الفصل 37: عد إلى المنزل
وصلت رسالة أخيرًا إلى المدرسة الداخلية التي كان يقيم فيها سيدريك.
“عد إلى المنزل!” هذا كان محتوى الرسالة التي أرسلتها دونا إلى سيدريك.
بهذه الرسالة، ا نتهي عقاب سيدريك أخيرًا.
على مدار السنوات الأربع الماضية، شعر بوحدة شديدة لدرجة أن كل مشاعره تخدرت.
في البداية، كان يبكي في سريره ليلًا مشتاقًا إلى غرفته… ألعابه… مكتبته… والأهم من ذلك كله، دونا التي أحبها أكثر من أي شيء آخر في العالم.
لكن بعد مدة، أدرك أن لا أحد سيأتي لأخذه، وكان عليه أن يتكيف مع واقعه الجديد.
تخلى عنه والده…
لم تستطع دونا حمايته…
واختفت والدته…
شكّل هروب لانا بداية مأساته.
في البداية، كان أطفال المدرسة الداخلية يتبعونه كالنحل.
لكن بعد فترة، حتى هؤلاء الصغار أدركوا أن سيدريك قد هُجر.
لم يزره والده، دوق فالتوريا العظيم، عندما نال سيدرك جائزة لتفوقه الدراسي.
كما أن الدوقة لم تزره إلا مرتين خلال السنوات القليلة الماضية.
لكن سيدريك كان يعلم حقيقة أن دونا لم تستطع زيارته لأن لويس منعها.
وكان إبعاد دونا عنه طريقة أخرى لمعاقبته.
لذلك كان سيدريك يصلي كل ليلة وهو ينظر إلى القمر.
يدعو أن تعود والدته لانا، وأن تعود حياته إلى طبيعتها.
قال لنفسه: “هذه المرة سأعامل أمي جيدًا”، لأنه الآن وقد كبر، أدرك مدى قسوته عليها.
حتى يومها الأخير في المنزل المنعزل في أعماق الغابة، كانت لانا لا تزال ترغب في أخذ سيدريك عندما تهرب.
كان يرفض الذهاب معها، بل ويحثها على المغادرة بسرعة والاختفاء من حياته.
وأخيرًا فعلت، ونتيجتة لذالك انهار عالمه.
أرسلت دونا عربة أيضًا لأنها تفتقد سيدريك كثيرًا وتتمنى رؤيته في أقرب وقت ممكن.
لكن سيدريك لم يصدق ما رأته عيناه و ظل يقرأ الرسالة مرارًا وتكرارًا.
ثم بدأت الدموع تتساقط من عينيه.
لقد انتظر طويلًا.
كان يدعو لهذه اللحظة كل ليلة، وأخيرًا جاءت.
حزم حقيبته بأسرع ما يمكن وهو يمسح دموعه.
أراد مغادرة المدرسة بأسرع ما يمكن، لانه خشى أن يكون هذا حلمًا.
وإن كان كذلك، أراد على الأقل الوصول إلى المنزل قبل أن يستيقظ.
في طريق عودته، ظلّ يحمل رسالة دونا بين يديه داخل العربة، وينظر إليها بين الحين والآخر، خشية أن يكون هذا وهمًا.
وعندما رأى أخيرًا قصر الدوق من بعيد، بدأ قلبه يخفق بشدة.
وضع يده الصغيرة على النافذة، وظلّ ينظر إلى القصر وهو يقترب أكثر فأكثر.
هدأت عجلات العربة ذات الإطار الحديدي، التي كانت تُصدر صوت طحن طوال الساعات الماضية، أخيرًا، وخفّ صوت حوافر الخيول، ثم هدأ تدريجيًا.
عندما فتح السائق باب العربة، وخرج سيدريك ببطء.
كانت دونا تنتظره عند البوابة الأمامية.
ابتسمت دونا وفتحت ذراعيها له.
ما إن رأى ذلك حتى بكى سيدريك مجددًا، فركض نحو ذراعيها وعانقها بأقصى ما يستطيع.
ثم بكى بصوت عالي، مُطلقًا كل ما في جعبته من مشاعر غمرته لفترة طويلة.
كانت دونا أيضًا عاطفية، لكنها حاولت أن تبدو قوية من أجل سيدريك.
بينما كانت تعانقه، أدركت كم كبر.
من المدهش كيف يكبر الأطفال بسرعة في بضع سنوات.
ولم يعد يشبه الصبي الصغير الذي يتبعها في كل مكان.
الصبي الصغير الذي كان يحضر لها الكتب كل يوم لتقرأ له.
نفس الصبي الذي كان ينام أحيانًا بين ذراعيها، كان صغيرًا جدًا لدرجة أنها تستطيع حمله إلى فراشه.
لكنه الآن صبي كبير، ندمت على تفويت كل هذه المراحل من حياة سيدريك.
لهذا السبب عانقته بقوة ووعدت نفسها بحمايته مهما كلف الأمر هذه المرة.
حتى لو كانت سعادة سيدريك تعني تعاسة لانا.
كل ما كان عليها فعله الآن هو منع سيدريك من معرفة الحقيقة.
عن مكان لانا وكيف حالها.
فتماسكت ونظرت إلى سيدريك بابتسامة عريضة وهي تمسح دموعه.
“أهلًا بعودتك إلى المنزل” قالت بنبرة سعيدة، ثم أمسكت بيده الصغيرة وأخذته إلى غرفته.
قضوا اليوم الأول في التحدث عن حياة سيدريك خلال السنوات الأربع الماضية.
كيف كان أداؤه في الامتحانات؟
وكم كان متفوقًا في الرياضة؟
وكم قرأ من كتب.
وخلال تلك المحادثة على العشاء، استمر كلاهما في الابتسام كثيرًا.
كما لو أنهما أخيرًا استطاعا التنفس بحرية.
وبعد العشاء، ودعت دونا سيدريك و تمنت له ليلة سعيدة، ثم قالت بضع كلمات أخيرة تركت سيدريك في حيرة.
“شيء أخير يا سيدريك” قالت دونا وهي تضم يديها، “لا تقترب أبدًا من القصر الرئيسي… سيزورنا والدك متى استطاع، لذا لا ينبغي أن نزعجه، حسنًا؟”
كان سيدريك مرتبكًا لكنه رأى مدى جدية دونا ولم يكن لديه خيار سوى الموافقة على طلبها.
لم يكن يعلم كم كان ثمن حريته مرتفعًا.
وما فعلته دونا من أجله.
*******
Instagram: Cinna.mon2025
التعليقات لهذا الفصل " 37"