في صباح اليوم التالي مبكرًا، التقت ليتسي بالجد، وأول ما بادرت إليه كان السؤال عن ملامح ابنته وهيئتها الخارجية.
‘جمع أكبر قدر ممكن من المعلومات هو الأساس الذي لا غنى عنه.’
“آمم… شعر أبيض وعينان بنفسجيتان.”
“نعم، ليس كالشيب الذي يكسو الرأس مع التقدم في العمر كما حدث لي، بل كانت طفلة تملك منذ ولادتها شعرًا أبيض يشبه الثلج الأبدي المنسوج بخيوط رقيقة.”
كانت عيناها بنفسجيتين جميلتين كزهرة البنفسج الرائعة.
أنصتت ليتسي باهتمام لما أضافه الجد، وهزت رأسها بجدية وتركيز.
“هل تشبهك يا جدي؟”
شعر أبيض، عينان بنفسجيتان، عمرها في أواخر الثلاثينيات.
آخر مكان شوهدت فيه كان منطقة لايوري المجاورة.
تفحصت ليتسي الملاحظات المكتوبة بخط متعرج بعناية فائقة، وعندما سألت، حرك العجوز شفتيه بهدوء:
“أنا… لا تشبهني البتة. ابنتي فائقة الجمال!”
أمالت ليتسي رأسها في حيرة ودهشة عندما صرخ الجد بصوت مرتفع فجأة.
“لكن يا جدي، أنت أيضًا وسيم!”
كان مظهره الحاد وقوة حضوره المميزة قد أخافها في البداية، لكن عندما دققت النظر، تبين لها أن الجد كان وسيمًا بدرجة ملحوظة.
تأملت ليتسي ملامح وجهه التي بقيت واضحة وحيوية رغم التجاعيد، ثم فتحت عينيها على اتساعهما وقالت:
“جدي، أذناك احمرتا!”
“يا للعجب، أعيش كل هذه السنين لأسمع كلمة ‘وسيم’ أخيرًا!”
تظاهر الجد بأنه لم يسمع ملاحظة ليتسي، وسعل سعالًا خفيفًا قبل أن يستأنف حديثه.
“على أية حال، ابنتي تحمل علامة حروق بحجم كف اليد خلف عنقها، فإذا وجدتها، لن يكون التعرف عليها أمرًا صعبًا.”
“نعم! ثق بـ ليتسي فقط!”
صاحت ليتسي بحماسة ونشاط، ثم غادرت النزل برفقة الجنية.
***
“كيف تنوين إيجاد ابنة الجد؟ هل لديكِ طريقة ما في ذهنك؟”
بما أن العجوز تكفل حتى بدفع تكاليف الطعام والإقامة في النزل، تخلت تينكر، بدافع الضمير، عن فكرة ‘أخذ المال والهرب’.
‘حتى أنا، الشريرة، لا بل الجنية، أملك هذا القدر من الحس الأخلاقي.’
“ألا تملكين على الأقل طريقة تعلمتيها من أمك؟”
عندما سألتها بنية أن تتظاهر على الأقل بالبحث، خدشت ليتسي ذقنها بأصابعها الصغيرة الممتلئة.
“نعم، سأستخدم الطريقة التي كانت أمي تستخدمها.”
كما توقعت، كانت والدة ليتسي شخصية غير عادية رغم أنها مجرد شخصية ثانوية.
فـ طفلة تربت على يد أم كهذه لا بد أن يكون لها خطة محكمة عندما تتحدث بثقة تامة.
نظرت تينكر إلى ليتسي التي تقف بفخر، وعيناها تلمعان ببريق مشع.
“كيف كانت أمك تبحث عن الناس؟”
“هكذا… تطقطق بأصابعها.”
“تطقطق؟”
تلقت ليتسي نظرات تينكر المليئة بالتوقع، وحركت أصابعها الصغيرة بحركة دقيقة لتصطك إبهامها بسبابتها.
“فيظهر شخص ليساعدني.”
