رفعت ليرا رأسها عند سؤال الخيّال، وهي واقفة كأنها مثبتة في المكان الذي قفزت إليه لإنقاذ ليتسي.
“هناك شيء غريب.”
لم يكن من الصعب بالنسبة لها، كدبة بنية قادت قبيلة، أن توجه الحصان بلكمة لتغيير اتجاهه.
لكن إيقاف عربة اكتسبت زخمًا كان أمرًا يفوق قوتها.
‘لهذا قررت أن أتدخل وأتحمل الاصطدام بدلًا منها…’
لكن العربة توقفت قبل أن تصطدم بليتسي، بل حتى قبل أن تصطدم بليرا، كما لو أن شخصًا ما سحبها من الخلف.
عندما خطت ليرا خطوة لتفحص العربة، اختفى ظل شخص ما خرج من خلف العربة بسرعة إلى داخل الأدغال.
“…السيد الشاب؟”
ضيّقت ليرا عينيها عند رؤية خصلات شعر بيضاء مألوفة ولكن غير مألوفة، ممزوجة بخيوط حمراء.
‘لا، لا يمكن.’
كان ميريل منعزلًا في الغابة منذ فترة طويلة، لا يظهر أبدًا.
‘شخص لم يقترب حتى من المبنى الرئيسي، فما الذي جاء به فجأة؟’
ليس من طباعه أن يأتي لمجرد مشاهدة زوجة صغيرة محتملة.
هزت ليرا رأسها، مقتنعة بأنها رأت وهمًا.
* * *
عادت ليتسي في حضن غريسيس وغرقت في نوم عميق دون تناول العشاء، كأنها فقدت الوعي.
يبدو أن استخدامها لقدرتها الخارقة غير المألوفة بعد، إلى جانب الذعر، استنفد طاقتها بالكامل.
طَـرق، طَـرق، طَـرق-
“آنسة، هل يمكنني الدخول؟”
في صباح اليوم التالي، جاءت دولوريس، الخادمة المخصصة لليتسي، لإيقاظها.
“أووه…”
رأت ليتسي خصلات شعر حمراء تتجول عند الباب، وومضت بعينيها ببطء.
“دونيونيس؟”
“يا إلهي، كم أنتِ لطيفة اليوم أيضًا…”
كادت دولوريس، التي أذهلها مظهر ليتسي الناعسة، أن تدوس الأرض بحماس، لكنها هزت رأسها بقوة.
‘لا يمكنني أن أكسر بابًا مثل ليرا وأخيف الآنسة!’
كانت دولوريس النحيفة وليرا الضخمة كلتاهما من أصول خارجية، لكن بقدر اختلاف مظهرهما، كانتا مختلفتين في الطباع، ولم تكونا مقربين جدًا.
‘فضلًا عن ذلك، يبدو أن الآنسة تفضل ليرا عني.’
كان الشيء المشترك الوحيد بين ليرا ودولوريس هو حبهما الشديد لليتسي، لكن دولوريس كانت تطحن أسنانها لأنها شعرت أن ليتسي تقرب أكثر من ليرا.
خاصة أن ليرا أنقذت ليتسي من أزمة أمس بينما كانت دولوريس غائبة، مما جعلها تشعر بأنها متأخرة كثيرًا.
“اليوم، سيزورنا تاجر كبير من القارة الشرقية، يا آنسة.”
ابتسمت دولوريس بانتصار وهي تشارك ليتسي خبرًا لا تعرفه ليرا بعد.
‘الأطفال يحبون رؤية الأشياء، خاصة الأغراض الغريبة من أراضٍ بعيدة!’
متحمسة لعدم السماح لليرا بتجاوزها، اقتربت دولوريس من ليتسي.
“تاجر؟”
“نعم! شخص يبيع أشياء غريبة. إقليم آل جريزلي صعب الوصول إليه، لذا يتردد التجار في زيارته، لكن لسبب ما، سيزورنا اليوم.”
أزالت دولوريس بلطف قشرة النوم من عيني ليتسي، وضحكت، ثم حملت الطفلة.
“على أي حال، هل نذهب للاستمتاع بالمشاهدة معًا، يا آنسة؟”
“نعم!”
اليوم، بدون ليرا! نحن الاثنتان فقط!
تناولت ليتسي فطورًا شهيًا من البيض المخفوق، لحم الخنزير المدخن بخشب التفاح، والخوخ المجفف، ثم دخلت في حضن دولوريس إلى قاعة المبنى الرئيسي للقصر.
اتسعت عينا الطفلة بدهشة أمام العرض الرائع للأغراض الفاخرة التي تملأ الغرفة الضخمة من كلا الجانبين، والتي كانت أكبر من الفناء الداخلي.
“واوو.”
على صندوق في المنتصف، كانت لؤلؤة سوداء تلمع كأنها كنز أسطوري من عالم مجهول، متألقة بنعومة تحت ضوء الشموع، وبجانبها، كان يوجد ياقوت وأحجار ضخمة موضوعة كما لو كانت تغري أهل القصر.
‘يبدو أن اليوم يوم مهرجان.’
بينما كانت ليتسي تدير رأسها يمينًا ويسارًا لمشاهدة الأغراض، تذكرت الساحة التي كانت تتبع أمها إليها.
كان المشهد يشبه مهرجانًا كانت تزوره أحيانًا، لكنه مكبر عشرة أضعاف، بل عشرات المرات، ومنقول إلى وسط القصر.
“هيا، هيا! ليست فرصة تأتي كل يوم! احتفالًا بأول زيارة لقصر آل جريزلي، سنقدم خصومات مذهلة، فابدأوا بمشاهدة الأغراض الخاصة التي جلبها مساعدي!”
كان التجار من القافلة يتنقلون بين الأكشاك، يشرحون الأغراض للناس.
حتى دولوريس، التي دخلت القاعة لتُظهر ليتسي المعروضات، استسلمت لتفسيرات التاجر السلسة كأنها مسحورة، واتجهت نحو قسم الفخار.
“آنسة، أليست هذه الأواني الفخارية رائعة؟ هل نشتري واحدة لنضعها كمزهرية؟”
كانت الأواني الخزفية التي أشارت إليها دولوريس مزينة بزخارف دقيقة للغاية.
كل زهرة وورقة محفورة بحيوية، كأنها ستتطاير مع الريح.
“عينكِ ثاقبة! هذه تحفة ولدت من يدي حرفي في مملكة سترا الواقعة في أقصى غرب القارة الغربية.”
لكن ليتسي، التي شمّت رائحة كريهة من الأواني، هزت رأسها وهي تشم.
“لا. ليتسي لا تحبها.”
“حسنًا، إذن، هل نذهب لمشاهدة الألعاب؟”
ظنت دولوريس أن عدم اهتمام ليتسي بالفخار يرجع إلى صغر سنها، فأشارت إلى قسم الألعاب.
كانت هناك عربات خشبية صغيرة وخيول، ودمى متنوعة الأحجام والتصاميم.
كانت العربة الخشبية المزينة بالذهب مرصعة باللؤلؤ حتى على عجلاتها، جذابة لدرجة تجعل البالغين ينظرون إليها، لكن ليتسي لم تشعر بأي اهتمام.
‘الأغراض غريبة.’
بل كانت الأغراض التي جلبها التجار تنبعث منها رائحة كريهة لدرجة أنها أرادت سد أنفها.
لكن يبدو أن ليتسي هي الوحيدة التي شمّت تلك الرائحة، إذ كان الناس يتفرجون على الأغراض بلا مبالاة.
“ليتسي تريد الذهاب إلى أبي.”
نزلت ليتسي من حضن دولوريس وتجهت نحو غريسيس، الجالس على المنصة في رأس القاعة.
كان هو الوحيد الذي يعرف أن موريل شخص سيئ، لذا ربما يشعر مثلها بغرابة الأغراض التي جلبها التجار.
“أبي، هل أنت نائم مجددًا؟”
كان يجب أن يكون مستيقظًا ليفحص الأغراض، لكن غريسيس كان مدفونًا في كرسي ناعم، غارقًا في نوم عميق.
‘اليوم أيضًا يتحرك ببطء.’
كان الضباب الأسود أصغر بكثير مما كان عليه عندما رأته أول مرة، لكنه لا يزال يحيط بجسده اليوم.
بينما كانت ليتسي تمد يدها نحو الضباب الذي يتجنب لمستها كما لو كان له وعي، سمعت صوتًا:
التعليقات لهذا الفصل " 29"