انفجر الرعد بغضب فوق البحر الأسود. و كان ذلك الرعد، الذي جاء مع الإعصار، يمزق السماء بعنف كغضب التنين.
وقفت سيان تفكر بقلق بينما تتساقط قطرات المطر من شعرها المبلل.
‘ماذا أفعل؟’
لا يمكنها أن تترك جوون وحده. فهل تعود إلى القرية وتبحث معه عن خطة لما بعد؟
‘لا، لا. يجب أن أهرب وحدي، هكذا كما أنا.’
قررت ذلك ببرود. فقد تمكنت من الفرار دون أن يلحظها الحراس، ولو عادت الآن إلى القرية، فذلك سيكون بمثابة ذهابها إلى الموت بنفسها.
فوق ذلك، حتى لو تم القبض على جوون، فإن وجود سيان خارج القرية هو الأمل الوحيد لإنقاذه.
لكن مع ذلك، لم يكن من المقبول أن تترك جوون في هذا الوضع الخطر تمامًا، وهو لا يعرف ما يحدث، ولا يستطيع استخدام الكوابيس.
“لينكون.”
أمرت سيان لينكون أن يذهب إلى جوون، فإما أن يصطحبه إلى مكانها، أو إن لم يكن ذلك ممكنًا، فعليه أن يعود ويخبرها بالموقف.
بالنسبة للروح المستدعاة، المستدعي هو بيت الروح. لذا، كان لينكون قادرًا على معرفة موقع سيان بدقة في أي زمان ومكان.
بمجرد أن تلقّى الأوامر، اختفى لينكون في الظلام كنسمة ريح.
هددددد…-سوااااااه-
اشتد هطول المطر، فتطاير التراب من كل الجهات. بينما تحركت سيان نحو الجبل بحذر شديد، حريصةً على ألا تترك أي أثر لقدميها.
كانت قد حفظت خريطة الجزيرة عن ظهر قلب قبل حتى أن تطأ قدمها أرضها، وعلى سبيل الاحتياط، أجرت عشرات المحاكاة الذهنية لمسارات الهروب الممكنة.
و لم تلتفت للخلف مطلقًا، بل واصلت السير إلى الأمام فقط، مصغيةً إلى دوي الرعد الذي كان يزمجر فوقها.
***
“سنغلق أبواب القاعة! أوقفوا كل الأعمال وتوجهوا إلى القاعة فورًا! هيا، بسرعة!”
كانت هناك فتاتان من الأخوات تلوّحان بأيديهما وتناديان الناس للحضور.
فرمى جوون المطرقة في صندوق الأدوات بلا مبالاة، و صدر صوتٌ معدني أجوف. ثم نفض يديه وانضم إلى أصحاب الثياب الصفراء متجهًا نحو القاعة.
‘هل سيان موجودةٌ داخل القاعة؟’
رآها قبل قليل تتجه وحدها إلى المخزن الغربي……ومن دون الكوابيس، لم يكن بإمكانه معرفة أي شيء يحدث خارج نطاق بصره، وهذا ما كان يضايقه.
لكن، مع ذلك، لم يكن يرغب أبدًا في العودة للارتباط بتلك المخلوقات المقرفة مجددًا.
في الحقيقة، شعر براحة غريبة منذ أن انفصلت عنه الكوابيس. فهي لم تكن سوى “مسامير” تُثبّت روحها في الظلام. بل مسامير شرسة، تضر الإنسان بإصرار ووحشية.
تلك المسامير السوداء التي كانت مغروسةً عميقًا داخل تاي جوون، اقتُلِعت بالكامل في ليلة واحدة فقط.
هل كان الأمر بهذه السهولة؟
أمرٌ لا يُصدق، حتى إن ضحكةً ساخرة كادت تفلت منه، لقد نال حريته الكاملة في مكان غير متوقع، وبطريقة غير متوقعة.
و الآن، لا يغمره إلا هذا الإحساس المطلق بالتحرر.
في السابق، كان عليه أن يحذر بشدة من إظهار أي مودةٍ تجاه أحد. حتى أن الكوابيس قد دخلت بالفعل مكان إقامة سيان ذات مرة.
صحيحٌ أن جوون كان قد كبح جماح الكوابيس بقوة، لذا لم تكن لتؤذيها، وكان لينكون موجوداً أيضًا، ما جعلهم لا يجرؤون على الاقتراب منها، لكن مجرد فكرة أنهم “تسللوا إليها” كانت مشكلةً بحد ذاتها.
في اللحظة التي يُضعف فيها جوون، أو يتراخى، سيُصبح من حوله مهددين، تمامًا كما حدث في زمن جده.
لكن الآن……ليس بعد. لقد تحرر تمامًا من ذلك القلق.
تشرّب- تشرّب-
بينما كان يسير فوق ماء المطر مقتربًا من القاعة الرئيسية، رأى سادان واقفًا بثبات وسط اللاجئين القلقين.
فضحك جوون بسخرية قصيرة.
زعيم السنابل ذاك لا يملك قوةً روحية، لذلك لا يمكنه أن يشعر……أن داخل القاعة الرئيسية الآن، يوجد ما يقارب ألف كابوس.
عددهم يفوق بكثير عدد الأشخاص الموجودين، الذي لا يتجاوز مئتين بقليل. والأدهى، أن عددهم ما زال يتزايد لحظةً بلحظة، وكأن شيئًا ما يدعوهم للخروج والتجمع من تلقاء نفسه.
كان هذا وضعًا في غاية الخطورة. وضعًا يشبه قنبلةً موقوتة قد تنفجر في أي لحظة لتكشف عن جحيمٍ مروّع.
عدم رؤية الكهنة للكوابيس المتجسدة يعني ببساطة أنه إن بدأ أولئك الوحوش فجأة في الهياج والجنون، فلن يكون هناك من يستطيع السيطرة عليهم.
وحينها……
سوف يُسحَب الجميع، رجالًا ونساءً، صغارًا وكبارًا، وعددهم مئتان وثلاثة وعشرون شخصًا، إلى دوامة من الكوابيس.
وإن زاد عدد الكوابيس عن الوضع الحالي، فقد يموتون جميعًا جراء الإفراط في الخوف.
وساعتها، ستُعرف الحادثة على أنها “وفاةٌ جماعية غريبة لأتباع طائفة دينية مشبوهة”.
كرووورر-
في اللحظة التي همّ فيها بالدخول إلى القاعة الكبرى، ظهر لينكون فجأة وأصدر زمجرةً منخفضة من حلقه.
زمجر لينكون مرة أخرى، ثم استدار فجأةً مشيرًا إليه بأن يتبعه. حينها نطق جوون بصوت مرح على الفور.
“آه، يجب أن أذهب الى دورة المياه قبل ما أدخل.”
فارتبك الخمسة الذين كانوا يحيطون به بملابسهم الصفراء، وتبادلوا النظرات فيما بينهم.
ثم رمقوا الداخل بنظرةٍ خاطفة، وكأنهم يسألون: “ماذا نفعل؟”
فأشار تشوداي تو، الذي كان واقفًا بالقرب من المدخل، بذقنه كأنه يجيب.
وما أشار إليه بذقنه كان صندوق أدوات نجارة كان أحد أصحاب الرداء الأصفر يحمله، ويحتوي على مطرقة وسكاكين نحت وسكاكين قطع وما إلى ذلك.
ففهم أصحاب الملابس الصفراء الإشارة بذكاء، وردّوا على جوون مؤيدين فكرته.
“إذاً، فلنذهب جميعًا.”
“نعم، نعم، هذا أفضل”
قال له أحد الرجال بالثياب الصفراء، وكان ذا بنية قوية، بنبرة ذات مغزى.
“بما أن عددنا كثير، فستأخذ العملية وقتًا. من الأفضل أن تُغلق الباب بإحكام في الوقت الحالي.”
***
ضرب- ضرب- ضرب- ضرب-
ما إن وصل جوون إلى دورة المياه المعتمة حتى انهال فجأةً على خمسة رجال بثياب صفراء وضربهم ضربًا مباغتًا.
بدأ أولًا بضرب الرجل الذي يحمل المصباح، فأطفأ النور، ثم بعدما عمّ الظلام وارتبك الآخرون للحظة، أسقطهم الواحد تلو الآخر بعناية.
ثم مسح قبضته الملطخة بالدماء على ثياب الرجال الممددين على الأرض، و التقط سكين تقطيع كانت ساقطة ًعلى الأرض. بعد ذلك، توجّه بهدوء إلى المخزن القريب.
و ببطء ودون عجلة، أخذ يفتّش في محتويات المخزن، فجمع عدة قطع من الملابس الطويلة المناسبة لفصلي الربيع والخريف، كما أخذ نحو عشرة مناشف.
“هذه لـ سيان. وهذه أيضًا لـ سيان. وهذا……طعام سيان.”
ثم انتقى خمس حباتٍ من البطاطا النيئة التي كان قد تركها لتتخمّر، واختار أشهى ما فيها ووضعها في طشت بلاستيكي أحمر.
في تلك الأثناء، بدأ الضجيج يعلو من جهة القاعة الكبرى.
“إنه يريد إيذاء، إيذاء الزعيم!”
“ماذا؟”
“عندما تنطفئ الأنوار في القاعة الكبرى، حاول إغراءنا بالتمرد وقتل الزعيم و خطف النساء، وعندما رفضنا، هاجمنا فجأة وهرب!”
“يا إلهي، كيم تشول سو؟! كـ……كيف يمكن أن يحدث هذا؟! لقد جاء برفقة السيد دايتو من فرع جواناك!”
“وتلك المرأة، مين سارا؟! أهي الأخرى كانت جاسوسة؟!”
تعالت أصوات الصدمة والغضب في فوضى صاخبة. لكن جوون لم يعرهم أي اهتمام.
و فقط تابع بعينيه رفوف المخزن حتى عثر على معطفَي مطر، فلفّ بهما الملابس الجافة والمناشف بطريقة غير مرتبة، ثم وضعها فوق الوعاء البلاستيكي الأحمر الذي يحتوي البطاطا النيئة.
