ترك الخنجر الحاد جرحًا طويلًا في كف أرنو. سال الدم الأحمر بغزارة من الجرح العميق الذي كشف عن العظم.
أمسكَ أرنو يده المصابة وهو يحدّق بفانيسا بعيون مشتعلة بالغضب. تراجعت فانيسا ببطء، ممسكة بالخنجر و موجّهة إياه نحوه.
في تلكَ اللحظة، صرخ السكان الذين سمعوا الضجيج و نظروا من نوافذهم. لكن أرنو، و كأنّه لا يسمع شيئًا، زأر بغضب كالمجنون وحاول الاندفاع نحو فانيسا مجدّدًا.
“فانيسا، كيف تجرؤين على طعني؟ أنتِ؟ كيف تفعلين هذا بي…؟!”
“أبعد يديكَ! إذا لمستني فقط!”
“أنـتِ… أنـتِ مَنٔ أغويتِنـي أولًا! كنتِ تبتسمين لي كالساحرة!”
“ما الذي تقوله؟ هل جننت؟ متى فعلتُ ذلك؟”
أمسكت يد أرنو اليسرى، الملطخة بالدم بسبب إصابة يده اليمنى، بشعر فانيسا بقوة. تأوّهت فانيسا من ألم فروة رأسها و هي تعضّ على أسنانها.
امتلأ الهواء برائحة الدم القوية.
في هذه اللحظة، كانت فانيسا قد فقدت نصف عقلها من الخوف والغضب. قررت أن تقطع معصمه هذه المرة، و رفعت خنجرها.
في تلكَ اللحظة:
“أيها الوغد! يا هذا! ألن تترك يدك؟!”
صوت مألوف، و نبرة تشبه الأوغاد.
توقفت فانيسا ونظرت نحو مصدر الصوت. كما توقّعت، كان غارسيا يركض نحوهم بعبوس شديد.
اقترب غارسيا بسرعة، و سحبَ سيفه و وجّهه إلى عنق أرنو. عندما جرح الجلد قليلًا، ارتعش أرنو و نظـرَ بقلق بين السيف الفضي و غارسيا.
“أبعد يـدكَ فورًا، إذا كنتَ لا تريد الموت.”
عندما هدّده غارسيا بنبرةٍ مليئة بالقتل، ارتعش أرنو قليلًا وأرخى قبضته على شعر فانيسا ببطء.
أصبحت فانيسا حرة أخيرًا، فتنفّست بعمق وتراجعت، بينما وقفَ غارسيا أمامها لحمايتها، محدّقًا بأرنو بنظرة قاتلة.
وصلت رينيه إلى مكان الحادث بعده، و صرخت بصوت خافت و ركضت نحو فانيسا لتساعدها.
جالت عينا رينيه المذعورتان على مظهر فانيسا بسرعة. بعد التأكّد من سلامتها، تنهّدت رينيه براحة وقالت:
“لحسن الحظ، لم تُصابي. يا إلهي، مَنٔ هذا الوغد؟ أن يرتكب مثل هذا الفعل في العاصمة بحضرة جلالة الإمبراطور! هذا الدم…”
رأت رينيه الدم على شعر فانيسا، وبقايا الدم على الخنجر، و يد أرنو التي لا تزال تنزف بغزارة، فأطلقت صوتًا خافتًا: “آه”.
هدأت عيناها البنيّتان الفاتحتان عندما فهمت ما حدث.
“يبدو أن الخنجر الذي أعطيتكِ إياه كان مفيدًا بهذه الطريقة. من الجيّد أنّـكِ بخير.”
“أجل…”
أجابت فانيسا بصوتٍ متشقق حتى في أذنيها، ثم سعلت بحرج لتصحيح صوتها. عندما خـفّ التوتر، شعرت وكأن قوتها تُستنزف من جسدها.
على الرغّم من مقاومتها الشرسة لأرنو، يبدو أنها كانت خائفة بالفعل.
“إذن؟ مَـنْ هذا؟ مَـنْ هذا الوغد؟”
سأل غارسيا بنبرةٍ غاضبة وهو يطعن عنق أرنو بطرف السيف. كانت الدماء تتدفق كخيط رفيع من الجروح الصغيرة على عنقه.
تنهّدت فانيسا قليلًا و أجابت:
“أرنو تيريفرون.”
“ماذا؟ مَـنْ؟ …تيريفرون؟”
تفاجأ غارسيا، فاختلّت وضعيته للحظة، ولم يفوّت أرنو تلكَ الفرصة. هرب بسرعة و أخذ يركض.
“هذا الوغد…!”
“السير غارسيا! علينا مراعاة صاحبة السمو أولًا!”
أوقفت رينيه غارسيا الذي كان يهـمْ بملاحقته.
بالتأكيد، لم تكن حالة فانيسا جيدة حتى بالمبالغة.
كانت شاحبة جدًا و تكاد تنهار، وكأنها لا تستطيع السير ثلاث خطوات بمفردها.
“اللعنة…”
مرّر غارسيا يده بعنف على شعره، ثم اقترب من فانيسا بخطواتٍ ثقيلة. نظر بشراسة إلى حوالي عشرين متفرجًا تجمعوا في الشارع، ثم رفع فانيسا بحركة خفيفة كالريشة.
“….”
نظرت فانيسا إليه بعيونٍ متفاجئة كالأرنب. قبل أن تتمكن من الاحتجاج، أوقف غارسيا مقاومتها:
“ابقي ساكنة. ألستِ غير قادرة على المشي بمفردك على أي حال؟”
“…..”
كان ذلكَ صحيحًا. لكن أن يحدث هذا في شوارع مدينة كبيرة مثل العاصمة!
تنهدت فانيسا بعمق ودفنت وجهها في كفيها. لم تستطع رفع رأسها من الخجل.
“ماذا تنتظرون؟ انتهى الأمر، فابتعدوا.”
زأر غارسيا على المتفرجين الذين سدّوا الطريق. أمام هيبته الشرسة، تراجع السكان الذين لم يعرفوا سوى السلام وابتعدوا إلى الجانب.
شق غارسيا طريقه عبر الحشد المنقسم كالأمواج دونَ تردد. طوال الوقت الذي كانت فيه فانيسا تتحرك معه، أبقت عينيها مغلقتين و كتمت أنفاسها.
كم من الوقت مـرّ؟
شعرت أن المكان أصبح هادئًا، فرفعت فانيسا رأسها ببطء. كان قصر دوق دريك قد اقترب، و الشارع القريب كان خاليًا من المارة.
“…شكرًا، السير غارسيا. و أنتِ أيضًا، رينيه.”
عندئذٍ، عبّرت فانيسا عن شكرها المتأخر. كانت مشتتة جدًا لدرجة أنها نسيت ذلك. أومأت رينيه قليلًا و قالت: “على الرحب”، لكن غارسيا، لسببٍ ما، ظـلّ صامتًا.
نظرت إليه، فرأت عينيه البنفسجيتان تنظران إليها بهدوء، و كأن أفكارًا معقدة تتقاطع في ذهنه.
ثم سألَ غارسيا بهدوء:
“هل ذلكَ الرجل حقًا أرنو تيريفرون؟ شقيق الملك تيريفرون؟”
“نعم . تفاجأت أنا أيضًا برؤية ذلكَ الأحمق و هو حيّ.”
“…هذا لا يُعقل. لقد تـمّ إبادة عائلة تيريفرون الملكية بأكملها باستثنائكِ.”
“لكنه أرنو بالتأكيد. ألم ترَ كيف أمسك بشعري؟ ذلك المنحرف مهووس بي. إنه أرنو بلا شـكّ.”
“لماذا حظّكِ سيء إلى هذا الحد؟ هل زرتِ البانثيون؟”
“زرتُ بانثيون في لوينغرين و تيريفرون، لكن ليس ذلكَ الموجود في العاصمة…”
“لحراستكِ، أعتقد أنني لستُ كافيًا بمفردي. نحتاج على الأقل عشرة فرسان.”
“ماذا؟ لا!”
تجاهل غارسيا احتجاج فانيسا و توقّف عن المشي.
كانوا قد وصلوا إلى البوابة الرئيسية لقصر دوق دريك.
عادَ غارسيا إلى جديته و قال:
“حتى لو افترضنا أن أرنو تيريفرون زوّر جثته، فهذا غريب. لأن سموّ الدوق بنفسه قتـلَ جميع أفراد عائلة تيريفرون الملكية بيده، و خاصّة القريبين منهم. لقد تأكّـد من وجوههم مرات عديدة لتجنب أي خطأ.”
“…وجوههم…”
تمتمت فانيسا و هي في ذهول، ثم لمعت عيناها فجأة. تذكرت شيئًا عندما ذكرَ الوجوه. قالت بحذر:
“ربّما… لستُ متأكدة، لكن… ربّما استخدم السحر المحظور لتغيير وجهه. عائلة تيريفرون الملكية تمتلك العديد من الأدوات السحرية التي تحتوي على مثل هذا السحر. حتى ليروي نفسه كان لديه ساحرة تستخدم السّحر المحظور بجانبه.”
“ساحرة؟”
“…ما هذا؟ هل تقول إنك لا تعلم؟ أتحدث عن ‘ساسكيا’. ألـم تُقتل أثناء سقوط تيريفرون؟”
“….”
عبسَ غارسيا كأنّه لا يفهم، و بدأ وجهه يشحب تدريجيًا. تحركت شفتاه وهو يسأل بصوتٍ مليء بالحيرة:
“كانت هناك ساحرة؟”
“بالطبع، كانت ساسكيا سرًا يعرفه عدد قليل جدًا داخل القصر الملكي… لكنني كنتُ أظن أن يورغن يعلم بأمرها. و الأهم، إذا كان ليروي في خطر، لم تكن ساسكيا لتبقى مكتوفة الأيدي. بالتأكيد كانت ستواجه فرسان فليوغل.”
“…..”
أصبح وجه غارسيا أكثر سوءًا. وضع فانيسا بحذر على الأرض و غرق في التفكير بوجه جادّ.
بعد لحظات، تفوّه غارسيا فجأة:
“اللعنة، كان يجب أن آخذ جينيلي معي.”
“ما الذي تقوله فجأة؟”
“كان يجب أن أسحب تلك المنعزلة رغم اعتراضاتها. اللعنة، هناك شيء خاطئ. لا يُفترض أن يكون الأمر هكذا… لا أتذكر.”
“…ماذا؟”
“في ذكرياتي عن اقتحام قصر تيريفرون… يوجد فراغ. و كأن شخصًا ما محى تلكَ الجزئية بممحاة.”
* * *
اندفع غارسيا قائلًا إنه يجب أن يقبض على أرنو فورًا، و غادر. دخلت فانيسا مع رينيه إلى القصر.
بينما كانت رينيه تُبلغ يورغن بما حدث في الخارج، تجولت فانيسا في الرواق بقلق دونَ أن تتمكن من الراحة.
كان باب مكتب يورغن، الذي دخلته رينيه، مغلقًا بإحكام، ولم يتسرّب أي صوت. حدّقت فانيسا في الباب وهي غارقة في قلق غريب.
‘هل ساسكيا هي مَـنْ تدخّلت في ذكريات غارسيا و فرسان فليوغل، و يورغن؟ هل كانت ساسكيا تعرف كيف تستخدم مثل هذا السحر…؟’
خلال فترة كونها ملكة تيريفرون، لم يكن لفانيسا الكثير من التفاعل مع ساسكيا.
كانا يتقابلان في الممرات فقط، و لم تجرِ بينهما أي محادثة.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات