لو سألت أهل ويبين: ‘ما أكثر ما يزهو في هذه الأرض؟’
لكان جواب مئةٍ من مئة واحدًا: “قصر آل ويبين.”
القصر الذي يحمل قرونًا من التاريخ، يفيض بهيبة تعكس سنواته، وتتلألأ زينته ببريقٍ يوازي قيمتها.
إنه قطب مضاد لعائلة فورتمان التي تعلّم ضبط النفس والنظام فضائلًا؛ فالقصر ذلك ببهائه الفاتن يقف في الجانب المقابل تمامًا.
خطوات رنانة—
كان ربُّ هذا القصر هذا اليوم يخطو بخطىٍ حثيثة.
جوزيف ويبين، رب بيت ويبين الحالي ووالد تيريا.
“هاهو يعود في النهاية.”
ربط جوزيف ربطة عنقه قائلاً؛ كانت ربطة عنقٍ من قماشٍ ثمين يُحاك بإتقان حتى إن ثمنها يُذكر في العاصمة.
“يا للغرابة أن يأتي الآن بالذات، حقًا إنه رجلُ لا يروق لي حتى النهاية.”
“على أيٍّ حال إنه شيء لا يفيدنا في الحياة. لو كان ليرحل فليذهب إلى الأبد. من الواضح أنه جاء للطمع في الميراث، أليس كذلك؟ ما قيمة تلك الأموال!”
من أجابته كانت زوجته، آنيك ويبين.
ارتدت ثوبًا فخمًا بلون الأزرق الغامق، وزينت ثوبها بزينة باهظة الثمن. الدبّوس في تسريحة شعرها كان يوازي ثمنه ما يكفي لطعام عائلة فلاحين من ويبين لشهرٍ كامل.
نطقت بقلقٍ: “ماذا نفعل إذا طالب بحق الإرث…؟”
“ها! وما أهون أن يدّعي وراثة! تلك الأموال لنا! لقد سرق ذلك الرجل من ابنتنا عشر سنين من عمرها، ومن حقنا أن نسترد أموالًا تستحقها!”
“بلى، بالطبع!”
ارتفع صوتهما محاولين إخفاء القلق.
لأن ميراث هوفن فورتمان يجب أن يقع في قبضتهم.
بمعزلٍ عن كل شيء، كان بيت ويبين في وضع لا يطيق الاستمرار دون تلك الأموال.
هم رجالٌ يكنّون اهتمامًا بالغًا لمقام النبلاء؛ يعتقدون أن الرقي يبدأ من المظهر المختلف عن الناس العاديين، وأنهم يحصلون على ما لا يملكه الآخرون كي يظهَروا أرفع.
ومن ثم تجاوز إنفاقهم كل حد معقول.
وهذا هو سبب فقر آل ويبين؛ فمع أن الحقول حولهم تدرّهم قمحًا جيدًا، إلا أن مصروفهم يفوق ما يجنيه الحقل.
حين امتلأت مواردهم وجفّ كفّ الدعم، لم يبق لهم خيار سوى إرسال ابنتهم إلى فورتمان.
فهي كانت – كما يقولون – من واجبها أن تؤدي مسؤولية العائلة.
لم يتركوا الأمر مجرد هوانٍ؛ فقد عمل جوزيف بالفعل بكل الوسائل لجعل فورتمان في مرتبةٍ تليق بويبين.
هو أصرّ أنّ مكانة فورتمان كبيت بارون قد تحققت بقدرٍ من فضل ويبين، وأن ذلك قد أتى بتمام الوفاء.
‘آهـم، لقد تركنا ابنتنا تعيش عشر سنين من دون زوج، فمن بابِ العدل أن ننال هذا القدر!’
كانت المساعدات السنوية الأولى التي دخلت فورتمان بعد العقد الأول غير كافية. كانت في البداية تكفي، لكن النفقات تزايدت.
مسابقات الصيد مع نبلاء المناطق المجاورة، وحفلات الشاي التي تقيمها السيدة، وصيانة القصر، والحفاظ على هيبة المكان — كل ذلك استلزم المزيد من المال.
وفي وقتٍ كانت فورتمان فيه تبني مكانتها فقط، كان حصولهم على ميراث هوفن فورتمان أمرًا لا بديل عنه.
“بالتأكيد إن ذاك الرجل وذاك الفورتمان الميت قد أرغما ابنتنا على البقاء. وإلا فما معنى ألا تجيب تيريا على رسائلنا مرةً واحدة؟”
“بالضبط! ألم نربِّ تيريا بأنفسنا؟”
تظاهرت آنيك بالحزن، ومسحت جهة عينيها بمنديلها وكأن الدموع تنهمر.
منذ أن صارت تيريا من بيت فورتمان لم تتواصل الأسرة معها مطلقًا؛ كانت بالكاد تحضر بعض المناسبات الدورية، وبعد وفاة هوبن فورتمان كأنها قطعت كل صلة بها.
أرسلت الرسائل فلم تأتِ إجابات. ولم تُسمح لهم بزيارة.
لم يطرقوا الباب بالقوة؛ فالاقتحام قد يتحوّل إلى مهزلة أمام النبلاء المجاورين.
“علينا أن نُنقذ ابنتنا!”
“آهـم!”
كم من الجهد بُذل في تربية تلك الابنة! وكم من الموارد صُرفت عليها!
بشرتها البيضاء وشعرها الذهبي هما ما وُلدت به من أصلهم.
أما آدابها فقد جاؤوا لها بأستاذ آداب من العاصمة ليعلّمها.
وعقليتها النبيلة كابنة لأسرة عريقة؟ لقد اكتملت بعد زجرٍ ووعظٍ لم يتوقفوا عنه، حتى لو اضطروا أن ينزلوا عن مقامهم من أجل ذلك.
تيريا ويبين — كانت، بلا مبالغة، أعظم ما أبدعته أسرة ويبين.
أصلًا، كانت لتُزفّ إلى نبيل من طبقة الكونت أو أعلى.
فكيف لهم أن يرسلوها بعيدًا، ثم يُحبسَ ذلك الطائر في قفص، ولا يدفعون حتى ثمنًا يليق بها؟
كلما تكررت الفكرة في أذهانهم، ارتفع الغضب وتوردت وجوههم.
لكن حين بلغوا غرفة الاستقبال، لم يبقَ لتلك الملامح أي أثر.
فالنبيل لا يُظهر عاطفته بسهولة.
كيييك—
انفتح الباب.
كان قلبهما يخفق باضطراب؛ فالآتي هو ابن هوفن فورتمان، الرجل الذي لم يَعدا بشرًا في نظرهما.
لكن ما إن تواجها به، حتى أحسّا بالارتياح.
“أعتذر لقدومـي المتأخر لتقديم التحية. أنا إيريك فورتمان.”
عرجٌ ظاهر، وتحايا بسيطة أقرب إلى العامة، بلا أي مسحة من تهذيب النبلاء.
نعم، ملامحه ودودة نوعًا ما، لكن ذلك أقصى ما فيه.
في أعينهما بدا إيريك خصمًا سهلًا للغاية.
—
“مبالغ فيه.”
ذلك كان أول خاطر لامس عقل إيريك حين رأى زينة الاثنين.
يوم الزفاف قبل عشر سنين لم يكونا بهذا الحد من المبالغة، لكن الزمن يبدّل الناس بالفعل.
وتذكر على الفور كلمات صديقه إلبَرس غراهام:
‘المبالغة ليست خيرًا من النقصان. فمهما غلا ثمن ما تلبس، يجب ألا يبدو كذلك للعيان. إن ظهر، فهذا يعني أن الزينة التهمت صاحبها.’
ومن منظوره، كان هذان الاثنان أشبه بضحايا سحقهم ثقل الزينة نفسها.
فكرة غير لائقة، نعم، لكنها كانت الحقيقة كما رآها.
ومن هنا بدأت انطباعاته السيئة، وكلما امتدّ الحوار ازدادت ثِقَلًا.
مهما حاول ضبط نفسه، لم يكن قادرًا على منع ذلك.
فبعد تبادل التحايا، ظهر موقفهما جليًا:
“هل مرّت عشر سنين؟ ما أصعب أن نرى وجهك.”
“لعل لديك عذرٌ ما. فلا بد أنك لم تتعلم شيئًا عن مثل هذه الواجبات.”
“حقًا، ألم يكن إدخال فورتمان إلى طبقة النبلاء أمرًا….”
كانت كلمات هجومية، وإن صيغت بلا تغيّر في الملامح كأنها جملة بروتوكولية. لكن الهدف لم يكن يخفى.
“… نعم، من الطبيعي ألا تعلم.”
كان يعلم أنه مذنبٌ في هذا الموضع.
فمن زاويتهم، هو السبب الذي جعل ابنتهم تعيش عشر سنين من الهجر.
ولو كان هذا شعورهم حقًا، لكان سيتحمل الأمر برحابة صدر.
لكن الحقيقة كانت أبعد عن ذلك.
“ما الغرض من قدومك إذن؟”
“رأيت الرسائل التي وصلت إلى القصر، وجئت بخصوصها…”
“آه، تلك المسألة.”
ضحكة ساخرة صغيرة، قريبة من التهكم، انطلقت في الجو.
ومن تلك اللحظة بدأ الضيق يثقل على صدر إيريك.
ليس لشيء إلا لأن كلماتهم انصبت نحو اتجاهٍ لم يستطع أن يتغاضى عنه.
“جئتَ لتطالب بحقوق الميراث، أليس كذلك؟”
“لا حاجة للتخفي. أنت لا تجيد انتقاء الكلمات، لذا سأكون صريحًا. نحن نطالب به بحق مشروع.”
“بالثمن الذي يستحقه ترك ابنتنا تُهدر عشر سنوات من عمرها.”
“أما أن تطالب بالميراث الآن فهذا عار كبير. ولأكون صريحًا، أشك إن كنت ستستخدم إرث أبيك في أمر ذي قيمة. فأنت وهو رجلان مختلفان كليًا.”
“بل لخير المقاطعة…”
“يليق أن يكون الأمر بأيدينا.”
أصغى إيريك إلى حوارهما المتبادل، يتلقف كلماتهما دون أن يُهمل شيئًا، ثم يحلّلها ليستخرج ما وراءها من معانٍ.
وفي الوقت نفسه راقب ملامحهما.
وفي النهاية، أدرك حقيقة لم يود الاعتراف بها.
‘لا وجود لها.’
لم يأتِ على ذكر تيريا.
فمنذ بداية اللقاء لم يسألا عنها ولو مرة، ولم يذكراها إلا بما يتصل بالميراث.
أليست هي ابنتهما التي عانت عشر سنين؟
أليست هي التي لم يروها منذ عام؟
أما كان يليق بهما أن يسألا على الأقل عن أحوالها؟
‘لماذا؟’
لماذا لم ينطقا باسمها ولو لمامًا؟
وبينما يجرّه الأمل دفعًا للكلمات، قال:
“أولًا، أعتذر أنني لم أستطع أن أحضر زوجتي معي. إنها منشغلة بأعمالها…”
“أتراوغ بالكلام؟”
الرجاء الذي كان يتشبث به تحطم أمام نبرة غاضبة قاطعة.
وكان ذلك بغيضًا للغاية.
شكلت العاطفة داخله صورة قريبة من الغضب، وملامسة للاشمئزاز.
لقد ظن أنه تخلّى منذ صباه عن مثل هذا النوع من السخط، لكن مواجهة أبوين لا يعطفان على ابنتهما ظل أمرًا عسيرًا حتى الآن.
وما زاد الصعوبة أن هذين الأبوين ليسا مجهولين بالنسبة إليه.
تذكّر وجه تيريا.
وشعر فجأة أنه يرى كيف تشكّل ذلك البرود في عينيها.
تلك النظرات التي لم تكن تنطق إلا بالواجب، باتت اليوم مفهومة لديه على نحو مختلف.
ومن بين الاضطراب العاطفي العاصف في صدره، نبتت نبتة صغيرة من الرثاء.
أشفق على حياتها، وفي الوقت نفسه جلد نفسه لأنه صار مذنبًا بدوره، مثل والديها.
وبينما هو في خضم ذلك، أخذ جوزيف ويبين يواصل وابل كلماته، بحدةٍ تهدف إلى إخضاع خصمه.
غير أن جملة واحدة اخترقت أذن إيريك بقوة:
“الطمع المفرط يهلك المرء. أتمنى أن تحفظ هذا.”
الطمع المفرط.
كانت تلك الكلمات الشرارة.
“…فإن نحن طمعنا، فماذا ستفعلون؟”
“…ماذا قلت؟”
“سألتُ: إن اخترت أن أطمع، فماذا تستطيعون أن تصنعوا؟”
رفع إيريك رأسه.
“هل ثمة ما تقدرون أن تفعلوه بي؟”
وجّه كلامه كتحدٍّ، فتجمّدت ملامح زوجَي ويبين.
وكان أول من تحرك، جوزيف، وقد اشتعل وجهه حمرة، فانتفض صارخًا:
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات