رفـعَ يورغن، الذي كان يجلس على كرسي مكتب و يتصفح الأوراق بهدوء، عينيه فجأةً نحو النافذة.
لم يكـن صوته يعبّـر عن فضول حقيقي، بل كان يحمل شوقًا غريبًا و نبرة من الضيق.
رفعَ ميلارد، مساعده، حاجبيه و أجابَ ببرود:
“يبدو أن الأميرة فانيسا ستظهر قوّتها. إنها قوة حاكمة الحياة، لذا من الطبيعي أن يكون الجميع فضوليين. أودّ أن أذهب و أرى بنفسي.”
“…..”
تجاهلَ يورغن نظرة ميلارد المتسائلة التي كأنها تقول “ألستَ فضوليًا؟”، لكنه لم يستطع إبعاد عينيه عن النافذة.
لاحظَ ميلارد ذلكَ و نقـرَ بلسانه في ذهنه، ثم انتزع الأوراق من يـد يورغن فجأة.
عبسَ يورغن و نظرَ إليه، فهـزّ ميلارد الأوراق وقال بهدوء:
“اذهب و ألقِ نظرة. سأتولى مراجعة هذه.”
“…لا، يجب أن أتفقدها بنفسي. أعـدها إلي.”
“أليس الأمر يتعلّق بمراجعة سجلات المحميين بحماية الحاكم خلال الخمسين عامًا الماضية؟ ما الصّعب في ذلك؟”
“ليست مجرّد مراجعة. يجب أن أبحث عن أي أثـر للتستر المتعمد.”
“باستخدام قوة فيوس؟”
“نعم.”
ما إن أعادَ ميلارد الأوراق حتى تألقت عينا يورغن بالضوء الذهبي. حدّقَ ميلارد في العلامة المقدسة التي ظهرت في عينيه و سأل بهدوء:
“…هل السّبب وراء رغبتكَ في الزواج من الأميرة هو أنّـكَ تنبأت بأنها ستتلقى حماية فينيا؟”
في حالات نادرة، يحدث للمحميين بالحماية شيء يمكنهم من رؤية المستقبل.
كان ميلارد فضوليًا منذُ البداية حول سبب رغبة يورغن في الزّواج من ملكة دولة مدمرة.
إذا كان قد عرفَ قيمتها بفضل نعمة الحاكم…
“ليس الأمر كذلك. حقيقة أنها تلقت حماية لا تهم.”
“…إذن، لماذا؟ هل وقعتَ في حبّ الأميرة حقًا؟”
ما إن طرح السؤال الاستفزازي حتى طعنته نظرة حادّة كالسهم. تجنّبَ ميلارد عينيه و هـزّ كتفيه.
لا يمكنكَ قول أي شيء، أليس كذلك؟
صمتَ للحظة ثم غيّـرَ الموضوع بمهارة:
“لقد أكملتُ عملي. إذا لم يكن هناك ما يمكنني مساعدتكَ به، هل يمكنني أخذ استراحة قصيرة؟ أود رؤية ما ستظهره الأميرة.”
“…..”
كان طلب الإذن بنبرة استفزازية خفيفة مقصودًا بالطبع. صمتَ يورغن لفترةٍ طويلة بشكلٍ مخيف، ثم أجابَ بتنهيدة:
“حسنًا. خـذ استراحتك.”
“شكرًا.”
ابتسم ميلارد و انحنى بأدب، ثم خرج من المكتب بخطوات واثقة. ربّما لأنه نجحَ في إغاظة يورغن كأخ صغير لأول مرّة منذ فترة. شعر بالرضا.
تذكر فجأةً المرة الأولى التي التقى فيها يورغن.
[” قائد هذه الفرقة المرتزقة؟ هو أنـتَ؟”]
[“أنا يورغن دريك. و أنـتَ متشرد قذر.”]
[“مَـنْ تقصد بالمتشرد القذر؟ أنا الابن الثاني لعائلة غريفن .”]
في ذلك الوقت، كان يورغن الذي في مرحلة النمو، أقصر من ميلارد البالغ. و مع ذلك، كانت تنبعث منه هالة مذهلة.