ثم التفت إلى لينكون الذي كان ينتظره بضيق، وابتسم له ابتسامةً خفيفة.
“سِر أمامي.”
***
ششششش…-
أصبح المطر يهطل بعنف. بينما كانت سيان واقفةً على حافة جرف عالٍ، تتفحّص الجزيرة بنظرة دائرية.
حتى مقر إقامة الزعيم كانت أنواره مطفأة، ما جعل الجزيرة كلها تغرق في ظلام كثيف خانق.
الضوء الوحيد الذي كان يُرى بالكاد كان ينبعث من نقطة التفتيش عند الرصيف ومن نوافذ القاعة الكبرى……
ثم، قبل دقيقة تقريبًا، أُضيئت أنوار القاعة فجأة، وأضاءت المنطقة كلها. وهذا لم يكن إلا دليلًا على أن الأمور قد انفجرت.
نبض…-نبض…-
كان خفقان قلبها يتسارع بقلق وتوتر.
منذ اليوم الأول لدخول جوون إلى أراضي هذه الجزيرة، كان هناك خمسة رجال بثياب صفراء يلازمونه كمراقبين، وكانت سيان قلقة بشأن ما إذا كان قد تمكن من التخلص منهم بسلام.
راحت تنظر إلى القرية من أعلى لمدة ثلاث دقائق تقريبًا، ثم أدارت جسدها ببرود، وانزلقت بسرعة عبر منحدر مظلم كالليل.
و لم تتوقف إلا عندما وصلت إلى كهف ضيّق يقع في منتصف الجبل، وهناك فقط استراحت قليلاً.
انتظرت بقلق نحو خمس عشرة دقيقة، وفجأة بدأ شكل أبيض يتمايل في الظلام……لقد كان لينكون، ثم تبعه جوون الذي كان يمشي بهدوء وكأنه في نزهة.
فزفرت سيان تنهيدة ارتياح.
“هل أصبتَ بشيء؟ هل كل شيء على ما يرام؟”
“بالطبع. قلت أنني ذاهبٌ إلى دورة المياه ثم تسللت خلسة.”
كانت تخشى أن يواجه أحد الكوابيس، لكنه لم يواجه شيئًا……وهذا ما كان يبعث على الارتياح حقًا.
ناولها جوون على الفور منشفةً جافة سميكة، ووضعها على رأسها المبلل. لكنها أمسكت بمعصمه و تحدثت مباشرة،
“الأفاعي……إنهم لا يبحثون عن توأم في الرحم ليقدموه كأضحية، بل يقومون بتربيته بأنفسهم.”
“كما توقعت.”
“لا تقل لي……هل كنت تتوقع حدوث هذا منذ البداية؟”
سألت وهي تعقد حاجبيها، فأجابها جوون بلا مبالاة،
“أولًا، ليس من السهل خطف أشخاص عاديين يعيشون بشكل طبيعي داخل المجتمع، والأمر دومًا محفوفٌ بخطر الفشل في أي لحظة……”
“من الصعب السيطرة على ألسنة الأتباع، كما أن التعامل مع ما بعد الاختطاف أمرٌ معقد. وهناك خطرٌ كبير في أن تنكشف أي محاولة اختطاف.”
“بالضبط. وبدلًا من الانتظار عبثًا حتى يولد توأم في الرحم في مكان ما وفي وقتٍ غير معلوم، لا بد أنهم قرروا ببساطة أن يصنعوا التوأم بأنفسهم.”
“.……”
“فهؤلاء يملكون المال، ويملكون القوة.”
نعم، لا شك في ذلك. لديهم المال والقوة، لذلك قاموا بإنتاج البشر الذين يحتاجونهم كما لو كانوا منتجات.
في هذه الجزيرة المجنونة، التي لا يمكن لأي كان أن يدخلها بسهولة، كانوا يقيمون تجاربهم مرةً بعد مرة، ليصنعوا متى شاؤوا ما يسمونه “ثمرة الخلود والأبدية”.
ضحك جوون بسخرية، ثم قال بنبرة يملؤها الاحتقار،
“رغم أنهم مقززون، إلا أن البشر في الأصل حيواناتٌ مثلهم. ما فعلوه ليس أكثر وحشية من الأفعال التي قام بها ملوك، وأباطرة، وإمبراطورات، وأمراء العصور القديمة، والوسطى، والحديثة.”
كان محقًا في كلامه. ولكن……
“إن كانوا لا يعلمون أن الزمن قد تغيّر، فعلينا أن نُعلِمهم بذلك.”
قالت سيام ذلك بوجه بارد كالثلج، ثم أكملت،
“علينا أن ندمّر بالكامل هذا المكان الذي تصنع فيه الأفاعي توائم الأرحام.”
____________________
قووووووووه واجلدوهم اقىًلوهم تعرْيراً
المهم جوون مروق وهي يتبع لينكون يحليله شخصيته كأنه شوي متغيره من يوم خلوه الكوابيس 😭
وسيان اول ماشافته سألته عن حاله ماعاد صارت بارده معه🫂
متى العرس طيب؟
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 101"