استدارت ليتسي نحو الجنية بزهو ورفعت ذقنها بفخر، لكن لم يظهر أحد.
– طق!
– طق، طق!
مهما حاولت الطقطقة، لم يظهر شخص ولا حتى نملة واحدة.
“… لم يظهر أحد؟”
“ننغ.”
ضغطت ليتسي على خديها الممتلئين بيديها في ارتباك واضح.
‘غريب، لماذا لا يظهرون؟’
عندما كانت أمها تطقطق بأصابعها، كانوا يبرزون كالظلال مرتدين عباءات سوداء كالحبر تغطيهم.
“لماذا لا يستجيبون؟”
عندما التفتت ليتسي إلى تينكر وهي تعض شفتيها بحيرة وقلق، ضحكت الجنية ضحكة ساخرة من الدهشة.
“كيف لي أن أعرف؟ ألم تكن هذه الطريقة خاصة بأمك فقط؟”
لم تجد ليتسي ما تقوله ردًا على توبيخ تينكر، فكثير من الأمور التي كانت أمها تقوم بها بسهولة كانت لا تزال بعيدة عن متناولها.
مثل إطفاء شموع الكعكة دفعة واحدة، أو التقاط حبات الفول بعيدان الطعام…
بل إن لبتسي لم تتمكن بعد من إظهار قدراتها الخاصة كـ”باندا حمراء”.
“ربما، لأن ليتسي لا تزال صغيرة.”
لم ترغب ليتسي أن تبدو عاجزة أمام الجنية، فأشارت إلى صغر سنها كعذر وهي تخفض رأسها بحزن وخيبة.
“ألا يوجد في الكتب طريقة للبحث عن الناس؟”
قالت أمها إن الكتب بمثابة معلمين.
تذكرت ليتسي الجنية وهي تخرج الكتب من الفراغ وترميها نحو لينغ لينغ، فطرحت السؤال بحذر وتردد.
“آمم، سأرى إن كان هناك شيء مفيد.”
فكرت تينكر للحظة، ثم نظرت حولها وشكلت فضاءً فرعيًا عند قدميها.
كانت تلك المساحة التي تطير فيها الكتب بأغلفتها كالأجنحة بمثابة مكتبة تضم مجموعة الكتب التي تديرها الجنية.
“لا يبدو أن هذا الكتاب يحتوي على شيء… آه، ربما تكون هذه الكتب مناسبة.”
بينما كان نصفها العلوي فقط داخل الفجوة، قلبت تينكر صفحات الكتب واحدة تلو الأخرى، ثم أخرجت ثلاثة كتب بأغلفة زاهية ووضعتها أمام ليتسي.
“كل هذه الكتب تدور حول بطل يبحث عن شخص أو يُطارد. إذن، ألا يجب أن تحتوي على طريقة للعثور على الأشخاص؟”
بالرغم من أن إدارة الكتب كانت مهمتها، إلا أنها لم تكن تتذكر كل المحتويات.
كانت قوتها ومسؤوليتها محصورة فقط في《 بانميونل 》.
أومأت الجنية برأسها بقوة وهي تنظر إلى الكتب التي قرأتها سريعًا أو منذ زمن طويل حتى أصبحت الذكريات عنها ضبابية.
<حملتُ بطفل الدوق الشمالي، لكنني سأهرب.>
<فخ الأمير المهووس محكم للغاية.>
<الأميرة المريضة تخفي ثلاث توائم.>
مدت ليتسي يدها إلى أقرب كتاب وفتحت عينيها على اتساعهما.
“ليتسي ستقرأها بنفسها.”
كانت أحرف كتاب <الأميرة المريضة تخفي ثلاث توائم.> أكثر كثافة بكثير من كتب القصص التي اعتادت ليتسي قراءتها، لكن المحتوى لم يكن صعبًا.
مرّرت ليتسي الصفحات بسرعة وصولًا إلى الجزء الذي تهرب فيه البطلة، ثم فتحت الصفحة التي يلتقي فيها البطلان.
“آه! هنا جزء عن العثور على الشخص.”
【 “كيف وجدتني بحق خالق الجحيم؟”
ردًا على سؤال إلبيري المذعور، رفع دانيال زاوية فمه بانحراف.
“كيف وجدتكِ؟ رائحةُ فيرموناتكِ قوية جدًا.”
أمسك دانيال يد إلبيري وقربها إليه.
“انظري. لو مرت رائحتكِ بطرف أنفي فقط، لـ…” 】
كانت ليتسي قد قرأت للتو الجزء الذي يعثر فيه دانيال على إلبيري.
“هيك!”
حلقت تينكر بجانب الطفلة التي كانت تقرأ معها، ثم ذعرت وحاولت القفز على الكتاب.
“لا، لا! ممنوع، ممنوع!!”
“همم؟”
حدقت ليتسي في الكتاب المطوي على يدها بذهول، ثم أمالت رأسها في حيرة تجاه وجه الجنية الشاحب.
“لماذا تمنعينني من القراءة؟”
“هذا… هذا الكتاب غير مفيد. بعد التفكير، أعتقد أن كتبي لن تكون مفيدة.”
كتبي متخصصة بتصنيف معين.
أعادت الجنية الكتب إلى مكانها في عجلة وهزت رأسها.
“هاه. لكن دعينا نقرأ المزيد معًا…”
“لا يمكن! اقرئيها عندما تكبرين.”
ما الفائدة من القراءة لاحقًا بينما يجب العثور على ابنة الجد الآن؟
“إييه. الجنية بخيلة.”
في النهاية، انتزعت الجنية الغاضبة الكتاب من ليتسي، التي عبست بغضب وبرزت شفتها.
‘يبدو أنه وجدها عن طريق الرائحة.’
لم تكن حاسة الشم لديها قوية مثل السوين آكلة اللحوم، لكنها لم تكن سيئة.
‘لكن ليتسي لا تعرف رائحة ابنة الجد.’
مع ذلك، استمرت في شم الروائح حولها على أي حال، فشمت رائحة زهور ممزوجة في الهواء.
‘رائحة زهور البنفسج…؟’
رفعت ليتسي رأسها فجأة، لتمر أمامها امرأة بشعر أبيض.
“شعر أبيض!”
ارتعدت ليتسي من المفاجأة وهزت الجنية التي كانت لا تزال تضع رأسها في الفجوة.
“يا جنية، لقد دخلت امرأة بشعر أبيض إلى ذلك المبنى للتو!”
ضحكت الجنية بسخرية عند سماع كلام ليتسي.
“لابد أن لون عينيها مختلف أو شيء من هذا القبيل. كيف يمكن أن تمر ابنة الجد بجوارنا دون أن نبحث جيدًا؟”
من المستحيل العثور عليها بهذه السرعة.
لو كان هذا في رواية، لانتقدها الناس لانعدام المنطقية، واستمرت الجنية في حديثها اللاذع.
“بالإضافة إلى أنكِ شخصية ثانوية، لذا لا يمكنكِ حتى الحصول على مميزات البطلة.”
لم تفهم ليتسي كلمات مثل مميزات البطلة أو شخصية ثانوية، لكنها أدركت أن الجنية تقول شيئًا سيئًا عنها.
حدقت ليتسي في وجه الجنية الساخر وضمت حاجبيها الصغيرين.
“لكن عينيها كانتا بنفسجيتين.”
لم يكن الشعر الأبيض في سن صغيرة شيئًا شائعًا، لكن مزيج الشعر الأبيض والعيون البنفسجية كان نادرًا للغاية.
بالإضافة إلى ذلك―!
“كان لديها ندبة حرق على ظهر رقبتها.”
عندما قدمت ليتسي هذه الشهادة الحاسمة، غيرت الجنية موقفها فورًا.
“حسنًا، ما أهمية المنطقية؟ الأفضل هو عدم بذل أي مجهود!”
التعليقات لهذا الفصل " 6"