كانت هناك بعض الحوادث الصغيرة في الطريق، لكنها في النهاية نجحت.
وصلت تيريا سالمة إلى مقر القيادة في اتحاد الغرب، وحصلت على إذن بالبقاء.
غير أنّ ما يمكنها فعله لم يكن كثيراً.
فامرأة عاشت في ريف ويبن تزرع الأرض، لن يكون لديها ما تقدمه في مكان كهذا.
وهكذا وجدت وقتها يتبدّد هباءً، وكان ذلك أمراً غير محتمل لطبعها الدقيق والمخطِّط.
فاتخذت قراراً واحداً:
“كيف كان كاشا؟”
لقد أرادت أن تعرف أيّ رجل كان إيريك.
ومقر القيادة الغربي لم يكن سوى جماعة من أولئك الذين رأوا بأعينهم سيف الأشباح كاشا.
جنرالات من الطبقة العليا في الغرب، وجنود نخبة لم يكن للمرء أن يلتقيهم أبداً في الظروف العادية.
ومن خلالهم رأت أنه قد يمكنها أن تدرك شيئاً من حياة إيريك.
ولحسن الحظ لم يكن الأمر صعباً للغاية.
فكونها زوجة كاشا كان قد أُعلن بالفعل على الملأ عبر الصحف، ولذلك كانوا يجيبونها أحياناً بودّ وأحياناً بوجل:
“معنى لقب ‘سيف الأشباح’ لا يحتاج لتفسير. على ساحة المعركة كان كاشا كالشبح، كائن وُلد من تراكم أرواح الجنود الذين ماتوا. مرعب ومخيف.”
“لم يكن كثير الكلام. أو بالأحرى لم تكن هناك مواقف تفرض عليه أن يفتح فمه. لهذا سُمّي بالشبح. حتى كان يُقال مازحين إنه يجمع صرخات الآخرين لأنه لا يملك صوته الخاص.”
“هناك من كان يدعوه بالشيخ الكبير. ليس احتراماً، بل لأن نبرته حين تكلم مرة بدت كعجوز. وبالطبع لم يجرؤ أحد على السخرية منه.”
“كان وحشاً.”
“خصماً لا تتمنى لقاءه. بل ولا حتى أن يكون حليفك.”
“لا يمكن تقدير قيمته الاستراتيجية. فقد كان يعود دائماً بالنجاح مهما كان التكليف مستحيلاً، ويطلب المكافأة لا غير.”
لم تملك تيريا إلا أن تندهش.
فكل من سألت، من المرتزقة وحتى الجنرالات، وصفوا كاشا بصورة تختلف تماماً عما تعرفه عن إيريك.
صحيح أنه أخفى نفسه وتجنّب الروابط، لكن بدأت تيريا تفكر:
‘لم يحاول أحد أن يتعرف على الرجل الذي لا يرفع سيفه.’
كان الأمر منطقياً، لكنه مع ذلك مرير.
فحتى هي نفسها، قبل أن تعرف أن إيريك هو كاشا، لم ترَ فيه سوى كائناً أقرب إلى الخرافة. فما حاجتهم إذن لمعرفته أكثر؟
امتدّت الأيام وهي تملأها زفرات طويلة.
خلالها تحدثت مع البيرت بضع مرات، وتعاملت من حين لآخر مع أدوارد وايغريت حين كانوا يزورونها.
وإن لم يكن شيء من ذلك، جمعت المقالات التي كتبت عن إيريك بعد عودته من الحرب، ثم انعزلت في غرفتها وغفت.
حتى ذلك الوقت، لم يعد إيريك.
وكان قد مضى أكثر من شهر على سماعها أنه غادر إلى نازاك، دون أن يصل أي خبر عمّا يشغله هناك.
وحده إدوارد أخبرها مرة: إنه بخير، والملك الشيطان يضمن ذلك.
وكان اليوم شبيهاً بتلك الأيام.
“سيدتي، أما تخرجين في نزهة؟”
قالها دانال بخفة، قلقاً من بقائها حبيسة الغرفة بلا عمل.
وكان وجوه الفرسان الذين رافقوها بصمت حتى هنا تبدو مثقلة بالهم.
“…صحيح. لقد لزمت الداخل طويلاً. فلنخرج.”
لم تنسَ أن تشكرهم في قلبها.
