كان يوماً ربيعياً مشرقاً للغاية.
النسيم الدافئ يهب برفق، وأشعة الشمس تنزل بلطفٍ حانٍ. يومٌ تتفتح فيه كل أشكال الحياة، وتبرعم فيه الأغصان الخضراء الناعمة.
كان لا شك يوماً جميلاً من أيام الربيع.
ومع ذلك، جلست سيرينييل ترتجف وحيدة في الخفاء، بوجهٍ متوتر، كأنها إنسان تجمد حتى الموت.
“……”
نظرات سيرينييل، التي ظلت لوقتٍ طويل عالقةً عند قدميها، بدأت ترتفع ببطء… ببطء شديد…
حتى ارتسم على خضرة عينيها، رجل يجلس على كرسي متزين بأحجارٍ كريمة لامعة.
كان قد أسند ذراعه إلى مسند الكرسي، وأدار ساقاً فوق الأخرى، متجسداً في هيئةٍ متكبرة إلى أقصى حد.
لكن سيرينييل رأت أنه أمر لا مفر منه.
فأيّ نبيلٍ أو فارسٍ شجاع لو جيء به أمام هذا الرجل، لكسيون روزنباستر، لظهر بمثل حالتها هذه.
كما لو كان كائنًا صغيرًا حقيراً، تُرك وحيدًا أمام وحشٍ جبار، يسيطر عليه الرعب حتى العظم.
ولم يكن هذا مبالغة.
فكل من يعرف لكسيون روزنباستر، سواء كان نبيلاً أم عامياً، يتحدث عنه بصوتٍ واحد:
> “حتى لو طُعن قلبه بسيف، فلن يموت.”
“بل على العكس، حتى بلا سيف واحد، يستطيع قتل الناس بيسر.”
وكأن تلك الأقوال تجد إثباتها في عينيه السوداوين؛ فكل حياةٍ أمام نظرته تبدو وكأنها ستخبو وتذبل.
ولذلك كانت يد سيرينييل لا تتوقف عن الارتجاف.
فقد أدركت متأخرةً أنها ارتكبت حماقة حين تفوهت بذلك الطلب أمام رجلٍ كهذا.
ومع ذلك، لم يكن أمامها خيار آخر.
“إذن… قصدك هو…”
بعد وقتٍ غير قصير، حرّك لكسيون شفتيه ببطء، متحدثاً:
“أن أساعدك… في الطلاق من زوجك؟”
“……نعم.”
أجابت سيرينييل بصوتٍ مرتجف، فطرح لكسيون سؤالاً بوجهٍ جامد:
“لكن لا بد أنك تعرفين. أن فيلّيس لن يسمح بذلك.”
فيلّيس فيرديليت.
عمُّها الأكبر، وقاتل والديها، والذي ابتلع العائلة بعد موتهما.
“بينهم مصالح وثيقة. خصوصاً بعد أن بدأ كالّيان هيلكار الدخول رسمياً في أعمال المناجم.”
“……”
“العمل في المناجم تترتب عليه ضرائب ضخمة. وفيلّيس استغل نفوذه ليساعد كالّيان في الحصول على إعفاء ضريبي، مقابل أن يقتطع جزءاً ثابتاً من أرباح المشروع.”
لم يكن في كلامه خطأ واحد. كان الأمر كما قال تماماً.
قبل موتها المأساوي، لم تكن سيرينييل تعرف شيئاً من ذلك.
لكنها الآن… تعرف كل شيء.
وبما أن فيلّيس قد قبض بالفعل على منفعة حقيقية، فلن يسمح أبداً بطلاقها. وزوجها كالّيان لن يختلف عنه.
وفوق ذلك، فإن هدفهما الأخير كان…
“لقد كنتِ حمقاء، سيرينييل.”
“……”
“أليست المناجم ملكاً لك في الأصل؟ لو لم تسلّمي حق العمل فيها لكالّيان، لما آل الأمر إلى هذا الحال.”
نعم، لقد كان هدفهما الأخير… موتها.
أن يُنتزع المنجم من المالكة الحقيقية، سيرينييل، ثم يتصارعان عليه ليضعا اليد عليه.
“لهذا جئتُ إلى الدوق.”
قالت سيرينييل، وقد قبضت على يدها المرتجفة بقوة، ونظرت إلى لكسيون بثبات:
“لأنك، يا دوق، وحدك قادر على سحق معارضة عمي وزوجي بسهولة.”
“…ها.”
ضحك لكسيون باستخفاف.
لم يكن الأمر غير مفهوم.
أن تأتي امرأة فجأة، وتفوه بمثل هذا الكلام، لا بد أن يبدو مثيراً للسخرية.
“لكن أعدك. لن تكون صفقةً خاسرة بالنسبة لك، يا دوق.”
“أهناك ما يفيدني في هذا؟”
“كما أقام عمي مصلحة مع زوجي، يمكن أن نقيم أنا وأنت مصلحتنا الخاصة.”
“وما هي؟”
التقطت سيرينييل أنفاسها قليلاً، ثم أجابت بصوتٍ صغير لكنه جازم:
“سأمنحك نصيباً من أرباح المناجم.”
“وتريدين إقامة مصلحة معي… بهذا فقط؟”
“هناك أمر لا يعرفه أحد بعد. المناجم ستنتج قريباً حجر المانا. أنت تعلم قيمته، أليس كذلك؟”
كانت سيرينييل تعرف المستقبل.
كانت تعرف أن هذه المناجم، التي لم تلقَ تقديراً حينها، ستتحول إلى مصدرٍ لثروة هائلة.
“إنه مورد سيفيدك كثيراً، يا دوق.”
صحيح أن عائلة روزنباستر كانت من أعظم بيوت الإمبراطورية، وما تملكه يفوق الوصف.
لكن حتى أرباح حجر المانا لم تكن شيئاً يُستهان به.
صفقة كهذه لن تكون خسارة حتى للدوق لكسيون.
…لكن، إجابته لم تكن كما توقعت.
“هل هذا كل شيء؟”
“……ماذا؟”
“لستُ مهتماً بتلك المناجم السخيفة يا سيرينييل فيرديليت.”
وقف لكسيون من مقعده ببطء.
ثم بدأ يقترب منها، خطوةً بعد خطوة… ببطءٍ شديد.
ارتجفت سيرينييل مذعورة من سلوكه الغامض، وتراجعت إلى الخلف، حتى التصقت بجدار خلفها.
“قد تكون بين كالّيان وفيلّيس مصالح متبادلة… لكنك أنت، لا.”
“……”
“أنت وحدك كنتِ صادقة تجاه كالّيان.”
لم تُجب سيرينييل.
فقد كان ذلك صحيحاً.
لقد أحبّت سيرينييل فيرديليت، بكل قلبها، كالّيان هيلكار.
حباً صادقاً… غبياً حتى العمى.
اقترب لكسيون حتى صار أمام وجهها مباشرة، وحدّق فيها بنظرةٍ مهيبة:
“أجيبي، سيرينييل فيرديليت. لماذا تريدين الطلاق، مهما كان الثمن؟”
مع سؤاله، هبط فراغ عميق على خضرة عينيها.
[هل ماتت فعلاً؟ تحسّباً، اذهب وتحقق من نبضها يا كالّيان.]
[ولمَ اللمس الآن؟ الطبيب سيأتي ليكتب شهادة الوفاة على أية حال.]
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 1"