لويز، خادمة هيلينا منذ الطفولة وابنة فارس بلا لقب، لم تكن دائمًا متنمرة، لكن بينما كانت تخدم الشابة الأرستقراطية، نمت في قلبها الغيرة من معاملة النبلاء المختلفة بمجرد ولادتهم.

وكانت أريانا الهدف المثالي لاستيائها، على الرغم من أن أريانا برونتي وُلدت للحاكم الشرقي ورايتشل، ابنة الحاكم الغربي، كانت تُعامل كشيء أقل من خادمة عادية.

كانت لويز تشعر بالإثارة كلما رأت أريانا، التي وُلدت نبيلة، ترتجف أمامها وتتوسل الرحمة، لكن أريانا كانت تتصرف بغرابة طفيفة، لا، بل بغرابة شديدة مؤخرًا، منذ عدة أيام، كانت أريانا تتصرف كشخص مختلف تمامًا، كما لو أن روح شخص آخر قد سكنت جسدها.

“أتطلبين مني أن آكل هذا؟” كان صوتها باردًا، وعيناها لا تعفران، كانت يداها مرتاحتان بهدوء على فخذيها، وجلست منتصبة كالعمود، هيئتها الوقورة وحدها جعلت هذه الغرفة الرثة تبدو كقصر، الأكتاف الهشة التي كانت ترتجف عند ظهور لويز أصبحت فجأة تنضح بكرامة جعلت من الصعب على لويز حتى أن تلتقي بعينيها.

أريانا، التي كانت تخاف الظلام لدرجة البكاء، بدت فجأة وكأنها لا تخشى شيئًا، كانت أريانا تعبس باشمئزاز وتذرف الدموع كلما جُلب لها طعام فاسد حتى وقت قريب جدًا، لكنها الآن بدت غير متأثرة تمامًا بالطعام الموضوع أمامها، بل إنها ابتسمت باستهزاء كما لو أن الموقف يسليها.

الابتسامة الباردة على وجه أريانا أثارت قشعريرة في لويز، لكنها سرعان ما تخلصت من هذا الشعور “التصرف بأناقة الآن لن يجعل الدوق والدوقة يغيران رأيهما بشأنكِ”، قالت لويز بسخرية.

رفعت أريانا نظرها، محدقة بهدوء في وجه لويز، كانت عيناها الزرقاوان العميقتان صافيتين كبحيرة في يوم شتوي، حركت لويز نظرها بعيدًا قليلاً.

“هل أبدو أنيقة بالنسبة لكِ؟” أزعج تغير نبرة أريانا لويز، قبل أيام قليلة فقط، كانت أريانا تتحدث إلى لويز كما لو كانت الأقل شأنًا، كما لو أن أريانا نفسها هي الخادمة، ما الذي أصاب هذه الفتاة؟

“كفي هذا الهراء وكلي الآن!” انفجرت لويز “فأنا لدي عمل أقوم به!”

فجأة نهضت أريانا على قدميها، وانكمشت لويز رغمًا عنها، عضت شفتها بخجل وحدقت في أريانا، لكن الفتاة تقدمت نحوها ووقفت قريبة جدًا منها.

كانت أريانا الشابة أقصر من لويز بمقدار رأس، لكنها اليوم بدت أطول بكثير، رغم أن لويز لم تستطع تفسير السبب، الغضب الهادئ في نبرة الفتاة الصغيرة شعرت به لويز كـيد تمسك بحلقها.

“لويز.” مررت أريانا يدها على فستان لويز “لديكِ فستان جميل.”

“ن-نعم، وأمثالكِ لن يرتدين مثل هذا أبدًا.”

“أهذا ما تعتقدينه؟”

غضبت لويز من نبرة أريانا المتعالية، فدفعتها من كتفيها للخلف، ضحكت بفرح عندما تعثرت أريانا وسقطت على كرسيها، هذا صحيح، إنها مجرد طفلة، لماذا خفت منها أصلاً؟

لم تكن تعرف ما الذي أصاب أريانا فجأة، لكنها لا تزال أريانا التي تعرفها، أريانا برونتي، التي لن يساعدها أحد حتى لو دفعتها خادمة أو تنمرت عليها “يبدو أنكِ تماطلين لأنكِ لا تريدين الأكل، توقفي عن التظاهر بما لستِ عليه وكلي!”

ردت أريانا “حسنًا، أعتقد أن بإمكاني التوقف عن المماطلة الآن.”

“ماذا؟”

“سأفعل كما تطلبين.” بشكل مفاجئ، التقطت أريانا شوكتها دون أن تذرف دمعة، ثم بدأت تأكل كومة الطعام الفاسد على الصحن شيئًا فشيئًا، كانت تحمل شوكتها برقيّ كما لو كانت تتناول طعامًا فاخرًا في مأدبة.

كما أمرت هيلينا، كانت لويز قد جمعت الطعام من قاع حاوية النفايات، لكن أريانا لم تظهر حتى شبح تعبير منزعج وهي تأكل الصحن بأكمله.

شعرت لويز بشعرها يقف في نهايته، لم تكن أريانا تأكل بهدوء من قبل، ما الذي أصابها؟، ثم حدث ذلك.

أريانا، التي انتهت للتو من تناول الطعام بهدوء، انحنت فجأة وبدأت تتقيأ “أرغ!، اوعع!”

“مهلاً… مهلاً!، ما خطبكِ؟”

“اوعع!، آه!!”

قفزت أريانا على قدميها ثم سقطت على الأرض، تتقيأ، اصفر وجه لويز، حتى لو لم تُعامل أريانا كآنسة في القصر، فإن موتها سيظل أمرًا خطيرًا، إذا ماتت بعد تناول الطعام الذي جلبته لويز، ستُعاقب الخادمة بشدة.

قلقة، تساءلت لويز عما إذا كان عليها الهروب، كانت منشغلة بأفكارها لدرجة أنها لم تلاحظ دخول شخص آخر إلى الغرفة.

“ما الذي يحدث هنا بحق خالق السماء؟” طالب صوت حازم.

انتفضت لويز واستدارت، السيدة كايلي برونتي، والدة الدوق، ووصيفاتها وقفن في المدخل مع رايتشل.

استمرت أريانا في التقيؤ، منحنية من الألم، لم تكلف رايتشل، والدتها، عناء الاقتراب من أريانا وسؤالها عما يحدث، وقفت ببساطة إلى جانب حماتها بابتسامة غريبة على وجهها، كانت حماتها من غطت فمها وأنفها بمنديل وطالبت بغضب “وما هذه الرائحة؟”

“ح-حسنًا، كما ترين… هذه الفتاة… أعني، الآنسة أريانا… يبدو أنها مرضت فجأة، هذه رائحة قيئها…”

“نعم، أمي، أعتقد أن الرائحة يجب أن تكون من القيء، سأعتني بالأمر، من فضلكِ، توجهي إلى الحديقة وارتاحي.”

لم تكن السيدة كايلي برونتي ترغب في التدخل، بصراحة، وكانت تنوي تجاهل الواضح والقيام بما اقترحته زوجة ابنها.

ثم فعلت أريانا شيئًا غير متوقع “ساعديني… أرجوكِ ساعديني… جدتي… لقد أكلت طعامًا فاسدًا، لذا… يبدو أن هناك خطبًا ما بيّ…” تأوهت الوصيفات خلف السيدة العجوز بهدوء لرؤية الفتاة المتوسلة على ركبتيها.

كانت جميع وصيفات السيدة كايلي برونتي من عائلات نبيلة، وبما أنها كانت تعتبر سمعتها أولوية قصوى، لم تستطع التظاهر بأنها لم ترَ شيئًا بعد الآن، بغض النظر عن مدى رقابة الوصيفات، كانت الشائعات ستنتشر حتماً، إذا تجاهلت أريانا الآن، ستنتشر شائعات أنها، والدة الدوق برونتي، تتنمر على حفيدتها.

لم تكن تحبّ أريانا، طفلة الحاكم الشرقي ورايتشل، لكنها شعرت بضعف عزيمتها لرؤية الفتاة تتوسل من أجل حياتها “اذهبوا وأحضروا طبيب العائلة.” قبل وصول الطبيب، نظرت رايتشل إلى لويز بهدوء، تطلب منها نقل أريانا إلى غرفة أخرى والابتعاد عن أنظارها.

حاولت لويز المغادرة مع الصحن، لكن السيدة كايلي برونتي أوقفتها “ابقِ، يجب أن أعرف ما الذي أكلته الفتاة ليجعلها مريضة لهذه الدرجة.”

“أمي، أنا متأكدة أنها أكلت بسرعة كبيرة، إنها شرهة، وبالكاد تمضغ طعامها”، قالت رايتشل بسرعة، لكن حماتها كانت حازمة، كانت هناك الكثير من الأعين هنا.

“ألم تلاحظي الرائحة في الغرفة؟، لا تقولي كلمة أخرى.”

وصل الطبيب قريبًا وبدأ بفحص أريانا، عندما سُئلت عما أكلته، أجابت أريانا بضعف “كان كل شيء مختلطًا… لا أعرف بالضبط ما كان، لكنه كان ذو رائحة فظيعة… النكهة جعلت من الصعب عليّ البلع.”

“إذن لم يكن عليكِ أن تأكليه، آنستي.”

“لكن لويز… تعاقبني إذا لم أكل كل ما تجلبه لي…” قالت أريانا، وهي تنظر بخوف إلى الخادمة، ظهرت مشاعر متنوعة على وجوه الحاضرين.

حدقت رايتشل في أريانا بغضب وانزعاج، واصفر وجه لويز، وصُدمت السيدة كايلي برونتي ووصيفاتها والطبيب “خادمتكِ… تعاقبكِ؟” سأل الطبيب، لم تجب أريانا، فقط تقلصت كما لو كانت خائفة.

عندها أدرك الطبيب أن أريانا لم تكن ترتدي ملابس تناسب ابنة عائلة نبيلة “لا يجب أن ترتدي ملابس رقيقة كهذه في هذا الطقس البارد، آنستي.” على الرغم من أنه استخدم كلمة ‘رقيقة’ بسبب الحاضرين، كانت الملابس، بصراحة، بالية جدًا حتى بالنسبة لخادمة.

احمر وجه رايتشل عندما أدركت أنها نسيت تغيير ملابس أريانا قبل وصول الطبيب.

كان هناك نظرة قاتمة على وجه الطبيب وهو ينهض بعد انتهائه “يبدو أنها تعاني من عسر هضم بعد تناول طعام فاسد، كما أنها تظهر علامات سوء التغذية، ما لم يكن الدوق يكاد يفلس، أقترح إعطاءها طعامًا مصنوعًا من مكونات طازجة.”

على الرغم من كلماته الحادة، لم يعارضه أحد.

“هذا سوء تفاهم”، قالت رايتشل بود “لطالما أعطينا هذه الطفلة طعامًا جيدًا، لكن يبدو أن خادمة المطبخ جلبت لها طعامًا فاسدًا عن طريق الخطأ اليوم.”

لم يبدُ الطبيب مقتنعًا، ووصف بعض الأدوية للتسمم الغذائي، وبعض الحبوب المنومة بعد أن أخبرته أريانا أنها تواجه صعوبة في النوم، ثم غادر الغرفة، ساد صمت ثقيل بعد مغادرة الطبيب.

درست لويز وجوه رايتشل والسيدة كايلي برونتي بعصبية، وحاولت رايتشل التفكير في طريقة لتحسين مزاج المرأة العجوز، استلقت أريانا في سرير لأول مرة منذ وصولها إلى هذا القصر، مغطاة بالملاءات الناعمة، راقبتهم بهدوء وفكرت في خطواتها التالية.

* * *

شاهد سايروس وإيزاك كل شيء من خلال النافذة “الفتاة مسكينة، فلقد مرضت في النهاية”، تمتم إيزاك.

ضحك سايروس ضحكة جافة، لقد لاحظ النظرة في عيني الفتاة الزرقاوين الباردتين، لقد رآها تقترب من لويز وتفعل شيئًا قبل تناول الطعام الفاسد مباشرة، لقد رأى العزيمة القاتمة الثابتة في عينيها وهي تنحني وتسقط، وكيف لم تتزعزع حتى عندما وقفت رايتشل إلى جانب الخادمة “مسكينة؟، أنا لا أعرف شيئًا عن ذلك، أنا أشعر أن شخصًا آخر سيكون بحاجة إلى شفقتك قريبًا.”

* * *

تركت أريانا الصمت الثقيل يطول، منتظرة أن يتحدث أحدهم، توقعت أن تكون السيدة كايلي برونتي أول من يسأل عن وضعها، كانت ستمشي بعيدًا، لا تريد شيئًا آخر يتعلق بهذا الأمر، لو جاءت بمفردها، لكنها أحضرت معها ما لا يقل عن ست وصيفات، وربما لم تكن تريد أن يرونها كامرأة باردة تعامل حفيدة زوجة أبنها بقسوة.

“هل تبقين دائمًا في غرفة رثة كهذه؟” كما توقعت، كانت العجوز هي من كسرت الصمت، كانت تعيش في قصر آخر ولم تكن على دراية بترتيبات معيشة أريانا المعتادة.

أجابت رايتشل بسرعة “بالطبع لا، يا أمي، لماذا قد أضع ابنتي في مكان كهذا؟، لقد حبستها هناك لفترة قصيرة فقط لأنها سرقت وكذبت بشأن ذلك.”