ورأت أن تتبع رأيهم اليوم على الأقل، فنهضت وقالت وقد خطر ببالها فجأة:
“على ذكر ذلك…”
“نعم؟”
“هل انتهت مشكلتكما مع السيدة إيغريت؟”
ارتجف جسدا دانال وريكي عند ذكر تلك العلاقة الغريبة.
ثم ارتسمت ابتسامة مضحكة.
“بالطبع.”
فهما لم يخبرا تيريا بعد بالحقيقة.
‘لو عرفت السيدة، سأقتلكما معاً.’
كان ذلك تهديد إيغريت المتعجرف.
‘كما تعلمان، أنا أفضل منكما، أليس كذلك؟ فلو رأتني السيدة كمخالب قطة تتربص بكاشا، فماذا ستفعلان؟ بينما أنا فقط أشجع. لذا التزما الصمت. آه، وسأجعل زياراتي لمقر القيادة تبدو وكأنها لأجلكما، فليكن الأمر كذلك.’
كره الصديقان الدنيا وقتها.
—
وذات يوم سأل دانال:
“يا رفاق.”
“نعم.”
“ماذا نفعل نحن بالضبط؟”
“…”
لم يستطع أحد من أفراد الفرقة أن يجيبه.
فجأة وجدوا أنفسهم يعيدون النظر في حياتهم الماضية.
من قاتلٍ كان يُعرف بـ ‘شبح الغرب’ إلى عنصرٍ أساسي في فرع الشرق، ثم بعد أن أصبح فارس كاشا عاد مجدداً إلى الغرب.
ولم يكن الأمر مجرد ذهابٍ وإياب، بل عيشٌ دائم بين كوارثٍ تمشي على قدمين.
من كاشا إلى إيغريت، ثم أدوارد والأمير غراهام.
لم يكن يعرف حقيقتهم سوى أربعة أشخاص، وكل واحد منهم قادر على أن يقبض على رقابهم متى شاء، وينهي حياتهم بلمحة.
أي حياة مضطربة يمكن أن تكون أكثر من هذه؟
حتى الدموع كادت أن تنهمر حين قال دانال:
“هل تظنون أن ما نعيشه الآن صحيح؟”
مرة أخرى، لم يجب أحد.
لكن بدا وكأن صدى صوتٍ خافت يقول: ‘حتى بهذا الشكل علينا أن نعيش.’
نعم، أليس هناك مثلٌ يقول إن العيش في الدنيا أفضل ولو مُلئت جدرانها بالقاذورات؟
لا بد إذن من تقبّل القدر بخضوع.
ولم يبقَ أمامهم إلا أمر واحد للتفكير فيه:
لقاء كاشا والسيدة بات مؤكداً.
وبما أنهم خالفوا أمر حمايتها في ويبن، فقد ضاقت خياراتهم حتى لم يبقَ إلا خيار وحيد.
“السيدة، ماذا عنها؟”
كان الجواب واضحاً أمام أعين تيريا.
إن حاول كاشا يوماً القضاء عليهم، فلا بد أن تكون هي مَن يقف أمامه قائلة: “هؤلاء دافعوا عني بإخلاص!”
“إنها تكمل استعدادها وستخرج حالاً.”
“جيد، فلنؤدِّ مهمتنا بإتقان اليوم أيضاً.”
“لقد أعددتُ خط سير النزهة.”
فتح ريكي ورقة أمامهم.
كانت تشبه خريطة مشفَّرة لطرق التسلل الخاصة بالقتلة.
أومأ دانال برضى.
“ممتاز، هذا آمن.”
طريقٌ ليس لتيريا، بل لهم هم أنفسهم.
دروب لا يرتادها البيرت كثيراً، ومع ذلك آمنة، مفتوحة بما يكفي لردّ أي هجوم مفاجئ.
والمناخ معتدل، قد يُنعش مزاج تيريا الكئيب.
ابتسامة دانال الراضية بعثت الحماس في نفوس الرفاق.
“يا رفاق، لنؤدِّ مهمتنا على أكمل وجه اليوم.”
“أجل!”
وفي تلك اللحظة خرجت تيريا، مرتدية ثياباً خفيفة للنزهة.
قال دانال وهو يقف باستقامة:
“سننطلق الآن!”
“فلننطلق.”
وبدأت النزهة.
—
كان الزمن زمنَ تحوّل الربيع إلى صيف.
شمسٌ مشرقة، ونسيمٌ عليل.
وهذا المكان كان من الخطوط الخلفية لمناطق الحرب، فلا تهديدات تُذكر.
مناسبة تماماً للسرحان والغرق في الأفكار.
وكانت تيريا تبدو كذلك.
“سيدتي، ليس ذاك هو الطريق.”
“آه، نعم….”
لقد سرحت إلى حدٍّ كادت فيه أن تصدم رأسها بالجدار.
فسارع دانال إلى توجيهها.
‘غريب حقاً، ظاهرها لا يوحي بأنها شرودة.’
عادةً لا يظهر ذلك، لكن حين تغرق في التفكير يبرز طبعها الحقيقي.
وكأنها تضع قناعاً من حديد، بينما في باطنها فتاة صغيرة، فيبدو المشهد متناقضاً.
ولذلك يشعر أحياناً بالقلق عليها.
“أعتذر. لقد كنت غارقة في همٍّ ما.”
“لا، هل ترغبين في إنهاء النزهة…؟”
“كلا، لقد خرجت بعد زمن طويل، وأشعر وكأن صدري قد انفتح. أشكركم لأنكم نصحتموني، كأني دائماً مدينة لكم.”
تلألأت أعين دانال والفرسان.
“هذا واجبنا يا سيدتي!”
“حتى لو كان واجباً، فإن القيام به على أكمل وجه يستحق الثناء.”
‘هل نحن نزيد من رصيدنا لديها اليوم أيضاً؟’
ارتسمت ابتسامة عريضة على وجوههم، لكنها ما لبثت أن تلاشت.
“فهناك من يتركك ويلقي بك ويهرب.”
خبا بريق عيني تيريا فجأة.
وشعر دانال بقشعريرة تزحف على ظهره بلا سبب واضح.
كان غريباً.
فمن حيث القوة، بإمكانها أن تقتلهم جميعاً بتحريك إصبع، ومع ذلك، مجرد هيبتها جعلتهم يرتجفون من الخوف.
حتى سال العرق البارد على ظهورهم.
“آه، لقد تفوّهت بما لا داعي له. انسوه.”
“ح… حاضر…”
واصلوا المسير يتجاذبون أطراف الحديث.
وفي اللحظة التي مرّوا فيها بزاوية أحد الأزقة، ارتطم أحدهم بتيريا.
“آه…!”
“آسف جداً.”
“سيدتي!”
أسرع دانال ممسكاً بها قبل أن تترنّح، وتغيّر وجهه إلى ملامح الغضب، غضبٍ يخفي ارتباكه.
ارتباكٌ لأنه لم يشعر بوجود أحد خلف الزاوية، ولأنه خشي أن تكون تيريا قد تأذت بسببه.
‘لقد أخطأت.’
ومع هذا الخاطر ارتفع صوته.
“من تجرّأ؟!”
صرخة أراد بها توجيه السهام نحو العدو.
لكن حين أبصر الرجل الذي خرج من الزقاق، تجمّد مكانه.
‘ما هذا…؟’
“هل أصابكِ أذى؟”
ابتسم الرجل الأشقر بوداعة، وكان طوله يناهز المترين.
حتى تحت ثوبه الأبيض الفضفاض الخاص برجال الدين، بدت عضلاته بارزة.
وكان دانال يعرفه جيداً.
“ق، قائد…”
تمتم ريكي مرتبكاً.
ابتلع دانال ريقه بصعوبة.
“ا… لقدّ…”
هايمبِرك القديس.
أحد السبعة الأقوياء في القارة،
“شـه، تظاهروا وكأنكم لم تروني.”
همس الرجل.
كان أيضاً، مع إيغريت، يُعد من أكثر اثنين جنوناً في الغرب.
“انتهى لقاء الصدفة هنا. أعتذر إن سببتُ لكم إزعاجاً.”
ثم ابتعد بلا صوت، يختفي كما جاء.
‘هل ما زلت حيّاً؟’
شعر دانال برجفة في أطرافه وهو يحدّق بالجهة التي ظهر منها.
[نساء الليل الساهرة]
اسم فاضح، ومبنى لا يقل ابتذالاً، ونساء شبه عاريات يتسكعن أمامه.
“….”
نعم، كان القديس كما وصفته الشائعات تماماً.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 87"