كان خبرًا عاجلًا بين سائر الأخبار العاجلة.
حتى ويبين، التي لم تكن تكترث كثيرًا بما يجري في ميادين الغرب، لم يعد يُسمع فيها سوى الحديث عن دخول الإمبراطور بنفسه إلى الحرب.
وكذلك كان حال القصر.
“فما الذي سيؤول إليه أمر الحرب في الغرب الآن؟”
“أيها الأحمق! وقد نزل الإمبراطور بنفسه، أتجهل ما سيحدث؟ بطبيعة الحال ستنتصر الإمبراطورية!”
“لكننا لا نعلم حقًّا… هل بقيّة القوى السبع أقوياء حقًّا؟”
“آه يا للحسرة! لقد حلّ زمنٌ يجهل فيه الناس مَن هو الإمبراطور!”
كان الاختلاف في الرأي غالبًا بين الأجيال.
فالذين عاشوا في زمن سطوة الإمبراطور كانوا واثقين من نصره، أما الأصغر سنًّا فكانوا يتوقّعون أن تزداد الحرب اشتعالًا.
والسبب في هذا التباين واحد.
إذ إنّ أحد الملوك الذين أسقطهم الإمبراطور في الماضي لم يكن سوى الفارس الذي كان يُعَدّ سيّد الشرق بلا منازع.
ولهذا ظلّ الشيوخ واجمين، غارقين في الخوف من عودة ذلك اليأس العتيق.
“لن يقع ما يخالف المتوقّع. أليس كذلك، ألديو؟”
“وأنا كذلك أرى الأمر هكذا.”
زفرت رئيسة الخدم وألديو تنهّدًا عميقًا.
أما إيريك فكان يراقب المشهد من عند نافذة مكتب السيّد.
عندها فقط فتحت تيريا فمها.
“سيدي، ما رأيك أنت؟ هل ترى حرب الغرب تنتهي على هذا النحو؟”
“…لا أدري.”
“هذا غريب. ألست دومًا أعلم منّا بأمر الحروب؟”
“الإمبراطور لم ألتقِ به قطّ حين كنتُ أتجوّل في الأنحاء.”
ارتسمت ابتسامة مُرّة على شفتي إيريك.
“لستُ أعلم كلّ شيء يا سيدتي.”
إنه لا يعلم.
بل ولا يريد أن يعلم.
فلا عجب.
“أنا في الأصل رجلٌ من الشرق.”
فهذا القلق المضطرب لم يكن له جواب سوى قربه من تيريا.
لم يعد يشغله إن احتدمت الحرب أم لا، ما دام هو يزداد توقًا لأن يبقى إلى جانبها.
قد يُقال إنها أنانيّة، ولا إنكار لذلك.
لكنّه كان على يقين أن لا أحد في الدنيا يملك أن يُجبره على العودة إلى ساحة القتال.
فهو، كـ”كاشا”، لم يكن سوى مرتزق يقاتل لمن يدفع المال.
وإن هو أراد، فبوسعه أن يطوي رايته ويرحل متى شاء.
ولأنّ هذه هي أمنيته، فقد غدا مستقبله الذي يتصوّره مشرقًا وهادئًا على هواه.
‘قد تنتهي الحرب بأن تتوحّد أراضي الغرب تحت راية واحدة.’
في الحقيقة، لم يكن يعنيه مَن سيكون سيّد الغرب.
فلو كان الأمر كذلك، لبقي كاشا على ولاء لجماعة بعينها وساندها حتى تكبر قوّتها.
أما كاشا، فلم تكن تهمّه سوى الساحة الأشدّ لهيبًا.
واليوم، وقد صار إيريك، بات كلّ اهتمامه بويبين وحدها.
ولأجل ويبين، كان يتمنّى فقط أن تضع الحرب أوزارها أيًّا كان المنتصر.
فإن انتهت الحرب، غدا كاشا صفحةً من الماضي، وانقطعت صلته بالمعارك إلى الأبد.
وأما ظنّ كريدون بأنّ يد الإمبراطور ستمتدّ حتى الشرق… فليس سوى توقّع.
ولا أحد يعلم يقينًا ما قد يحدث قبل أن يحين أوانه.
‘قد يأتي زمن السلام فعلًا.’
لم يكن إيريك يتمنى شيئاً بصدق كما تمنى ذلك.
فحين يحين ذلك الوقت، وحين لا تعود هناك حاجة لظهور كاشا، قد يختفي أيضاً هذا الشعور المزعج الذي يضغط على عنقه كشوكة عالقة.
قال وهو يفكر:
“…على أية حال، هذا في نهاية المطاف أمر بعيد. لننشغل فقط بشؤوننا.”
كل شيء سينتهي مع حفل التنصيب.
ففي ذلك الحين، طوعاً أو كرهاً، لن يكون هناك سبب بعدُ لخروج كاشا إلى هذا العالم.
وعندما ذُكر حفل التنصيب، لانَ وجه تيريا قليلاً، وبدت على ملامحها لمحة من الرضا.
رؤية مثل ذلك التعبير على وجهها كانت تملأ صدره براحة غامرة، راحة لا يعرف لها سبباً.
في مثل هذه اللحظات، كان يتمنى لو يدوم هذا الحاضر إلى الأبد.
‘كم بقي من الأيام…؟’
لمح فجأة نفاد صبره يتملكه.
—
استمرت الاستعدادات لحفل التنصيب على قدم وساق.
الرسائل من الضيوف القادمين من أماكن بعيدة كانت تصل تباعاً إلى القصر، وساحة ويبين ازدانت بزينة أشد فخامة من المعتاد.
ومن بين تلك الأخبار كان هناك ضيف أسعده قدومه.
“أيها القائد! بل، لا، الآن أصبحت اللورد!”
إنه ريتون، صديق طفولته، وقد عُيّن فارساً في الإقليم المجاور.
تبادلا العناق، وما زال ريتون يفيض بهيبته المعتادة.
التعليقات لهذا الفصل "73"