الفصل 50: أديلا دي بالوا

وُلدت أديلا كايزن دي بالوا في ديسمبر، ليلة رأس السنة.

كان الطقس ذلك اليوم قاسيًا للغاية.

ظلت الرياح تعوي في الخارج، تُحرك الأشجار يمينًا ويسارًا بشكل مُرعب.

ويتردد صداها بطريقة مخيفة في أروقة القلعة.

كان المنزل باردًا رغم الستائر السميكة التي تغطي النوافذ، والنسيج السميك على الحائط.

ناهيك عن أن المدفأة كانت مشتعلة باستمرار منذ اليوم السابق.

الغرفة التي كانت أوليفيا تعاني فيها من المخاض خلال الساعات القليلة الماضية امتلأت برائحة خشب التفاح الزكية.

ضلت تصرخ وتدفع باستمرار دون جدوى.

وفي كل مرة تتوقف فيها عن الدفع لتأخذ نفسًا عميقًا، كانت تنظر من النافذة، وتتساءل في نفسها: لماذا تكون ليالي الشتاء طويلة جدًا؟ ومتى سينتهي ألمها؟

كانت معجزة أن يتمكن الطبيب من الوصول إلى مسكن الماركيز كايزن في مثل هذا الطقس.

عندما وصل الطبيب إلى مسكن الماركيز، ركض كايزن نحوه مذعورًا، وأخبرها كيف كانت أوليفيا تتألم منذ أربع ساعات، وتوسل إليه أن يفعل كل ما في وسعه من أجلها.

طلب الطبيب من كايزن البقاء خارج الغرفة، لأنه بدا متأثرًا للغاية.

“أرجوك، أرجوك اعتنِ بأوليفيا، فهي كل ما أملك”. توسل كايزن إلى الطبيب قبل أن يدخل غرفتها ويغلق الباب.

حتى بعد أن وصل الطبيب أخيرًا، ظلت أوليفيا تصرخ من الألم، بل وتبكي.

توسل الخدم إلى كايزن ألا يدخل ويترك الطبيب يقوم بعمله.

بعد ساعات من الصراخ، ساد الصمت فجأة، مما أرعب كايزن، فتقدم ليدخل الغرفة رغم تحذير الجميع له، لكنه سمعه فجأة.

صوت بكاء طفلته، عالٍ بما يكفي ليسمعه كايزن، وكأنه يُعلن قدومها إلى العالم.

ثم فتحت القابلة الباب لكايزن قائلة: “إنها طفلة جميلة يا سيدي“.

بكى كايزن عندما سمع هذه الكلمات، لكنه مسح دموعه فورًا قبل أن تصل إلى ذقنه، ودخل الغرفة ليرى أوليفيا والطفلة.

“طفلتنا، أخيرًا هنا معنا” قالت أوليفيا لكايزن وعيناها دامعتان وهي تحملها بين ذراعيها.

اقترب منهما ووضع جبهته على جبهتها، وأغمض كلاهما عينيه ليستمتعا بهذه اللحظة الجميلة.

لحظة ولادة ابنتهما.

لحظة انضمام فرد جديد لعائلتهم.

سرعان ما هدأت الرياح العاتية وبدأت الثلوج تتساقط ببطء.

تساقطت رقاقات الثلج الصغيرة الواحدة تلو الأخرى لتغطي الأرض بأكملها بلون أبيض نقي.

وهكذا وُلدت أديلا.

ابنة الماركيز الجميلة، التي أحبها الجميع.

بشرتها بيضاء كالحليب، وعيونها وشعرها أسود كوالدها.

في الواقع، بغض النظر عن لون بشرتها الفاتح، بدت نسخة طبق الأصل من والدها.

كانت نشيطة، مشرقة، ولطيفة، ومدللة للغاية، وكان كايزن يفعل كل ما تطلبه.

كان يأخذها معه في كل مكان، إلى تدريب الفرسان والقصر الملكي.

و كلما رأوا قائد الجيش الملكي يُصفف شعر ابنته الصغيرة كان الجميع متفاجئين.

“انظري يا عزيزتي، كل هذه الأرض الشاسعة لكِ عندما تكبرين.” قال كايزن لأديلا وهو يحملها بين ذراعيه ويسيران في سوق إحدى المدن الكبرى في منطقته.

“كايزن! من المبكر جدًا إخبارها بهذا، فهي في السابعة من عمرها فقط.” قالت له أوليفيا.

“لماذا؟ أنا فقط أقول لها الحقيقة، حتى العائلة المالكة وعدت بجعلها الوريثة الوحيدة لعائلة بالوا.”

“هل أنت متأكد؟” سألته أوليفيا.

“بالتأكيد.” أجاب كايزن.

“لا، ليس هذا، أعني هل أنت متأكد أنك لا تريد أطفالًا آخرين.”

“لا!” قال كايزن بنبرة لطيفة ونظر إلى أديلا التي كانت تسير أمامهم تتحدث مع مربيتها ليزا. ثم تابع: “رأيتُ الألم الذي عانيتِ منه أثناء الولادة، ولا يمكنني أن أترككِ تمرين به مرة أخرى… أميرتي الصغيرة انتظريني.” صرخ ثم تبعها.

تنهدت أوليفيا ثم ابتسمت لرد كايزن.

ولكن على الرغم من سعادتهما الظاهرة، كان لدى كايزن وأوليفيا مشكلة كبيرة تقلقهما… صحة أديلا.

منذ ولادتها، كانت أديلا تعاني من ضعف في القلب، ولم تكن قادرة على القيام بأي عمل بدني شاق.

ربما يعود السبب في ذلك إلى الدواء الذي أعطاه لها لويس أو الصدمة التي تعرضت لها أثناء حملها.

كانت حالتها سببًا آخر وراء تدليل كايزن لها.

في الواقع، حالة أديلا ليست خطيرة جدًا، ولو امتنعت عن القيام ببعض الأعمال البدنية الشاقة، لعاشت بشكل طبيعي نسبيًا، لكن المشكلة ظهرت قبل عام عندما فاز كايزن ببطولة السيف.

كل بضعة أعوام، تُقيم العائلة المالكة بطولة سيف ودية بين أسياد السيوف في الإمبراطورية، و كايزن فاز بالمعركة.

عندما رأت أديلا أسلوب والدها القتالي، وكيف وقف الجميع، بمن فيهم العائلة المالكة، وصفقوا له بإعجاب بعد فوزه ، وقعت في غرام فنون القتال بالسيف.

في السادسة من عمرها فقط، أخبرت أديلا والديها بشجاعة أنها تريد تعلم القتال بالسيف.

الدم لا يكذب، أديلا من عائلة بالوا.

أحبت حمل السيف الخشبي في يدها، و التلويح به في الهواء.

لكن صحتها صعّبت عليها التدرب بشكل صحيح، ولذلك بحث كايزن وأوليفيا في كل مكان عن علاج يساعد ابنتهما الصغيرة على تحقيق حلمها.

وأخيرًا وجدا الحل.

بسبب التجارة سافرت “ماريا”، ابنة السير أنطونيو، مع والدها حول العالم.

ولما علمت بحالة أديلا، حرصت على إخبار أوليفيا بأي علاج ممكن.

في رسالتها الأخيرة، تحدثت عن دولة صغيرة تُدعى كوريا في شرق آسيا، حيث يمتلك الأطباء الملكيون علاجًا نادرًا قد يُجدي نفعًا مع أديلا.

حالما سمعوا الخبر السار، كانت عائلة بالوا في طريقها.

الطريق إلى كوريا طويل جدًا، وقد يستغرق الوصول إليه بالسفن من 4 إلى 6 أشهر، وهذا فقط في حال كانت الرياح جيدة ولم تكن هناك عواصف.

في ذلك الوقت لم يكونوا يعلمون أن أحد المكونات الرئيسية اللازمة لعلاج أديلا كان نادرًا حقًا وليس سهلاً كما كانوا يعتقدون.

*****

Instagram:Cinna.mon2025