11
سيرينييل بدت بملامح شخصٍ تلقى ضربةً على رأسه بهراوة.
الرجل الذي يُرى من بعيد… لم يكن هناك شك، إنه كاليان هيلكار.
زوجها الذي قال إنه سيغيب بسبب جولة تفقدية في المناجم.
و الطفل الذي بجواره هو…
“بيني! يجب أن تكون حذراً. إن سقطتَ مرة أخرى، سيحزن والدك كثيراً.”
بصوتٍ مليء بالعطف كلم كاليان الطفل، فضحك الأخير ضحكةً رنانةً مشرقة.
“نعم، والدك محق. لقد وقعتَ المرة الماضية وجرحت ركبتك، أليس كذلك؟”
وعلى عيني سيرينييل الخضراوين المعتمتين انعكست صورة الطفل في أحضان كاليان…
و ليراييه وهي تتقدم نحوهم مبتسمة.
عائلة.
ما أمام عينيها كان أسرةً مترابطة سعيدة بكل وضوح.
الطفل الذي يبتسم بعينين متلألئتين… كان يحمل ملامح الضحكة التي أحبتها سيرينييل فيهم بكل كيانها.
شعرت بدوارٍ خفيف، فاهتز جسدها قليلاً.
[لا داعي للقلق بعد الآن. أخيراً سنعيش معاً، نحن فقط. أنتِ، أنا، وطفلنا… نحن الثلاثة. عائلة حقيقية.]
“هاه…”
[سأرسل على الفور من يحضر المربية وبيني إلى القصر الريفي… عيد ميلاده السابع سنحتفل به هنا، في هذا القصر.]
سقطت سيرينييل جالسةً وهي تلهث، تعابيرها غارقة في اليأس.
رسمُ صورةٍ في عقلها لطفلٍ مجهول الملامح طوال الطريق إلى القصر كان شيئاً… أما مواجهة الواقع الآن فكان شيئاً آخر تماماً.
ومع ذلك، كانت تتمسك ببارقة أمل. “ربما يكون هناك خطأ… يجب أن أرى بعيني. ربما كان مجرد سوء فهم.”
لكنها الآن أدركت… كم كانت أفكارها تلك غبية.
“……”
ارتجفت يداها بشدة. مشاعر لا يمكن وصفها اجتاحت صدرها.
[إنها غلطتي يا سيري. أردت فقط أن أُربي طفلنا القادم في بيئة أفضل…]
كذب. لم يكن طفلنا، بل طفلهم.
كان يعرف كم تمنت أن تنجب طفلاً. كان يعرف أنها زارت الأطباء، تناولت الأدوية، وفعلت كل ما بوسعها.
فكم بدت مثيرةً للشفقة في عينيه إذن؟
ضحكت سيرينييل بوجهٍ شاحب خالٍ من الروح.
كان الطفل في حضنه يبدو في حدود العامين من العمر.
ومهما أعادت الحسابات، وُلد قبل زواجها من كاليان.
[آسفة يا سيرينييل… لم أكن بخير صحياً.]
والتفكير يعود بها: قبل الزفاف بعدة أشهر، توقفت ليراييه عن الظهور. وعندما سألتها بقلق: “هل أنتِ مريضة؟” اكتفت بإجاباتٍ قصيرة.
“أنا بخير… فقط بحاجة لراحة قليلة. آسفة لعدم قدرتي على مساعدتك في التحضير لزفافك.”
وما كان من سيرينييل الغبية إلا أن ترسل لها شتى أنواع الأدوية والمقويات… دون أن تدرك أن ليراييه كانت تربي طفلاً في بطنها.
منذ البداية، لم يكن هناك مكان لسيرينييل.
فقد كانوا هم بالفعل… عائلة مكتملة.
“سيدي، يبدو أن عربةً وصلت إلى هنا…”
استفاقت سيرينييل من ذهولها بصوت المربية.
“عربة؟ ماذا تعنين؟”
“هناك عربة متوقفة قرب القصر. لم تستدعها أنتَ، أليس كذلك؟”
“ليراييه، ابقي مع بيني هنا. سأذهب لأتأكد.”
قالها كاليان بسرعة، واندفع بخطواتٍ متوترة.
لم يكن غريباً. قلبه المثقل بالذنب لابد أنه ارتعب من فكرة أن يكون أحدهم قد جاء فعلاً.
“……”
غطّت سيرينييل فمها وتراجعت ببطء.
وبمجرد أن ظهر كاليان على بُعد خطوات قليلة، كانت قد اختبأت خلف شجرة كبيرة.
رفع حاجبيه بقلق وهو يتفحص المكان.
هل شعر بوجودي؟… قلبها كاد ينفجر، فأغمضت عينيها بإحكام.
لكن بعد لحظات، أخذت خطواته تبتعد شيئاً فشيئاً.
فتحت عينيها بحذر، فرأت كاليان يتجه نحو العربة الواقفة.
“ما الأمر؟ هذا قصرُ استجمامي الخاص.”
“……”
“سألتُك، ما الذي جاء بك إلى هنا؟!”
بصوتٍ غاضب صاح كاليان.
التفت السائس بعينيه نحو حيث تختبئ سيرينييل… لكن سرعان ما أعاد نظره إلى كاليان.
“أعتذر يا سيدي. لقد جئتُ بناءً على استدعاء، لكن يبدو أن العنوان كان خاطئاً.”
“ماذا؟”
“لقد حان موعدنا تقريباً، وانتظرتُ طويلاً دون أن يظهر الضيف. إن لم تكن أنت من استدعاني، فلابد أنني أخطأت.”
“غادر حالاً.”
كلام السائس لم يحمل ما يثير الشك. حتى كاليان بدا مقتنعاً، فلوّح برأسه آمراً إياه بالرحيل.
أطاع السائس بلا مقاومة، وأدار عربته مبتعداً.
وقف كاليان أمام القصر حتى اختفت العربة تماماً، وكأنه يتأكد أنها رحلت بالفعل. ثم أعاد تفقد المكان، ولما لم يرَ أحداً، عاد إلى الداخل.
غير مدرك أن زوجته كانت تراقب كل شيء من مسافة خطواتٍ قليلة.
“……”
بمجرد أن غاب عن نظرها، ترنحت سيرينييل وسقطت جالسةً تحت الشجرة، تكتم أنفاسها.
إن أطلقت العنان الآن، فلن تدري إن كان ما يخرج دموعاً، صراخاً، أم قيئاً.
وبينما هي متقوسة على نفسها، تساقطت قطرات مطرٍ باردة على ظهرها.
مطرٌ ربيعي قارس.
⚜ ⚜ ⚜
لم يتوقف المطر.
شعرها الأشقر الطويل حتى خصرها، ورداؤها الأسود، كلاهما ابتلا تماماً.
وجهها شحب من البرد غير المتوقع، جسدها يرتجف، لكنها واصلت السير بلا وجهة.
“……”
وجهها كان خالياً من أي تعبير، كوجه جندي مهزوم فقد كل شيء.
بل إنها بالفعل فقدت كل شيء، فلا غرابة أن يليق بها وصف “المنهزمة”.
“بشرٌ قذرون…”
تمتمت بصوتٍ خافت مشوب بالمرارة.
… أرادت قتلهم. كاليان وليراييه.
لكن مع كل لحظةٍ يزداد فيها وعيها بما رأت، كانت توجه السهام إلى نفسها أيضاً.
لماذا لم تعرف شيئاً؟
لماذا كانت غبيةً إلى هذا الحد؟
لماذا لم تشك بهم ولو لمرة واحدة؟
هل لأنها كانت، كما قالت ليراييه، ساذجةً وغبية بشكلٍ مثير للشفقة؟
إذن هل استحقّت ما جرى لها؟ هل كان ذنبها حقاً؟
وبينما تسير بخطواتٍ مترنحة، أطلقت ضحكةً هادئة، أشبه بالهذيان. سخرية لم يُعرف لمن وُجهت.
لكنها كررت في نفسها بلا توقف: “هذه المرة مختلفة. هذه المرة مختلفة.” وكأنها تعويذة.
… كان عليها أولاً أن تذهب إلى عمّها “فيليس”.
“نعم… عمي سيساعدني. بالتأكيد سيساعدني…”
لم يبقَ لها أحد. لا صديقة، ولا زوج، ولا الحبيب الذي لطالما عبدته.
لم يتبقَّ لها سوى فيليس.
صحيح أنها تعرف أنه مرتبط مع كاليان بمصالح المناجم… لكنها وثقت به. الرجل الذي قال لها بعد موت والديها المفاجئ إنه سيملأ فراغهما.
لكن كيف ستنتقم؟
حتى لو أخذت امتياز تخفيض الضرائب من كاليان، فهل سيكون لذلك أثر فعلي؟
وإن طلّقته، قد يسعد هو وليراييه أكثر، وربما عيشا حياة هانئة برغم بعض العقبات البسيطة.
“…….”
توقفت سيرينييل ببطء عن السير. ثم رفعت رأسها، وحدقت شاردةً في السماء.
انعكس على عينيها الخضراوين يأسٌ واضح لا لبس فيه.
إن لم يكن باستطاعتها أن تنتقم منهما حقاً…
فلماذا إذن عادت إلى الماضي؟
ما الفائدة إن كان ذلك بلا معنى…؟
وفي اللحظة التي كانت تكبت فيها هذا الهمس العقيم في صدرها…
توقفت بجانبها عربة كانت تركض من بعيد.
“…….”
ارتجفت سيرينييل، وهي تحدق في العربة.
هل كانت تسد الطريق؟ تراجعت عنها بضع خطوات، لكن العربة لم تتحرك لتكمل طريقها.
بدلاً من ذلك، انفتح شباكها المغلق بإحكام. ببطء شديد.
“……اليوم ليس طقساً مناسباً تماماً للتنزه ليلاً، فيما أظن.”
وظهر وجه شخص لم يخطر ببالها أبداً أن تراه.
“أليس كذلك، سيرينييل فيرديليت؟”
عند سماع ذلك الصوت المفاجئ، ارتجفت عينا سيرينييل التي كانت تخبو ببطء في ظلامٍ قاتم بلا بصيص نور.
“…….”
توقفت سيرينييل في مكانها، وحدّقت في من خاطبها.
“……دوق ليكسيون.”
تحركت شفتاها اليابستان بخفة وهمس صوتها الخافت.
ليكسيون روزينبستر.
ذلك الرجل الشهير.
حتى سيرينييل، التي لم تكن تستمتع كثيراً بحياة المجتمع الراقي، كانت تعرف اسمه ووجهه.
“…….”
من وجه ليكسيون، الذي كان يحدق بها وهي مبتلة بالمطر، انبعث شعور غامض لا يمكن وصفه بسهولة.
لطالما كانت سيدات الطبقة الأرستقراطية يقلن إن وجه ليكسيون المستقيم يكاد يبدو وكأنه نُحت من الجص. لكن سبب شهرته لم يكن جماله فحسب.
…ذلك الرجل الذي وُلد كابنٍ لجارية، لكنه مع ذلك أطاح بوالده وأخيه غير الشقيق واستولى على العائلة.
رجل وُصف بأنه قاسٍ إلى أبعد الحدود، بارد، لا يعرف الرحمة.
ويقال إنه ليؤكد أن تلك السمعة لم تأتِ من فراغ، يقضي أكثر من نصف العام مغموساً في الدماء، يتنقل بلا توقف بين ساحات الحرب.
حتى سيرينييل لم تكن تجهل تلك الشائعة القائلة إن عدد الذين قتلهم وحده يكفي لتأسيس إمارة كاملة.
“ابنة الكونت النبيلة، ما الذي تفعلينه في مكان منعزل كهذا؟”
“…….”
“وفوق ذلك، في حالٍ يرثى لها كهذا.”
في كلام ليكسيون عنها بـ”ابنة الكونت النبيلة” نوع من المغالطة.
فهي بالفعل امرأة متزوجة وتحمل الآن لقب عائلة “كاليان”.
لم يكن من المنطقي أن يجهل ذلك، ومع ذلك قالها. لكن سيرينييل لم تهتم بالجدال، وأجابت فقط عن سؤاله.
“……كان لدي عمل قريب من هنا.”
“عمل؟”
قهقه ليكسيون بخفة، وكأنه سمع شيئاً لا يُصدَّق.
“على أية حال، رغم أن الظروف لم تكن ملائمة، سررت بلقائك. إذن، سأرحل الآن.”
إنه شخص لا يجلب التورط معه أي خير.
وفوق ذلك، سيرينييل لم يكن لديها أدنى طاقة لمواجهة ليكسيون في هذه اللحظة.
وهو أمر طبيعي.
فلم يمضِ سوى بضع ساعات منذ أن شاهدت بعينيها خيانة زوجها ونتائجها.
دون أن تلتفت للوراء، واصلت السير. المطر ما زال يهطل بغزارة، لكن بما أن السائق هجرها، لم يكن هناك حل آخر.
مع ذلك، إن واصلت السير بنشاط، ربما تصل إلى مقاطعة مجاورة قبل منتصف الليل. وهناك يمكنها استدعاء سائق آخر.
…ذلك ما كانت تفكر فيه وهي تواصل خطواتها.
“…….”
فجأة خيّم ظلٌ داكن فوق رأسها، فتوقفت سيرينييل ورفعت نظرها.
كانت هناك يد كبيرة.
تصد المطر عنها.
“في هذه المناطق قد يظهر قطاع طرق. وإن ساء الحظ، ربما تواجهين وحشاً أيضاً.”
استدارت سيرينييل ببطء، وحدقت في ليكسيون الذي اقترب منها من دون أن تنتبه.
“ألا تعلمين أن امرأة ضعيفة، وفوق ذلك وحيدة مثلك، تصبح هدفاً سهلاً؟”
“…….”
“اصعدي إلى العربة بسرعة. سأوصلك.”
“لا، حقاً لا داعي…….”
هزت سيرينييل رأسها، لكن ليكسيون قاطعها سريعاً.
“قد لا يكون استدعاء سائق من المقاطعة المجاورة خياراً سيئاً، لكن في النهاية ستُثار الأحاديث.”
توقفت سيرينييل فجأة.
“مهما كان عملك، بمجرد أن يراك الآخرون وأنت تتجولين على هذه الحال، فلن يكون الأمر جيداً لك.”
“…….”
“لكن لو صعدتِ إلى عربتي، ستعودين بسهولة إلى القصر، وربما أضمن لكِ أن لا يتسرب شيء أيضاً.”
لماذا يفعل هذا؟
لطالما قيل إن ليكسيون روزينبستر لا يُظهر اللطف لأحد. وبالأخص لمن لا يملكون أي قيمة يمكن استغلالها مثلها.
لذلك كان الأمر غير مفهوم تماماً. لكن بدا أنه لا ينوي إطلاق سراحها.
“اصعدي.”
قالها بلهجة آمرة أخرى، وفي النهاية تنهدت سيرينييل ببطء، ثم بدأت تسير نحو العربة.
—
داخل العربة كان المكان واسعاً.
أوسع بكثير مما بدا من الخارج.
“…….”
لكن رغم ذلك، شعرت سيرينييل بعدم الارتياح وهي تجلس أمام ليكسيون. السبب كان بسيطاً: ركباهما كانتا تتلامسان عند كل اهتزاز طفيف.
العربة واسعة، لكن المشكلة كانت في ليكسيون روزينبستر.
كانت تعلم أنه طويل وضخم البنية، لكن لم تتوقع إلى هذا الحد. بدا وكأنه يستولي وحده على نصف العربة.
ربما لهذا السبب تحديداً كان يستخدم عربة كبيرة كهذه.
أخفت سيرينييل تعبيرها قدر المستطاع، واكتفت بالنظر عبر النافذة.
“عادةً ما يكون سبب بكاء النساء تحت المطر على هذا النحو، واحداً فقط.”
بعد وقت ليس بالقصير، كسر صوته العميق الصمت.
“رجل.”
“…….”
“هل الأمر كذلك معكِ أيضاً؟”
لم يكن كلامه بعيداً عن الحقيقة، لكن سيرينييل لم تفكر أبداً في تأكيده.
“لكن لا يبدو أن كاليان هيلكار يملك مثل هذه القدرة أصلاً.”
“……لا أعلم ما هي الافتراضات التي تبنيها، لكن لم يحدث شيء كهذا. وفوق ذلك، ليس شيئاً يخصك يا دوق.”
“لم يحدث؟”
“كما قلت لك، كان لدي عمل بسيط لا أكثر. لكنني تهت.”
“لا تجيدين الكذب، أليس كذلك؟ يا سيرينييل فيرديليت.”
“……ماذا قلت؟”
“العمل البسيط لا يجعلك تبكين حتى تنتفخ عيناك.”
لم تجبه سيرينييل، بل ظلت تحدق فيه بصمت.
كان وجهه ما يزال غامضاً، لا يمكن قراءة ما بداخله. بدا أحياناً وكأنه يسخر، وأحياناً كأنه جاد.
“يُقال إن لكاليان هيلكار منزلاً ريفياً بالقرب من هنا.”
“…….”
“وعادةً…… لا يوجد مكان أفضل من منزل بعيد عن القصر الرئيسي لإخفاء عيوبه.”
أليس كذلك؟
ابتسم ليكسيون وهو يعيد السؤال.
“……هل أدخلتني عربتك لتسألني مثل هذه الأسئلة، يا دوق ليكسيون؟”
نعم، من الطبيعي أن يثير الأمر فضوله.
لكن كان لدى ليكسيون بالتأكيد أحداث أكثر إثارة من مأساة زوجة بارون فقيرة مثلها.
ربما لهذا بدا لها أكثر مكرًا. أن يهتم بفضائح تافهة كهذه……
لكن إجابته كانت غريبة بعض الشيء.
“هل أنتِ سعيدة؟”
“……ماذا؟”
“سألتك إن كنتِ سعيدة، يا سيرينييل فيرديليت.”
مرة أخرى، ناداها باسم عائلتها الأصلية لا باسم كاليان، ثم أعاد سؤاله.
“ما معنى هذا؟”
“كما سمعتِ تماماً.”
“…….”
“قد يكون الأمر بالنسبة لي أكثر أهمية مما تظنين. لذا من الأفضل أن تجيبي بصدق.”
عند سؤاله، خيّم الظلام على عيني سيرينييل الخضراوين.
…سعيدة؟ هل هي سعيدة؟
لا، بالطبع لا. ما لم تكن قد فقدت عقلها.
حتى الآن كانت أحشاؤها تغلي من الداخل.
حين يخطر ببالها وجه كاليان تشعر بالغثيان، وحين تتذكر ليلاييه يشتعل الغضب في صدرها.
ثم ذلك الطفل……
تشنجت يدها البيضاء حتى برزت عروقها الزرقاء.
“أفهم.”
تمتم ليكسيون بهدوء وهو يحدق بها دون أن يشيح بصره.
“لقد أجبتِ بما يكفي.”
لم تقل سيرينييل شيئاً.
كما فعلت منذ أن صعدت إلى العربة، أدارت رأسها عمداً، واكتفت بالنظر إلى الخارج.
واصلت العربة سيرها بلا توقف، وخلال ذلك، كانت عينا ليكسيون مثبتتين على مكان واحد فقط. على ملامحها الجانبية التي تديرها عنه.
بعد وقت طويل، توقفت العربة ببطء.
انتهى الصمت الثقيل أخيراً.
حينها بادرت سيرينييل سريعاً بالكلام:
“أشكرك على اهتمامك، يا دوق ليكسيون. وأعتذر على الإزعاج رغم أن لقاءنا الأول.”
“…….”
“على أي حال، عد بخير…….”
“ليست هذه أول مرة نلتقي فيها، أليس كذلك؟”
قبل أن تُنهي سيرينييل تحية الترحيب، تفوّه ليكسيون بصوت خالٍ من الارتفاع والانخفاض، كما لو كان يُلقي الكلمات فقط.
“هل نسيتِ؟”
عند السؤال غير المتوقع، انقبض جبين سيرينييل قليلًا.
لكن مهما حاولت أن تنبش ذاكرتها، لم يكن لها أي لقاء سابق مع الرجل الواقف أمامها.
صحيح أنها سمعت عنه الكثير من الشائعات مرارًا وتكرارًا، لكن لم يكن هذا ما يقصده ليكسيون.
“لقد سألتُكِ نفس الشيء من قبل. أنتِ بالذات.”
“…….”
“بالضبط قبل نصف عام، في حفلة سخيفة.”
نصف عام مضى، حفلة……
لم يخطر ببالها سوى حدث واحد.
في فترة ما، حين كان زواجها من كالايان يقترب للغاية.
كانت قد تلقت دعوة وحضرت تلك الحفلة.
“لكن لم أتوقع أن يتغير جوابك بهذه السرعة.”
قهقه ليكسيون بخفة.
“أما أنا، فلا أرى الأمر سيئًا أبدًا. بل على العكس، أراه أفضل.”
“ما الذي تقصده الآن…….”
“عودي بحذر، يا سيرينييل.”
بدلًا من أن يُجيب على سؤالها، فتح ليكسيون باب العربة لها.
نظرت إليه سيرينييل بوجه مرتبك، ثم نزلت بحذر من العربة.
وعندما أعاد ليكسيون إنزال النافذة مجددًا، قال بصوت منخفض وهو يحدّق في سيرينييل التي كانت واقفة تنظر إليه:
“سوف نلتقي مجددًا.”
“…….”
“حتى لو لم تُعجبكِ الفكرة، هذا ما سيحدث.”
وكان ذلك آخر ما قاله.
العربة الضخمة، تمامًا مثل جسد صاحبها الكبير، انطلقت دون أن تلتفت إلى الوراء.
أما سيرينييل، التي تُركت وحيدة وسط الظلام، فكانت تحدّق بوجه مرتبك نحو العربة التي تبتعد تدريجيًا.
في النهاية، كان وقت عودة سيرينييل إلى القصر أبعد بكثير مما توقّعته.
“…….”
حين دخلت إلى داخل القصر، كان الإرهاق مرسوماً بوضوح على وجهها.
توقّف المطر، لكن فستانها وشعرها ما زالا مبتلّين تماماً، وجسدها بدا ثقيلاً كما لو أنه قطن مشبع بالماء.
وربما كان ذلك أمراً طبيعياً. ففي هذا اليوم القصير فقط، تحطّمت آمال سيرينييل تماماً وتحوّلت إلى شظايا.
شفاهها المضمومة بإحكام فقدت لونها، وما لبثت أن ترنّحت قليلاً قبل أن ترفع أصابعها لتضغط بشدّة على صدغيها محاولةً تجنّب صداعٍ لا يعرف التعب.
… هل عاد كاليان؟
صحيح أنّ المسافة بين الفيلا ومنزل البارون كانت بعيدة بعض الشيء، لكنها ليست بعيدة جداً إذا استُخدمت عربة.
وفوق ذلك، قبل أن تصعد لعربة ليكسيون، تجنّبت الطريق الأقصر المؤدي إلى منزل البارون خوفاً من أي طارئ، وسلكت طريقاً أطول وظلّت تمشي وحدها بلا هدف. وذلك لم يكن وقتاً قصيراً.
إذن من الممكن حقاً أن يكون كاليان قد سبقها وعاد إلى القصر قبلها.
لكن هل أستطيع الآن أن أواجه وجه كاليان وكأن شيئاً لم يكن؟
وفي تلك اللحظة بالتحديد—
“سيدتي…!”
جاءها صوت مألوف من بعيد في الرواق، ومعه ظهر ظلّ تعرفه جيداً. كانت “كينا”.
“لماذا تأخرتِ هكذا؟ هل تعلمين كم كنت قلقة عليكِ؟”
وجه كينا الملتصق بها بدا في حالة مزرية من القلق. وبالطبع كان قلقها مبرّراً تماماً؛ فعودتها تأخرت، والمطر انهمر بغزارة، والسائس عاد وحده من دونها.
“يا إلهي، لقد ابتللتِ بالكامل…”
“آسفة يا كينا.”
قالت سيرينييل وهي تزفر تنهيدة ثقيلة ممزوجة باعتذار.
“ما الذي حدث لكِ؟”
عند سؤال كينا، أغلقت سيرينييل فمها لبرهة وحدّقت فيها.
كينا… تلك التي اعتنت بها منذ كانت في بيت الكونت. أقرب إلى العائلة من كونها مجرد خادمة.
وهي الوحيدة في هذا القصر التي يمكن الوثوق بها.
… ولكن حتى لكينا، لم تعرف من أين تبدأ، ولا كيف تشرح ما جرى.
“سأخبركِ لاحقاً… لاحقاً فقط. الآن أنا متعبة جداً. آسفة.”
وجه كينا ظلّ يحمل القلق، لكنها لم تُلح أكثر.
وبدل ذلك، قالت بتردّد واضح:
“من الأفضل أن تبدّلي ملابسكِ أولاً، ثم تتناولين طعامكِ.”
“لا رغبة لي. أخبري كاليان فقط أنني لست بخير.”
“آه، في الحقيقة…”
تردّدت كينا قليلاً، وحينها فقط خمّنت سيرينييل أنّ أمراً ما قد حدث.
“لقد جاءت الآنسة ليرايا.”
“…… ماذا؟”
“جاءت مع السيد البارون. قالت إنها تريد أن تتناول الطعام معاً…”
في تلك اللحظة تجمّد وجه سيرينييل ببرود شديد.
هكذا إذاً.
لقد عادا معاً.
إلى هذا البيت… معاً.
كان الأمر يثير السخرية.
في أوقات سابقة ربما كانت ستعتبر ذلك طبيعياً. فـ ليرايا كانت صديقتها العزيزة الوحيدة، أشبه بالعائلة، وكانت أيضاً قريبة من كاليان.
لكن الآن… لم يعد الأمر كذلك.
ماذا يا ترى كانت تفكر به ليرايا في غيابي عن هذا القصر؟
هل كانت تقول لنفسها: “قريباً سأكون أنا سيدة هذا البيت”؟
أو: “عيد ميلاد ذلك الطفل فيني القادم، لا بد أن نحتفل به هنا”؟
شعرت بالغثيان يصعد في حلقها.
“قلتُ لهما إنكِ ذهبتِ إلى بيت الكونت. أخبرتهما أن عمّك استدعاكِ.”
قالت كينا بصوت منخفض، وكأنها تقرأ حال سيدتها.
“لم أستطع أن أجد عذراً أفضل من ذلك…”
“لا بأس، أحسنتِ.”
فقد كان من المعتاد أن يستدعيها عمّها في بيت الكونت من حين لآخر، ليسأل عن أحوالها أو عن تقدّم أعمال كاليان. لذا لم يكن ذلك عذراً يثير الشكوك.
“هل أقول لهما إنكِ تريدين الراحة؟”
“لا.”
هزّت سيرينييل رأسها نافية.
ثم، بعينين باردتين كالثلج، حدّقت نحو نهاية الرواق وقالت:
“أحضري لي فستاناً جديداً، كينا.”
⚜ ⚜ ⚜
بينما كانت تمسح عنها آثار المطر وتبدّل ملابسها، لم يكن في ذهن سيرينييل سوى فكرة واحدة تتردّد بلا انقطاع.
كيف… كيف تنتقم؟
كينا أخبرتها أنها بعد خروجها ذهبت مباشرة إلى السوق، وانتظرت هناك وقتاً غير قصير حتى حصلت على رسالة تذكر مكوّنات ذلك الشاي الزهري.
قالت إنها وضعتها في درج مكتب المكتبة.
تذكّرت سيرينييل كلماتها وفكّرت: حتى لو كتب في الرسالة أنّ ذلك الشاي كان سماً، فلن تتمكن من استخدام ذلك كذريعة لتحريك كاليان ضدها. فهما في النهاية متواطئان، وربما ينقلب الأمر عليها.
للأسف، كاليان وإن لم يكن يملك الكثير، إلا أن ذكاءه وسرعة بديهته لا يُستهان بهما. وربما توقّع أن تكتشف سيرينييل الحقيقة، فربما أعدّ فخاً آخر في انتظارها.
… هل أجرب رفع دعوى؟
سواء وقف كاليان في صفها أم لا… في النهاية هي نبيلة، بينما ليرايا مجرد عامية. ولو عُرف أنّ عامية تجرأت على فعل كهذا بنبيلة، فلن تنجو من العقاب أبداً.
ما أضحك في الأمر أنّهما لطالما تبادلا الكلام قائلين: “نحن صديقتان حقيقيتان، لا شأن للمكانة بيننا.”
لكن حتى هذا لم يرضِها. ولا الآخر.
في النهاية، لم يكن أمامها إلا خيار واحد.
أن تفضي بكل ما حدث لعمّها فيليس، وتتشاور معه حول ما يجب فعله لاحقاً.
… كيف سيتلقّى عمّها هذه الأمور؟
لم يكن الأمر مجرّد خزي أن تكشف له هذه الفضائح، بل شعرت حتى بوخزٍ من الذنب.
تنفّست تنهيدة حزينة وهي تمشي.
ولم تمضِ لحظات حتى بلغتها أصوات ضحك قادمة من الأمام. أصوات حانية مفعمة بالود.
وبالطبع، كانت أصوات كاليان وليرايا.
“…….”
وحين ظهرت أمامهما، توقف الاثنان فجأة عن الضحك وكأنهما لم يكونا يتبادلان الحديث المليء بالمرح قبل لحظة.
“سيـري.”
لكن الصمت لم يدم طويلاً، إذ سرعان ما فتحت ليرايا شفتيها وقالت:
“سمعت أنكِ ذهبتِ إلى بيت الكونت… لقد قلقت عليكِ. بدا وكأنكِ تأخرتِ أكثر مما توقعت.”
تحدثت إليها ليرايا بوجه لا يختلف عن عادتها أبداً—لطيف، ودود، دافئ.
لكن بالنسبة لسيرينييل التي عرفت كل شيء الآن، لم يعد يظهر لها إلا كقناع كريه مقزّز.
“هل وصلكِ شاي الأزهار الذي أرسلته لكِ؟”
“…….”
“لقد كتبتُ في الرسالة أيضاً، سيمنحكِ فائدة عظيمة! لذا لا تنسي أن تشربيه كل يوم بلا انقطاع.”
لم تجب سيرينييل بشيء. اكتفت بأن تحدّق في ليرايا بوجه بارد كالجليد.
“لماذا تبدين شاحبة هكذا؟ ألم يحدث لكِ شيء؟”
وقفت ليرايا من مقعدها ببطء وتقدّمت نحوها.
“هل أنتِ بخير حقاً؟ سيـري.”
أظهرت ملامحاً في غاية الأسى، ثم مدت يدها لتربّت على ظهرها بلطف وهي تقول:
“ألستِ مصابة بالزكام؟ عليكِ أن تستدعي الطبيب غداً فوراً. فأنتِ ضعيفة الجسد أصلاً، ماذا لو مرضتِ بشدّة كما في المرة السابقة؟”
من بين شفتي سيرينييل المنفرجتين قليلاً خرجت ضحكة قصيرة أقرب إلى السخرية.
“… هل جئتِ مع كاليان؟”
“هاه؟”
“كاليان قال إنه ذاهب لتفقّد المناجم.”
“آه، صادف أن التقينا في الطريق.”
أجابت ليرايا بابتسامة.
“فقلتُ لنفسـي لِمَ لا نتناول عشاءً نحن الثلاثة معاً؟ كما أنّني أردتُ أن أراكِ.”
“لماذا لا نجلس ونتحدث؟ يا سيـرينييل.”
قال كاليان بصوت دافئ، ونظرت ليرايا نحوها كأنها تحثّها على الموافقة.
اشتعل الغضب في صدرها، وشعرت بالاشمئزاز حتى ارتجف جسدها كله.
لكنها قاومت كل ذلك، وجلست ببطء من دون أن تُظهر شيئاً على ملامحها.
“لكن حقاً، لم تبدو ملامحكِ هكذا؟ هل هو بسبب زيارتكِ لبيت العائلة؟”
كان صحيحاً ما قاله كاليان، فسيـرينييل كانت تشعر بالكآبة أحياناً بعد عودتها من بيت أسرتها.
والسبب بسيط—لغياب والديها.
صحيح أنّ القصر لم يكن فارغاً، لكن مكانهما ظلّ شاغراً. أما الآن فقد أصبح عمها فيليس هو الكونت.
لكن، حتى قبل إقامة الشعائر، فقد كان هذا البيت هو المكان الذي عاشت فيه طوال حياتها… ولذا كان من المستحيل ألا تشعر بغياب والديها. وكان من المستحيل أيضاً ألا يشتاق لهما قلبها.
لو كان الأمر في السابق، لكانت قد تقبّلت قلقهما بصدق. بل ربما امتنّت لهما، قائلةً في داخلها: في النهاية، لا أحد يهتم بي سواهما…
نعم.
كم بدوتُ سهلةً بالنسبة لهما؟
كم بدوتُ ساذجة؟
هل لهذا السبب ارتكبا تلك الأفعال؟ بتلك البساطة، من دون أي تردّد؟
“سيرينييل…….”
صوت كاليان وهو ينطق باسمها كان مثقلاً بالقلق. لو رآه شخص لا يعرف شيئاً، لما تردّد لحظة في الاعتقاد أن مشاعره صادقة تماماً، بلا أي ذرة من الزيف.
حتى سيرينييل نفسها، للحظة، كادت تنخدع.
عينا كاليان الموجهتان نحوها كانتا دافئتين لدرجة أنهما أوحتا لها وكأنها عادت فجأة إلى الماضي، إلى أيام ما قبل أن تمرض، إلى زمن آخر أبسط وأكثر صفاء.
لكن…
[بيني، عليك أن تنتبه! إن سقطت، سيحزن والدك كثيراً.]
المشهد كان لا يزال حاضراً أمام ناظريها بوضوح. ذلك الطفل الذي يشبه كاليان وليرايا… والزوج الذي كان ينظر إليه بحنان بالغ وهو يحتضنه في ذراعيه.
“سيرينييل، قولي أي شيء، أياً كان… أجيبيني فقط…….”
“…… كاليان.”
قبل أن يُكمل كاليان كلامه، فتحت سيرينييل شفتيها سريعاً.
ثم، بوجه بارد كالجليد، نظرت إليه وسألته:
“……هل تسير الأعمال على ما يرام؟ على كل حال، لقد سألني عمي عن ذلك.”
“العم؟”
“يبدو أنّه يرغب في معرفة سير التقدّم، لكنه قال إنك مشغول كثيراً بالزيارات التفقدية، فلا يستطيع التواصل معك بسهولة.”
نظرت سيرينييل إلى كاليان وهي تكبح الغضب المتصاعد في داخلها.
على أية حال، في مثل هذا الموقف، لم يكن هناك أي جدوى من الانفعال مع كاليان. لم تكن سيرينييل غبية إلى حدّ أن تتجاهل ذلك.
“صحيح… لا بد أنك عانيت بسببي يا سيري.”
لم يكن وجه كاليان مشرقاً.
مع أنه حصل على موافقة الزواج بنجاح، وأصبح زوجاً لسيرينييل، إلا أن كاليان كان يشعر بنفور غامض تجاه عائلة فيل레스.
وكان ذلك طبيعياً.
فبينما نشأت سيرينييل في أسرة غنية ومترفة، لم تكن حال كاليان كذلك. كان ذلك نوعاً من عقدة النقص.
حتى إن حصوله على فرصة إدارة منجم لم يكن إلا بفضل سيرينييل وحدها.
أما قبل ذلك، فلم يكن يملك أي شيء حرفياً. لم يكن سوى كاليان هيلكار المعدم.
“سأتواصل أنا مع الكونت…”
“لا، لا بأس.”
هزّت سيرينييل رأسها قائلة:
“يمكنني أن أخبره بنفسي. كل ما أريده منك هو أن تخبرني كيف تسير أوضاع التعدين.”
“……سيري؟ هل تتحدثين بجدية؟”
أظهر كاليان ملامح استغراب من كلامها.
ولم يكن ذلك غريباً، إذ لم يسبق لسيرينييل قط أن سألت كاليان عن أمور تخص العمل.
لقد كان ذلك نوعاً من مراعاتها له، خوفاً من أن تتحول أسئلتها إلى مصدر ضغط جديد عليه.
لكن كاليان لم يكن يدرك ذلك. بل ظنّ ببساطة أنّ ابنة النبلاء التي تربّت في رفاهية وراحة، مثل سيرينييل، لن تكون مهتمة بمثل هذه الأمور. كما أنه اعتقد أنها لن تفهمها أصلاً.
كان ذلك مجرّد استنتاج أقرب إلى الاستخفاف.
“على أية حال، المنجم ملكي أيضاً، أليس كذلك؟ أشعر أنّ الوقت قد حان لأعرف الوضع بنفسي.”
عند كلماتها التي قالتها بخفّة، تجمّدت ملامح كاليان بشكل طفيف.
“وفوق ذلك، كما قال عمّي، أنت مشغول. أما هذا الأمر فيمكنني أنا تولّيه. كل ما يلزم هو أن أنقل له التقارير فقط.”
“ليكن كما قالت السيدة سيري.”
كان ليراييه من تدخل فجأة في الحديث.
“هكذا سيتمكّن السيد البارون من التركيز أكثر على العمل، أليس كذلك؟ وأنا واثقة أن هذا ما يريده سيري أيضاً.”
ارتسمت ابتسامة مشرقة على وجه ليراييه.
وكان السبب واضحاً. فقد أرادت أن تدفع بكل الأعمال المرهقة على عاتق سيرينييل، كي تقضي هي المزيد من الوقت برفقة كاليان بحجّة الزيارات الميدانية.
“لكن سيري، حقاً إنك تثيرين إعجابي في كل مرة. حتى لو كان مجرد تقارير، فإن ذلك يتطلّب جهداً. وأنتِ التي لا تعرفين شيئاً عن الأعمال، من الصعب أن تفهميها بسهولة.”
“…….”
“ومع ذلك تقولين هذا الكلام، لا بد أن ذلك يعكس مدى حبك للسيد البارون.”
لم تُجب سيرينييل بشيء.
لم تفعل سوى أن خفضت رأسها قليلاً، محدّقة في الطعام الذي بدأ يبرد أمامها.
“كم أنت محظوظ يا سيدي البارون. أن تكون زوجتك شخصاً مثل سيري.”
“صحيح، أنا أرى الأمر كذلك أيضاً. سيري إنسانة لا مثيل لها. أنا حقاً رجل محظوظ.”
لم يكن في أصواتهما أي شيء يبدو غريباً.
وهذا بحد ذاته دليل على أنهما كانا يخفـيان مشاعرهما السوداء بمهارة متناهية.
كادت سيرينييل أن تتقيأ، لكنها بالكاد تماسكت.
“حسناً، ابتداءً من الغد، أخبرني أنا عن سير العمل يا كاليان. كما قالت ليراييه، لا تشغل نفسك بشيء آخر.”
قالت ذلك بابتسامة متكلّفة، فأومأ كاليان موافقاً.
لقد كان مشروع المناجم قد بدأ للتو يلفت الأنظار.
ورغم أنّ الناس كانوا يرونه غير مستقر بعد، إلا أنّ كاليان قد راهن على هذا المشروع بكل حياته.
وكانت الأرباح منذ البداية ليست سيئة.
لكن الوجه الحقيقي لمشروع المناجم لم يظهر بعد.
والسبب هو حجر المانا
ذلك المعدن النادر الذي يصعب الحصول عليه إلى درجة أنّ سعره يُحدَّد بمن يطلبه. وكان كل ما يصل منه إلى الإمبراطورية مجرد كميات صغيرة يتم استيرادها بصعوبة.
غير أن استخراج حجر المانا من المنجم لم يعد بعيداً.
ومع ذلك، لم تكن سيرينييل تنوي أن تترك كاليان وشأنه.
بل كانت عازمة على إقصائه من المشروع، وسلبه كل شيء.
أرادت أن تدمّره… أن تدمّر كل ما يعتز به هو وليراييه.
ولهذا، كان عليها أولاً أن تعرف. أن تعرف كيف تسير الأوضاع بالضبط.
“بالمناسبة، هل سمعتما؟ سمعت أن دوق ليكسيون قد عاد.”
……ليكسيون؟
توقف عقل سيرينييل للحظة عند سماع ذلك الاسم.
“سمعتُ أيضاً. يقولون إنه عاد منتصراً من الحرب مجدداً، والكل يتحدث عن ذلك.”
قال كاليان وهو يدس قطعة خبز في فمه بشراهة.
“يبدو أنك لم تسمع بقية الأخبار.”
“……بقية الأخبار؟”
“يقال إن هناك الكثير من الأسرى هذه المرة، لكنه قتلهم جميعاً. طبعاً، جلالة الإمبراطور لا يهتم إلا بالنتائج، لذا لم تكن هناك مشكلة.”
تابعت ليراييه بحماس:
“حتى جنود الدوق أنفسهم أُصيبوا بالصدمة. قالوا إن الأمر كان مبالغاً فيه للغاية.”
“هكذا إذاً.”
تمتم كاليان بلا اكتراث وكأن الأمر لا يعنيه.
“ليس غريباً إذاً أن يلقبوه بالوحش السفّاح.”
……الوحش السفّاح.
تذكرت سيرينييل فجأة ذلك الشعور الساحق الذي اجتاحها حين نظر إليها ليكسيون مباشرة.
“الإمبراطور يقدّر الدوق كثيراً، لكن يبدو أن النبلاء لا يشاركونه ذلك. فسلطته صارت أكبر من اللازم، وقوته كذلك. ثم إن سمعته سيئة.”
“همم…….”
“حتى أن هناك شائعات تقول إن الإمبراطور يستغله للتخلّص من النبلاء الذين يضايقونه.”
“لو كان الأمر كذلك لما واصل إرساله إلى الجبهات. كيف لرجل يقضي حياته كلها في ساحة المعركة أن يهتم بإزاحة النبلاء؟”
رفع كاليان كتفيه بلا مبالاة.
“في النهاية، ما علاقتنا نحن بهذا؟ لن نلتقيه على أي حال.”
“صحيح. ذلك الرجل يقضي وقتاً أطول في الحرب منه في أراضيه.”
كان كلام كاليان وليراييه صحيحاً.
فـليكسيون روزنباستر كان رجلاً مهووساً بالحرب. لم يعرف سوى ساحات القتال، ولم يُظهر اهتماماً بشيء آخر.
لكن، لماذا إذن……؟
[سأراك مجدداً. حتى لو لم تريدي، سيحدث ذلك.]
……لماذا قال إنه سيراها مرة أخرى؟
“يبدو أن من يدمن القتل يصير هكذا. مثير للاشمئزاز. لعلها عادة ورثها من كونه ابن جارية.”
تمتم كاليان بكلمات ما كان ليجرؤ أن يقولها أمام ليكسيون نفسه.
بينما ارتشفت سيرينييل الماء الفاتر بصمت.
⚜ ⚜ ⚜
عادت سيرينييل إلى مكتبتها الخاصة في وقت متأخر من المساء.
“…….”
وقفت أمام مكتبها، وأطلقت تنهيدة قصيرة.
لقد جلست حتى نهاية العشاء.
مع أنها كانت تتوق للنهوض والمغادرة، إلا أن كبرياءً خفياً منعها.
خشيت أن يبدو وكأنها تهرب. أمام نفسها قبل أي أحد آخر.
كما أنها كانت تتخيل بوضوح مقدار سعادة الاثنين بعد أن تغادر.
لكنها لم تكن ترغب في توديع ليراييه.
وبما أن كينا تولّت أمر مرافقتها، فلا بد أن كاليان الآن يستعد للنوم.
……النوم معه في السرير نفسه، كانت فكرة تثير الاشمئزاز في أمعائها.
لكن إن غيّرت موقفها فجأة، فسوف يثير ذلك شكوكه. وكاليان كان رجلاً سريع البديهة.
لذلك لم يكن أمامها الكثير من الخيارات.
لقد جاءت إلى مكتبتها بعد العشاء فقط لتضييع المزيد من الوقت. كي تتجنب قضاءه معه قدر الإمكان.
وأيضاً……
لتتأكد من شيء طلبته من كينا.
“…….”
سرعان ما اتجهت نظراتها نحو درج المكتب. كان هناك رسالة مطوية بعناية، ومعها شاي أرسلته ليراييه.
فتحت الرسالة ببطء، لتظهر أمامها خطوط كتابة مألوفة.
> “كان الأفضل أن أتشرف بزيارتكم وإبلاغكم مباشرة، لكن بما أنكم وصفتم الأمر بالعاجل، أرسل لكم هذه الرسالة أولاً. أرجو أن تسامحوني.”
لقد كان خطّ العطّار الذي تعرفه منذ أن كانت في بيت الكونت.
كان في الظاهر يدير صيدلية عادية، لكنه في الخفاء كان يلبي طلبات تخصّ أعمال النبلاء القذرة.
مثل… السموم.
لذلك كان أكثر من يعرف مثل هذه الأمور.
> “المكونات التي تحتويها شاي الأزهار الذي استفسرت عنه يا سيدتي هي……”
تألقت عينا سيرينييل بوميض بارد وهي تتابع قراءة الرسالة.
“نلتقي مجددًا.”
عند سماع الصوت المألوف المفاجئ، التفتت سيرينييل ببطء خلفها.
“مرحبًا، سيرينييل.”
لم يخذلها حدسها أبدًا. حين التقت بعيني ليكسون الموجهتين نحوها بحدة، توقفت دون أن تشعر قليلًا في مكانها.
ما الذي يفعله هذا الرجل هنا؟
“لا أرى على وجهك ملامح الفرح برؤيتي.”
“…مرحبًا بكم يا دوق ليكسون. لم أتوقع أن ألتقي بكم في مكان كهذا.”
“أجل، في مكان كهذا.”
سرعان ما تحولت نظرات ليكسون نحو المتجر.
“هل تنوين شراء طقم أوانٍ جديد؟”
المكان الذي قصدته سيرينييل كان متجرًا مخصصًا ببيع التحف الراقية التي تليق بمنازل النبلاء.
ومن بين كل تلك المقتنيات الفاخرة، اشتهر المتجر بشكل خاص بأوانيه، كما ذكر ليكسون للتو.
لكن بالطبع، لم تكن مجرد أوانٍ عادية؛ بل كانت قطعًا نادرة، كخزفيات نفيسة عبرت البحار، أو مصنوعات مزخرفة بالذهب والأحجار الكريمة، أقرب إلى مظاهر الترف منها إلى الاستعمال اليومي.
“لكن حتى لو كانت تلك غايتك، لم يكن يلزمك القدوم بنفسك.”
لم يكن كلام ليكسون خاطئًا، غير أن سيرينييل لم يكن أمامها خيار آخر.
ففي القصر لم يكن هناك من يمكنها الاعتماد عليه سوى كينا، والجميع كانوا يعرفون أن كينا بمثابة يد سيرينييل اليمنى.
ولذلك، لو أوكلت إليها هذه المهمة، فمن المؤكد أن الخبر سينتشر، وعندها سيكون من الأفضل أن تأتي بنفسها وتقطع الطريق على أي تسريبات.
وفوق ذلك كله، فإن كينا لم تكن تعلم بعد ما الذي تحتاجه سيرينييل تحديدًا. ولو أرادت شرح الأمر لها، لكان عليها أن تكشف وضعها الحالي بالكامل.
“أم لعل هناك سببًا لا بدّ أن تجيئي من أجله بنفسك.”
تسلطت نظرات ليكسون الحادة عليها وكأنها تخترقها.
“على سبيل المثال… طلب خدمة لا يجوز أن يعرف بها الآخرون.”
“….”
“أو للتأكد من إغلاق الأفواه بإحكام. بل وربما كلا الأمرين معًا.”
“…لست أفهم قصدك، يا دوق.”
“سيدتي…”
تقدمت كينا، الواقفة خلف ليكسون، بنظرات مرتجفة نحو سيدتها.
حتى بالنسبة لها، لم يكن ليكسون روزنباستر شخصًا يسهل التعامل معه دون خوف.
“لا بأس يا كينا.”
طمأنتها سيرينييل بإيجاز، ثم عادت لتواجه ليكسون قائلة:
“لدي موعد مسبق مع صاحب هذا المتجر، لذا سأدخل الآن. وأتمنى أن تنجز أعمالك على خير، يا دوق.”
وبذلك أنهت حديثها وسارعت بخطواتها، قبل أن يطيل ليكسون روزنباستر الحديث معها أو يستدرجها لقول المزيد.
⚜ ⚜ ⚜
داخل المتجر، لم يكن هناك أحد سواه وصاحبه.
“مرحبًا بكم سيدتي. أنا بول.”
كان الرجل يدعى بول، بملامح ودودة ولطيفة. بعد أن قدم نفسه، ناولها كوب شاي دافئ ثم تابع:
“لقد أبعدت جميع الزبائن تحسبًا لقدومك.”
“شكرًا لك.”
“بلغني أنك تودين توكيل أمر ما إليّ، أليس كذلك؟”
“….”
“بما أنك تكبدت عناء الحضور شخصيًا، فلا بد أن الأمر بالغ الأهمية.”
كان واضحًا أن خبرته الطويلة مع النبلاء أكسبته قدرة على استشعار ما يدور.
“تفضلي واذكري حاجتك، ما الذي تطلبينه؟”
“استلم هذا أولًا.”
بدلًا من الإجابة، أخرجت سيرينييل كيسًا أعدته مسبقًا وسلمته إليه.
كان ممتلئًا بالعملات الذهبية.
“تعرف معنى هذا جيدًا، أليس كذلك؟”
“كثيرًا ما يقصدني أشخاص مثلك سيدتي.”
“ثم ماذا؟”
“…ثم أعلم جيدًا أن مثل هذا المبلغ قد يكون ثمن حياتي.”
ابتسمت سيرينييل بسخرية خفيفة.
“قد تظن أنني، بما أنني نشأت في بيت نبيل، بطيئة في فهم مثل هذه الأمور، لكنني لست بتلك البلاهة.”
“سيدتي…؟”
“ليس ثمن حياة، بل ثمن كتمان. فأنا لا أملك الوقاحة لأن أقيّم حياة إنسان بهذه البخسة من النقود.”
“….”
“يمكنك فتحه الآن إن شئت.”
ألقى بول عليها نظرة متفحصة، ثم فتح الكيس ببطء.
“سيدتي، هذا…”
شحُب وجهه على الفور. ولم يكن السبب مجهولًا؛ فالمبلغ كان ضخمًا للغاية لدرجة لا يُعقل اعتباره مجرد ثمن كتمان.
“لا أريد شيئًا سوى أن تثقل لسانك بهذا المقدار من الذهب الذي أعطيتك إياه.”
“….”
“وأؤكد لك أنك لن تتعرض لأي خطر. أصلًا، لم آتِ لأطلب منك أمرًا يضعك في خطر.”
“إذن تفضلي، سيدتي. ما الذي ترغبين به مني؟”
“أريدك أن تصنع لي أواني من الفضة.”
“فضة؟”
بدت على وجه بول علامات الاستغراب.
فالعادة أن النبلاء يفضلون الذهب أو الخزف، وبالأخص إن زُينت بالأحجار الكريمة.
“لكن أرجو أن لا يظهر عليها أنها من فضة. فبيت البارون يستعمل الخزف في الغالب. وبمهارتك، فلن يكون الأمر صعبًا، أليس كذلك؟”
“صحيح، ولكن…”
“سأدفع ثمن المواد والعمل منفصلًا. أكرر مجددًا، لن يكون هناك ما يعرضك للخطر.”
“حقًا ليس كلامًا خاطئًا.”
جاء صوت ليكسون مجددًا من الخلف.
منذ متى كان يستمع؟
تجمد وجه سيرينييل من الصدمة. غير أنها سرعان ما تذكرت أنها لم تفصح لبول عن شيء خاص، بل مجرد طلب.
“أقصى ما هنالك أنك تطلبين صنع أوانٍ من فضة. هل في ذلك خطر؟”
“يا دوق…”
حتى بول بدا عليه الارتباك وهو يحدق في ليكسون.
“ما لم تستخدميها لتحطيم رأس أحد وقتله، فلا خطر فيها. أليس كذلك، سيرينييل؟”
“…ألم تقل إنك أبعدت الجميع؟”
وجهت سيرينييل السؤال إلى بول، لكن ليكسون هو من أجاب:
“هناك أشخاص يمكن إبعادهم، وآخرون لا يمكن.”
“سيدتي، الحقيقة هي…”
“عائلة روزنباستر دعمت متاجر عدة لوقت طويل. معظم الناس لن يعرفوا مثل هذه التفاصيل كما أنتِ.”
دعم…
قطبت سيرينييل جبينها قليلًا.
لكنها لم تكن إلا ذريعة ظاهرية. فالحقيقة أن أفضل وسيلة لمتابعة ما يجري في الإمبراطورية هي مراقبة طلبات النبلاء المتبادلة وسمعتهم في الأسواق.
خصوصًا أن طلبًا استثنائيًا كهذا يعني بلا شك أن صاحبه يستعد لأمر خاص. ولإدراك مثل هذه التحركات مسبقًا، لا بد من كسب التجار بالمال.
“أعتذر يا سيدتي.”
انحنى بول معتذرًا.
“سأعرض عليك بعض أواني الفضة أولًا.”
“لا بأس، ولك…”
“لتكن أبسط ما لديك.”
قاطع ليكسون حديثها فجأة وهو ينظر إلى بول.
“حتى يسهل صنع كمية كبيرة منها في وقت قصير.”
“…كمية كبيرة؟”
ماذا يعني بهذا؟ تساءلت سيرينييل في حيرة وهي تحدق به.
“اذهب وأحضرها الآن.”
أومأ بول وابتعد عن المكان.
وبقي المتجر ساكنًا وقد حلّت بين ليكسون وسيرينييل لحظة صمت ثقيلة.
لماذا يفعل هذا؟ لماذا يتدخل مرارًا؟
كانت على وشك أن تعبر عن انزعاجها، لولا أن سبقه بالكلام.
“لن يفيدك الاستمرار في استعمال نوع محدد من الأواني إلى الأبد.”
“…ماذا قلت؟”
“خاصة إن كان من يشاركك المنزل هو المعني بالأمر.”
“….”
“إذن الأفضل أن تبدليها جميعًا. فلن يكون هناك مجال للشك عندئذٍ.”
كان محقًا، أجل. ومع ذلك، لم تستطع سيرينييل استيعاب دوافعه. لم تفهم ما يدور في ذهنه، لا قليلًا ولا كثيرًا.
“لكن ما يثير فضولي…”
“….”
“…من هو ذاك الذي يحاول دسّ السم لك.”
في تلك اللحظة، اضطربت عينا سيرينييل بقوة. لكن ليكسون لم يكن ينوي التوقف عن الكلام.
“الأواني الفضية مثالية لكشف السموم. بسرعة، وبموثوقية عالية كذلك.”
إذا لامس السم الفضة، فإن الفضة تسودّ وتتحول إلى اللون الأسود.
صحيح أن الفضة لا يمكنها كشف كل سم موجود في هذا العالم، لكنها قادرة على كشف معظم السموم المتداولة في الأسواق. وكذلك السم الذي وُجد في شاي الأزهار الذي أُرسل إليّ.
ذلك كان ما كُتب في الرسالة التي وصلَت إلى سيرينييل ليلة أمس.
“شخص تضطرين لمشاركته الطعام إلى حد يستدعي استبدال الأواني نفسها… لا يخطر بالبال سوى اسم واحد.”
“….”
“كالِيان هيلكار.”
تلألأت عينا ليكسون السوداوان بحدة، وبلمح البصر أدركت سيرينييل الحقيقة.
مهما تذرعت بالأعذار أو اختلقت الأكاذيب، فلن تتمكن من خداع هذا الرجل الواقف أمامها.
“…قلتَ إننا التقينا في حفلة من قبل، أنا وأنت يا دوق. قبل نصف عام.”
[ليست هذه أول مرة نلتقي.]
تذكرت سيرينييل الكلمات التي قالها ليكسون لها داخل العربة في ذلك اليوم الماطر، ثم حركت شفتيها ببطء:
“…وماذا بعد؟”
“أتذكر.”
[سيرينييل بيرديليت.]
“أتذكر ما الذي سألتموني إياه يومها.”
[هل أنتِ سعيدة؟]
“وأتذكر أيضًا ما الذي أجبتك به.”
[نعم، أنا سعيدة.]
“وكذلك… ما كانت آخر كلماتك قبل أن تغادر.”
ارتسمت على وجه ليكسون ملامح غامضة، وكأن هذا الكلام لم يكن يتوقعه مطلقًا.
*****
هلا بنات كيف الحال، جيت أخبركم أن مثل ما تشوفون قاعدة انزل لكم الرواية شوي شوي عشانها مش متوفرة عندي كملف، بس الخير الحلو؟
الرواية مكتملة عندي بقناتي بتلغرام، ايوا نعم مكتملة بكل فصولها، الرابط بتعليقاتي صفحة الرواية 🤭
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 11"