!”
“كه…..اه…..”
بدأ الرجل يُخرج زبدًا من فمه وهو يسعل، وكان على وشك أن يلفظ أنفاسه الأخيرة.
“أين الصندوق الأسود! أين نقلتموه؟!”
“هـ…..أَه.…”
أمسكت سيان الرجل من ياقة عنقه ورفعته بعنف، فارتد رأسه إلى الخلف متراخيًا.
و كان القلق ينهش أحشاءها حتى شعرت وكأنها تحترق من الداخل، فانقضّت عليه بلهجة قاسية،
إلى متى يمكن لـ جوون أن يصمد؟ خمس عشرة دقيقة؟ خمس دقائق فقط؟
هو قد ابتسم بلا مبالاة، لكن لا يمكن لرجل واحد أن يواجه هذا العدد الهائل المهول من الكوابيس.
صحيحٌ أن لينكون سيساعده، لكن…..لو ساءت الأمور، فقد تخسر جوون و لينكون معًا.
‘لا…..لا يمكن.’
شعرت وكأن نارًا اشتعلت في قلبها، تلتهمه شرارةٌ بعد شرارة.
“قلها! كلمة سرّ الأقفال الستة! علينا إدارة الأقفال لتطابق الأرقام، أليس كذلك؟!”
كانت واثقة أن تشوداي تو قبل موته أوصى الرجال ذوي الرداء الأصفر بأن يعيدوا الصندوق الأسود إلى مكانه الأصلي. فذلك الصندوق الأسود يحتوي على روح مفزعة قادرة على قتل كل من في الجزيرة.
هزته بعنف وهي تكرر السؤال، لكن الرجل توقف عن التنفس دون أن يصدر حتى أنين الاحتضار.
فعضّت على أسنانها وهي تنهض، ثم انطلقت جريًا نحو غرفة تحضير الشاي.
وبجوارها مباشرة كان مخزنٌ ضيق تحفظ فيه جميع الأدوات الحادة المستعملة في النجارة أو قطع الأشجار، كالمناشير والفؤوس والمناجل.
انتزعت من بينها فأسًا ثقيلًا، وما إن قبضت عليه حتى انطلقت مسرعة إلى الطابق العلوي.
كلاك-!
أدارت الزخرفة الذهبية على شكل سنبلة قمح دورانًا كاملًا بالعكس، فانفتح الباب السري، وفي لحظة كانت واقفةً أمام باب أسود مُتقن الصنع.
كان بابًا جميلًا ومهيبًا، يبعث في النفس رهبة، محفورًا عليه وجه النوم “هيبنوس”. وأمامه ستة أقفال.
الرقم “6” كان رمزًا للحب والرخاء، ورقمًا سحريًا.
فعدد الخطوط المستقيمة اللازمة لرسم نجمة هو ستة تمامًا.
حب، رخاء، سحر. غرفة سرية موصدة بإحكام بهذا الرقم “6”.
رفعت سيان الفأس عاليًا، ثم هوت بها بضربة واحدة.
كااانغ-!
لكن النصل لم ينفذ في القفل السميك على نحو غير مألوف. فعضّت على أسنانها، وأخذت تلوّح بالفأس بجنون، مستهدفةً هذه المرة ليس القفل نفسه، بل المفصلات الرفيعة التي تثبته، حتى كسرتها.
كانغ-! كاكاانغ-! كانغ-!
وأخيرًا…..
كااانغغغ-!
تدحرجت الأقفال الستة على الأرض أمام الباب الحديدي.
وهي تلهث بأنفاس متسارعة، دفعت الباب الحديدي فصرَّ صريرًا طويلًا وهو ينفتح على مصراعيه…..لتتكشف أمام عينيها أعظم أسرار هذه الجزيرة.
***
سلّطت سيان ضوء المصباح اليدوي بسرعة إلى الأمام.
خلف الباب الحديدي المحفور عليه وجه النوم “هيبنوس” كان هناك فراغان.
أحدهما غرفة ولادة تابعة لقسم أمراض النساء، مليئة حتى آخرها بمختلف الأجهزة، والآخر غرفة نوم صغيرة لا تحتوي سوى سرير ضخم من نوع مقاسٍ ملكي بأعمدة أربعة.
بدأت بتفقد غرفة النوم أولًا، فلم يكن في سقفها أي مصابيح، ويبدو أن إنارتها كانت تعتمد فقط على مصباحين قائمين على جانبي السرير.
دارت سيان حول السرير دورةً كاملة.
كان سريرًا عتيق الطراز، مصنوعًا بالكامل من خشب أسود فاخر، تتسلقه عشرات الأفاعي السوداء من عند أرجله، وتلتف بإحكام حول أعمدته السميكة.
أفاعٍ. إذاً، من المفترض أن يكون “الصندوق الأسود” هنا…..
“ليس هنا.”
لكن لماذا؟
لم يكن في الغرفة أي شيء. حتى منصة أو مذبح لوضع الصندوق لم يكن موجودًا.
فأين اختفى ذلك الصندوق الأسود إذاً؟
“هناك..…”
فجأة سمعت صوتًا خلفها، فاستدارت بفزع، لتجد إحدى المراهقات واقفةً عند إطار الباب.
كانت واحدةً من بين أربعة مراهقين خرجوا لإغلاق الأبواب والنوافذ، فتاةٌ في السابعة عشرة طويلة القامة.
كادت تأمرها بالخروج، لكن الفتاة سألت بصوت امتزج فيه الخوف،
“هذا…..هو المكان الذي يوجد فيه النعيم…..أليس كذلك؟”
مكان يوجد فيه النعيم؟
ارتجفت سيان لحظة، لكنها رفعت كفها بهدوء حتى مستوى صدرها، في إشارة تطلب منها الاقتراب.
فترددت الفتاة قليلًا، ثم خطت بحذر إلى داخل الغرفة. و اقتربت منها سيان وأمسكت بيدها برفق.
كانت قد رأت هذه الفتاة من قبل في بضع مرات، تتحدث بلطف مع فتى في مثل عمرها جاء إلى هذه الجزيرة بعد أن جرحته مشاكل التنمر المدرسي.
أطفأت سيان المصباح بضغط خافت، ثم سألتها بصوت هامس، هادئ إلى أقصى درجة،
“من الذي أخبركِ أن النعيم موجود في هذه الغرفة؟”
“آه…..ام…..”
“لا بأس، يمكنكِ قول كل شيء هنا.”
تعمّدت أن تقول “هنا” بدلًا من “لي” لأنها هي بنفسها وصفت المكان بأنه حيث يوجد النعيم.
وأخيرًا، أجابت الفتاة وهي ترتجف قليلًا،
“منذ زمن…..أخبرتني أخت في جوقة الكنيسة سرًا. قالت لي أنني طويلة و أشبه الكبار، ولهذا سأصبحين قريبًا عروس الزعيم…..وأن عليَّ أن أُعِدّ نفسي نفسيًا مسبقًا حتى لا أتفاجأ..…”
حتى لا تتفاجأ؟
“هل أخبرتكِ تلك الأخت أيضًا كيف تصبحين العروس؟”
“نعم..…”
كانت راحة يد الفتاة متعرقة من التوتر.
“قالت لي إنني سأرتدي فستان عروس أبيض يصل إلى الركبتين، ثم أذهب إلى غرفة الزعيم وأرتدي عصابة عيون…..وأن الزعيم سيقودني بنفسه إلى الغرفة التي فيها السرير الأسود.”
“هذه الغرفة، أليس كذلك؟”
أومأت الفتاة بحذر، وارتجفت بشدة ثم خفضت صوتها وهمست،
“قالت أنه عندما تحل الروح النقية في جسد الزعيم، سيُنبت عليَّ بذرة الملاك.”
____________________
ياويلي وش قاعدين يعلمون عيالهم ذا المجانين صدق انه اقرف ارك لو بيدي حذفته بس المشكله مهم😭
المهم جوون وش صار عليه الو ولدي؟
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب من بيلادونا، التي كانت تجلس ساكنة على السرير. وأمسك ذقنها بلمسةٍ خشنةٍ ورفع رأسها للأعلى. “كيف أجعلك تتحدّثين؟” “….” نظر إلى عينيها المرتجفتين، ركل لسانه وأرخى قبضته على ذقنها واستدار....مواصلة القراءة →
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب...
التعليقات لهذا الفصل " 110"