ظهر يورغن و هو ينفث هواءً باردًا، و كان واضحًا من النظرة الأولى أنه في مزاج سيء للغاية.
تنهدت فانيسا بهدوء و دحرجت عينيها.
لم يكن من المحتمل أن يعامل السّيدة أغنيس بقسوة — كما فعل مع توليمان — لكن مع هذا الرجل المجنون، لا يمكنها الاطمئنان أبدًا.
بسببِ قلقها على أغنيس، فكرت فانيسا طويلاً ثم مدّت يدها بلطف و لمست خد يورغن بأطراف أصابعها.
عندما تجمد جسده من اللمسة غير المتوقعة، رفعت فانيسا زاوية فمها بصعوبة، مبتسمة، و وبخته بهدوء:
“دوق، لا داعي لأن تكون حادًا إلى هذا الحد. لم أتحدث معها سوى قليلاً.”
“….”
بدأت ملامح يورغن الشرسة تخف قليلاً، ثم تنهد بصمت. ثم أعاد احتضان فانيسا بطريقةٍ أكثر راحة، و وبخها ببرود:
“أنتِ تعلمين جيدًا ما فعلته تلكَ المرأة. ألم يخبركِ غارسيا؟”
“أعلم… لكن ماذا في ذلك؟ كانت معجبة بكَ سابقًا، فقد فعلت ذلك في لحظة غضب…”
“عادتكِ المزعجة في التساهل مع مَنٔ تحبينهم لا تزال كما هي.”
نظرت فانيسا بعيون مستديرة إلى يورغن الذي يتحدث كأنه يعرفها جيدًا. كان دائمًا لغزًا في مثل هذه اللحظات.
في تلك اللحظة الصامتة، التفت يورغن إلى أغنيس و هاجمها بحدة:
“بما أنكِ جئتِ بهذا الفستان إلى الحفل، كان يجب أن تصطادي رفيقًا لليلة، فلِـمَ تغازلين خطيبتي؟”
“أغازل؟ كنتُ فقط أحاول بناء صداقة معها.”
“صداقة؟ نواياكِ واضحة. لا أعرف متى سيتوقف دوق تورنيا عن معاملتكِ كمهرة جامحة.”
“أبي يقبل كل ما أفعله. لمَ تتدخل في شؤون عائلتنا؟”
كان حوارهما طبيعيًا و وديًا بشكلٍ غريب.
هل هما صديقان؟ لا، لا يبدو كذلك. كانا يحدقان ببعضهما كما لو كانا يريدان قتل بعضهما.
‘بالمناسبة، دوق تورنيا كان أحد المتعاطفين مع يورغن، أليس كذلك؟’
ربّما كان ذلك مرتبطًا بالخلفية. أو ربّما لأن أغنيس مجنونة بما يكفي لعدم خوفها من يورغن…
“توقف عن ذكري أمام والدي كمشورة، دوق دريك. أنا لست أختكَ الصغرى.”
“لستُ أنا مَنٔ يبدأ الحديث، والدكِ هو مَنٔ يأتي يشتكي و يطلب النصيحة، فماذا أفعل؟”
“لأن… أبي لا يزال يريد ربطنا معًا! آه، حقًا! قلت له أكثر من مائة مرة إنني لا أحب رجلاً باردًا مثلكَ!”
سجلت فانيسا المعلومات الجديدة بسرعة في ذهنها.
إذن، دوق تورنيا يريد ربط يورغن و أغنيس.
“أنا أيضًا لا أريد الارتباط بكِ. لذا، اختاري رجلاً لائقًا و أقيمي خطوبة معه. ليس من أولئك المجانين الذين تواعدينهم دائمًا. هكذا سيطمئن دوق تورنيا—”
“مجانين؟ ما الخطب في عشاقي؟ هل تعتقد أنكَ عاقل؟”
كانا يتجادلان كالإخوة تمامًا.
مهما كان الأمر، يبدو أن شيئًا حدث بينهما بعد حادثة هجوم أغنيس على يورغن. خاصة إذا كان دوق تورنيا يحاول ربطهما بقوة.
‘لو لم أكن موجودة، لربما تزوجا…’
بالطبع، لم تكن فانيسا مَنٔ تدخلت بإرادتها، بل يورغن هو من جلبها.
على أي حال، بدا الاثنان مناسبين لبعضهما من وجهة نظر فانيسا. لذا، قالت دون تفكير:
“يبدو أنكما قريبان جدًا. تبدوان جيدين معًا.”
عندها، أظهر كل من يورغن و أغنيس تعبيرًا كأنهما ابتلعا بيضة فاسدة.
“أممم… هل قلت شيئًا خاطئًا…؟”
في الجو المفاجئ البارد، نظرت فانيسا بحذر إلى الاثنين، ثم صفقت أغنيس كأنها فهمت شيئًا و قالت:
“آه، يا إلهي! فهمت! يبدو أن الأمر كان من طرف واحد! عيناي كانتا كعيون سمكة ميتة!”
صرخت أغنيس بكلمات غامضة، ثم انفجرت ضاحكة ممسكة ببطنها. كانت فانيسا مرتبكة تمامًا، لا تفهم ماذا قالت أو لماذا تضحك فجأة.
“يا إلهي، يورغن دريك العظيم… لم أتوقع أن أرى هذا اليوم…”
ضحكت أغنيس حتى دمعت عيونها، ثم نظرت إلى يورغن بسخرية.
كان يورغن يحدق بها بنظرات قاتلة غير عادية، عندما تدخل شخص فجأة في الحديث:
“ما الحديث الممتع الذي يدور؟”
“الإمبراطور…!”
شعرت فانيسا، لأول مرة منذ وصولها إلى العاصمة، بالامتنان للإمبراطور. كانت معدتها تؤلمها من النية القاتلة الذي ينفثه يورغن.
تدخل الإمبراطور بمهارة لتهدئة الوضع، و اقترح أن تكونا صديقتين بما أن أغنيس و فانيسا في نفس العمر.
وافقت أغنيس بحماس، و أمسكت ذراع فانيسا. لم تعارض فانيسا، فوافقت…
“امم…”
لكن وجه يورغن… سيئًا جدًا، جدًا. مظلم و كئيب، كأنه ملاك الموت.
كان يحدق بأغنيس و فانيسا بنظرات مخيفة…
كم سيعذبها في طريق العودة إلى القصر، كان ذلك يسبب صداعًا مسبقًا.
بفضل وساطة الإمبراطور، أصبحت فانيسا و أغنيس صديقتين، و اتفقتا على تبادل الرسائل بانتظام.
شعرت فانيسا بمشاعر جديدة لأنها اكتسبت صديقة في الإمبراطورية. كونها جُلبت من قبل يورغن و الزواج منه كان كارثة طبيعية بالنّسبة لها.
بالإضافة إلى إسكال المزعج، و أرنو و ساسكيا المفقودين، و ديكلان الذي يغلي غضبها بمجرد التفكير فيه…
في مثل هذا الوضع، كانت كقارب شراعي صغير في عاصفة، لا مجال لها لتكوين صداقات.
لذلك، لم تتوقع أي علاقات جديدة… لكن حصولها على صديقة و في نفس العمر. شعرت بدفء في قلبها لأول مرة منذُ زمن.
“فمـكِ وصلَ إلى أذنيكِ.”
في العربة و بينما كانا عائدين إلى القصر، سخر يورغن منها كالعادة.
كما توقعت، أومأت فانيسا ببرود و قالت إنه صحيح.
ماذا يمكنه أن يفعل على أي حال؟ الإمبراطور نفسه شجع على الصداقة.
“من الأفضل ألا تصبحي قريبة جدًا من أغنيس تورنيا. ستؤثر عليكِ سلبًا فقط.”
“يبدو أن الدوق يكره أغنيس حقًا.”
“هل تستطيعين أنـتِ أن تحبيها؟”
“…..”
حسنًا، هاجمت أغنيس يورغن… من الصعب أن تترك انطباعًا جيدًا. أومأت فانيسا مقتنعة.
“…لكن، اكتساب صديقة بعد وقت طويل حقًا.. .”
نظر يورغن إليها بهدوء عندما ذكرت ذلك بحذر.
راقبت فانيسا هذا الخاطف المجنون و العنيد بعناية، محاولة الظهور بمظهر مثير الشفقة.
“ابتعدت عن أصدقاء الطفولة عندما كبرت… و منذ سن الثانية عشرة، بسبب حظي السيء الغريب، كانت الحوادث لا تتوقف، فتجنبني الجميع. في تيريفرون…لم يكن لدي أي حليف. حتى الخادمة التي اعتقدت أنها تساعدني خانتني في النهاية.”
“…..”
“و في الإمبراطورية — لا داعي لأخبركَ، أليس كذلك؟ أنا غريبة بلا أي صلة هنا. حتى أنتَ، الشخص الذي يريد الزواج مني، هدفكَ إبقائي بجانبكَ و تعذيبي حتى الموت.”
أصبحت عينا يورغن الذهبيتان شرستين. شعرت أن الوقت حان لتقليل الكلام، فغيرت فانيسا الموضوع:
“على أي حال، أعني… لا بأس إذا تواصلت مع أغنيس أحيانًا. الإمبراطور شجع على ذلك أيضًا.”
كان ذكر رغبة الإمبراطور عذرًا ممتازًا. حدق يورغن بها لفترةٍ طويلة، ثم تنهد و قال:
“افعلي ما تشائين. على أي حال، مهما فعلتِ، لن يتغير شيء.”
هذا مرة أخرى. “لن يتغير شيء”.
كان يبدو كسجين يغلق كل إمكانيات الحياة و يعيش في سجن صنعه بنفسه.
هذا ليس شكل حياة يريدها أي أحد، لكن لم يكن هناك أحد في حياته يملك التأثير لتغييره حتى الآن.
لم تعتقد فانيسا أنها ستكون ذلك الشخص. لكنها شعرت بشكلٍ غامض أن وجودها خاص بالنسبة له. منذُ اللّحظة التي كشف فيها أنه “رودي”…
‘ماذا يمكنني أن أفعل؟’
شعرت بخيبة أمل من عزمها السابق على جعله حليفًا و استخدامه.
كانت حياته ثقيلة جدًا لتهزها بسهولة، ولم تكن متأكدة من قدرتها على ذلك.
و مع ذلك، كان عليها جعله حليفًا. فقط هكذا يمكنها استخدام قوته لإسقاط ديكلان.
إذا لم تنجح الأكاذيب و الخدع، فمماذا لو أخبرته بأفكارها بصراحة؟
جمعت فانيسا أفكارها و بدأت بحذر:
“…اسمع، دوق. أنا…”
لم تراقب مزاجه أو تخف من هيبته. فقط نظرت إليه بصدق، آملة أن تصل نواياها:
“أريد الانتقام من ديكلان.”
“……”
“مضحك، أليس كذلك؟ أنتَ تريد الانتقام مني، و أنا أريد الانتقام من شخص آخر.”
الضغينة البشرية تتبع ذيلًا بذيل. لا فائز كامل ولا خاسر، لا إنسان طيب تمامًا و لا شرير تمامًا… الحياة مليئة بالسخرية.
“انتقم مني كما تشاء. سأنتقم من ديكلان حتى أشفى غليلي. …بصراحة، أشعر بالظلم لأنني لا أتذكر شيئًا. لكن ضغينتكَ تبدو حقيقية. ربما فعلتُ أنا الطفلة شيئًا لا يُغتفر لكَ و نسيتُه…”
الآن، بدأت فانيسا تأخذ في الاعتبار أنها ربما جلبت يورغن — رودي — و استخدمته كخادم لمدة عام ثم تخلت عنه.
كما تلتقط كلبًا أو قطة من الشارع، ربما فعلت ذلك بيورغن الطفل… ثم نسيت كل شيء.
‘آه، هذا حقًا الأسوأ.’
إذا كان الأمر كذلك… فلن يكون لديها كلام إذا انتقم منها.
التعليقات لهذا الفصل " 39"