شعر ميلارد أن هذا الفتى المرتزق سيصبح عظيمًا.
لذا انضمّ إلى فرقة يورغن، متطوعًا كمستشار و مدير حسابات، و رعـاه كأخ صغير لأنه رأى فيه شبح أخيه المتوفى.
بالطبع، لم يكن يورغن بحاجةٍ إلى رعاية أحد، ولم يكن فيه شيء لطيف…
ومع ذلك، ظلّ ميلارد يعامله كأخ صغير.
كذلك بالنّسبة للأميرة.
بما أنها تتعلق بحياة أخيـه الصغير العاطفية، كان من الطبيعي أن يهتم.
“من المؤكد أن هناك شيئًا بين الأميرة و يورغن، لكنه يخفي مشاعره بعمق و لا يكشف عنها.”
كان لدى يورغن جانب دفاعي غريب بشأن قلبه، خاصّة أعمق أفكاره.
لذلك، كان رد فعله المختلف عن المعتاد عندما يتعلق الأمر بالأميرة مثيرًا للاهتمام.
“ربّما كان يجب أن أصرّ على اصطحابه… هاه؟”
توقّف ميلارد فجأةً أثناء سيره في الرواق. كان هناك شخص مألوف يركض نحوه بسرعة. كان أحد الفرسان المكلفين بالبحث عن مكان إسكال درايك.
“سيدي المساعد!”
شعر ميلارد بإحساس سيء من النبرة الملحة. محى الابتسامة من وجهه و سأل بجدية:
“نعم، ما الأمر؟”
بعد تلقّي تقرير نتائج البحث من الفارس، نقل ميلارد التفاصيل إلى يورغن.
“لجأ إسكال إلى عائلة والدة الدوق السابق، عائلة الكونت فلامبرغ.”
“…..”
“و لا أعرف كيف أقنعهم، لكنه يتلقى دعمًا كبيرًا.”
توقّفت أصابع يورغن التي كانت تطرق المكتب بانتظام.
ابتسامة ساخرة واضحة ظهرت على شفتيه.
“كانت عائلة فلامبرغ تشكّ في سموّكَ منذُ البداية. يقولون إن موت الدوقة السابقة لم يكن حادثًا.”
“…..”
“لكن… كان ذلك حادثًا، أليس كذلك؟ لم يكن ذلك جزءًا من خطتنا الأصلية.”
الدوقة السابقة، ليفيا فلامبرغ، نُفيت إلى دير بعد شائعة أنّها كانت على علاقة مع شاعر متجول، و ماتت في حادث عربة.
تكهن الناس أن يورغن هو مَـنْ قتلها، لكن هذا لم يكن صحيحًا.
كان حقًا حادثًا لسوء حظّها. أو ربما لكونها محظوظة…
“ماتت بسهولة مفرطة مقارنة بجريمتها. وفقًا للخطة الأصلية، كان يجب أن تعيش في الدير و تُعامَل معاملة أسوأ من فلاح، و تموت بشكلٍ بائس.”
تنهد ميلارد، و أومأ يورغن بهدوء موافقًا.
الانتقام الذي أراده لم يكن حادثًا مريحًا، بل نهاية بائسة كفأر في القاع.
في النهاية، كل ما أعطاه لليفيا فلامبرغ كان عار انتشار أمر علاقتها مع شاعر متجول…
لم يكن انتقامًا كاملاً.
“على أي حال، مهما قلنا عن ذلك ‘الحادث’، لن يصدقونا. من المحتمل أن إسكال أقنع عائلة فلامبرغ بأنّـكَ مسؤول عن موت ليفيا. ما يخطّط له هو على الأرجح…”
“…القضاء عليّ بحجة الانتقام لعائلة فلامبرغ.”
“يبدو كذلك… حسنًا، إذا تدخّل جلالة الإمبراطور، سيهدأ الأمر بسهولة، لكن لا يمكننا الاعتماد على قوته في كل شيء. بما أنّـكَ سيّد الشمال، يجب أن تتولى الأمر بنفسك، و إلا فلن تحصل عائلة دريك على دعم حقيقي من شعب الشمال.”
أومأ يورغن بصمتٍ موافقًا. لم يمض وقت طويل منذُ دمّـر تيريفرون، والآن سيضطر لتلطيخ يديه بدماء أخرى. لكن لا مفر. يبدو أن مصيره هو أن تظل رائحة الدماء ملتصقة بـه إلى الأبد.
“يجب تقديم موعد العودة إلى الإقليم. و…”
“نعم، سأتأكد من الاستعداد لأي هجوم محتمل في طريق العودة.”
على أي حال، كان معتادًا على القتال. إذا أراد العدو رؤية الدم، فسيكفيه أن يستجيب.
* * *
“إنه أمر مذهل حقًا. منذُ أن استخدمت سمو الأميرة كلمة الحاكم أمس، أشعر أنني مليء بالحيوية.”
قال غارسيا ذلك و هو يحرك جسده بحركات كبيرة.
حدّقت فانيسا إليه بنظرةٍ حادّة و نقرت بلسانها دون رد.
أمس، بسبب إصرار غارسيا الصاخب بأنه “لن يصدق حتى يختبر بنفسه”، اضطرت فانيسا لاستخدام قوّتها على ذلكَ الرجل المزعج.
كانت كلمة الحاكم الأساسية التي يمكن لفانيسا استخدامها تمنح الحيوية للهدف، مما يحسن وظائف الجسم، يشفي من الأمراض البسيطة مثل عسر الهضم أو الصداع، و ربّما يمنع أمراضًا مثل البرد.
و مع ذلك، لم يكن واضحًا بعد مدة استمرار هذا التأثير.
سيعرفون مع الوقت.
“كلمة الحيوية هذه، لو استمرت ثلاثة أيام على الأقل، ستكون مفيدة جدًا. ستكون مساعدة كبيرة عند التوجه إلى الجبهة الشمالية. الآن، يبدو أن سمو الأميرة هي قديسة تـمّ إرسالها لفرساننا البائسين… آه!”
ركلت فانيسا ساق غارسيا لإسكاته، وحدّقت إليه بشراسة.
لم يكن غارسيا يعلم شيئًا عن انزعاج فانيسا، فتجهّم و اشتكى:
“كنتُ سأمدح سمو الأميرة، فلماذا ضربتِني فجأة؟”
“كـفّ عن الكلام. رأسي يؤلمني.”
“إذا كنتِ تعانين من الصداع، يمكنكِ استخدام قوّتكِ…”
“اخرس.”
“حاضر.”
تنهدت فانيسا بعمق وصعدت إلى العربة، وتبعها رينيه و غارسيا بحذر، و هما يراقبان مزاجها.
كان مفاجئًا أن يوافق يورغن بلامبالاة على طلب فانيسا بزيارة الفيلا التي أقامت فيها في طفولتها قبل مغادرة العاصمة.
بفضلِ ذلك، تمكنت من الخروج، لكن… ألقت فانيسا نظرة على معصمها الأيسر، الذي كان يكشف عنه كمّها الطويل. كان هناك سوار ذهبي يلمع برفق، وضعه يورغن على معصمها كـ”شـرط”.
‘هذه أغلال، أليس كذلك؟ ذلكَ الرّجل اللعين…’
كان السوار أداة سحرية تحمل تعويذة تتبّـع، لا يمكن لفانيسا خلعها بإرادتها. الشخص الوحيد الذي يمكنه خلعه هو يورغن.
كان بمثابة قيدٍ لتقييد حريتها.
شعرت فانيسا بالغضب الشديد، لكنها تحملت و صبرت لأنها أرادت بشدة زيارة الفيلا التي عاشت فيها طفولتها.
“انتظر فقط، يورغن دريك. إذا وضعتَ أغلالًا عليّ، سأضع طوقًا حول عنقـكَ.”
توهّجت عيناها الزرقاوان كالنار.
خطّتها لجذب هذا الرجل المزعج إلى جانبها لا تزال قائمة. كان ذلك ضروريًا لبناء أساس للانتقام من ديكلان.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات