الفصل 44: هل تريد سماع قصتي؟
ظلم… هذا ما شعرت به أوليفيا حيال وضعها .
الآن وقد استعادت ذاكرتها، أدركت كم كان وضعها كارثيًا .
كان عليها أن تدفع ثمن أخطاء شخص آخر.
والأسوأ من ذلك كله أنها لا تعرف كيف حال جدتها .
مرت أربع سنوات منذ آخر مرة رأت فيها جدتها، وقد يحدث الكثير في هذه الفترة الطويلة .
لذلك ظلت تسأل الطبيب متى يمكنها مغادرة القصر للاطمئنان عليها، لكن الإجابة بقيت كما هي: “أنتِ بحاجة لمزيد من الوقت “.
وكان محقًا، فحتى أوليفيا شعرت بصعوبة تحريك يديها وقدميها.
لهذا كانت تتدرب مرتين يوميًا بالمشي ذهابًا وإيابًا في الردهة .
كان كايزن ينتظرها دائمًا خارج الباب بصمت، منتظرًا منها أن تسامحه، لكنها لم تفعل .
لأن أوليفيا كانت لا تزال تشعر بالمرارة لإخفائه الحقيقة عنها .
في اليوم التالي، بعد الظهر، خرجت من غرفتها لتحاول المشي مسافة أطول هذه المرة، لكن كايزن لم يكن موجودًا .
“ هل استسلم أخيرًا؟” قالت بصوت عالٍ بما يكفي لتسمعه ليزا .
“ سيدي، كايزن مريض.” قالت ليزا ثم اكملت “لقد أغمي عليه خارج غرفتك هذا الصباح .”
“ هل هذه خدعة أخرى منه ليجبرني على رؤيته؟” قالت أوليفيا وهي تتنهد .
ثم توقفت عن الكلام وبدأت بالمشي، لكنها كانت تسير نحو غرفة كايزن دون وعي .
“ هل يمكنني الدخول؟” قالت أوليفيا بعد أن طرقت الباب .
لكن ريك، مساعد كايزن، فتح الباب على الفور. “تفضلي بالدخول يا سيدتي .”
“ كان كايزن يبدو في حالة سيئة بالفعل، لكن ليس لدرجة أن يكون طريح الفراش .”
“ سأترككما لتتحدثا” قال ريك ثم غادر الغرفة على الفور .
“ كيف حالك؟” سألت أوليفيا وهي تقترب من سرير كايزن وتجلس بجانبه .
لكن كايزن لم يُجب .
وضعت أوليفيا يدها على جبهته .
“ لديك حمى خفيفة، لذا لم تكن تكذب تمامًا .”
“ أنا مثير للشفقة، أليس كذلك؟” قال كايزن بحزن .
“ نعم، أنت كذلك، ففي النهاية استخدمت هذه الحيلة الرخيصة لإجباري على زيارتك .”
“ كانت فكرة ريك، لم أعتقد أنها ستنجح، لكن رؤيتك هنا الآن تجعلني أرغب في الاستماع إليه أكثر.” قال كايزن بابتسامة خافتة على وجهه .
على الرغم من أن جزءًا من بؤسها كان بسبب كايزن، إلا أن أوليفيا لم تستطع كرهه حقًا .
كانت غاضبة منه بالتأكيد، لكنها كانت تهتم لأمره أيضًا، ولذلك جاءت إلى غرفته بمجرد أن علمت بمرضه .
“ هل تريد سماع قصتي؟ “
“ نعم” أجاب كايزن فورًا .
“ أحذركِ، إنها ليست قصة سعيدة .”
“ لا بأس، أريد سماعها” قال كايزن وهو يمسك بيدها .
“ ألباينو… هذا ما شخّصني به طبيب أجنبي عند ولادتي .
كانت عائلتي تستدعي طبيبًا تلو الآخر ليحاولوا فهم سبب اختلافي .
لماذا كانت عيناي حمراوين وشعري أبيض؟ ولماذا أختلف كثيرًا عن إخوتي الثلاثة؟
أمي التي لطالما رغبت في إنجاب فتاة، أنجبتني أخيرًا .
لكنني لم أكن ما أرادته أمي… كنت وحشًا .
لم أكن مختلفًا عن عائلتي فحسب، بل عن كل فرد في منطقتنا .
عندما كنت طفلة، لم أفهم لماذا حتى الخادمات في منزلنا لم يتركن أطفالهن يلعبون معي .
ولماذا كان والدي يتجنب النظر إليّ حتى .
حتى أن أحد إخوتي انضم إلى أولئك الذين يسخرون مني، وكان أحيانًا يدعو أصدقائه لينظروا إليّ كحيوان غريب .
وهذا أغضب أمي .
بدأت تصبغ شعري بمواد كيميائية مختلفة لجعل لونه أغمق، لكن اللون تلاشى بعد أسبوعين فقط، واضطرت إلى الصبغة مرارًا وتكرارًا .
شعرتُ بفروة رأسي وكأنها تحترق، ورائحة الخلّ من الصبغة علقت في أنفي وجعلتني أشعر بالغثيان، كنتُ في الخامسة من عمري آنذاك .
لكنني كتمتُ دموعي، وحاولتُ البقاء قوية، لأن هذه كانت الطريقة الوحيدة التي تُمكّن أمي من لمس شعري وقضاء الوقت معي .
حتى بعد كل هذا الجهد، كان شعري يتحول إلى لون بنيّ موحل بشع وليس اسودا مثل امى و اخوتي.
ناهيك أن حتى بعد تغير لون شعري، كانت عيناي الحمراوان تُخيف الناس، واضطررتُ لقضاء معظم وقتي في المنزل لتجنب أن يُطلق عليّ لقب ساحرة أو شيطانة .
وسرعان ما بدأت هذه الشائعات تؤثر على عائلتي .
كان والدي يتهم أمي بالخيانة، لأنني لا أشبهه في شيء .
وكان أخي الأكبر يلومني على كل مصيبة واجهتها عائلتنا بسبب سوء استثماره .
(هذا خطأك) كان يقول وهو يُشير إليّ، وكنتُ أُصدقه بغباء، لأنني كنتُ صغيرة وساذجة .
لذلك كنتُ أذهب إلى غرفتي و ابكي كلما تشاجر والداي .
في إحدى المرات، قصصتُ معظم شعري بمقصّ دون أن يعلم أحد، وعندما رأت أمي ذلك ، شعرت بالأسف علي لأول مرة في حياتها .
احتضنتني بحرارة، وبكينا معًا .
لبضعة أيام، تحسنت علاقتي بأمي، وكنا نقضي وقتًا طويلًا معًا، ولكن …
مرضت فجأةً، وتوفيت …
حتى يومنا هذا، لو سألني أحدهم عن أصعب شيء مررت به، لقلتُ: موت أمي .
لم يُسمح لي بحضور جنازتها .
توسلتُ لعائلتي مرارًا أن يسمحوا لي بوداعها للمرة الأخيرة .
لأضع زهرة على قبرها وأُخبرها كم أحببتها رغم كل شيء .
لكن أبي وإخوتي حبسوني في غرفتي .
قضيتُ تلك الليلة أبكي بحرقة، وطرقتُ الباب حتى صباح اليوم التالي، لكنهم لم يسمحوا لي بالخروج .
وعندما غادر الضيوف الذين حضروا الجنازة أخيرًا، فتحوا الباب عليّ وألقوا حقيبةً في اتجاهي .
“ احزمي أمتعتكي، ستغادرين” قال أبي بنبرة غاضبة، كما لو كان يلومني على وفاتها أيضًا .
أرادت عائلتي رحيلي… وفعلتُ ما طلبوه مني .
كنت في العاشرة من عمري فقط، لكنهم أرسلوني في العربة وحدي دون خادمة أو مربية .
خلال رحلة العربة، فكرتُ فيما خططت له عائلتي لي، ولم تكن أي من الأفكار التي خطرت ببالي إيجابية .
لكن على عكس ما كنت أعتقد، تغيرت حياتي للأفضل بعد لقائي بجدتي .
أظهرت لي حبًا وعناية لم أختبرها طوال حياتي، وشعرتُ تدريجيًا بأنني شخص طبيعي .
سمحت لي بإطالة شعري، وكانت تصففه لي كلما خرجنا إلى المدينة، لكنها طلبت مني تغطية عينيّ بضمادة .
اختارت قماشًا رقيقًا، فتمكنتُ من رؤية الأشياء من حولي كلما ذهبنا للتسوق .
وإذا سألها أحد عن لون شعري، كانت تقول: “لقد اصيبت بالحمى القرمزية في صغرها، وتحوّل شعرها إلى اللون الأبيض بين عشية وضحاها و فقدت بصرها”.
اهل المدينة صدقوها . لأن جدتي كانت تحظى باحترامهم .
يوم لقائي بجدتي كان بداية حياتي الحقيقية .
أنا، التي كان الناس ينظرون إليّ بخوف واشمئزاز، الآن اُمدح على جمالي الفريد .
بدأ الناس يُشيدون بشعري قائلين إنه كالحرير، بينما حسدني آخرون على بشرتي البيضاء .
حتى انني تلقيت اعترافات الحب ايضاً.
شعرتُ وكأنني وجدتُ أخيرًا مكانًا أنتمي إليه .
مرة أو مرتين في السنة، كانت جدتي تزور إحدى صديقاتها في ضواحي العاصمة .
لم تكن صديقتها تخاف مني ولم تُبالِ بحالتي، بل وكانت تسمح لي بركوب خيولها .
“ فقط كوني حذرة ولا تذهبي إلى الأماكن المزدحمة “. نصحتني جدتي كلما خرجت لوحدي.
كنتُ أتطلع إلى ذلك طوال العام، حيث أركب حصانًا وأشعر بالهواء البارد على وجهي، واندفاع الدم في عروقي .
قبل أربع سنوات، في إحدى جولاتي، رأيت امرأة في مثل عمري جالسة بجانب بحيرة …
عرّفت عن نفسها باسم لانا، وظلت تُثني على مظهري .
وصفتني بجنية الثلج .
تحدثنا لساعات، ثم طلبت مني أن أمرّ غدًا .
وعندما فعلتُ، قضينا وقتًا ممتعًا نتحدث ونلعب بجانب البحيرة الى أن قالت إن قلادتها مفقودة .
انحنيتُ أبحث عنها في البحيرة، ثم شعرتُ بضربة قوية على رأسي .
وهكذا فقدت ذكرياتي، وأنت تعرف بقية القصة .
قالت أوليفيا وهي تشد على قبضتها بغضب .
“أنا آسف…”. قال كايزن بحزن “لقد زدتِ من بؤسكِ “.
“ لقد فعلت”. ردت اوليفيا ثم تابعت: “لكنك علمتني أيضًا شكلًا مختلفًا من الحب “.
اتسعت عينا كايزن، والتفت نحو أوليفيا .
طمأنه صوتها وطريقة نطقها بتلك الكلمات بأنها لا تزال تحمل له مشاعر الحب .
“ أرجوكِ امنحني فرصة أخرى”. توسل كايزن إليها .
وضعت أوليفيا يدها على وجه كايزن ونظرت إليه في عينيه. “حسنًا”. أجابت، ثم انحنت لتُقبّله قبلة خفيفة على شفتيه .
بعد القبلة، ابتسما كلاهما وهما ينظران في عيني بعضهما .
“ هل لا تزال السيدة أوليفيا هنا؟” سألت ليزا ريك الذي كان يتنصت من خلف الباب.
“ شششش، أخفضي صوتك .”
“ ماذا يحدث؟ “
“ أعتقد أنهما تصالحا أخيرًا” قال ريك بنبرة سعيدة .
“ وكيف عرفتِ ذلك؟ “
“ لنغادر الآن” قال ريك بابتسامة عريضة وهو يحاول دفع ليزا بعيدًا عن الغرفة .
في تلك الليلة، استلقى أوليفيا وكايزن بجانب بعضهما .
ولكن بما أنهما لم يتناولا العشاء، استيقظا مجدداً حوالي منتصف الليل وساروا نحو المطبخ وهم يضحكون .
وجدت أوليفيا بعض الخبز المتبقي في سلة الخبز، ووجد كايزن بعض الجبن، وجلسا معًا في المطبخ يتحدثان ويأكلان ويضحكان بينما كان جميع من في القصر نائمين .
في صباح اليوم التالي، وصلت رسالتان إلى عائلة بالوا .
قبل أن يستمتعوا حتى بهذا الهدوء، وقبل أن يبدأوا حتى في مناقشة أمور مهمة أخرى، كان عليهم العودة إلى الواقع .
كانت الرسالة الأولى موجهة إلى كايزن. من ولي العهد ليأتي ويقررعقوبة لويس .
التالي كان من دونا وسيدريك الذين أرادوا زيارتها للاطمئنان عليها .
******
Instagram: Cinna.mon2025
رغم جمالها النادر اوليفيا لم تحضى بحياة سعيدة
التعليقات لهذا الفصل " 44"