شعرت فانيسا بالامتنان الشديد لأنها ليست من الذين يتوهون في الطرقات، بل كانت تتذكر الطرق وتجدها بسهولة.
لو كانت قد ورثت من والدتها سوء الاتجاهات ، لما تمكنت من الوصول إلى هنا مباشرة، بل كانت سوف تضيع في الشوارع.
‘لحسن الحظ أنني وصلت بسلام…’
كانت الآن أمام منزل دوق إيفانوود الواقع في منطقة الإقامة المركزية بالعاصمة.
من حسن حظها أنها وصلت بسرعة دون إضاعة الوقت… لكن المشكلة كانت فيما إذا كانت ستنجح في تسليم الرسالة.
‘ليس لدي الآن أي شيء يثبت هويتي… ماذا لو أُسيء فهمي كشخصٍ مشبوه؟’
لكن التجول أمام القصر كان كفيلًا بجعلها تبدو مشبوهة بالفعل. و كما هو متوقع، اقتربَ منها أحد الفرسان الذين يقفون حراسة عند البوابة الرئيسية، ونظر إليها بعيون مليئة بالريبة.
“ما الذي جاء بكِ إلى قصر دوق إيفانوود؟”
توقفت فانيسا للحظة عند سؤاله المباشر و الوقح، لكنها لم تفقد رباطة جأشها.
على أي حال، هي من أصل ملكيّ، وليست من النوع الذي ينكسر بسهولة أو يغضب بسببِ تصرف وقح من حارس.
أنزلت فانيسا غطاء رأسها، كاشفة عن شعرها ، و نظرت مباشرة في عيني الحارس. ثم، بابتسامة كريمة تحمل هيبة، قالت بهدوء:
“أنا فانيسا لوينغرين، أميرة لوينغرين. كنتُ ملكة تيريفرون أيضًا، لكن بما أن تيريفرون قد سقطت، فلنضع ذلكَ جانبًا. أودّ لقاء الدوق إيفانوود. هل هو موجود في العاصمة الآن؟”
أمام كلماتها المتدفقة بسلاسة، فتح الحارس فمه مذهولًا وهو يرمش بعينيه. حافظت فانيسا على وقارها الطبيعي، وهي تقف بكتفين مرفوعين ورأس مرتفع بثقة. نظر إليها الحارس مرّةً أخرى، ثم سأل متلعثمًا:
“الأميرة فانيسا؟ هل أنـتِ حقًا….؟”
“هل عيناك في ظهرك؟ ألا يمكنكَ رؤية لون شعري و عينيّ؟”
قد يكون الشعر البني المائل إلى الحمرة شائعًا، لكن ليس العينان الزرقاوان الداكنتان. قد يكون هناك الكثير من ذوي العيون الزرقاء في العالم، لكن عيون فانيسا التي تشبه حدود الليل و الفجر لم تكن شائعة.
الشعر البني الفاتح، و العينان الزرقاوان الداكنتان، و الجمال الأخاذ الذي يجعل المرء يتساءل إن كانت بشرية، هذه السمات الثلاث كانت بمثابة دليل على أنها فانيسا لوينغرين.
وكما هو متوقع، نظرَ الحارس إلى فانيسا بعيون مختلفة تمامًا عما كانت عليه، و سأل بصوتٍ مرتجف:
“كيف… كيف لكِ أن تكونب في العاصمة؟ كانت الشائعات تقول إنكِ أُسرتِ من قبل دوق دريك و مُـتِّ… كنتُ أظن أن ذلكَ صحيح…”
“صحيح أن دوق دريك أسرني، لكنني لم أمـت. ليس لدي وقت للثرثرة، لذا سأسأل مجددًا: هل الدوق إيفانوود في القصر؟”
“أجل، نعم، هذا صحيح. لا، أعني… هو في العاصمة بالفعل، لكنه ليس في القصر الآن. لقد ذهبَ إلى القصر الإمبراطوري…”
كان الحارس لا يزال يبدو كمن رأى شبحًا. تجاهلت فانيسا رد فعله المزعج و أسرعت في إيصال غرضها:
“تأكّـد من تسليم هذه الرسالة إلى الدوق إيفانوود بنفسه. ولا تذكر لأحد غيره أنًّكَ التقيت بي. مفهوم؟”
“آه… نعم، حسنًا، مفهوم.”
نظر إليها الحارس بنظرة غير مريحة وهو يتلقى الرسالة و يومئ برأسه مرارًا. كانت فانيسا على وشكِ الالتفاف للمغادرة، إذ لم يعد لديها ما تقوله، لكن في تلكَ اللحظة:
“مهلًا، لكن! هل أنـتِ حقًا الأميرة فانيسا؟”
“…..”
توقفت فانيسا و تنهدت بعمق، ثم التفتت إلى الحارس. وقالت بسخرية لاذعة تحمل لمحة من السخرية من نفسها:
“المرأة المنحوسة التي تملك حظًا سيئًا لدرجة أنها نجت بمفردها بعد سقوط مملكة زوجها، لا يوجد منها سواي في هذا العالم، أليس كذلك؟”
بالتّفكير في الأمر، بدا أن هجوم قطيع الماعز كان أيضًا بسببِ حظها السيء. شعرت بالأسف قليلًا تجاه صاحب الماعز و المارة الذين تضرروا معها. لم تكن تريد أن تجلب هذا الحظ السيء، لكن…
‘…بالمناسبة، يوجد في العاصمة أكبر بانثيون في أسترا.’
البانثيون هو معبد مكرّس للحكام السبعة ، يوجد في عواصم الدول المختلفة، لكن بانثيون العاصمة هو الأكبر بطبيعة الحال.
لكن أول بانثيون كان في دولة لافينسيا المقدسة، التي أسستها القديسة لافينسيا .
إذا ذهبت إلى البانثيون و صلّت… هل يمكن أن تجد أي دليل على سوء حظها؟
تنهدت بعمق و هي تفكر أن عليها أن تتمنى شيئًا معقولًا. و بينما كانت تمشي ببطء، حذرة من أي موقف مفاجئ قد يسببه سوء حظها، بدا الطريق إلى قصر دوق دريك طويلًا.
لم تفكر أبدًا في البحث عن رينيه و غارسيا. ذلك سيجعل الأمور أكثر تعقيدًا.
إذا عادت إلى القصر بنفسها، سيعودان عندما يسمعان الخبر. لكن التفكير فيهما و هما يبحثان عنها الآن بشقاء جعلها تشعر بتأنيب الضمير…
‘لا مفر من ذلك. لم أكن لأتمكن من تسليم الرسالة إلى دوق إيفانوود دونَ علم يورغن إلا بالتّخلص منهما.’
كانت الشمس قد بدأت تميل، و ألقت الغروب بظلالها على الأرض. من بعيد، ظهرَ قصر دوق دريك.
‘الآن، قليل فقط و أصل…’
بينما كانت قدماها تؤلمانها، شعرت بالارتياح لرؤية وجهتها. كانت فانيسا، التي ضحكت بإرهاق، على وشكِ تسريع خطواتها المتعبة.
“فانيسا…؟”
من بين المباني، من داخل زقاق ضيق و مظلم، ناداها صوت. أدركت فانيسا أن الصوت مألوف، فتوقفت و نظرت بعناية إلى ظلام الزقاق.
سرعان ما خرجَ من الظلال الداكنة شخص بمظهر مشبوه. عندما رفع غطاء عباءته السوداء، ظهر وجه مألوف تمامًا.
“فانيسا، أنا… هل تعرفينني؟”
“…..”
ارتعشت فانيسا للحظة و فتحت عينيها على وسعهما، ثم ضيّقتهما.
بالتأكيد، حظّهـا سيء للغاية.
أن تأتي إلى العاصمة و تقابل هذا الشخص بالذات!
بنبرة مليئة بالاحتقار و الاشمئزاز، ردّت فانيسا بحدة:
“أرنو، لقد نجوت ولم تمت.”
أرنو تيريفرون، شقيق ليروي، زوج فانيسا السابق، كان أمير تيريفرون الذي حُرم من حق وراثة العرش منذُ زمن بسببِ غبائه الفطري.
“عندما هُوجم القصر، تمكنت من الهروب بسلام… كنتُ أريد أن آخـذكِ معي… أنا آسف، فانيسا. حاولت إنقاذكِ…”
“أنـتَ؟ تنقذني؟”
سخرت فانيسا من كلامه ضاحكة.
أرنو تيريفرون ينقذها؟ حتى الكلب المار سيضحك.
كان أرنو وغدًا يتظاهر بالخجل بينما يطعن الناس في ظهورهم.
عندما تزوجت ليروي للتو، كانت فانيسا تعاني من اليأس بسببِ زوجها العنيف. و كان أرنو تيريفرون أول من مـدّ يده إليها.
تحدّث عن ليروي بسوء أمامها، و قال إنه سيحميها و يهرب معها، محاولًا إغراءها. بالنّسبة لفانيسا، التي كانت تعاني من عنف ليروي، كان عرضًا مغريًا، لكن شيئًا ما بدا مريبًا.
لذا رفضته، فحاولَ أرنو جرّها إلى غرفته.
لحسن الحظ، تدخّـل الخدم الذين شاهدوا المشهد و أبعدوه عنها.
حتى بعد محاولته التّعدي زوجة الملك، لم يُعاقب أرنو. كان الوحيد القادر على معاقبته هو الملك ليروي، لكنه بدلاً من توبيخ أرنو، اتّهم فانيسا و استخدم العنف ضدها.
“كل هذا بسببكِ، أنـتِ التي تغوين الرجال! أيتها الساحرة!”
بسببِ تلكَ الحادثة، ازداد كره فانيسا لليروي و عائلة تيريفرون الملكية.
حتى بعد فشل محاولته الأولى، ظـلّ أرنو يطاردها بإصرار. و في يوم من الأيام، شاهدتـه يحاول التّعدي على خادمة في ممـرّ القصر.
أنقذت فانيسا تلكَ الخادمة، لكن فكرة أن العديد من الخادمات الأخريات لم يُنقذن و تعرضن لأذى أرنو جعلت الغضب يتأجج بداخلها و أصابها بالغثيان.
بسببِ وجود أرنو، كان العام الذي قضته فانيسا في تيريفرون جحيمًا مضاعفًا.
كم مرة تمنت أن تقتلع عينيه الماكرتين، و تقطع لسانه الذي يهمس بكلمات مقززة، و تبتر يديه التي تمتد لتحرشها.
كان أرنو تيريفرون كابوسًا مروعًا لم تـودّ أبدًا أن تعيشه مجددًا. كانت تعتقد أنه مات يوم سقوط تيريفرون، ففرحت بذلك سرًا…
‘لم أكن لأتخيل أنه لا يزال حيًا…’
نظرت فانيسا إليه بشراسة وهي تطحن أسنانها، بينما ابتسم أرنو بابتسامة دنيئة. كان وجهه يبدو فرحًا و قلقًا في الوقت ذاته.
بدت أصابعه ترتعش كما لو كان يريد مـدّ يده إلى فانيسا، وقال:
“فانيسا… تعالي معي. سأقوم بحمياتكِ. دوق دريك رجل مخيف. لا أعرف ماذا سيفعل بكِ… هيا نهرب من العاصمة إلى جزيرة في بحر الجنوب. و سنتزوج… نحن الاثنان، لا، ربّما ننجب خمسة أطفال… ستكونين جميلة حتى و أنـتِ حامل…”
“ما هذا الهراء الذي تتفوّه بـه؟”
ضحكت فانيسا ساخرة و ردت بحدّة. عند نبرتها اللاذعة، بدأت عينا أرنو، التي كانت غارقة في الأوهام، تبرد تدريجيًا.
“اغرب عن وجهي، أرنو. سأعض لساني و أموت قبل أن أذهب معك. إذا حاولت لمسي، سأصرخ. حتى لو لم يكن هناك أحد في الشارع، فهذه منطقة سكنية راقية، لن يغيب صوتي عن الجميع!”
أمسكت فانيسا بالخنجر الذي وضعته رينيه في حزامها للدفاع عن النفس، و هي تهدده بشراسة.
بدت ملامح أرنو حزينة حقًا وهو يقترب ببطء.
ناشد و كأنه يرثي نفسه:
“لماذا… لماذا لا تفهمين مشاعري؟ أنا أحبّـكِ بصدق… كان يجب أن أمتلكـكِ بأي طريقة في تيريفرون… لو أنّكِ حملتٌ بطفلي… كنتِ ستصبحين ملكي تمامًا…”
“مقزّز لدرجة أنني لا أستطيع الاستماع أكثر.”
تمتمت فانيسا بسخرية باردة، و جمعت قوتها في بطنها. ثم صرخت بأعلى صوت لها:
“النجدة! هناك متحرش!”
تردّد صدى صرخة فانيسا في الحي السكني الهادئ. في تلكَ اللحظة، انهار قناع أرنو الوديع، و كشفَ عن طباعه الشريرة كشيطان.
مـدّ يده و هو يندفع نحوها كما لو كان يحاول إسكات فمها. في اللحظة التي كادت يده تصل إلى وجهها، هزّت فانيسا خنجرها بكل قوتها.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات