كانت رينيه تقف عند الباب. ابتسمت بلطف لفانيسا ودعتها للدخول.
دخلت فانيسا و هي تبتسم بإحراج. كان مكتب يورغن نظيفًا وبسيطًا، وكأن تصميمه يعكس شخصيته تمامًا.
بينما كانت تتفحّص المكان بنظرات سريعة، شعرت بنظرات حادة تخترقها من الأمام.
كان يورغن، بالطبع.
نظر إليها بوقار مهيب و سأل:
“هل التقيتِ بأرنو تيريفرون؟”
“…نعم، بالصدفة. حقًا بالصدفة.”
من رد فعله، بدا أنه لا يشـكّ في ما فعلته فانيسا بعد أن انفصلت عن المجموعة في السوق.
‘يمكنني الاحتفاظ بسرّ زيارتي لقصر دوق إيفانوود في الوقت الحالي.’
شعرت فانيسا بالارتياح داخليًا و كتمت تنهيدة. استمر صوت يورغن الهادئ:
“لقد قتلتُ أرنو تيريفرون بيدي بلا شكّ. لكن إذا كان على قيد الحياة، فكما خمّنتِ، ربما استخدم السحر المحظور لتغيير وجهه. قد يكون هناك أيضًا أفراد آخرون من عائلة تيريفرون الملكية على قيدِ الحياة.”
“…ربّمـا. لكن الأدوات السحرية التي تحتوي على سحر تغيير الوجه ليست شائعة. مفتاح مستودع الأدوات السحرية التي جمعها أفراد عائلة تيريفرون تحمله السلالة المباشرة فقط.”
“السلالة المباشرة لعائلة تيريفرون الملكية… ليروي و أرنو تيريفرون، إذن هما الاثنان فقط.”
أومأت فانيسا بصمت لكلمات يورغن. سمعت أن هناك أميرة في عمرها تقريبًا في عائلة تيريفرون، لكنها ماتت في صغرها بسببِ المرض.
“بالنّسبة لتلك الساحرة المسماة ساسكيا، هل تعرفين شيئًا آخر عنها؟”
“حسنًا…”
أفصحت فانيسا عن كل ما تعرفه عن ساسكيا. لم يكن هناك داعٍ لإخفاء شيء. لكن كل المعلومات كانت متفرقة، و لم تكن متأكدة مما إذا كانت مفيدة.
بعد الاستماع إلى حديث فانيسا، بدا يورغن غارقًا في التفكير للحظات. ترددت فانيسا قليلًا، ثم سألت عما كان يشغل بالها:
“دوق… هل أنتَ تفكّر مثل غارسيا؟ هل تعتقد حقًا أن ساسكيا هي مَنْ محت ذكرياتك و ذكريات فرسان فليوغل؟”
“ليس محوًا، بل على الأرجح تشويهًا للذكريات. سواء كان مؤقتًا أو دائمًا، لقد تدخّلت في العقل لتسبب اضطرابًا في الذاكرة.”
“هذا… بالتأكيد سحر محظور، أليس كذلك؟”
“نعم. لم أكن أعلم أن هناك ساحرًا قادرًا على فعل ذلك.”
“لكن… أنـتَ ‘مبارك’، أليس كذلك؟ الحماية من فيوس يجب أن تجعلكَ محصنًا ضد السحر الممنوع…”
توفر حماية الحاكم، بشكلٍ أساسي، تعزيزًا للقدرات البدنية البشرية، و تحمي من الأذى مثل السحر الممنوع، و السموم، و المخدرات.
لذا، كون يورغن، المبارك، قد تأثّـر بالسحر الممنوع… كان أمرًا غير منطقي.
“ليس بالضرورة. الحماية ليست مطلقة. إذا كان هناك شخص آخر في العالم يحمل حماية قوية مثل حمايتي… و استخدم ذلكَ الشخص السحر المحظور ضدي، فلن أتمكن من مقاومته.”
“ماذا؟ هل تقصد أن ساسكيا أيضًا مباركة؟”
“هذا احتمال كبير. لا أعرف ما هي قوتها، لكن…”
حاولت فانيسا في حيرة استحضار صورة ساسكيا في ذاكرتها بشكلٍ أكثر تفصيلًا. تذكرت بعض الصور الضبابية التي انتشلتها من ذكرياتها.
‘كانت ساسكيا دائمًا ملفوفة بالقماش من الرأس إلى أخمص القدمين، كما لو كانت تحاول إخفاء بشرتها…’
في ذلك الوقت، ظنّـت أنها ربما تعاني من وسواس النظافة، لكن ماذا لو كانت تحاول إخفاء علامة البركة؟
‘…بالمناسبة، علامة يورغن… كانت في عينيه. لكنها لا تظهر عادةً…’
حدّقت فانيسا في عينيه دونَ وعي، ثم ارتعشت و أدارت رأسها عندما التقت أعينهما.
لم تكن متأكدة، لكن يبدو أن علامة يورغن المقدسة تظهر فقط عندما يستخدم قوة فيوس.
“إذا لم يكن لديكِ المزيد لتقوليه، اخرجي الآن. هذه مسألة خطيرة، لذا سأذهب بنفسي لدعم غارسيا”
أمسك يورغن بسيفه و معطفه و هو يتحدّث. أومأت فانيسا بصمت و توجهت نحو الباب.
عندما وضعت يدها على مقبض الباب، تابع يورغن بنبرةٍ باردة:
“و أحذّركِ، لا تتجولي بلا داعٍ و ابقي في غرفتكِ. يبدو أن ‘لعنة الحظ السيء’ التي تلاحقكِ لا تزال قوية.”
“…ماذا؟”
حاولت أن تسأله عما يعنيه، لكن يورغن اقتربَ بسرعة، فتحَ الباب، و خرج قبلها.
تبعته فانيسا مرتبكة، لكنها لم تستطع سوى التحديق في ظهره وهو يبتعد بسرعة.
* * *
‘هذا الكلب المجنون اللعين…’
كان أرنو مطارَدًا. من قبل كلب صيد مجنون، كما لو أن دوق دريك ربّـاه على الدم فقط.
حاول جاهدًا التخلّص منه، لكن بسببِ فقدان الكثير من الدم من جرح كفّـه، كان وعيه مشوشًا ولم يتمكن من التحكم بجسده جيّدًا.
فتح عينيه بقوة و هو يتحمّل، و دخل إلى زقاق مظلم. كان ينوي الاختباء مؤقتًا لأن قوته كانت تصل إلى حدودها.
كان الزقاق مليئًا ببعض الأثاث القديم المهجور. تسلل أرنو بين أريكة جلدية مثقوبة و مكتب بقدم مكسورة.
جلسَ متكورًا في تلك المساحة الضيقة، مرتجفًا وهو يكتم أنفاسه. كان جرح كفّـه ينبض بألم. توقف النزيف إلى حـدّ ما، لكن إذا تُرك دون علاج، قد يُصاب بالعدوى.
إذا لم يتلق العلاج المناسب، قد يضطر إلى بتـر ذراعه…
اللعنة. كل هذا بسببِ فانيسا، تلك الفتاة الملعونة.
كان يجب أن ينساها منذُ البداية و يبدأ حياة جديدة… لا، بل لم يكن يجب أن يستمع لكلام ديكلان لوينغرين و يأتي إلى هنا أصلًا.
[ستُعيَّـن وصيّ الإمبراطورية قريبًا في تيريفرون. جلالة الإمبراطور متشدد تجاه عائلة تيريفرون الملكية بسببِ جريمتهم الكبرى… لكنه يدرك أن الشرير الأكبر كان ليروي. لذا… فكّـر جيدًا. إذا تخليت عن اسم تيريفرون و أقسمت يمين الخضوع للإمبراطور، قد يعيّنـكَ جلالته وصيًا.]
بفضل أداة سحرية سرقها خفية من ليروي، تمكّـن من تغيير وجهه و البقاء على قيدِ الحياة، لكن سحر تلك الأداة لم يكن دائمًا. عادَ إلى وجهه الأصلي في النهاية، واضطر للعيش مختبئًا.
حياة الهارب الذي لا يجرؤ على إظهار وجهه.
بالنّسبة له، هو الذي عاش حياته كأمير ينعم بالرفاهية، متمتعًا بالثروة و النساء كما يشاء، كانت هذه الحياة بمثابة جحيم.
لكن، كما قال ديكلان لوينغرين، إذا تخلى عن اسم تيريفرون و أقسمَ يمين الخضوع للإمبراطور كوصي، قد يتمكن من عيش حياة مريحة نسبيًا، وإن لم تكن فاخرة كالسابق.
بالطبع، نوايا ديكلان لوينغرين الذي قـدّم له هذا العرض كانت مثيرة للريبة. لم يكن ذلك الرجل من النوع الذي يقدّم الخدمات للآخرين…
ربّما كان يهدف إلى تشويه سمعة دوق دريك، “الجلاد الأكثر كفاءة للإمبراطور”، إذا عُـرفَ أن أرنو على قيد الحياة.
‘على الرّغمِ من أنني تلقيت مساعدته للهروب من قصر تيريفرون… إلا إنه شخص مقزز لا أريد أن أتورط معه مجدّدًا.’
تنهّد أرنو بهدوء وهو يمسك بيده اليمنى المؤلمة.
عادت أفكاره إلى فانيسا.
كانت فانيسا، التي التقاها بعد وقت طويل، لا تزال جميلة بشكلٍ غير بشري.
عند رؤية وجهها الجميل بشكلٍ غير واقعي، شعرَ بنـارٍ تشتعل في أعماقـه.
على الرّغمِ من أنه يعلم أن عليه نسيان تلك الفتاة سيئة الحظّ، إلا أن قلبه لم يستطع التخلي عنها بسهولة.
بالتأكيد… أنا أحببتُ فانيسا بصدق.
لا، أنا لا أزال أحبها.
لكن تلكَ الفتاة الوقحة لا تفهم مشاعري__
في تلك اللّحظة.
شعر بحركة خلفه فجأة.
ارتعش أرنو قليلًا، وهو يسمع دقات قلبه المتسارعة.
هل يعقل أن كلب الصيد المجنون لدوق دريك وجده بالفعل؟ لا… كنتُ أظن أنني لن أُكتشف هنا―
“صاحب السمو الأمير أرنو.”
“…..”
لكن الصوت الذي سمعه كان لشخص لم يتوقعه على الإطلاق. نهضَ أرنو من مكانه بسرعة و استدار.
خلف المكتب المكسور، كانت ساسكيا تحدق به بهدوء.
“ساسكيا…! أنـتِ على قيد الحياة…!”
كانت ساسكيا ساحرة أقسمت يمين الولاء لعائلة تيريفرون الملكية. كان من الواضح أنها لا تزال ملزمة بذلك اليمين، و بالتالي ستساعد أرنو مهما حدث.
ركض أرنو نحو ساسكيا، و هو يذرف الدموع من الفرح و الارتياح.
وقفت ساسكيا بلا تعبير، تنظر إليه بهدوء.
“ساسكيا، ساعديني على الخروج من هنا أولًا. ذلك الكلب اللعين لدوق دريك يطاردني! و هذه اليد، عالجي يدي. قد يكون السحر صعبًا، لذا استخدمي الأعشاب…”
“حدث هذا في الوقت المناسب، صاحب السمو أرنو.”
“نعم، نعم، أنـتِ أيضًا سعيدة بلقائي، أليس كذلك؟ بعد موت أخي، أنا الوحيد المتبقي من السلالة المباشرة لتيريفرون―”
“…لكنني بحاجة إلى عظامـكَ و لحمـكَ و دمكَ”
“ماذا؟ ماذا قلـتِ…؟”
لم يسمع أرنو بوضوح ما قالته ساسكيا لأن صوتها كان منخفضًا جدًا. بينما كان يرمش بعينيه مذهولًا، مـدّت ساسكيا يدها نحوه.
كالأفعى التي تزحف بسلاسة، و كأنيابها التي تعض، أمسكت يدها البيضاء برقبة أرنو بقوة.
“آه…! ما هذا…! آه، آه!”
فاجأه الهجوم المفاجئ، ففتح أرنو عينيه على وسعهما. أصبح وجهه أحمر من تدفق الدم.
تبع ذلكَ صوت ساسكيا الهادئ كما لو كانت تقرأ شعرًا:
“أشكركَ من كل قلبي على مساعدتكَ، يا صاحب السمو أرنو. سيدي بالتأكيد سيكون سعيدًا.”
“أتركيني…!”
أمسكت ساسكيا برقبته بقوة لا تُصدق من يد صغيرة.
سال لعاب أرنو و هو يدحرج عينيه بلا هدف. بدأت رؤيته تتلاشى. قبل أن يفقد وعيه، رأى وشمًا أسود يظهر قليلًا من بين كـمّ ساسكيا الرمادي.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات