2
في فبراير عام ٢١٠ حسب تقويم الروطان.
كان نبلاء المملكة الغربية -وخاصة النساء- مشغولين بأخبار زيارة سايروس كارها، حاكم المملكة الشمالية، قريبًا، وكثرت الشائعات حول هذا الرجل، فهو أصغر سيد إقطاعي في التاريخ المسجل، وأكثر ما أثار اهتمام النساء هو شائعات وسامته، ومقارنته بالقمر الشامخ في سماء الليل، وبمجرد انتشار أخبار زيارته، كانت نساء المملكة الغربية يتحدثن عنه في كل فرصة.
“لقد قيل لي أن بشرته ناعمة كاللؤلؤ.”
“حتى الأميرة شارلوت من العاصمة الإمبراطورية يقال إنها معجبة به.”
“مما سمعته، شعره الفضي يلمع مثل ضوء القمر حتى في الظلام.”
“وماذا عن عينيه؟، يقال إنهما مثل الياقوت، لقد سمعت أنه أكثر وسامة مما تظهره صوره.”
“أود أن أراه يستخدم سحر الجليد، هل تعتقدين أنه صحيح أنه يصنع منحوتات جليدية جميلة عندما لا يشاهده أحد؟”
“السحر… لو أنه يصنع زهرة من الثلج من أجلي فقط!، عندها يمكنني أن أموت بسعادة.”
كانت النساء يعرفن أفضل من أي شخص آخر أن آمالهن كانت بلا شك بلا جدوى، كان من المعروف أن سايروس جميل، لكن الشائعات تحدثت أيضًا عن شخصيته القاسية والجليدية التي تنافس شيطانًا من الجحيم.
“يقولون إنه قتل راقصة على الفور عندما تسللت إلى حديقته ليلاً.”
“هل سمعتِ؟، إنه غالبًا ما يتجاهل الأميرة شارلوت عندما تحييه.”
“حتى أن بعض الناس يقولون إنه ينجذب إلى الرجال!، فذلك الخيميائي إيزاك يكون معه دائمًا.”
“حتى الإمبراطور يريده كصهر، العوام مثلنا ليس لديهم فرصة.”
كان سايروس، الذي هز ألسنة المملكة الغربية، قد وصل بالفعل وكان يختبئ في قصر الدوق برونتي، كان يجلس فوق شجرة كبيرة في حديقة الدوق بجوار إيزاك، الخيميائي الذي ورد في الشائعات، وعلى الرغم من أن الطقس البارد قد جرد الفروع، إلا أنه لم يلاحظ أي من المارة الرجلين.
جلس سايروس بشكل مريح على غصن سميك، وهو يحدق ببرود في نافذة معينة بعيني القاتل الباردة القاسية، من ناحية أخرى، بدا إيزاك مستمتعا “هل هذه ابنة الحاكم الشرقي ورايتشل؟، إنها في حالة سيئة، لكنها جميلة، في الواقع، أود أن أقول إنها تشبه والدها.”
كان سايروس صامتًا.
وتابع إيزاك “كما تعلم، أشعر بالأسف عليها، لو بقت في المملكة الشرقية، لكانت أميرة، ومع ذلك، فهذه هي الطريقة التي تُعامل بها في المملكة الغربية… السيدة برونتي قاسية جدًا، ماذا تفعل بأبنتها؟”
كما كان إيزاك يقول، بدت الفتاة الصغيرة عند النافذة في حالة سيئة، وكان شعرها الغير مغسول في حالة من الفوضى، وكان جسدها هزيلاً بسبب سوء التغذية، وكانت ملابس الخادمة التي كانت ترتديها صغيرة جدًا بالنسبة لها وتركت أطرافها النحيلة مكشوفة، لقد ظلت عالقة في غرفتها التي ليس بها سوى مكتب وحيد ولا حتى سرير لعده أيام، كل ما فعلته هو التحديق خارج نافذتها المغلقة أو تناول الوجبات التي تأتي إليها كل يوم، كان أي شخص آخر سيشفق عليها، لكن سايروس نظر إليها دون شفقة.
التفت إيزاك إلى سيده وصديقه القديم “حتى لو كانت ابنة عدو والديك ورجلًا قد يكون كما كان ولم يتغير، فهي نفسها لم ترتكب أي خطأ، ربما ليس لديها أدنى فكرة، ولا يبدو أنها تأكل بشكل صحيح.”
قال سايروس، بوجهه الجامد الذي يكشف عن المشاعر لأول مرة على شكل منحنى تقشعر له الأبدان لشفتيه القرمزية “أنا لا أعرف شيئًا عن ذلك، وأود أن أقول أنها قد تعرف شيئًا.”
لم يشارك سايروس رأي إيزاك بشأن الفتاة، من المؤكد أن موقفها بدا مثيرًا للشفقة، لكن الفحص الدقيق أظهر أن لديها ما هو أكثر مما تراه العين، كانت عيناها غير مهتمتين وغير عاطفيتين، على عكس عيني فتاة نموذجية في السادسة عشرة من عمرها، فهي لم تنزعج من الخادمة الوقحة التي أحضرت لها وجبات الطعام، وعندما كانت تحدق من النافذة أحيانًا، كانت تنضح بهالة لا يمكن فهمها.
لقد كرهها سايروس بالفعل لمجرد كونها ابنة حاكم المملكة الشرقية ورايتشل، فسلوكها الغير طفولي بالتأكيد أثار استياء سايروس أكثر، يبدو أن عينيها الزرقاوين الشبيهتين بالياقوت تحتويان على شيء لا يمكن أن يأمل أبدًا في فهمه.
“أوه لا…” تمتم إيزاك “تلك الخادمة تأخذ الطعام الفاسد إلى غرفة أريانا مرة أخرى.”
* * *
في غرفتها التي لا تحتوي على أثاث سوى مكتب، جلست أريانا منتصبة على كرسي، وبطانية بالية حول كتفيها وشعرها الأزرق السماوي، ووجهها الشاحب والضئيل، والمنحنيات الرشيقة لحاجبيها، وعينيها الواسعتين والعميقتين، وأنفها الصغير ولكن الحاد، وشفتيها الحمراء الناعمة، كلها أمور خانت عمرها الحقيقي الذي لم يتجاوز السادسة عشرة، لكن النظرة في عينيها تحكي قصة مختلفة.
احترقت عيناها بألم وكراهية لا ينبغي لأي آنسة شابة نبيلة أن تعرفها، حدقت أريانا ببرود في مكتبها، لكن أفكارها كانت في مكان آخر، كانت تتذكر الأيام المؤلمة التي قضتها في النضال من أجل أن تكون محبوبة، فقط ليتم التلاعب بها واستغلالها، وبلغت ذروتها بوفاتها.
لقد مرت أربعة أيام الآن؟، لم يكن لدى أريانا أي فكرة عما كان يحدث، فلقد كانت لا تزال تشعر بالحبل الخشن الذي يسحق حلقها، لكن عندما فتحت عينيها، وجدت نفسها قد انتقلت إلى الماضي اثني عشر عامًا، إلى الوقت الذي اتُهمت فيه زورًا بسرقة قلادة والدتها رايتشل وتم حبسها في غرفتها.
لقد كان الأمر مربكًا للغاية، لكنها استجمعت قواها بسرعة، ولم تضيع الكثير من الوقت في التساؤل عن كيفية حدوث ذلك، مهما كان السبب، فقد عادت إلى الماضي قبل اثني عشر عامًا، وكانت هذه فرصة ثانية للحياة.
“لم يكن عليكِ أن تولدي أبداً يا أريانا.”
لقد أصروا على أنها لا قيمة لها، لكن هناك من سمح لها بفرصة ثانية، وستقبل بها بكل سرور، ارتسمت ابتسامة باردة على وجهها للحظة، ثم اختفت، سأجعلكم تندمون على أنني ولدت، وأنكم تركتموني أعيش كل هذه المدة، وثبتت قبضتيها بقوة فوق ركبتيها.
وسمعت خادمة تسير نحو الباب، عرفت أريانا بالضبط ما كان على وشك الحدوث بعد ذلك.
* * *
في حياتها السابقة، لم تفعل أريانا شيئًا سوى البكاء، فلقد كانت منزعجة لأن والدتها رفضت رؤية الحقيقة، وخائفة من أنها قد خيبت أمل والدتها، ومذعورة من الليالي الطويلة التي قضتها دون حتى فانوس واحد، عندما كانت خادمة هيلينا، لويز، تحضر لها طعامًا فاسدًا، كانت تتعرض للضرب لرفضها تناوله، كان اليوم أحد هذه الأيام في حياتها السابقة.
عادت لويز ومعها فضلات الطعام من المطبخ، ورفضت أريانا لمس كومة البقايا النتنة، وحاولت الخادمة دفعه إلى أسفل حلقها، واحتجت أريانا بصوت عالٍ أكثر فأكثر.
والدة الدوق برونتي، التي كانت تسير في الماضي، شهدت المشهد وسألت عما يحدث، وبجانبها، وضعت رايتشل يدها على ذراعها بهدوء وقالت بصوت قلق “تلك الفتاة سرقت قلادتي، فطلبت منها البقاء في غرفتها لفترة، وقلت لها أن تأكل نفس الطعام الذي تأكله الخادمات بينما تفكر في الخطأ الذي ارتكبته، ولكن كما ترين، فهي ترفض أن تشعر بأي ندم على الإطلاق.”
لو كانت رايتشل تقول الحقيقة، لكانت العقوبة مناسبة، فلقد كان من الشائع لأي أسرة أن تحبس طفلاً سارقًا في غرفته وتقدم له طعامًا أقل جودة، وسيُطلب من مثل هذا الطفل أن يكتب خطاب اعتذار أيضًا.
صدقت المرأة العجوز رايتشل، لكن أريانا اعترضت “لا يا أمي، أنا لم أسرق القلادة!، أقسم لكِ!” وهذا ما جعل الوضع أسوأ، شخص ما -ربما لويز- وضع قلادة رايتشل في عمق درج مكتب أريانا الوحيد.
نظرًا لحساسيتها لانتقادات الآخرين ولسمعة العائلة وأخلاقها الأرستقراطية، كانت والدة الدوق برونتي غاضبة جدًا، فلقد جعلت لويز تضرب أريانا بسبب ما فعلته، واستمرت أريانا في الادعاء بأنها لم تسرق القلادة حتى عندما ضربت الخادمة ساقيها، مما أثار غضب المرأة العجوز، وأمرت باحتجاز أريانا لمدة أسبوع آخر.
في تلك الليلة، عندما انهارت أريانا بعد البكاء، جاءت رايتشل لرؤيتها، ونظرت إلى أريانا وقالت “أريانا، لقد شعرت بخيبة أمل شديدة فيكِ اليوم، حتى لو لم تكوني أنتِ من سرقت القلادة، كان يجب أن تتحملي المسؤولية عن أختكِ الكبرى، كنت أتمنى أن تهتمي بها أكثر من هذا…”
كانت هيلينا هي التي ادعت أن أريانا أخذت قلادة رايتشل، وكانت رايتشل تريد من أريانا أن تستر على كذب أختها، سقطت أريانا على ركبتيها في الحال، لعدم رغبتها في إحباط والدتها “أنا آسفة يا أمي، هذا كله خطأي، أرجوكِ لا تشعري بخيبة أمل بي.”
* * *
لمعت عيون أريانا الزرقاء ببرود وهي تتذكر ذلك اليوم، فهي لفد كانت مثل تلك المرأة الحمقاء، ماذا يهم إذا خيبت آمال امرأة مثلها؟
كانت المملكة الشرقية، التي ساهمت بشكل رئيسي في تأسيس إمبراطورية كاميريا، الدولة التابعة الأكثر ثقة للإمبراطور، وكان الإمبراطور الحالي يثق بشدة في الحاكم الحالي للمملكة الشرقية على وجه الخصوص، ولذلك أفسد الحاكم الغربي علاقتهما بحيلة : فقد قدم يد ابنته رايتشل للزواج من الحاكم الشرقي.
كانت الأميرة رايتشل تحبّ شخصًا آخر بالفعل، لكنها أُجبرت على الزواج من رجل لم تحبّه من أجل المملكة الغربية، ربما كانت قد أنجبت أريانا فقط للتأكد من عدم اشتباه أحد بأنها تحبّ رجل آخر.
على الرغم من أن الحاكم الشرقي كان قد تزوج رايتشل من أجل الصداقة بين الممالك، فمن المحتمل أنه لم يثق بها بشكل كامل في ذلك الوقت، واكتسبت رايتشل ثقته عندما حملت بطفله وسعت لمعرفة أسراره.
بمجرد أن وجدت بعض المعلومات المفيدة، طلقت زوجها وعادت إلى المملكة الغربية، حيث استخدم والدها تلك الأسرار بشكل جيد لتحريض الإمبراطور والحاكم الشرقي ضد بعضهما البعض.
“أنا لم أرغب أبدًا في إنجابكِ.”، ” فقط لو أنكِ متِ في رحمي.” لم تعد أريانا تذكر عدد المرات التي قالت فيها والدتها مثل هذه الأشياء، لكنها ما زالت تأمل في حبّها يومًا ما، هي سوف تحبّني إذا نفذت أوامرها، وإذا كنت مفيدة لها، لقد كانت حمقاء عندما اعتقدت ذلك.
كانت رايتشل تشعر بالإثارة كلما ضايقت أريانا التي تشبه والدها، المرأة التي ناداتها أريانا بوالدتها لم تعتبرها أبدًا ابنتها، أعتقد أنني لم أدرك ذلك إلا بعد وفاتي، بالتفكير في الأمر الآن، ربما كانت تستحق الموت بسبب حماقتها.
كان القفل الموجود خارج الباب مفتوحًا، ومسحت أريانا نظرة الكراهية من عينيها ونظرت بسلام إلى الباب الذي فتحته لويز دون أن تكلف نفسها عناء طرقه، وكانت تحمل صينية، وملأت رائحة الطعام الفاسد الهواء بمجرد دخولها، هل فشلت والدة الدوق برونتي في ملاحظة رائحة التعفن هذه في حياة أريانا السابقة؟
كلا لابد من أنها عرفت بالطبع، ولقد تظاهرت بخلاف ذلك، ومع ذلك… شاهدت أريانا بهدوء بينما أحضرت لويز الطعام الفاسد نحوها، وهي تشك في أنها ستكون قادرة على تجاهل ما تراه هذه المرة.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
Chapters
Comments
- 7 - سايروس كارها، حاكم المملكة الشمالية (٣) 2025-06-16
- 6 - سايروس كارها، حاكم المملكة الشمالية (٢) 2025-05-02
- 5 - سايروس كارها، حاكم المملكة الشمالية (١) 2025-05-02
- 4 - الآنسة الشابة البائسة (٣) 2025-05-02
- 3 - الآنسة الشابة البائسة (٢) 2025-05-02
- 2 - الآنسة الشابة البائسة (١) 2025-05-02
- 1 - لن أسعى إلى الحبّ مرة أخرى أبدًا 2025-05-02
التعليقات لهذا الفصل " 2"