كانت المدعوة «ابنة الدّوق المجنونة من تورنيا» — أغنيس — أميرة مدللة متعجرفة بلا جدال، نشأت كالجوهرة.
بفضل جو العائلة الحر، بدأت من سن السادسة عشرة في إغراء الرجال بلا قيود، و تجاوز عدد علاقاتها العشرين بالفعل.
أطول علاقة استمرت ستة أشهر، فهي سريعة الملل من العشاق، و كانت عادةً تنفصل بعد شهرين تقريبًا.
حتى لو شتمها الناس بالفسق، كانت أغنيس ترفع رأسها بفخر.
و ماذا في ذلك؟ لم تكن تنوي الزواج أصلاً.
كانت تملك ثروة كافية لتعيش في ترفٍ و بذخ طوال حياتها، فلا شيء ينقصها.
لكن هذه الفتاة — في يومٍ ما، وقعت في حب الدوق الشاب دريك من النظرة الأولى في حفلة رقص القصر الإمبراطوري.
سمعت عن سمعة الدّوق دريك من قبل، لكنها رأته لأول مرة في تلك الليلة. كان يختفي دائمًا عن الأنظار و لا يظهر كثيرًا في المجتمع الراقي.
[يا له من جنون. لم أرَ رجلا بهذا الوسامة من قبل. و ذلكَ الجسم أيضًا… يا إلهي.]
منذُ تلك اللحظة، أظهرت أغنيس اهتمامًا بـيورغن و تعلقت به بإصرار. رافقته أينما ذهب عندما كان في العاصمة، و أرسلت له رسائل حب و هدايا.
لكن يورغن لم يرفّ له جفن أمام هجومها الحماسي…
[ألستُ جميلة بما يكفي؟ كيف يمكن لرجل أن يكون باردًا إلى هذا الحد؟]
بما أنه لم يستجب لها بعد عشر محاولات، شكّت أنه قد يكون يفضل الرجال. أو… ربّما يعاني من العقم…
في خضم فشلها المتكرر، أُقيمت آخر حفلة رقص في القصر الإمبراطوري لموسم ذلك العام.
بعد سماعها بالصدفة أن يورغن سيغادر العاصمة غدًا، شعرت بالعجلة لأن هذه الليلة ستكون آخر فرصة.
[سأتحقق بنفسي ]
و في تلك الليلة، ارتكبت أغنيس فعلةً غير عادية: اقتحمت غرفة الاستراحة حيث كان يورغن يرتاح.
و حتى بعد أن صعدت فوق خصره و حاولت إغرائه ، كان يعبس فقط بنفور، و لم يمتثل لها إطلاقًا…
سألته إن كان يفضل الرجال، لكنه قال لها ” لا تتفوهي بالهراء و اخرجي”.
سرعان ما اقتحم فرسانه الباب، و انتهت محاولتها الجريئة بفشل ذريع.
“كان بالتأكيد لا يتفاعل معي إطلاقًا آنذاك.”
لكن النظرة التي يوجهها إلى تلك المرأة — أميرة لونغرين — كانت كأنه يريد ابتلاعها.
بالطبع، هي جميلة جدًا، لكنني أيضًا — موضوعيًا — أُعتبر جميلة. و بصراحة، جسدي أفضل منها.
“هل كان هذا النوع من النساء هو ذوقه…؟”
ارتشفت أغنيس الشمبانيا خلف العمود و هي تراقب بعناية فانيسا لونغرين.
كانت قد تخلت عن اهتمامها بيورغن منذ زمن، و الآن أصبحت أكثر فضولًا بخصوص خطيبته المزعجة.
ما الذي يجعل رجلاً يبدو و كأن الدم الذي يجري في عروقه حديد يُسحر بها؟
كان فضولًا خالصًا يلمع في عينيها.
*****
بعد انتهاء الرقصة، غادرت فانيسا مع يورغن أرضية الرقص. بقيت بجانبه بهدوء كما أمرها، لكن اهتمام الناس المتزايد بها بصفتها”متلقية النعمة” جعلها تشعر بالضيق الشديد.
في النهاية، تجاهلت تعليمات يورغن و انسلت إلى زاوية.
جلست على أريكة في مكان مظلم و معزول، و هي تنشر هالة قاتلة بمعنى “اقتربوا مني و ستموتون”، فلم يجرؤ أحد على الاقتراب. فقط كانت نظرات مليئة بالرهبة تتجه نحوها من بعيد.
قبل أن يُكشف أنها مباركة بالحماية المقدّسة، كانوا يحتقرونها… البشر كائنات نفاقية حقًا.
ابتسمت فانيسا بسخرية، مستلقية على الأريكة ومغمضة عينيها.
كانت تشعر بالعطش، لكنها تشعر بكسل مفرط للنهوض إلى طاولة المشروبات. كل ما أرادته هو النوم هكذا.
في تلك اللحظة، شعرت بأحد يقترب. عبست قليلاً و فتحت عينًا واحدة.
ظهرت امرأة شابة في مجال رؤيتها. كانت ترتدي فستانًا جريئًا جدًا، يكشف بشكل واضح عن صدرها و منحنيات خصرها ، مما يبدو فاضحًا إلى حد ما.
فتحت فانيسا عينها الأخرى و راقبت المرأة بعناية.
شعرها وردي داكن، منخفض التشبع و مظلم، يعطي شعورًا هادئًا. و عيناها… ذات لون فيروزي فاتح يذكر بالبحر الضحل.
كانت عيون غلينا بنفس اللون تقريبًا… لا، لون غلينا كان أعمق و أكثر وضوحًا.
‘بطريقة ما… تشبه نسخة ناضجة من غلينا.’
كانت العيون و الملامح و الجسم مشابهة لغلينا، لكن الهالة مختلفة تمامًا.
ربما لأن لون شعر غلينا كان ورديًا كبتلات الزهور، بينما هذه المرأة مختلفة. غلينا دائمًا ما تبدو طفلة بريئة و جميلة.
‘لو زيّنت غلينا نفسها بطريقة ناضجة، هل ستبدو مثل هذه المرأة؟’
بينما كانت تحدق بها بجرأة قد تُعتبر وقحة، ابتسمت المرأة بخفة و قدمت لفانيسا كأس مشروب.
أخذت فانيسا الكأس بذهول و ارتشفت رشفة. من اللون و الرائحة، كان شاي ورد بارد مع سكر.
عندما رفعت فانيسا عينيها، ابتسمت المرأة بلطف و قالت:
“أنـتِ تشعرين بالعطش، أليس كذلك؟ اشربي هذا لتركيب حلقكِ.”
“أممم… شكرًا.”
أجابت فانيسا بذهول، و شربت رشفة بحذر. لم تكن تخشى السم أو المخدرات في حفل الإمبراطور، فلا يوجد أحمق يجرؤ على ذلك.
كان شاي الورد البارد منعشًا وحلوًا. أفرغت فانيسا الكأس دون أن تشعر، و نظرت إلى المرأة.
ضحكت المرأة بمرح و أخذت الكأس من يدها، وضعته على صينية نادل كان يمرّ، ثم قدمت نفسها بصوتٍ مرح:
أغنيس تورنيا… أليست بطلة الحادثة المشينة التي رواها غارسيا بفخر؟
‘التي هاجمت يورغن… هي…’
ابنة الدّوق المجنونة.
ابتسمت أغنيس و كأنها تستمتع بدهشة فانيسا ذات الفم المفتوح.
‘ما الذي تفعله؟’
من ناحية أخرى، كان يورغن يتعامل بلباقة مع المقتربين، لكنه عبس عندما رأى فانيسا مع شخص غير متوقع.
كان يتجاهل رغبتها في الابتعاد عن الحشود، لأنه عرض توليمان عليهم كعبرة، فلم يكن هناك أحمق يجرؤ على الاقتراب منها.
لكن كان هناك شخص مغفل.
تلك الحمقاء.
“تلك المرأة…”
عض يورغن على أسنانه دونَ وعي، و نظر إلى أغنيس بنظرة غاضبة. في تلك اللحظة، التفتت أغنيس و تقابلت أعينهما، فابتسمت بطريقة مزعجة و خبيثة. ثم جلست بجانب فانيسا بشكلٍ واضح.
كلاااك.
تحطم كأس الشمبانيا في يد يورغن كقطع الثلج.
تجاهل الناس المذعورين، خلع يورغن قفازيه المبللة و رماها على صينية نادل، و خطا بخطوات واسعة نحو فانيسا التي وقعت في فخ أغنيس تورنيا المجنونة.
كانت أغنيس تتحدث عن حادثة هجومها على يورغن كأنها مجرد حدث تافه. استمعت فانيسا بدهشة لوقاحتها و حريتها، و أومأت برأسها بذهول.
حتى حقيقة أن فانيسا المباركة بالحماية المقدّسة لم تبـدُ مهمة لأغنيس.
“بالمناسبة، صاحبة السمو حصلت على النعمة، أليس كذلك؟ لقد تأخرت في الوصول إلى الحفل ولم أرَ علامتكِ المقدسة، لكنني سمعتُ عنها.”
ذكرتها كأمر جانبي ثم انتقلت إلى الموضوع التالي.
لم تشعر فانيسا بأي رهبة تجاهها، فقط إعجاب خالص.
ربّما لهذا السبب؟
كلما رأتها، أعجبت فانيسا بهذه المجنونة أكثر.
أولاً، لأنها امرأة — فمعظم مَنٔ أذوها كانوا رجالاً. ثانيًا، لأنها مجنونة — ليست مجنونة بطريقة مزعجة، بل بطريقة ممتعة و جريئة.
و الأهم، لأنها شتمت يورغن و وصفته بالعقيم — قالت “ظننته كذلك”، لكن التفسير يعتمد على المستمع.
“الدّوق دريك رجل يبدو و كأن الحديد يجري في عروقه بدل الدم. لا يوجد رجل بارد القلب مثله.”
كانت أغنيس تسخر من يورغن بتعبيرات متنوعة و مضحكة، و فانيسا، التي كانت تحمل ضغينة كبيرة تجاهه، لم تستطع كبح فرحتها.
دون أن تشعر، ضحكت بصوت عالٍ و هي تستمع إلى أغنيس، ثم أمسكت أغنيس يدها بيد. كانتا قريبتين بشكلٍ غريب.
في اللّحظة التي ابتسمت فيها أغنيس و نظرت في عيني فانيسا و كانت على وشك قول شيء:
“صاحبة السمو…”
“أبعدي يـدكِ.”
تدخل صوت بارد كالثلج. أمسك أحدهم فانيسا من الخلف ، رفعها ، و جذبها إلى حضنه بقوة.
رائحة مألوفة باردة تتسلل إلى أنفها. بدلاً من المقاومة، رفعت فانيسا رأسها بهدوء و نظرت إليه.
كان يورغن يزمجر تجاه أغنيس كذئب شرس تُنتهك منطقته.
التعليقات لهذا الفصل " 38"