سيرينييل بدت بملامح شخصٍ تلقى ضربةً على رأسه بهراوة.
الرجل الذي يُرى من بعيد… لم يكن هناك شك، إنه كاليان هيلكار.
زوجها الذي قال إنه سيغيب بسبب جولة تفقدية في المناجم.
و الطفل الذي بجواره هو…
“بيني! يجب أن تكون حذراً. إن سقطتَ مرة أخرى، سيحزن والدك كثيراً.”
بصوتٍ مليء بالعطف كلم كاليان الطفل، فضحك الأخير ضحكةً رنانةً مشرقة.
“نعم، والدك محق. لقد وقعتَ المرة الماضية وجرحت ركبتك، أليس كذلك؟”
وعلى عيني سيرينييل الخضراوين المعتمتين انعكست صورة الطفل في أحضان كاليان…
و ليراييه وهي تتقدم نحوهم مبتسمة.
عائلة.
ما أمام عينيها كان أسرةً مترابطة سعيدة بكل وضوح.
الطفل الذي يبتسم بعينين متلألئتين… كان يحمل ملامح الضحكة التي أحبتها سيرينييل فيهم بكل كيانها.
شعرت بدوارٍ خفيف، فاهتز جسدها قليلاً.
[لا داعي للقلق بعد الآن. أخيراً سنعيش معاً، نحن فقط. أنتِ، أنا، وطفلنا… نحن الثلاثة. عائلة حقيقية.]
“هاه…”
[سأرسل على الفور من يحضر المربية وبيني إلى القصر الريفي… عيد ميلاده السابع سنحتفل به هنا، في هذا القصر.]
سقطت سيرينييل جالسةً وهي تلهث، تعابيرها غارقة في اليأس.
رسمُ صورةٍ في عقلها لطفلٍ مجهول الملامح طوال الطريق إلى القصر كان شيئاً… أما مواجهة الواقع الآن فكان شيئاً آخر تماماً.
ومع ذلك، كانت تتمسك ببارقة أمل. “ربما يكون هناك خطأ… يجب أن أرى بعيني. ربما كان مجرد سوء فهم.”
لكنها الآن أدركت… كم كانت أفكارها تلك غبية.
“……”
ارتجفت يداها بشدة. مشاعر لا يمكن وصفها اجتاحت صدرها.
[إنها غلطتي يا سيري. أردت فقط أن أُربي طفلنا القادم في بيئة أفضل…]
كذب. لم يكن طفلنا، بل طفلهم.
كان يعرف كم تمنت أن تنجب طفلاً. كان يعرف أنها زارت الأطباء، تناولت الأدوية، وفعلت كل ما بوسعها.
فكم بدت مثيرةً للشفقة في عينيه إذن؟
ضحكت سيرينييل بوجهٍ شاحب خالٍ من الروح.
كان الطفل في حضنه يبدو في حدود العامين من العمر.
ومهما أعادت الحسابات، وُلد قبل زواجها من كاليان.
[آسفة يا سيرينييل… لم أكن بخير صحياً.]
والتفكير يعود بها: قبل الزفاف بعدة أشهر، توقفت ليراييه عن الظهور. وعندما سألتها بقلق: “هل أنتِ مريضة؟” اكتفت بإجاباتٍ قصيرة.
“أنا بخير… فقط بحاجة لراحة قليلة. آسفة لعدم قدرتي على مساعدتك في التحضير لزفافك.”
وما كان من سيرينييل الغبية إلا أن ترسل لها شتى أنواع الأدوية والمقويات… دون أن تدرك أن ليراييه كانت تربي طفلاً في بطنها.
منذ البداية، لم يكن هناك مكان لسيرينييل.
فقد كانوا هم بالفعل… عائلة مكتملة.
“سيدي، يبدو أن عربةً وصلت إلى هنا…”
استفاقت سيرينييل من ذهولها بصوت المربية.
“عربة؟ ماذا تعنين؟”
“هناك عربة متوقفة قرب القصر. لم تستدعها أنتَ، أليس كذلك؟”
“ليراييه، ابقي مع بيني هنا. سأذهب لأتأكد.”
قالها كاليان بسرعة، واندفع بخطواتٍ متوترة.
لم يكن غريباً. قلبه المثقل بالذنب لابد أنه ارتعب من فكرة أن يكون أحدهم قد جاء فعلاً.
“……”
غطّت سيرينييل فمها وتراجعت ببطء.
وبمجرد أن ظهر كاليان على بُعد خطوات قليلة، كانت قد اختبأت خلف شجرة كبيرة.
رفع حاجبيه بقلق وهو يتفحص المكان.
هل شعر بوجودي؟… قلبها كاد ينفجر، فأغمضت عينيها بإحكام.
لكن بعد لحظات، أخذت خطواته تبتعد شيئاً فشيئاً.
فتحت عينيها بحذر، فرأت كاليان يتجه نحو العربة الواقفة.
“ما الأمر؟ هذا قصرُ استجمامي الخاص.”
“……”
“سألتُك، ما الذي جاء بك إلى هنا؟!”
