ومع ذلك، واصل الرجل حديثه، ماحيًا ابتسامته هذه المرة:
“على أي حال، كان لا بد من تبرير تلك الصلة الطارئة، ولهذا اخترعت تلك الحكاية. لكن الأدهى أنك تستخفّ كثيرًا بما يعنيه أن أمنحك حمايتي.”
“…وما قصدك؟”
فليكن الحماية حماية، فماذا عساها تعني غير ذلك؟
سأل بنبرة أوهن بعدما خجل من انفعاله، فردّ الآخر بابتسامة خبيثة:
“أنا من آل غراهام. من السلالة التي تقف كتفًا بكتف مع العرش الإمبراطوري.”
“وما شأني بذلك؟”
‘كونك نبيلاً من بلاد أجنبية تحت حمايتي لا يختلف كثيراً عن كونك نبيلاً مُصرّحاً له بجميع أشكال التبادل مع الإمبراطورية.’
أشار البيرت بإصبعيه، السبابة والإبهام، مشكلاً دائرة.
“بمعنى آخر، صرت شخصاً سيجلس على وسادة من ذهب. وأيضاً أصبحت الرجل الذي يجب أن يكون الأقرب لأي نبيل من فيردين.”
في تلك اللحظة فقط استطاع إيريك أن يفهم كلماته بشكل أوضح.
اتسعت عيناه قليلاً.
“الآن أصبح تعبير وجهك مقبولاً.”
قال البيرت.
“تَحقيق… لا، ليس الأمر كذلك تماماً. سمعت بعض الأحاديث خلال الحفل البارحة. مكانتك ومكانة زوجتك ليستا جيدة جداً فيما يبدو.”
“ذلك هو…”
“إسمع يا إيريك، إن أردت أن تعيش كنَبيل فلا تُفرط في الثقة بقوتك الجسدية.”
قطّب إيريك حاجبيه.
“لم أثق بها يوماً. بل على العكس، أبذل جهداً كبيراً كي لا أترك القوة تحسم الأمور.”
“لا، بل أنت مفرط في الثقة.”
تناول البيرت قطعة من الحلويات الموضوعة على الطاولة.
“أنت لا تعرف كم يمكن أن يكونوا ماكرين. ولا كم يمكن أن ينحطّوا في أساليبهم. قد لا يؤثر ذلك عليك شخصياً، لكن زوجتك وأرضك؟ هل تستطيع أن تحميهم جميعاً وحدك؟ وهل تضمن أن تبقى قادراً على ذلك دوماً؟ لا يمكن لأحد أن يحجب السماء براحة كفه. وإن ظن أن الأمر ممكن، فهو واهم يعتقد أن السماء بأسرها محصورة داخل كفه.”
لم يستطع إيريك أن يرد.
فما يقوله كان واقعاً صرفاً.
“أعرف أنك لا تفكر بالعودة إلى ساحة المعركة الآن. إن كان هذا هو اختيارك فلن أمنعك. لكن لهذا السبب بالتحديد أخبرك بما أقول.”
ابتلع قطعة الحلوى دفعة واحدة.
“إن كنت ستبقى في موطنك، ففكر بما يجب أن تحميه. معظم البشر يحتاجون المجتمع في النهاية. ويبحثون دوماً عن الاستقرار فيه. إنهم يختلفون عنك.”
“زوجتي…”
“إنها نبيلة. وُلدت كنبيلة وتلقّت تربية النبلاء. بدت لي إنسانة طيبة، لكنها في النهاية نبيلة. لا يمكن أن يخلو تصورها عن السعادة من سلامة أراضيها.”
كانت كلماته صائبة حقاً.
فمعظم يوم تيـريا كان يُكرَّس لإدارة الأرض وشؤونها، وكانت تجد في ذلك عمق الرضا.
وليس في ذلك ما يُعاب.
بل هو أمر يستحق التقدير.
إن كانت تلك هي صورة السعادة التي تنشدها، فعليه أن يوليها اهتماماً.
رفع إيريك بصره نحو البيرت.
ذاك الرجل أخذ يلتهم البسكويت بشراهة، وكأنه استساغه كثيراً.
إنه بالفعل رجل غريب، يطعن في أضعف اللحظات بنقطة عمياء.
