للقاء الإمبراطور، هناك إجراءات معقّدة. بالطّبع، يورغن دريك، بما أنّه “مميّز”، لم يكن مضطرًا لخوض كلّ تلك العمليّة الصّعبة.
ومع ذلك، لا يمكن تجاهل حتّى التّرتيب الأساسيّ لإبلاغ الإمبراطور بالوصول و تحديد موعد للقاء، لذا تمّ تحديد يوم اللقاء بعد يومين.
بفضل ذلك، حصلت فانيسا على بعض الوقت الإضافيّ، فانشغلت بالتفكير في كيفيّة إيصال الرّسالة التي كانت تخفيها بحرص في صدرها إلى دار دوق إيفانوود.
‘هل أتسلّل خفيةً؟ إذا تنكّرت كخادمة… لا، غارسيا و رينيه سيلحظان ذلك على الفور. حتّى لو تسلّقت الجدار ليلًا، سيكون الأمر نفسه…’
كلّما فكّرت أكثر، شعرت و كأنّها تغرق في مستنقع، فتنهّدت فانيسا وهي تمسك بشعرها. كانت في حيرة من أمرها. هل كان هذا حقًا خطّة مستحيلة التّنفيذ؟
‘لا، لم يحن الوقت للإستسلام بعد…’
كانت على وشكِ أن تبدأ التفكير بجديّة مجدّدًا.
طق طق―
تبع صوت الطّرق على الباب صوت رينيه من الخارج:
“صاحبة السّمو الأميرة، هل لديكِ لحظة؟”
“لا بأس. ادخلي.”
أخفت فانيسا الرّسالة التي كانت تمسكها بسرعة في جيبها، و أجابت بصوتٍ هادئ.
بعد قليل، فُتح الباب و دخلت رينيه. كعادتها، كانت تتّسم بالأدب الشّديد الذي يصل إلى حدّ التّزمّت، لكنّها، لسببٍ ما، كانت تبدو مبتهجة بشكلٍ غريب.
انحنت رينيه بتحيّة لفانيسا و قالت:
“صاحبة السّمو الأميرة، ما رأيكِ بمرافقتنا لجولة قصيرة في شوارع العاصمة؟ قد تشعرين بالضّيق من البقاء في القصر طوال الوقت، و بما أنّكِ جئتِ إلى العاصمة بعد غياب، سيكون من المؤسف قضاء الوقت في الدّاخل فقط. لقد سمح الدّوق بذلك أيضًا.”
“يورغن…؟”
كان ذلكَ مفاجئًا جدًا، ففتحت فانيسا عينيها على وسعهما. كانت تعتقد أنّها ستبقى محبوسة دون حراك حتّى هنا.
من أين جاءت هذه المراعاة من ذلك الرّجل المتجمّد؟
على أيّ حال، كانت فرصة لا ينبغي تفويتها، فأومأت فانيسا بحماس و ردّت:
“حسنًا. جاء هذا في الوقت المناسب، فقد كنتُ أشعر بالضّيق من البقاء في الغرفة. لقد مـرّ وقت طويل منذُ زرتُ العاصمة آخر مرّة، وأنا متشوّقة لمعرفة كيف تغيّرت وإلى أيّ مدى.”
“إذًا ستُفاجئين. بفضل مشروع إعادة تطوير المدينة الذي أطلقه جلالة الإمبراطور، تغيّرت العاصمة خلال العام الماضي بشكل لا يُصدّق. كانت مدينة رائعة أصلًا، لكنّها أصبحت أجمل.”
“حقًا؟ هذا مثير للاهتمام.”
تظاهرت فانيسا بالحماس و كأنّها متحمّسة لزيارة العاصمة، و أظهرت نبرةً متألّقة. كانت تشعر بالارتياح فعلًا، لكن ليس بسببِ الجولة السياحيّة، بل بسبب توقّعها لتنفيذ خطّتها أخيرًا.
لكن كان هناك عيب واحد: كان عليها التخلّص من رينيه و غارسيل، اللذين سيرافقانها كحرّاس و مراقبين في الوقت ذاته.
ومع ذلك، ربّما ستجد طريقةً ما. إذا اختلطت بحشد النّاس في مكان مزدحم مثل السّوق… لكن رينيه، التي تلقّت تدريبًا كفارس، و غارسيا، المقاتل المخضرم، لن يكونا سهلين.
“إذًا، سأساعدكِ في التّجهيز للخروج. الجوّ بارد، لذا من الأفضل ارتداء ملابس دافئة. آه، و الأحذية أيضًا.”
“حسنًا، أرجوكِ افعلي.”
بدأت فانيسا الاستعداد للخروج بمساعدة رينيه.
تـمّ تجديل شعرها البنيّ المائل إلى الحمرة بشريط أخضر داكن، و ارتدت فستان بليو باللون نفسه، و علّقت عباءة شتويّة سميكة على كتفيها.
استبدلت حذاءها الدّاخليّ بحذاء جلديّ قويّ، و أخيرًا، أخذت الجيب الذي وضعت فيه الرّسالة.
كان هذا الجيب عبارة عن أومونيير، وهو حقيبة يد صغيرة مزيّنة بخيوط ذهبيّة فاخرة، ممّا جعلها لا تثير شكوك رينيه.
مهما تـمّ النظر إليها ، فهي مجرّد حقيبة يد، وليست شيئًا مريبًا.
بعد الانتهاء من التّجهيزات، خرجت إلى الرّدهة، فوجدت غارسيا يقف في و ضعيّة متكاسلة.
عبست فانيسا من مظهره الشّبيه بقطّاع الطرق، و أدارت رأسها بحدّة. عندئذٍ، تبعها غارسيا بخطواتٍ خفيفة و هو يثرثر:
“هذا قاسٍ جدًا، صاحبة السّمو. لم تحيّينني حتّى.”
“ليس هناك داعٍ لتبادل التّحيّات، أليس كذلك؟ فأنتَ تراقبني طوال اليوم على أيّ حال.”
“مراقبة؟ بل حراسة. و ليست طوال اليوم، فأنا أنام أيضًا.”
كان غارسيا يتبادل الأدوار مع فرسان آخرين لمدّة 6 ساعات تقريبًا للنوم أو الأكل أو الاستحمام، و خلال تلكَ الفترة، كان مَنٔ يراقب فانيسا بدلًا منه هما فيلهلمينا و أندريا، و هما شخصان مقرّبان منه.
كانت فيلهلمينا قليلة التّعبير، فلا يمكن معرفة ما تفكّر به، لكنّها كانت هادئة و مريحة. أمّا أندريا، فكان له وجه جميل يتناسب مع شخصيّته الرّقيقة و الخجولة، ممّا جعله مريحًا بطريقة مختلفة.
بعد تجربتهما بشكلٍ منفصل، أصبحت فانيسا متأكّدة.
الإزعاج الذي يظهر عندما يكون الثّلاثة معًا كان بسببِ غارسيا في تسعين بالمئة من الحالات.
“ألا تعتقد أنّه من الأفضل لكَ أن تعود لتلقّي تدريب الفروسيّة الآن؟ أنتَ تقضي أكثر من نصف يوم مع رينيه التي يمكنها تعليمكَ، بينما تراقبني.”
“حسنًا، أنا أقول لك إنّها حراسة… و لستُ بحاجةٍ إلى تدريب الفروسيّة. في الشّمال، يكفي أن يكون الفارس ماهرًا في القتال.”
بسببِ البيئة القاسية، يعطي سكّان الشّمال الأولويّة للمصلحة و لا يهتمّون بالمظاهر. كلّ شيء يعتمد على الكفاءة و المهارة، و الباقي إن وُجد فهو حسن، وإن لم يوجد فلا بأس.
كانت هذه الخلفيّة هي ما سمح ليورغن، الابن غير الشّرعيّ، بتجاوز الابن الشرعي و الصّعود إلى منصب الدّوق.
كانت فانيسا تفهم أنّ سكّان الشّمال هكذا. لكن مع ذلك… كلّما رأت غارسيا، كانت تجده مزعجًا قليلًا، لا، كثيرًا.
كانت تـودّ أن تضعه في موقف محرج بشدّة يومًا ما.
كان المكان الأوّل الذي زاروه هو السّاحة المركزيّة.
كما هو متوقّع، بما أنّها تقع في وسط المدينة، كانت قريبة من قصر دوق دريك.
بما أنّه الشّتاء، لم تكن النّافورة تتدفّق بالماء، لكن مشاهدة تمثال النّافورة المزيّن بكلّ أنواع الأحجار الكريمة كان ممتعًا بحدّ ذاته.
لم يكن هذا التمثال الضّخم و الفاخر موجودًا قبل عام، عندما زارت فانيسا العاصمة آخر مرّة.
‘الإمبراطور مصمّم على تجميل المدينة ببذخ.’
كان للإمبراطور نزعة لإظهار سلطته المطلقة، على الأقل هكذا رأته فانيسا.
ربّما، لأنّه عاش طويلًا جدًا، أصبحت الحياة مملة بالنّسبة له. لذا، ربّما يقوم بهذه الأفعال المجنونة بتزيين المدينة بالذّهب و الجواهر…
كانت فانيسا قد التقت بالإمبراطور مباشرةً أربع مرّات. عندما جاءت إلى العاصمة للإبلاغ و التّحيّة بعد زواجها من ليروي تيريفرون. و قبل ذلك، بعد وفاة والدها و حضور جنازته. و قبل ذلكَ بكثير، في حفل الظهور الأوّل في سنّ الرّابعة عشرة.
و أوّل لقاء كان…
‘ربّما كان عمري حوالي أحد عشر عامًا…’
بشكلٍ غريب، كانت ذكريات تلكَ الفترة ضبابيّة.
الشّيء الوحيد الذي تعرفه بالتّأكيد هو أنّها عاشت في فيلا بالعاصمة لمدّة عام تقريبًا.
بالتّفكير في الأمر، حتّى قبل أن تبلغ الثّانية عشرة، لم تكن فانيسا سيئة الحظّ كما هي الآن. بدأ سوء الحظّ عندما بلغت الثّانية عشرة.
‘لماذا أصبحت سيئة الحظّ منذُ أن كنتُ في الثّانية عشرة؟’
بينما كانت غارقة في التّفكير وهي تطعم حمام السّاحة، شعرت بنظرات مثقلة تتطلّع إليها. كان ثلاثة أطفال صغار ينظرون إليها بحسد شديد.
‘…ما هذا؟ هل بسبب هذا…؟’
ألقت فانيسا نظرة على كيس طعام الطّيور. كانت رينيه قد اشترته من كشك قريب من السّاحة. عندما هـزّت الكيس اختبارًا، أومأ الأطفال برؤوسهم بحماس.
‘هل تريدون هذا؟’
‘نعم، أعطِـنا إيّاه.’
هكذا دار حوار صامت بينهم.
ضحكت فانيسا بخفّة و نهضت من مكانها، ثم اقتربت ببطء من الأطفال. كانت عيونهم تلمع بالتّوقّع.
“خذوا، إليكم.”
“واو!”
“شكرًا!”
عندما سلّمتهم الكيس دونَ تردّد، قفز الأطفال بحماس. بسبب ذلك، طارت بعض الحمامات المذعورة، لكنّها عادت تدريجيًا عندما بدأ الأطفال برمي الطّعام.
نظرت فانيسا و رفاقها إلى المشهد بارتياح، ثم غادروا السّاحة.
اقترحت رينيه بعد ذلك زيارة شارع التّجار الفاخر، لكن فانيسا ادّعت أنّها مهتمّة بشوارع السّوق الشّعبيّة، و قادت المجموعة إلى هناك.
كما توقّعت، كانت شوارع السّوق صاخبة. أصوات مزعجة و روائح غريبة مختلطة بعشوائيّة. بالتّأكيد، لم يكن مكانًا مناسبًا لامرأة ذات مكانة عالية مثل فانيسا.
ومع ذلك، تظاهرت فانيسا بالاهتمام بكلّ شيء في السّوق و بدأت في التّجوال.
جرّبت وجبة خفيفة غريبة تتكوّن من عجينة رقيقة محشوّة بلحم مجفّف، و شربت شايًا مرًا مصنوعًا من الهندباء.
اشترت زهرتين ورقيّتين حمراوين من فتاة تبيع الزّهور الورقيّة، فأعطت واحدة لرينيه و وضعت الأخرى في شعر غارسيا، كما اشترت سوارًا مصنوعًا من خيوط ملونة و عقدًا مزيّنًا بحبات زجاجيّة.
بسبب انشغالها الشّديد بدور المرح، نسيت هدفها الأصليّ للحظات. بينما كانت تشاهد تاجر أسماك ينظّف سمكة تبدو في حالة سيّئة، بدأت تفكّر في كيفيّة التخلّص من رينيه و غارسيا، الحارسين و المراقبين.
لكنّهما كانا قريبين جدًا منها، فلم يكن ذلكَ سهلًا. لو كان هناك شخص ما، أو شيء ما، يمكنه فتح هذا الفراغ الضّيق―
“آه! لا!”
في تلكَ اللحظة، سُمع صراخ يائس من مكانٍ ما، ثم ظهرت قطيع من الماعز يركض بجنون نحوها.
“آه!”
“ابتعدوا! ابتعدوا بسرعة!”
عندما بدأ الحشد يتفرّق هربًا من قطيع الماعز، تحوّل الشّارع إلى فوضى عارمة. حاول كل من رينيه و غارسيا حماية فانيسا بسرعة، لكنّ تدخّل أحد المارّة جعلهما يفقدانها.
بالطّبع، كانت هذه فرصة لفانيسا. تظاهرت بالهروب من قطيع الماعز و اندفعت للأمام بكلّ قوتها.
في النّهاية، أصبحت فعلًا تهرب من الماعز، لكن لحسن الحظّ، تمكّنت من الاختباء في زقاق.
نظّمت أنفاسها للحظة، ثم وضعت غطاء عباءتها على رأسها و أسرعت في خطواتها. كان عليها التّعجيل للوصول إلى قصر إيفانوود دون أن يكتشفها رينيه و غارسيا.
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات