تجمدت فانيسا من الصدمة، و هي تستتمع إلى دقات قلبها المتسارعة كما لو أنها خارجة عن السيطرة.
تبخّـر عقلها بالكامل، و لم يبقَ سوى حواسها الحادة.
لم تكـن هذه قبلة بريئة ، بل كانت أقرب إلى أن كونها تُلتهم.
كان الشعور المنبعث منه أقرب إلى المرارة من الحلاوة، و مليئًا بالكراهية أكثر من المودة.
عندما عـاد عقلها تدريجيًا، بدأت فانيسا تتلوى بقوة في أحضان يورغن.
توقّف يورغن و رفعَ رأسه قليلاً.
نظرت عيناه الذهبيتان، اللتين تخلتا عن برودتهما المعتادة، إليها بحرارة كالشّمس. في تلكَ اللحظة، نسيت فانيسا كيف تتنفس.
في تلكَ اللحظة القصيرة التي توقّـفَ فيها تفكيرها، بدأت قبلة أخرى. رفعها يورغن فجأةً من على الأرض، وهو يقبلها في وضعية تجعلـه ينظر إليها من الأسفل.
لم تكن قبلته ماهرة، بل كانت أشبه بحيوان متوحش يصطدم بها. وجدت فانيسا نفسها جالسة على حافة النافذة، تمسك الستائر.
انزلقت يد فانيسا المتعبة من الستائر بضعف بسبب القبلة. كان جسدها النحيل يرتجف بشكل مثير للشفقة ، لكنه لم يتوقّف.
كأن شيئًا ما وصل إلى نقطة الانهيار و انفجر.
بعد معاناة طويلة، تمكّنت أخيرًا من الإفلات منه.
“…..”
في صمت ثقيل، تقابلت أعينهما. كان صوت الأنفاس الخشنة، التي لا تُعرف لمَنْ تنتمي، واضحًا.
كانت فانيسا مذهولة من الصدمة و من المشاعر التي شعرت بها .
داعـبَ يورغن خـدّها المحمّر بهدوء وهي تتنفس بصعوبة. كانت هي أيضًا محمومة، لكن يـده كانت ساخنة كما لو أنها ستسبب الحروق.
سحبَ يـده ببطء، و تراجعَ خطوةً إلى الوراء و قال:
“سألـتِ إن كان بإمكاني العيش معـكِ .”
“…..”
“هذا هو الجواب.”
عـادَ إلى هدوئه المعتاد في غمضة عين، وكأنه شخص مختلف تمامًا عن الرّجل الذي كان يقبّلها قبل لحظات.
تـركَ يورغن فانيسا، التي كانت ترمش بعينيها مذهولة، و استدار. حدّقت فانيسا إلى ظهره وهو يبتعد، ثم نزلت بحذر من حافة النافذة بعد أن غادر الغرفة، لكنها انهارت على الأرض بسببِ ارتجاف ساقيها.
“…..”
شعرت كما لو أنها كانت تحلم، فلم يكن لديها إحساس بالواقع. حدّقت فانيسا إلى النقوش على السجادة المفروشة، ثم رفعت رأسها ببطء لتنظر إلى المرآة المقابلة.
تقابلت أعينها مع امرأة في المرآة، بمظهرٍ مشوش تمامًا.
“ها…”
انفلت ضحكة خافتة من بين شفتيها.
لا تزال لا تصدق، لكن يورغن دريك قبّلهـا.
كانت تلك القبلة شرسة و عنيفة، لكنها، على عكس طباعه المعتادة، بـدت متوترة و متلهفة.
ما كان ذلك؟
لم تكن مجرّد إهانة، بل كان هناك شيء ما…
“…..”
رفضت فكرة أن يكون الأمر كذلك، لكن في هذه المرحلة، بدأت تشكّ بشكلٍ منطقي.
ربّمـا، هذا الرّجل…
* * *
لم يتغير موقف يورغن تجاه فانيسا. ظل باردًا و غير مبالٍ كالعادة، ولم يكن هناك أثر للعاطفة التي أظهرها في تلك اللحظة.
مَـنْ تغيّر كان فانيسا.
بدأت تراقب يورغن مثل وحش يتربص بفريسته، محاولة جمع أي دليل صغير.
لم تحقق الكثير، لكنها حاولت.
على الرّغمِ من أن سلوك يورغن ظل كما هو، كان هناك تيار غريب بينهما، لاحظـه على الفور الفرسان ذوو الحدس السريع مثل غارسيا.
بالنّسبةِ لمعظم هؤلاء الفرسان، الذين عاشوا مع يورغن دريك منذُ أيام العبودية أو كمرتزقة، كان يورغن رجلًا يبدو كأنه لن ينزف حتى لو طُعن.
لكنه لم يكن غير مبالٍ بالآخرين تمامًا، وكان يُظهر أحيانًا مشاعر إنسانية مثل الرحمة.
في ساحة المعركة، كان تجسيدًا للجنون، لكن عندما يحيط به أطفال الإقليم، كان شعورًا مختلفًا.
كان يورغن دريك قويًا بشكلٍ غير بشري، مجنونًا بلا شك، بلا رحمة في ضرباته و باردًا… لكنهم جميعًا كانوا يعرفون أنه، في الحقيقة، “رجل طيب”.
لكن هذا الجانب كان مختلفًا عن كونه طيبًا.
“…قائدنا، كان دائمًا غير مهتمّ بالنساء بشكلٍ مذهل.”
“قُـل ‘صاحب السمو الدوق’، نوربرت.”
“آسف، سيدي القائد. لكن، على أي حال، الحياة مليئة بالمفاجآت. كنتُ أفكّـر بجدية أحيانًا إن كان سموّ الدّوق يعاني من مشكلةٍ ما….”
ضربَ غارسيا نوربرت على مؤخرة رأسه بقوة.
كان كلامه يستحق العقاب، لكن يد غارسيا كانت قاسية جدًا، مما جعل صوت الضربة يجذب تعاطف الجميع.
“آه! لماذا تضربني! أعني، من الطبيعي أن يفكر المرء بهذا! فكّـر فقط في قضية الأميرة تورنيا…”
عندما أثار نوربرت قضية الأميرة تورنيا، ظهرت تعابير على وجوه الجميع كما لو أنهم تذكروا شيئًا.
الأميرة أغنيس تورنيا كانت سيدة استثنائية حاولت فعليًا الهجوم على يورغن.
“الآن تذكرت، كان هناك شيء من هذا القبيل…”
“ألـم يكن ذلكَ عندما تـمّت ترقية سمو الدوق؟ في غرفة الراحة في حفل القصر، حاولت الأميرة تورنيا الهجوم عليه. لحسنِ الحظّ أن دوق تورنيا لم يقتلع عينيّ لأنّني رأيتها حينها…”
هذه المرة، تلقى غارسيا ضربة على مؤخرة رأسه من القائد. كان نوربرت و غارسيا متساويين في الكلام بلا مبالاة.
“الآن عند التّفكير في الأمر، أتساءل كيف ستكون ردة فعل الأميرة تورنيا. ماذا ستقول إذا رأت سمو الدوق يتصرّف هكذا…”
عندما تمتم أحدهم، نظرَ الجميع إلى يورغن بتعابير غريبة. كان يقف أمام العربة، و هو يتحدث مع فانيسا عن شيء ما، و يبدو باردًا كالمعتاد.
لكن، عند التدقيق، كان هناك اختلاف طفيف جدًا عن يورغن السّابق.
“في الحقيقة… أفهم لماذا تغيّـرَ سمو الدوق. صاحبة السمو جميلة جدًا. عندما رأيتها لأول مرة، ظننتها ملاكًا نزل من السماء.”
كان المتحدث فينسنت، أصغر أعضاء الفرسان. نظر إلى فانيسا من بعيد بخجل، مما جعل الجميع يتجمّدون للحظة من مظهره الشاب البريء.
تقدّم غارسيا نيابة عن الجميع، و وضع ذراعه على كتف فينسنت بقلق و سأل:
“يا فتى، أنـتَ… لم تقع في حبّ صاحبة السمو، أليس كذلك؟”
“ماذا؟ لا، ليس كذلك! كيف أتجرأ…! ليس هذا!”
“…..”
كان إنكار فينسنت الشديد و احمرار وجهه دليلًا واضحًا على إعجابه بفانيسا.
تبادل غارسيا نظرات كئيبة مع الفرسان الآخرين، ثم ربّـت على كتف فينسنت و أعطاه نصيحة صادقة بصفته أكبر منه:
“استسلم مبكرًا. إذا كنتَ لا تريد قضاء شبابك في الألـم…”
“ماذا…؟”
سألَ فينسنت بنبرةٍ مرتجفة، لكن غارسيا هز رأسه فقط.
سافروا إلى القصر الإمبراطوري بالعربة، ولأن قصر دريك كان قريبًا جدًا من القصر، لم يستغرق الأمر وقتًا طويلًا.
كان قصر الإمبراطور في قلب العاصمة يتمتّع بهيبة لا توصف بالفخامة أو الجلال.
كانت فانيسا محبطة بعد فشل خطتها الكبيرة للحصول على مساعدة دوق إيفانوود، لكن عندما دخلت العربة القصر، نسيت كل تلك المشاعر.
على الرّغمِ من أنها زارت المكان من قبل، كانت تشعر في كل مرة بالدهشة من روعته.
بينما كانت تحدق من النافذة مبهورة، تفاجأت فانيسا بصوت توقف العربة المفاجئ.
ابتعدت عن النافذة بسرعة و نظرت إلى الجهة المقابلة، حيث واجهت عينيّ يورغن الذهبيتين الباردتين تحدقان إليها.
“لقد وصلنا، استعدي للنزول. لا تسرعي.”
“حسنًا.”
في هذا المكان الضيق معه وحدَه، عادت ذكريات تلك اللحظة، مما جعل من الصعب عليها مواجهة عينيه.
نظر يورغن إليها و هي تتجنب عينيه و تفرك يديها، ثم نزل من العربة أولاً. رتبت فانيسا ملابسها و تبعتـه بحذر.
لكن، بشكلٍ غير متوقع، مُـدّت يد كبيرة فجأة. رفعت فانيسا رأسها متفاجئة. كان صاحب اليد يورغن.
‘…مرافقة؟’
لم تختبر فانيسا مرافقة منه من قبل، فنظرت إليه بدهشة. عندما ترددت، أرسل يورغن ضغطًا صامتًا لتمسك يده.
رمشت فانيسا بإحراج و أمسكت يـده بحذر. رافقها يورغن بأدب رسمي، و بدا ماهرًا إلى حدٍّ ما، مما يعني أنه، على عكسِ القبلة، كان لديه خبرة في المرافقة.
…حتى وصلت إلى هذه الفكرة، أدركت فانيسا فجأة حقيقة تقشعر لها الأبدان.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات