كانت مفاجأة طلب إدوارد أمراً ثانوياً، فالمهم أن الطلب نفسه لم يكن صعباً، ولذلك نظر إليه الحاضرون بإيجابية.
لم يكن هناك سبب للرفض.
فشركة إدوارد لم تكن مجرد شركة يملكها فرد، بل إن قوة EW تعني اتساع نفوذ المساهمين في القارة بأسرها.
كان هذا سبب الآخرين، أما بالنسبة لإيريك فكان الأمر أكثر شخصية.
“لقد قطعت له وعداً بأن أرفع يده في اجتماع المساهمين القادم.”
“أتقصد حين كنت تغادر ويبن؟”
“…أعذريني.”
“لم أقل شيئاً بعد.”
كان ذلك في مائدة العشاء مساء ذلك اليوم.
أدرك إيريك فجأة أن كلمة ‘آسف’ قد التصقت بلسانه بلا انفكاك.
لم يكن بوسعه فعل شيء.
فحين يفتح قلبه، كثيراً ما يستعيد ذكريات الماضي، وفي أغلب الأحيان، تسعاً وتسعين مرة من أصل مئة، كان هو المخطئ فيها.
ابتسمت تيريا ابتسامة صغيرة.
ثم مد إيريك يده وأمسك يدها بقوة، متردداً.
وكانت تلك لحظة خاصة.
“أما لديك ما تقوله عن الحرب الشاملة الثانية؟”
قالت تيريا بنبرة تحمل شيئاً من الحزن.
ارتسمت على شفتي إيريك ابتسامة مرة.
“أعتذر أيضاً… لا أستطيع أن أتجنبها.”
“بسبب سيّد السيف، أليس كذلك؟”
“سيتحرك بمجرد أن أبتعد عن ساحة المعركة، لأنه يستهدفني شخصياً.”
“نعم، أعلم ذلك.”
أطبقت تيريا على يده بقوة.
لكن القلق ظل بادياً على وجهها، ممزوجاً بحدة غضب طفيفة ارتجفت بها نبرتها.
“كيف لإنسان أن يكون بتلك الوحشية؟”
“أشاركك الرأي.”
“أنا أكرهه بقدر ما تفعل يا سيدي. إن نظرت للأمر، فهي المرة الثالثة. المرة الثالثة التي يفرقني فيها عنك.”
“همم؟”
“في أول مرة صعدنا الجبل، أخذك وحدك ورحل. وفي المرة الثانية، بسبب فنون السيف التي علّمك إياها، عزمت على دخول ساحة القتال. أما الثالثة، فبسبب طغيانه اضطررت لترك ويبن.”
‘أهكذا تُحسب الأمور؟’
شعر إيريك برغبة في الضحك.
كانت غاضبة بصدق، غير أن منطقها بدا طفولياً قليلاً، مما جعلها مختلفة عن طبيعتها، أقرب إلى البراءة.
“على أي حال، هو شخص لا يروق لي.”
“لم أظن أن لزوجتي هذا الجانب.”
“…أي جانب تقصد؟”
“جانبك اللطيف.”
شعر بجسده يتململ وهو يقولها، لكن ذلك التململ كان لذيذاً.
تلاقت أعينهما، وارتسمت ابتسامة عفوية، ثم تقلّصت المسافة بينهما.
يقال إن البدايات دائماً هي الأصعب.
قبلة―
أما الثانية فكانت أهون، حتى غدت شفاههما لا تعرف الجفاف.
—
أشرق صباح يوم الحرب الثانية.
كان جو الخيمة مثقلاً بالتوتر كما في المرة الأولى.
صحيح أنهم ذاقوا طعم النصر مرة، لكن لا ضمان لاستمراره.
“من الناحية الاستراتيجية، هذه المعركة الثانية أهم. لسنا بصدد احتلال حصن فحسب، بل علينا دفع الجبهة كلها إلى الأمام وشل حركة الإمبراطورية.”
قال ذلك إلبَرس بوضوح وهو يشرح في مقر القيادة.
“إن انتصرنا، فستتخذ قواتنا موقفاً دفاعياً لفترة. علينا أن ننهك جيش الإمبراطورية حتى الموت.”
صحيح أنهم دخلوا في حرب شاملة، لكن ذلك لا يعني التخلي عن تكتيك الدفاع.
فالانتصار بلا قتال هو الأثمن.
والمؤن هي العامل الحاسم في الحرب.
وإن تمكنوا من قطع خطوط إمداد الإمبراطورية في هذه المعركة، فإن مجرد صمود التحالف على الجبهة سيخنقها حتى النهاية.
لقد كانت فرصة لن تتكرر.
ولذلك عقد إدوارد اجتماع المساهمين في خضم الحرب، وحدد وقته بعد هذه المعركة مباشرة.
“علينا أن ننتصر. وهذه معركة نستطيع أن نكسبها.”
أومأ إيريك برأسه موافقاً.
‘من حيث القوة، نحن في موقف متفوق.’
على خلاف المعركة الأولى، شارك منذ البداية خمسة من أصل سبعة أقوياء.
أما في صفوف الإمبراطورية، فقد لزم سيّد السيف، وهو قوتهم المحورية الوحيدة، الصمت.
ومع ذلك، لا يمكن الاستهانة بقوة الإمبراطورية نفسها ولا بصرامة جندها.
فالإمبراطورية تبقى إمبراطورية.
ولهذا، ورغم صمت سيّد السيف، لم تنتهِ الحرب بعد، ولهذا السبب أيضاً وجب على الممالك أن تتحد.
“إلى هنا ينتهي الشرح.”
صفق إلبَرس بيديه، ثم قال بصوت واثق:
“كما هي العادة، عودوا بالنصر.”
وقف إيريك مجيباً:
“ذلك أمر بديهي.”
غادر مقر القيادة وتوجّه إلى خيمته التي كان يحرسها فرسان الثلج.
وكانت تيريا تنتظره بالخارج.
“أأنت راحل؟”
“نعم.”
تشابكت يداها مع يده، وقد ارتسم القلق على وجهها.
كان الأمر غريباً.
فلطالما اعتاد إيريك أن يرى من يهابون مشاركته في الحرب، لكن نظرة تيريا المليئة بالقلق نحوه كانت شيئاً جديداً عليه.
لم يكن أمراً يكرهه.
بل على العكس، جعل صدره يدفأ.
“لا تقلقي. لن أموت. سيّد السيف ليس في ساحة المعركة.”
“لكن…”
“قلت لك لا بأس. ألم تري بعد كيف أقاتل؟”
“ولهذا أقلق.”
انعقد حاجبا تيريا.
“لأنك لا تعتني بنفسك وأنت تقاتل.”
ضحك إيريك بصوت خافت، كأن شيئاً دغدغ داخله.
“إذن فلنقطع وعداً.”
“أي وعد تقصد؟”
“سأعود بلا خدش واحد. وإن لم أفعل، فلك أن تضربيني بتلك العصا.”
ابتسمت تيريا ابتسامة خافتة يملؤها الإنهاك، ثم أطرقت برأسها وأخذت نفساً عميقاً لتستجمع نفسها.
وجاء الجواب أخيراً:
“إذن وعد. لا بد أن تفي به…”
قالت ذلك ثم عانقته بقوة.
فأجابها إيريك:
“لن تحملي تلك العصا طوال عمرك، أعدك. سأعود.”
وغادر متوجهاً إلى ساحة المعركة.
[تقدّموا―!]
واستمر القتال يومين كاملين بلا توقف.
وكان إيريك طوال الوقت في الخطوط الأمامية.
خمسة من السبعة الأقوياء…
ذلك الفارق الساحق في القوة جلب نتيجة ساحقة.
نجح جيش التحالف في دفع الجبهة إلى الأمام بقدر ما خطط له، وحصّن مواقعه الجديدة.
وعندها فقط عاد سيف إيريك إلى غمده.
‘همم.’
معركته كانت مرضية، إذ لم يُصَب بضربة مباشرة، وظل واقفاً على قدميه حتى النهاية.
لكن النتيجة لم تكن كاملة.
‘لقد خُدِش ظهر يدي.’
كان الجلد مقشوراً بخدش خفيف.
على ما يبدو، لن ينجو من العصا.
—
لقد كان نصراً كاملاً.
عمّت أجواء مبهجة نادرة بين الجنود على الجبهة، وفي تلك الأجواء، اجتمع الاثنان في الخيمة.
“…لقد خدشته صخرة فحسب.”
“الوعد يبقى وعداً.”
رفعت تيريا العصا وهي تحدّق فيه بصرامة، بنظرة حادة لا تخلو من رقة.
والسبب في ذلك بسيط:
لقد أرادت أن يتعامل إيريك مع حياته بجدية أكبر.
“لقد تعهّدت بصرامة، ومع ذلك عدت بخدش. من عاداتك السيئة يا سيدي أن تقطع وعوداً لا تستطيع الوفاء بها.”
“لكنني حقاً لم أُصَب في القتال، إنه مجرد…”
“البدء بالأعذار قبل أي شيء هو تصرف الأطفال. أما الكبار فعليهم أن يتحملوا مسؤولية كلماتهم.”
“…”
ومهما يكن، سواء خُدش بيد صخرة أو لا، فالجرح جرح.
صحيح أن عودته سالماً أمر يدعو للارتياح، لكن المسألة تتعلق بصدق الكلمة وثقلها.
لقد أمضت تيريا يومين كاملين في قلق شديد، تخشى أن يعود إيريك مصاباً من ساحة الحرب.
ولم يكن قلقها بلا سبب.
“ألم تتصرف بالثقة نفسها ذات مرة، ثم أصبت ركبتك؟”
“ذلك قبل أن ألتقي بزوجتي…”
“صحيح أنه أمر مضى، لكنه دليل على أنك إنسان يمكن أن يُصاب.”
ارتفع صوت صفعة خفيفة من العصا بين يديها.
“مدّ يديك.”
قالت بلهجة حادة، فضحك إيريك فجأة:
“حسناً. وعدٌ يجب أن أفي به.”
ثم ضمّ كفيه بتأدب ومدّهما إلى الأمام.
أزعج تيريا ذلك الهدوء المفرط.
‘لا بد أنه يفكر أنني مهما ضربت فلن يشعر بشيء لأنه من السبعة الأقوياء… كأن قلقي كان بلا معنى.’
“سأضرب بقوة.”
“ما دام الأمر لا يرهق كتف زوجتي، فافعلِي ما شئت.”
“…لا تندم إذن.”
“لسانك طويل اليوم.”
عضّت تيريا شفتها وارتفعت حافة عينيها بغضب.
ثم هوت بالعصا.
ومباشرة بعد ذلك―
صفعة!
“آه؟!”
صرخ إيريك وارتد إلى الوراء قافزاً، ثم بدأ يفرك كفيه بسرعة وهو يقفز في مكانه.
“آه! أوي… ما هذا؟!”
تجمّدت عيناه على العصا.
وكانت تيريا مذهولة بالقدر نفسه.
‘مـ… ماذا…؟’
كيف يمكن لقوتها أن تؤلم إيريك، وهي تعلم أنها لا تستطيع إلحاق أذى به؟
ما لم يعرفاه الاثنان هو حقيقة تلك العصا.
فـ”العصا المفضلة لأساتذة أكاديمية الإمبراطورية” كان لها سر.
فالطلاب الموهوبون الذين يلتحقون بالأكاديمية عادة لا يتأثرون بالألم من عصا عادية.
لكن إن لم يوجد ألم، فلن يكون هناك تأديب.
ومن هذا التفكير وُلد اختراع “العصا التي تتجاهل القوة الجسدية وتوقظ فقط شعور الألم”.
هكذا يمكن أن يبلغ عمق الشر في نفوس البشر.
“ما هذا الشيء الذي أعطاني إياه ادوارد؟!”
قال إيريك مذهولاً، وهو يجهل أن للعصا وظيفة ثانية أيضاً.
‘أنا… أنا ماذا يحدث لي…!’
فقد شعرت تيريا، في اللحظة التي صفعت فيها كفّه، بانتعاش غريب يملؤها بالارتباك.
نعم…
كان في العصا أيضاً “تعزيز لإحساس الضربة”.
تنفست باضطراب، تحاول أن تهدأ.
لكنها خشيت أن تكون على وشك أن تنفتح على شعور خطر…
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل "94"