“أشكرك.”
“على ماذا؟ لا يستحق الأمر. لكن الحلويات لذيذة حقاً.”
“إنه من إعداد حلواني مشهور.”
“حقاً؟ لعلّي ألقاه قبل أن أغادر.”
“أخشى أن ذلك عسير. فزوجتي تحب هذه الحلويات. ولو لم تجدها العام المقبل، فستحزن كثيراً.”
“أراك زوجاً مُحباً.”
“بل رجل يندم لكونه لم يكن مُحباً بما يكفي.”
“لا داعي للندم. ما زال بإمكانك أن تحسن التصرف فيما بعد.”
ظهر بريق مازح على وجهه.
“أتعلم؟ الإنسان الذي يخيب مرة بعد تسع مرات جيدة لا يترك أثراً عميقاً مثل ذاك الذي يُحسن مرة بعد تسع خيبات.”
ابتسم إيريك باستهزاء وأجاب:
“لذلك تلهو بعلاقات عابرة طوال الوقت؟”
“أبحث عن الرومانسية لا غير.”
“أتعجب أنك ما زلت حياً حتى الآن.”
“هذا بفضل تسامح آيلي. همم، ما زلت أذكر قولها: كسر ساقك لا معنى له، فأنت إنسان لا يُرجى منه شيء، فلأتركك وشأنك.”
“أنت حقاً زوج مروّع.”
“شكراً على الإطراء.”
عندها فقط انكسر الجمود بينهما.
انفجر إيريك ضاحكاً بصوت مكتوم، يستعيد دفء الرفقة القديمة.
وفي الأثناء تناهت إليه بعض الأخبار أيضاً.
“آه، بالمناسبة، تلقيت رسالتك. أمرها تمت معالجته كما ورد فيها.”
“حقاً؟”
“أما المال الذي أودعته عندي، فقد نما كثيراً لدرجة أنني استخدمته في تمويل تجارة كاملة دون أن ينقص منه شيء.”
كان الحديث عن المال الذي جمعه إيريك أثناء عمله كمرتزق.
ولأنه لم يكن بارعاً في إدارة الأموال منذ البداية، فقد عهد بكل ما ادّخره إلى البيرت، الذي استثمره في أماكن شتى.
لم يكن يعرف كم بلغت قيمته الحقيقية الآن، لكن المؤكد أنها لم تكن بالقليلة.
فجأة خطرت لإيريك فكرة.
‘إن حدث أمر غير متوقع….’
بما أن البيرت هنا الآن، فالأجدر أن يستعد مسبقاً.
“البيرت.”
“همم؟”
“ذلك المال. غيّر الوارث.”
ارتجف جسد البيرت للحظة.
ارتسمت على وجهه ملامح غريبة، أقرب إلى الاشمئزاز الصريح.
“…هل ابتُزِزت بشيء ما؟ أو لعنة سوداء مثلاً؟”
“ما بك؟”
“تصرفك هذا، وكأنك مستعد للتخلي عن كبدك وقلبك، يثير الريبة.”
يا له من هراء.
أهمل إيريك كلامه السخيف.
“على أية حال، إن متُّ فسيؤول المال إليك، أليس كذلك؟ لكن من الأجدر أن يذهب إلى زوجتي لا إليك.”
“إن متَّ حقاً، فسوف يغمى عليها من هول الصدمة.”
“ماذا؟”
“لا شيء.”
أجاب وهو يطلق ضحكات مكتومة.
كان يراه مضحكاً للغاية أن إيريك لا يعرف مقدار ثروته الحقيقية.
‘متى سيدرك يا ترى أن ما في خزينته يكفي لشراء مملكة كاملة؟’
فالمال الذي جمعه أيام حياته كـ’سيف الشبح كاشا’ بنهب خزائن أربع ممالك، قد تضاعف بفعل الاستثمارات الناجحة أضعافاً وأضعاف.
‘لم يسألني قط، فلا طائل أن أسبقه أنا بالبوح. سيكون الأمر مشوّقاً حين يكتشف بنفسه.’
بدأ البيرت يترقّب بيوم يكتشف فيه إيريك حجم ثروته بفضول كبير.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل "54"