“أيها الجرذ اللعين، أخيرًا وجدتـكَ.”
وصل غارسيا إلى الزقاق متتبعًا آثار الدم التي تركها أرنو، مبتسمًا بانتصار وهو يخطو بثقة.
كان الزقاق هادئًا بشكلٍ غريب. ظن أن أرنو مختبئ في مكانٍ ما، ففتّش في كل زاوية، لكن، لسببٍ ما، لم يكن هناك سوى آثار الدم، ولم يظهر أرنو أبدًا.
‘…هناك شيء غريب.’
توقفت آثار الدم هنا. كان الزقاق مسدودًا، ولم تكن هناك أي علامات على عودته من حيث أتى. وكأنه تبخّر… لم يكن هناك أي أثر لأرنو.
‘ما الذي يحدث بحق الجحيم؟’
بينما كان غارسيا يتفحص الزقاق بعناية أكبر، لاحظ مكانًا ضيقًا به آثار دم باهتة، بين أريكة قديمة ومكتب.
‘يبدو أنه كان مختبئًا هنا…’
انحنى ليفحص آثار الدم على الأرض، ثم هـزّ رأسه بسرعة ليتفحص المنطقة المحيطة، بحثًا عن أي دليل.
لكن كل ما رآه كان الزقاق الفارغ.
“يا للهول… هذا أمر يجعل المرء يظن أن الأشباح موجودة.”
تمتم غارسيا بصوتٍ مليء بالذهول وهو يصدر صوت تذمر منخفض.
لقد اختفى أرنو تيريفرون تمامًا، وكأنه تبخّر في لحظة.
لم يستغرق الأمر وقتًا طويلًا حتى وجد يورغن غارسيا.
كان غارسيا يسير بخطواتٍ متعبة، وعندما رأى يورغن، أضاء وجهه ككلب يرى سيّـده، و ركض نحوه بسرعة.
“صاحب السمو!”
“غارسيا ، أين أرنو تيريفرون؟ ألم تجـده بعد؟”
“حسنًا…”
ابتسم غارسيا بإحراج وهو يخدش مؤخرة رأسه بيده. تبع ذلك صوته الممزوج بتنهيدة:
“الأمر غريب بعض الشيء.”
“غريب؟ ماذا تقصد؟”
“لقد تتبعته حتى النهاية، لكنه لم يكن هناك. اختفى و كأنه تبخّر.”
رفعَ يورغن حاجبيه وهو يستمع بصمت، ثم سأل بنبرة متعجبة:
“اختفى؟ كيف؟”
“لا أعرف… ربما لأن خطاياه كثيرة، قبض عليه شيطان ما.”
“…..”
حدّقَ يورغن في الفراغ للحظات، غارقًا في التفكير، ثم تنهد بهدوء و تمتم كمَـنْ يتحدث لنفسه:
“كان يجب أن أحضر جينيلي.”
“صحيح؟! أليس كذلك؟! أنا أيضًا فكّرت بالمثل! يجب أن نسحب تلك المنعزلة من برجها بأي طريقة عندما نعود. هي تأخد المال منكَ يا صاحب السمو، ولا تظهر شيئًا سوى أبحاث غير مجدية طوال الوقت…تلك المرأة بحاجة إلى تغيير!”
“أبحاث جينيلي ليست بلا فائدة. إنها تجعل حياة سكان الإقليم أكثر رخاءً. لكن… أحيانًا تكون أفكارها غريبة.”
“غريبة؟ ليست أحيانًا، بل دائمًا! يجب أن تتوقف عن معاملتها كقطة مدللة، صاحب السمو!”
“و أنتَ بدوركَ، توقّف عن مضايقة جينيلي كلما سنحت لك الفرصة. قد ينتهي بك الأمر مغطى بصبغة منها و تبدو مضحكًا.”
“حينها… ستساعدني، أليس كذلك؟”
تجاهل يورغن كلام غارسيا واستدار ليمشي. تبعـه غارسيل بسرعة، وهو يتذمر بوجه عابس:
“صاحب السمو، حتى لو كان الأمر كذلك، أليس من المفترض أن تأخذ جانبي بعد كل هذه السنوات من الصداقة؟ أنـتَ قاسٍ جدًا!”
لكن يورغن تجاهله كالعادة. أدرك غارسيا فجأة أن الاتجاه الذي يسير فيه يورغن مألوف. كان نفس المسار الذي تتبعه عندما كان يطارد أرنو.
نظرَ إلى الأعلى، و كما توقّع، رأى العلامة المقدسة تظهر في عيني يورغن الذهبيتين.
‘كما هو متوقع…’
فكر غارسيل، و أخفض بصره بسرعة. عندما يكون يورغن مركزًا على استخدام ‘قوته’، من الأفضل عدم إزعاجه.
يورغن، المبارك بحماية فيوس، حاكم الحكمة والجنون، يستطيع استخدام بعض القدرات، مثل “رؤية ما وراء العالم”.
على سبيل المثال، يمكنه رؤية نقاط ضعف العدو، أو العثور على آثار يسميها “صدى الفضاء”، أو كشف أكاذيب الآخرين… أشياء لا يمكن للإنسان العادي إدراكها، كان يورغن قادرًا على استشعارها.
“هنا؟”
توقّـف يورغن عند مدخل الزقاق وسأل. أومأ غارسيل و قال: “نعم، هنا.”
تبـعَ يورغن آثار الدم الباهتة على الأرض بنفس الطريقة التي فعلها غارسيا، و توقف، كما توقّع غارسيا، أمام المساحة الضيقة بين الأريكة والمكتب.
نظر يورغن إلى المكان والمناطق المحيطة به بهدوء، وظهرت علامات التساؤل في عينيه.
“غريب.”
“أليس كذلك؟ اختفى فجأة! لا توجد آثار أقدام تخرج من الزقاق، ولا شيء.”
“هذا صحيح، لكن كان هناك شخص آخر هنا.”
“ماذا؟”
تفاجأ غارسيل و سأل مذهولًا وهو يرمش بعينيه. حدّق يورغن في نقطة معينة في الزقاق وأجاب:
“ليس حليفًا… يبدو أن أرنو تيريفرون كان مبتهجًا في البداية، ثم غلبـه الرعب، ثم الخيانة…”
“هل ترى شيئًا؟ وجهًا مثلًا؟”
“لا، أستطيع فقط قراءة المشاعر المتبقية في هذا المكان. لو حدثت جريمة قتل هنا، لكانت الذكريات المتبقية في المكان أوضح، لكن هذا ليس الحال.”
“إذن… أرنو تيريفرون لا يزال على قيد الحياة؟”
“ربّما نعم، و ربّما لا. لكن من المؤكد أنه لم يُقتل في هذا الزقاق.”
“يا للهول… يبدو أن حياته طويلة. هؤلاء الأوغاد دائمًا ينجون كالصراصير. لو علمت صاحبة السمو بذلك، ستغضب… لا أعرف الكثير، لكن يبدو أن هناك عداوة عميقة بينهما.”
“…..”
توقّفَ يورغن لحظة عند صوت غارسيا القلق، ثم سأل فجأةً بنبرةٍ هادئة بشكل مخيف:
“منذ متى أصبحتما مقربين؟”
“ماذا؟ ماذا تقصد؟”
“أنـتَ و فانيسا.”
“…..”
توقّفَ غارسيا للحظة، ثم ظهرت على وجهه نظرة ذهول تدريجيًا. سأل بنبرة مرتبكة:
“صاحب السمو، هل أنـتَ… تشعر بالغيرة الآن؟”
نظرَ يورغن إلى غارسيا بتعبيرٍ منزعج، ثم مـرّ به بسرعة وهو يحذره بنبرة باردة:
“لا تقترب منها أكثر من اللازم. لم أضعـكَ إلى جانبهل لهذا الغرض.”
“لكن ما هو معيار ‘الأكثر من اللازم’؟ أعني، نحن نتبادل فقط بضع كلمات!”
تبع غارسيا يورغن و هو يحتج، لكنه، كالعادة، تـمّ تجاهله.
* * *
“…السير، ماذا تفعل الآن؟”
في اليوم السّابق للقاء الإمبراطور، كانت فانيسا تمشي في حديقة القصر، تنتظر بلهفة أي خبر من دوق إيفانوود.
بعد الحادث المؤسف أمس، مُنعت من الخروج اليوم. كان ذلكَ متوقعًا، لذا تقبّلته.
لكن ما أزعجها حقًا هو حديث يورغن عن “لعنة الحظ السيء”.
حاولت استجوابه عدة مرات، لكنه، كعادته، ظل صلبًا كالحديد و رفضَ إخبارها بأي شيء.
نتيجة لذلك، كانت فانيسا غاضبة، وما زاد من غضبها هو تصرف غارسيا الغريب اليوم. بدا و كأنه يحافظ على مسافة بعناية و احترام غير معتاد.
كان غارسيا، الذي اعتادَ على التحدث بلا مبالاة، صامتًا طوال اليوم، و هو ما أعجبَ فانيسا.
لكن حركاته المتيبسة و كأنه دمية خشبية، وهو يتبعها بصلابة، كانت تزعجها بشدة.
أخيرًا، تحدثت فانيسا إلى غارسيا بنبرةٍ حادة:
“السير غارسيلدا، ماذا تفعل منذُ فترة؟ لماذا تمشي هكذا؟ هل أنـتَ دمية خشبية؟”
“أشكركِ على مبادرتكِ بالحديث، لكن من الآن فصاعدًا، تجاهليني من فضلك. لا يمكنني الدردشة معـكِ بلا داعٍ، يا صاحبة السمو.”
“لماذا تتصرف هكذا فجأة…؟”
تمتمت فانيسا بدهشة، ثم أدركت شيئًا فجأة. أضاء وجهها بالفرح وهي تمدح غارسيا بنبرةٍ متحمسة:
“السير غارسيا! لقد قررت أخيرًا إعادة تعلم آداب الفروسية! قرار صائب!”
“…..”
عند سوء فهم فانيسا، رمش غارسيا بعينيه بدهشة، ثم أجاب بنبرة متذمرة قليلًا:
“ليس هذا. أودّ لو أستطيع الدردشة معكِ، صاحبة السمو. لكن سمو الدوق يحذرني من الاقتراب كثيرًا، و يضايقني دونَ وعي… أو ربّما هو واعٍ لكنه يتجاهل ذلك.”
“…ماذا تقصد؟ ماذا فعل يورغن؟”
“قال إنني لا يجب أن أقترب منكِ كثيرًا.”
تجمّدت فانيسا للحظة، ثم أضاءت عيناها وكأنها أدركت شيئًا.
عبست قليلًا وتحدثت بنبرة كئيبة إلى حد ما:
“يبدو أن الدوق قلق من أن أؤثر عليكَ سلبًا.”
“ماذا؟”
“أعرف ذلك. أنا أجلب الحظ السيء. ربّما لا أكون الوحيدة الملعونة، بل أجـرّ الآخرين معي… الدوق بالتأكيد قلق بشأن ذلك. أليست أنتَ و هو مقربين منذُ أن كنتَ عبدا مقاتلا؟”
“مهلًا، لحظة، هناك سوء فهم… صاحبة السمو؟”
عندما سارت فانيسا بخطوات سريعة وخشنة على غير عادتها، تبعها غارسيا على عجل، وتبادل النظرات مع رينيه.
على الرّغمِ من أن رينيه أدركت السؤال في عيني غارسيا، إلا أنها اكتفت بهـزّ كتفيها دون إجابة.
“صاحبة السمو!”
عندما تعثرت فانيسا و سقطت، ركضَ غارسيا نحوها بذهول.
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات