انعكست فوق عيني سيرينييل ذات اللون الزمردي بتلاتُ زهورٍ بألوان جميلة شتى.
لقد كان شيئاً تعرفه جيداً.
وفقاً لكلام “ليرييه”، لم يكن ذلك مفيداً للصحة وحسب، بل كان يساعد أيضاً على إنجاب الأطفال…
ولهذا، كانت تشرب شاي الزهور ذاك كل يوم، دون أن تفوت يوماً واحداً، وبشغف كبير.
> [لو كنت أعلم أنّ الأمر سيستغرق كل هذا الوقت، لما اكتفيت بوضع السم في الشاي، بل لخلطته مع كل وجبة أيضاً.]
ربما كان ذلك منذ تلك الفترة تقريباً، حين أهدت “ليراييه” هذا الشاي لها.
نعم… فلا بد أنّها قد بذلت جهداً كبيراً لتحصل عليه. وكان من الطبيعي أن تفعل ذلك وأكثر.
فالأطباء لم يتمكنوا من تشخيص مرض سيرينييل حتى حين بدأت تضعف وتفقد قدرتها على الحركة كلياً.
لو كان هذا السم يقتل دون أن يترك أي أثر، فلا بد أنّ الحصول عليه تطلّب بحثاً شاقاً.
“انتظري قليلاً فقط يا سيدتي، سأُحضر ماء الشاي حالاً!”
قالت “كينا” بابتسامة مشرقة، غير مدركة للحقيقة، غير أنّ سيرينييل أمسكت بكمّها بقوة.
“لا حاجة لأن تحضري أي ماء للشاي، كينا.”
“آه، إذن هل أُحضره بعد أن تتناولي الطعام أولاً؟ فالمعدة خاوية الآن، وسيكون ذلك أفضل لكِ.”
“لا… ليس هذا ما أعنيه.”
أجابت سيرينييل وهي تهزّ رأسها.
“لن أشرب هذا الشاي مجدداً أبداً.”
“ولكن… إنه هدية مباشرة من السيدة ليراييه…”
كان من الطبيعي أن تتعجب كينا من ردّها.
فلسنوات طويلة، كانت سيرينييل تبدي محبة عظيمة تجاه “ليراييه”، وكذلك كانت الأخيرة تبادلها الأمر…
أو هكذا بدا على الأقل.
لكن الآن… لم يعد الأمر كذلك.
“سأطلب منكِ شيئاً آخر بدلاً من ذلك.”
أضافت سيرينييل بصوت منخفض:
“خذي هذا الشاي واذهبي إلى السوق، كينا.”
“إلى السوق؟ ولماذا هناك…؟”
“ألا تذكرين؟ ذلك التاجر الذي كان صديقاً لوالدي منذ زمن بعيد. اذهبي إليه بهذا الشاي، واسأليه عن مكوّناته.”
لقد كان من عائلة توارثت مهنة العطارة والأدوية، وله علاقات وثيقة مع النبلاء مثل والديها.
شخص مثله، كان قادراً بالتأكيد على معرفة ماهية ما يحتويه هذا الشاي.
“قولي له إنني من أرسلتك، وسيحفظ السر. والجواب يجب أن يأتي بسرعة، الأفضل أن يكون اليوم نفسه.”
كانت لا تزال قادرة على تذكّر الأمر بوضوح: المحادثة التي سمعتها وهي تحتضر بين “كالريان” و”ليراييه”، والألم الفظيع الذي عانته قبل ذلك…
لم يكن الأمر أنها لا تصدّق، لكنّها كانت بحاجة إلى يقين لا شك فيه.
“سيدتي…”
كانت هذه أول مرة ترى فيها كينا—التي اعتنت بسيرينييل منذ طفولتها—سيدتها بهذا الشكل.
فطالما بدت سيرينييل مستعدة للتضحية بنفسها من أجل “كالريان” و”ليراييه”.
فكيف يمكن أن تشكّ فيهما… وبمثل هذه المفاجأة؟
“لا تقلقي، كينا. ليس هناك ما يدعو للقلق.”
“إن كان الأمر كذلك، فهذا مطمئن…”
لكنها لم تستطع منع نفسها من التمتمة بقلق: “لكن… هل أنتي بخير حقاً يا سيدتي؟”
أومأت سيرينييل بصمت، فأمسكت كينا أخيراً بالصندوق الصغير الذي أعطته إياها بإحكام.
“وأيضاً، كينا… لا تلمسي بتلات الشاي بيديك العاريتين.”
“…ماذا؟”
“الحذر لا يضر أبداً. ثم… كالريان، متى سيعود؟ هل جاء أي خبر عنه اليوم؟”
“آه، قال إن لديه تفقداً للمناجم اليوم أيضاً.”
نعم… في تلك الفترة كان كالريان منشغلاً جداً. كثيراً ما يغيب عن البيت، فقد بدأت أعمال التعدين حديثاً، وكان هناك ما لا يحصى من الأمور التي تستلزم انتباهه.
على الأقل، هذا ما كان يقوله هو دائماً، وهكذا كان.
“لكنني سمعت أنّه سيعود الليلة. ربما يتأخر قليلاً فقط…”
حتى حين يعود، نادراً ما كان يصل قبل مغيب الشمس.
إذن…
فكّرت سيرينييل للحظة قصيرة، ثم نهضت من السرير، وقالت وهي تلتفت نحو كينا:
“كينا، استدعي السائق.”
“الآن؟ ألعلكِ تريدين الذهاب إلى السيد؟ إن كان الأمر كذلك، يمكنني إرسال رسول أولاً…”
“لا، لديّ عمل آخر. لا يهم كم يكلف، فقط يجب أن يكون السائق كتوماً. هل تفهمين ما أعنيه؟”
“سيدتي…”
“ويجب أن تبقى مسألة خروجي اليوم بيني وبينكِ فقط. حتى السيد لا يجب أن يعلم.”
حتى إن لم تستوعب كينا الموقف تماماً، فقد أصبح واضحاً أنّ هناك شيئاً خطأ.
ظهر الخوف جلياً على وجهها، لكنها أومأت بالموافقة في النهاية.
“ألا يمكنني مساعدتك بشيء؟”
“…”
“أي شيء… مهما كان…”
نظرت إليها سيرينييل وابتسمت ابتسامة باهتة.
لقد كانت كينا دائماً بجانبها، سواء حين كانت في بيت والدها الكونت، أو بعد أن تزوجت وانتقلت إلى بيت البارون. ولهذا، كانت تثق بها تماماً.
لكن حتى لكينا لم تستطع البوح بما يجري معها الآن، ولا بما قد يحدث لاحقاً.
“لا تقلقي. فقط استدعي السائق. سأعود قبل حلول المساء، فلا تشغلي بالك.”
—
⚜ ⚜ ⚜
كانت كينا سريعة، فأحضرت السائق في الحال. وأعادت سؤالها عمّا إذا كان من الضروري أن تبقى سيدتها وحدها، لكن سيرينييل لم تجب سوى بكلمات طمأنة قبل أن تصعد إلى العربة.
“…”
جلست سيرينييل في العربة التي تهتزّ مع حركتها، تحدّق من النافذة بوجه غارق في الظلال.
تأخذ نفساً عميقاً بين الحين والآخر، وتشغل يديها بلمس أصابعها بلا هدف.
ما الذي يجري حقاً؟
لماذا عادت إلى الماضي؟
هل كان ذلك عبث الآلهة، أم خدعة الشياطين؟
مهما فكرت، لم تجد جواباً.
> [لا يمكنني أن أعيش هكذا ثانية، أبداً…!]
تذكّرت جيداً ما همست به بغضب في ذلك الحلم المظلم.
سوف أنتقم… سأجعلهم بائسين كما جعلوني… سأحطمهم كما حطموني.
حتى تلك اللعنة الملطخة بالدماء ما زالت ترنّ في أذنها.
لذلك، وإن كانت لا تعرف كيف ولماذا حدث هذا، فقد كان هناك أمر واحد مؤكد:
لن تكرر نفس الخطأ مرتين أبداً.
ولهذا صعدت هذه العربة. لتتأكد بنفسها من أين يبدأ الحق، وأين ينتهي الباطل… وكيف خدعوها.
“لقد وصلنا إلى المكان الذي طلبتِه.”
جاء صوت السائق بعد وقت غير قصير، مع توقف العربة.
أخذت سيرينييل نفساً آخر لتثبّت قلبها، ثم نزلت بهدوء.
“انتظر هنا حتى أعود.”
“نعم.”
أجاب السائق، فيما بدأت سيرينييل تمشي بخطوات بطيئة.
ورفعت بصرها نحو القصر الهادئ الذي بدا أمامها.
…كان ذلك بيتاً ريفياً يملكه “كالريان هيلكار”، بعيداً عن بيت البارون.
بعد فترة قصيرة من بدء مشروع التعدين، اشترى كالريان هذا القصر.
في ذلك الوقت، لم تكن الأعمال قد ازدهرت بعد، فلم تفهم سيرينييل سبب هذا التصرف.
ولما عبّرت عن قلقها، قال لها كالريان:
> [أردت أن نقضي هنا وقتاً أطول معاً، ونصنع ذكريات جديدة. كما أنّ البقاء في القصر وحده قد يجعلكِ وحيدة.]
لكن باستثناء يوم الشراء، لم تأتِ سيرينييل إلى هذا المكان مجدداً.
فكالريان كان دائماً مشغولاً بلا فسحة من الوقت، ولم يمض وقت طويل حتى أصابها المرض وبدأت تذبل.
> [سأرسل حالاً من يحضر “المربية” و”بيني”. سيحتفل بعيد ميلاده السابع في هذا القصر.]
ربما كان لشراء القصر سبب آخر، سبب لم يخبرها به قط.
ومع ترديدها في ذهنها لصوت كالريان الواضح في ذاكرتها، قبضت سيرينييل يدها بإحكام، كمن يعقد عزماً كبيراً.
ثم بدأت بخطوات هادئة، مخفيةً حضورها، تمشي نحو القصر.
…”لكن لا يجب أن يُكشف أنني جئتُ إلى هنا. إن عُرف ذلك، فسينكشف أنني أدركتُ الحقيقة كلها.”
مع ذلك، لم يكن في قصر كالريان الريفي سوى كبير خدم واحد وعدد قليل من الخادمات، لذا كان بإمكانها مراقبة الوضع من الخارج بشكل عام فقط.
وفوق ذلك، بما أنّ كالريان قيل إنه في جولة تفقدية للمناجم، فمن المستحيل أن يكون هنا الآن.
لهذا السبب، لم يكن في نيتها سوى أن تلقي نظرة سريعة ثم تعود.
…هكذا كانت تفكر، بينما تقترب شيئاً فشيئاً من القصر.
“أبي! أبي!”
صوت طفل لم يكن يخطر ببالها أبداً أن تسمعه هنا…
“نعم، صغيري.”
ثم تلا ذلك صوت زوجها.
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 3"