بصوتٍ غاضب صاح كاليان.
التفت السائس بعينيه نحو حيث تختبئ سيرينييل… لكن سرعان ما أعاد نظره إلى كاليان.
“أعتذر يا سيدي. لقد جئتُ بناءً على استدعاء، لكن يبدو أن العنوان كان خاطئاً.”
“ماذا؟”
“لقد حان موعدنا تقريباً، وانتظرتُ طويلاً دون أن يظهر الضيف. إن لم تكن أنت من استدعاني، فلابد أنني أخطأت.”
“غادر حالاً.”
كلام السائس لم يحمل ما يثير الشك. حتى كاليان بدا مقتنعاً، فلوّح برأسه آمراً إياه بالرحيل.
أطاع السائس بلا مقاومة، وأدار عربته مبتعداً.
وقف كاليان أمام القصر حتى اختفت العربة تماماً، وكأنه يتأكد أنها رحلت بالفعل. ثم أعاد تفقد المكان، ولما لم يرَ أحداً، عاد إلى الداخل.
غير مدرك أن زوجته كانت تراقب كل شيء من مسافة خطواتٍ قليلة.
“……”
بمجرد أن غاب عن نظرها، ترنحت سيرينييل وسقطت جالسةً تحت الشجرة، تكتم أنفاسها.
إن أطلقت العنان الآن، فلن تدري إن كان ما يخرج دموعاً، صراخاً، أم قيئاً.
وبينما هي متقوسة على نفسها، تساقطت قطرات مطرٍ باردة على ظهرها.
مطرٌ ربيعي قارس.
⚜ ⚜ ⚜
لم يتوقف المطر.
شعرها الأشقر الطويل حتى خصرها، ورداؤها الأسود، كلاهما ابتلا تماماً.
وجهها شحب من البرد غير المتوقع، جسدها يرتجف، لكنها واصلت السير بلا وجهة.
“……”
وجهها كان خالياً من أي تعبير، كوجه جندي مهزوم فقد كل شيء.
بل إنها بالفعل فقدت كل شيء، فلا غرابة أن يليق بها وصف “المنهزمة”.
“بشرٌ قذرون…”
تمتمت بصوتٍ خافت مشوب بالمرارة.
… أرادت قتلهم. كاليان وليراييه.
لكن مع كل لحظةٍ يزداد فيها وعيها بما رأت، كانت توجه السهام إلى نفسها أيضاً.
لماذا لم تعرف شيئاً؟
لماذا كانت غبيةً إلى هذا الحد؟
لماذا لم تشك بهم ولو لمرة واحدة؟
هل لأنها كانت، كما قالت ليراييه، ساذجةً وغبية بشكلٍ مثير للشفقة؟
إذن هل استحقّت ما جرى لها؟ هل كان ذنبها حقاً؟
وبينما تسير بخطواتٍ مترنحة، أطلقت ضحكةً هادئة، أشبه بالهذيان. سخرية لم يُعرف لمن وُجهت.
لكنها كررت في نفسها بلا توقف: “هذه المرة مختلفة. هذه المرة مختلفة.” وكأنها تعويذة.
… كان عليها أولاً أن تذهب إلى عمّها “فيليس”.
“نعم… عمي سيساعدني. بالتأكيد سيساعدني…”
لم يبقَ لها أحد. لا صديقة، ولا زوج، ولا الحبيب الذي لطالما عبدته.
لم يتبقَّ لها سوى فيليس.
صحيح أنها تعرف أنه مرتبط مع كاليان بمصالح المناجم… لكنها وثقت به. الرجل الذي قال لها بعد موت والديها المفاجئ إنه سيملأ فراغهما.
لكن كيف ستنتقم؟
حتى لو أخذت امتياز تخفيض الضرائب من كاليان، فهل سيكون لذلك أثر فعلي؟
وإن طلّقته، قد يسعد هو وليراييه أكثر، وربما عيشا حياة هانئة برغم بعض العقبات البسيطة.
“…….”
توقفت سيرينييل ببطء عن السير. ثم رفعت رأسها، وحدقت شاردةً في السماء.
انعكس على عينيها الخضراوين يأسٌ واضح لا لبس فيه.
إن لم يكن باستطاعتها أن تنتقم منهما حقاً…
فلماذا إذن عادت إلى الماضي؟
ما الفائدة إن كان ذلك بلا معنى…؟
وفي اللحظة التي كانت تكبت فيها هذا الهمس العقيم في صدرها…
توقفت بجانبها عربة كانت تركض من بعيد.
“…….”
ارتجفت سيرينييل، وهي تحدق في العربة.
هل كانت تسد الطريق؟ تراجعت عنها بضع خطوات، لكن العربة لم تتحرك لتكمل طريقها.
بدلاً من ذلك، انفتح شباكها المغلق بإحكام. ببطء شديد.
“……اليوم ليس طقساً مناسباً تماماً للتنزه ليلاً، فيما أظن.”
وظهر وجه شخص لم يخطر ببالها أبداً أن تراه.
“أليس كذلك، سيرينييل فيرديليت؟”
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 4"